عناصر الخطبة
1/ فضل الليالي العشر الأخيرة من رمضان 2/ برنامج عملي مختصر للاستفادة من تلك الليالي 3/ سنة الاعتكافاقتباس
وحيث إنها أفضل ليالي العام وأكملها، وحيث إن العمل الصالح فيها أعظم منه في غيرها، فلا بد على المسلم أن يسعى إلى رفع همته، وإكمال استعداداته؛ لئلا تمر عليه تلك الليالي من غير أن يستغلها فيما يقربه إلى الله زلفى؛ ولذا فإني أضع بين يدي المسلم برنامجاً عملياً جاداً مختصراً هو أقل ما يقدمه المسلم لنفسه هذه الليالي ..
أيها المسلمون: بعد مدة يسيرة جداً إن شاء الله يقف المسلمون على مشارف أعظم ليال في السنة وأشرفها، تلك الليالي التي عظَّم الله شأنها، ورفع ذكرها، وجعل فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.
إنها العشر الأواخر من رمضان التي يتسابق فيها العابدون، ويتنافس المتنافسون، ويشمر المشمرون؛ أسوة برسولهم -صلى الله عليه وسلم- الذي كان إذا دخلت العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشَدَّ مئزره.
وحيث إنها أفضل ليالي العام وأكملها، وحيث إن العمل الصالح فيها أعظم منه في غيرها، فلا بد على المسلم أن يسعى إلى رفع همته، وإكمال استعداداته؛ لئلا تمر عليه تلك الليالي من غير أن يستغلها فيما يقربه إلى الله زلفى؛ ولذا فإني أضع بين يدي المسلم برنامجاً عملياً جاداً مختصراً هو أقل ما يقدمه المسلم لنفسه هذه الليالي.
يبدأ برنامج المسلم في أيام هذا الشهر العظيم باستيقاظه قبل الفجر لأداء شعيرة عظيمة ما عاد يستشعرها كثيرٌ من المسلمين، إنها السحور الذي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تركه، وحثَّ على تناوله، ففي الحديث الصحيح" "السحور أكلةُ بركةٍ فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".
فلا أقلَّ -يا عبد الله- من أن تجعل بالقرب منك وأنت نائم كأساً من ماء لتشربه قبل أن تمسك، عملاً بهذه السنة العظيمة، وطمعاً في ثوابها العظيم.
ثم يبدأ المسلم يومه بصلاة الفجر يصليها في المسجد، فمَن مشى في ظلمة الليل إلى بيوت الله أبدله الله بالنور التام يوم القيامة.
ويستحب للمسلم إذا صلى في مسجده وللمسلمة إذا صلت في بيتها أن يطبقا سنة عظيمة قَلَّ مَن يعمل بها، إنها سنة المكث في المصلى بعد صلاة الفجر، فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند حسن: "من صلَّى الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كتب الله له أجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة".
الله أكبر! كم منا مَن يتمنى أن يحج ويعتمر، وحق له ذلك، فاللهَ اللهَ أن ندرك ذلك الأجر بجلسة لا تزيد على ساعة من الزمان يجلسها المسلم بعد الفجر حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس انتظر قليلاً بقدر عشر دقائق حتى ترتفع، ثم صلى ركعتين، وفاز بالأجر إن شاء الله.
وينبغي على المسلم في هذا الوقت وفي غيره الإكثار من ذكر الله، ولاسيما أفضل الذكر وهو تلاوة القرآن، فإن من قرأ كل يوم ساعة رُجي له أن يختم القرآن في عشرة أيام، فكيف بمن زاد على ذلك؟.
وينبغي على المسلم أن يرفع همته في تلاوة القرآن، كما كان حال سلف هذه الأمة الأطهار، فقد كان بعضهم لا يقنع في رمضان بأقل من عشر ختمات، بل وذكروا عن بعضهم ما لا يقضى منه العجب، فقد ذكر النووي -رحمه الله- في كتابه التبيان عن الإمام الشافعي أنه كان يختم في رمضان كل يوم مرة، وذكر عن الإمام البخاري أنه كان يختم كل يوم ختمتين! رضي الله عنهم أجمعين.
ويُستحب للمسلم في يومه وليلته أن يكثر من ذكر الله، وأن يودع هذا الشهر بإقبال تامٍّ على الله، وذلك باستغلال كل ممكن في طاعة الله، وترك كل ما لا يحبه الله، كالنظر المحرم، وسماع الأغاني، وشرب الدخان، وإطلاق اللسان بما لا يرضي الله من الكلام، فضلاً عما هو أشد من ذلك ككبائر الآثام.
فإذا جاء المغرب استُحِب للصائم أن يُعجِّل بالفطر أول الوقت عملاً بالسنن الصحيحة في ذلك؛ ولذا ينبغي على المسلم أن يسارع إلى بيته أو إلى مكان إفطاره ليتمكن من ذلك أول الوقت، فإن لم يستطع حمل معه تمراً أو ماءً أو شيئاً يُفطر عليه ليعلن بذلك انقياده لله، وتطبيقه لسنة خليل الله محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومن استطاع أن يفطّر صائماً فلْيَفْعَل، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن فطَّرَ صائماً فله مثل أجره".
ثم يأتي دور قيام الليل، وهو لذة الصالحين، وقرة عيون العابدين، وقد قام -صلى الله عليه وسلم- بالصحابة ليلةً حتى انتصفت ثم انصرف، فقال له أبو ذر: يا رسول الله! لو نفَّلتنا بقية ليلتنا! فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنه من قام مع إمامه حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة". الله أكبر! تقوم ساعة من الليل فيُكتب لك أجر عشر ساعات أو تزيد! ذلك فضل الله.
وفي العشر الأواخر يزيد المسلمون صلاة التراويح فيقيمونها آخر الليل، ويطيلونها، علَّهم أن يتعرضوا لرحمة الله ومغفرته ورضوانه واستجابته آخر الليل.
فما أجلَّ حالهم! وما أحسن فعالهم! أتوا إلى بيوت الله في هزيع الليل وقد نام الخلائق وبقي الخالق حياً قيوماً لا ينام، يسمع دعاءهم، ويرى خضوعهم وخشوعهم، وهو القوي الأعظم، الكبير الأكرم، فما ظنك بما أعده لهم؟ (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17].
ومن سنن العشر الأواخر الاعتكاف، وهو سنة عظيمة داوَم عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا ينبغي تركها ولو بأقل القليل، وهو أن يعتكف الإنسان ليلة، وذلك بأنه يدخل مَن يريد الاعتكاف المسجد قبل أذان المغرب، ويمكث فيه للذكر والعبادة ليلته تلك حتى يطلع الفجر، فإن زاد إلى المغرب كُتِب له قيام يوم وليلة.
وكلما زاد كان أفضل، وأكمل أحوال الاعتكاف اعتكاف العشر الأواخر كلها من أول ليلة إلى ليلة العيد.
عباد الله: هذه جملة من الفضائل، وأفضل منها وأعظم وأهم المحافظة على الواجبات، واجتناب المحرمات، عملاً بقول الله تعالى في الحديث القدسي: "وما تقرب إليّ عبدي بأحبَّ إليَّ ممــَّا افترضتُهُ عليه".
اللهم قرِّبْنا إليك زُلفى، وتقبَّلْ منا يا أرحم الراحمين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم