عناصر الخطبة
1/فضائل عشر ذي الحجة2/الأعمال الصالحة في العشر.اقتباس
أيام العشر مختبَر يعرف فيه الحريصون على غنائم الأعمال، والمنشغلون عن ذلك بملهيات الأفعال، والكسالى الذين حبسهم كسلهم عن انتهاز الفرص بصالح العمل، والظفر بالخير الكثير قبل فجأة الأجل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
أيها المسلمون: إنها دعوة كريمة من رب كريم، وتحفة نفيسة أهداها لعباده الملكُ العظيم، فهل هناك نفوس صالحة تحسن استقبال هذه الهدية الإلهية وتنزلها المنزل اللائق بها؟.
ليست هذه التحفة الكريمة من عرض الدنيا وزخارفها، بل هي من زاد الآخرة وأسباب الفوز فيها، فهل أنتم مستعدون-معشر المسلمين- اليوم لقبولها، وإحسان استقبالها؟
إنها العشر الأُوَل من ذي الحجة، التي هي محطة للمسابقة إلى الخيرات، والمسارعة إلى الجنات، والمنافسة على الباقيات الصالحات.
وهي مختبَر يعرف فيه الحريصون على غنائم الأعمال، والمنشغلون عن ذلك بملهيات الأفعال، والكسالى الذين حبسهم كسلهم عن انتهاز الفرص بصالح العمل، والظفر بالخير الكثير قبل فجأة الأجل.
عباد الله: ها نحن على وشك أن يهل علينا هلال ذي الحجة، ويشرق بابتسامة أيام فاضلة الزمن، مليئة بالخير والمِنن، قد اصطفاها الله -تعالى- على غيرها من الأيام، وجعل لها من الفضائل والمزايا ما لم يجعل لغيرها؛ فمن فضائل هذه العشر المباركة: أنها أفضل أيام الدنيا؛ فعن جابر -رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل أيام الدنيا العشر يعني؛ عشر ذي الحجة، قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله، إلا رجل عفر وجهه بالتراب الحديث"(رواه البزار وأبو يعلى).
ومن فضائل العشر الأُول من ذي الحجة: أنها أفضل الأيام للعمل الصالح وأحبها إلى الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر" قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء"(رواه أحمد وابن حبان).
وفي رواية: "ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى"(رواه الدارمي).
ومن فضائل العشر الأُول من ذي الحجة: أنها الأيام المعلومات التي جعلها الله زمانًا شريفًا لكثرة ذكره فيها، قال -تعالى-: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[الحج27-28]؛ قال غير واحد من أهل العلم: "الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة، آخرهن يوم النحر".
ومن فضائل العشر الأُول من ذي الحجة: أن الله -تعالى- أقسم بلياليها، ولا يقسم الله -تعالى- إلا بعظيم؛ فقال -تعالى-: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الفجر: 1-2]، والمراد بها العشر الأولى من شهر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين.
وليالي هذه الأيام العشر هي الليالي التي أتم الله بها لموسى -عليه السلام- ميقات المناجاة والتكليم، قال -تعالى-: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)[الأعراف142]، يعني؛ "ذا القعدة وعشراً من ذي الحجة".
ومن فضائل العشر الأُول من ذي الحجة: أنها جمعت أمهات العبادات فرضها ونفلها في زمان واحد؛ ففيها أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، وفيها استحباب الصيام، والإكثار من ذكر الله، وفيها التقرب إلى الله بذبح الأضاحي وشكر الله على نعمته، والصدقة منها وإطعام البائس الفقير، وفيها غير ذلك من صالح الأعمال.
أيها المسلمون: ومن فضائل العشر الأُول من ذي الحجة: أنها قد توّجت بيومين عظيمين ختمت بهما:
اليوم الأول: يوم عرفة، وهو اليوم الذي أكمل الله به الدِّين، وأتم به النعمة على العالمين، قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)[المائدة:3].
وجاء في السنة عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر يهود، نزلت هذه الآية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)[المائدة:3]. نعلم اليوم الذي أنزلت فيه، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: فقال عمر: "فقد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والساعة، وأين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حين نزلت، نزلت ليلة جمع، ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بعرفات"(رواه البخاري ومسلم).
واليوم الثاني: هو يوم النحر الذي هو تاج هذه الأيام العشر وأفضلها، قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أعظم الأيام عند الله تبارك و-تعالى- يوم النحْر، ثم يوم القَر"(رواه أحمد وأبو داود).
أرأيتم- معشر المسلمين- هذه الفضائل العظيمة التي تبين عظمة تلك الأيام ومكانتها، وتحث على استغلال الخير فيها؛ فاعرفوا لهذه الأيام فضلها، واعلموا بهذا شرف زمانها، وقدّموها في المكانة على غيرها؛ ليدعوكم ذلك إلى استغلال وقتها، بما يقربكم زلفى إلى ربكم، ويرفع رصيد حسناتكم.
نسأل الله أن يعيننا وإياكم على انتهاز هذه الفرصة الثمينة، والظفر بهذه الغنيمة العظيمة.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه،؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله: إن عشر ذي الحجة بهذه الفضائل تدعونا إلى استثمارها في عمل الخيرات، والتقرب إلى الله بالطاعات والمسابقة بالخيرات الموصلة للرحمات والموجبة للجنات، ألم تقرأوا قول الله -تعالى-: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران133]، وقوله -عز وجل-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد21]، وقوله -تبارك وتعالى-: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26].
فهذه الأيام المباركة ينبغي استغلالها بالأعمال الصالحة عمومًا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر..."(رواه أحمد).
ومن الأعمال الصالحة الفاضلة في عشر ذي الحجة: الصيام؛ فعن هنيدة بن خالد، عن امرأته، قالت: حدثتني بعض نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم يوم عاشوراء، وتسعًا من ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر.."(رواه أحمد).
ومن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة: الإكثار من ذكر الله -تعالى-؛ فقد حث النبي –-صلى الله عليه وسلم- على ذلك في هذه الأيام؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"(رواه أحمد).
وقال الإمام البخاري –رحمه الله – في صحيحه: "وكان عمر -رضي الله عنه-، يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعا".
وروى المروزي، عن ميمون بن مهران، قال: "أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر، حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها"، ويقول: "إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير".
ومن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة: التقرب بذبح الأضحية ممن كان قادراً عليها، ابتغاء وجه الله؛ فإن هذا العمل من أفضل الأعمال في يوم النحر وأيام التشريق.
ومن الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة: التبكير إلى الصلوات، وكثرة النوافل منها، ومد يد الخير بالصدقات إلى الفقراء والمحتاجين.
فيا -عباد الله- هذا موسم خير فإليه سارعوا، وهذا فضل كبير فعليه تنافسوا، ولا تشغلنكم الدنيا عن فضل هذه الأيام؛ فإن أعراض الدنيا تعوض وتستدرك، وأما غنائم الخير فقد لا تدرك؛ فالمرض قاطع، والموت مانع، والحوائل كثيرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال"(رواه مسلم).
اغتنم في الفراغ فضل ركوع*** فعسى أن يكون موتك بغتهْ
كم صحيح رأيت من غير سُقم*** ذهبت نفسه الصحيحة فلتهْ
نسأل الله أن يوفقنا لإدراك خير هذه الأيام، وأن يجعلنا من المسارعين إلى فضلها الكبير، وخيرها الكثير.
وصلوا وسلموا على خير البشر؛ (إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم