عناصر الخطبة
1/فضائل عشر ذي الحجة 2/خير أيام العام على الإطلاق 3/أهمية تتابع مواسم الخيرات 4/من الأعمال الصالحة في هذه العشر 5/الأضحية سنة مؤكدة 6/حكم التضحية عن الموتى.اقتباس
وهذا الميدان في تتابع مواسم الخيرات على عباده تترى؛ فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أخرى، ميدانٌ لكم لتسابقوا إلى مرضات ربكم، ولتجتهدوا في عمل الصالحات، ولتودعوا في خزائنكم من الحسنات، أعظم مما تهتمون له من أرقام...
الخطبةُ الأولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المُجتبى، فالعبد لا يُعبد، كما الرسول لا يُكذَّب، فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فـ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: أقبلت عليكم أيامٌ فاضلة، هي خير أيام العام على الإطلاق؛ أيامٌ فاضلات شريفات، العمل الصالح فيهن بمكانٍ عند الله لا يبلغه أيّ عمل إلا مَن خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء.
كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث ابن عباسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله"، وفي رواية: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أفضل من هذه العشر"؛ يعني: عشر ذي الحجة، "قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، يا رسول الله؟"؛ لعظم الجهاد وعظم ثوابه ونواله عند الله، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
لم يرجع ماله، فأنفقه كله في الجهاد في سبيل الله، ولم يرجع بنفسه بل جاد بنفسه وروحه لله في سبيل الله، فهذا العمل الذي لا يقاربه العمل في هذه العشر.
أيامٌ فاضلات وأزمانٌ شريفة، قال العلماء بناءً على هذا الحديث: إن أيام العشر من ذي الحجة هي خير أيام العام على الإطلاق، كما أن ليالي العشر الأخير من رمضان هي خير ليالي العام على الإطلاق؛ لاشتمالهن على ليلةٍ شريفةٍ فاضلة هي ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر.
وهذا الميدان –يا عباد الله- في تتابع مواسم الخيرات على عباده تترى؛ فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أخرى، ميدانٌ لكم لتسابقوا إلى مرضات ربكم، ولتجتهدوا في عمل الصالحات، ولتودعوا في خزائنكم من الحسنات، أعظم مما تهتمون له من أرقام حساباتكم في بنوككم في هذه الدنيا.
وإن من العمل الصالح في هذه العشر التكبير؛ فمن حين دخول العشر إما برؤية هلال ذي الحجة، أو بإتمام ذي القعدة ثلاثين يومًا، وغروب آخر شمس يومٍ من ذي القعدة فيُشرَع للمؤمنين التكبير؛ الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، يكبرون لله تكبيرًا مطلقًا في الليل وفي النهار، يكبرون في بيوتهم، وطرقاتهم، في مساجدهم، ومكاتبهم، وأسواقهم، يعلنون بهذه الشعيرة.
كان أبو هريرة وابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- إذا دخل العشر يخرجان إلى السوق فيكبران، فيكبر أهل السوق بتكبيرهما، ويمتد هذا التكبير إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة.
ومن العمل الصالح -يا عباد الله- ذبح الأضاحي، التي ما تُقرِّب إلى الله في يوم النحر، في يوم الأضحى، في يوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم الحج الأكبر، ما تُقرِّب إلى الله في ذلك اليوم بشيءٍ أفضل من إهراق دم، وإن الدم ليبلغ عند الله بمكان؛ أي بمنزلةٍ عظيمة، قبل أن تبلغ قطرته إلى الأرض، كما قال -جَلَّ وَعَلَا- في البدن: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الحج: 37].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الذي أعاد مواسم الخيرات على عباده، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو بها النجاة والفلاح في الدنيا والأخرى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه أولي النهى، ما طلع ليلٌ على نهارٍ وأدبر على هذا وأنهى.
أما بعد: عباد الله: من أراد منكم أن يضحي فإنه ينتبه فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته، إذا دخلت عليه العشر وهو مريد لأداء الأضحية، فليبادر إلى ذلك؛ بأن يأخذ زوائد شعره ويتنظف منها، وزوائد أظفاره قبل دخول العشر، وهذا الحكم خاصٌ بالمضحي وحده لا من يضحي عنه، سواءً كانوا من الأحياء من أهله وأولاده أو من أمواته.
كما جاء في حديث أم سلمة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "إذا دخل العشرُ وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئًا".
واعلموا –عباد الله- أن الأضحية سنةٌ مؤكدة إلا أن يوصي بها الميت وثَمة تركةٌ من ماله، أو من وقفه وسبيله، فيكون إنفاذها والحالة هذه واجبٌ من الواجبات، كما قال -جَلَّ وَعَلا- في الوصايا: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ)[البقرة: 181].
أما إذا لم يوصِ آباؤك وأمهاتك أو أوصوا ولم يكن ثمة مالٌ من هذا فإنه والحالةُ هذه الأفضل لك أن تضحي أضحيةً تشرِك بها أحياءك وأمواتك، وتكفي الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته بالغين ما بلغوا في عددهم، فلقد ضحَّى نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بكبشين أقرنين أملحين موجوءين؛ فقال في الأول: "بسم الله اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن محمدٍ وعن آل محمد"، أتدرون من آله؟ إنهن زوجاته وبناته وأولاده ومواليه عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام، وقال في الثاني: "بسم الله اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عمّن لم يضحِّ من أمة محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-".
بقيت صورةٌ ثالثة: إذا أوصى آباؤك وأجدادك بأضحية وقد نفذت أموالهم ووصاياهم، فيُستحب لك استحبابًا لا وجوبًا أن تضحي عنهم بما قرروه، بما أوصوا به وصيةً مستحبةً في حقك لا واجبة؛ لأن المال فيها قد انقطع، وهذا من برك بهم.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَى أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَى أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِينَ يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم