العادلون والظالمون

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2024-10-04 - 1446/04/01 2024-10-16 - 1446/04/13
عناصر الخطبة
1/من ثمرات العدل يوم القيامة 2/من صور العدل ومواضعه 3/من صور الظلم المنتشرة 4/تحذير الظالم من عواقب ظلمه

اقتباس

وأمَّا الزَّوْجَاتُ الظالِمَاتُ؛ فمِنْهُنَّ الناشِزَاتُ العَاصِيَاتُ، ومِنْهُنَّ المُرْهِقَاتُ بِالطَلَبَاتِ، ومِنْهُنَّ المُتَأثِّرَاتُ بِالمَشْهُورَاتِ، ومِنْهُنَّ المُخَالِعَاتُ بِدَعْوَى الحُرِّيَّةِ والِاسْتِقْلَالِ، ثُمَّ إِذَا عَاشَتْ أَشْهُرًا فِي هَذَا التِّيهِ أَفَاقَتْ مِنْ سَكْرَتِهَا، وَإِذَا زَوْجُهَا قَدْ تَزَوَّجَ بأُخْرَى...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَ اَلشَّاكِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ إِلَهُ اَلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ رَسُولُ رَبِّ اَلْعَالَمَيْنِ، صَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اَللَّهَ؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2، 3].

 

يَا عَبدَ اللهِ: أَبْشِرْ، أَبْشِرْ إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلْكَرَامَةِ، أَبْشِرْ وَتَخَيَّلْ أنَّكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اَلرَّبِّ عَلَى مِنْبَرٍ يَشِعُّ نُورًا، اَللَّهُ أَكْبَرُ! مَنْ هَؤُلَاءِ اَلسُّعَدَاءِ؟! إِنَّهُمُ اَلَّذِينَ قَالَ عَنْهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اَلْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اَللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ اَلرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، اَلَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوْا"(رواه مسلم)؛ أَيْ: يَعْدِلُونَ فِيمَا تَوَلَّوْا، كَالْأَمِيرِ فِي إِمَارَتِهِ، وَالْمُدِيرِ فِي إِدَارَتِهِ، وَكَالزَّوْجِ مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ، وَالْأَبِ مَعَ أَوْلَادِهِ وَبَنَاتِهِ، بَلْ حَتَّى اَلرَّاعِيْ مَعَ بَهَائِمِهِ، بَلْ مَعَ عَدُوِّكَ الكَاشِرِ؛ (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[المائدة: 8].

 

وَمِنَ اَلْعَدْلِ اَلْمَأْمُورِ بِهِ عَدْلُكَ مَعَ وَلَدِكَ، فَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اتَّقُوا اللَّهَ ‌وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ"، اعْدِلُوا سَوَاءٌ في أَدَاءِ الحُقُوقِ، أَوْ في إعْطَاءِ العَطَايَا، فَإنْ ظَلَمْتَ فَإنَّكَ مَسْؤُوْلٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا ‌اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ"(رواه النسائي وصححه الألباني).

 

وَمِمَّا يُخَالِفُ مُقْتَضَى هَذَا اَلْحَدِيثِ اَلْمُخِيفِ مَنْ يَخُصُّ بَعْضَ أَوْلَادِهِ بِهِبَاتٍ وَأُعْطِيَاتٍ، وَقَدْ يَحْرِمُ أَوْلَادَ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ دُونَ أَوْلَادِ اَلْأُخْرَى، وَهَذَا سَيَرْتَدُّ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ اَلْمَحْرُومَ فِي كَثِيرٍ مِنْ اَلْأَحْيَانِ لَا يَبَرُّ بِأَبِيهِ مُسْتَقْبَلاً، فَرَحِمَ اَللَّهُ وَالِدَاً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ.

 

وَمِنَ اَلْعَدْلِ اَلْوَاجِبِ أَنَّكَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ مَعَ زَوْجَتِكَ، أَوْ زَوْجَاتِكَ إِذَا كُنْتُ مُعَدِّدًا، وَلَا تَمِلْ إِلَى وَاحِدَةٍ دُوْنَ أُخْرَى، كالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، بِحُجَّةِ أَنَّهَا مُوَظَّفَةٌ، ومِنَ الدنَاءَةِ الطَمَعُ بِرَاتِبِهَا؛ (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)[الطلاق: 6]، أَيْ: لَا تُضَارُّوهُنَّ عِنْدَ سُكْنَاهُنَّ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَمْلَلْنَ، فَيَخْرُجْنَ مِنَ الْبُيُوتِ.

 

وَمِنْ صُوَرِ ظُلْمِ الزَّوْجَةِ: المُكُوثُ فَتَرَاتٍ طَوِيلَةً خَارِجَ الْبَيْتِ، أو تَرْكُ زَوْجَتِهِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا دُونَ سُؤَالٍ عَنْهَا، أو يَهْجُرُهَا هَجْرًا طَوِيلًا، فَيَذَرُهَا كَالمُعَلَّقَةِ، وَرَبُّنا يَقُولُ: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: 229].

 

وأمَّا الزَّوْجَاتُ الظالِمَاتُ؛ فمِنْهُنَّ الناشِزَاتُ العَاصِيَاتُ، ومِنْهُنَّ المُرْهِقَاتُ بِالطَلَبَاتِ، ومِنْهُنَّ المُتَأثِّرَاتُ بِالمَشْهُورَاتِ، ومِنْهُنَّ المُخَالِعَاتُ بِدَعْوَى الحُرِّيَّةِ والِاسْتِقْلَالِ، ثُمَّ إِذَا عَاشَتْ أَشْهُرًا فِي هَذَا التِّيهِ أَفَاقَتْ مِنْ سَكْرَتِهَا، وَإِذَا زَوْجُهَا قَدْ تَزَوَّجَ بأُخْرَى، وَالضَّحِيَّةُ الْكُبْرَى هُمُ الأَطْفَالُ.

 

ومُخالَعَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ صَحِيْحٍ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَهُوَ كَطَلَبِهَا الطَّلَاقَ بِلَا سَبَبٍ مَقْبُولٍ، وقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ).

 

أَيُّهَا الأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ: لَا تَخْلَعُوا لِبَاسَكُمْ، فَمَا مَشى بَينَ الأنامِ عاقِلٌ بِغَيْرِ لِبَاسٍ: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)[البقرة: 187]، فَلا تَخْلَعُوا لِبَاسَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ اللطيفِ الخبيرِ، وصَلَّى اللهُ وسلمَ على البَشيرِ النذِيرِ.

 

أمَّا بعدُ: فَإِلَى كُلِّ ظَالِمٍ آذَى عِبَادَ اَللَّهِ وَظَلَمَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ، مِنْ مُوَظَّفٍ أَوْ عَامِلٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ: ضَعْ نُصْبَ عَيْنَيْكَ هَذِهِ اَلْكَلِمَةَ: إِذَا دَعَتْكَ قُدْرَتُكَ إِلَى ظُلْمِ اَلنَّاسِ، فَاذْكُرْ قُدْرَةَ اَللَّهِ عَلَيْكَ، تَذَكَّرْ أَنَّ مِنْ وَرَائِكَ يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرَاً، تَمْثُلُ فِيهِ بَيْنَ يَدَيِ اَلْحَكَمِ اَلْعَدْلِ، وَيُقَالَ لِلْمَظْلُومِ: اِقْتَصَّ مِنْ ظَالِمِكَ، وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بِأَخْذِ حَسَنَاتِ اَلظَّالِمِ اَلَّتِي عَمِلَهَا، فَإِنْ ‌فَنِيَتْ ‌حَسَنَاتُهُ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَا المَظْلُومِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ، فَيَا مَنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ:

 

تَنَامُ عَيْنُكَ ‌وَالْمَظْلُومُ ‌مُنْتَبِهٌ *** يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمِ

 

أَيُّهَا اَلْمَظْلُومُ: حَسْبُكَ أَنْ تَقُولَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، أَيْ: كَافِيْنِي هَذِهِ اَلْمَظْلَمَةَ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ اَلدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْوِيضُ اَلْأَمْرِ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنْتَ لَكَ اَلْخِيَارُ، لَكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَى مَنْ ظَلَمَكَ، وَلَكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ؛ (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشورى: 40].

 

وَمَعَ كُلِّ هَذَا فيُقَالُ لكُلِّ ظالِمٍ: رَحْمَةُ اَللَّهِ وَاسِعَةٌ، وَبَابُ اَلرَّجَاءِ قَدْ فَتَحَهُ اَللَّهُ لِعِبَادِهِ حِينِ قَالَ: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة: 39]، فَلْنَتَدَارَكْ وَلْنُرْضِ مَنْ أَغْضَبْنَاهُ، وَلْنَتَحَلَّلْ مِمَّنْ ظَلَمْنَاهُ، وَلِنُرْجَعِ اَلْمَظَالِمَ لِأَهْلِهَا، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ القِصَاصُ بِالْحَسَنَاتِ، وَهُنَاكَ يَكُونُ اَلْإِفْلَاسُ حَقًّا.

 

فاللهمَّ يا قويُّ يا عزيزُ يا مَن أقسمتَ بعزتِك وجلالِك: انصرْ كل مظلومٍ، واهْدِ كلَّ ظالمٍ، اللهم انتصِرْ للمظلومينَ من المسلمينَ في فِلَسطِينَ، اللهم أعنَّا والمسلمينَ على ما نطيقُ، واكفِنا ما لا نُطيقُ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ أَنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمونَ، اللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى الإغداقِ بالأرزاقِ، اللهم اخصصْ بتوفيقِكَ وتسديدِكَ إمامَنا الملكَ سلمانَ ووليَ عهدِهِ، اللهم افرُج لهم في المضائقِ، واكشِف لهم وجوهَ الحقائقِ، وأعِنهم ببطانةٍ ناصحةٍ صادقةٍ، واحفظنا وجنودَنا وحدودَنا.

 

اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

المرفقات

العادلون والظالمون.doc

العادلون والظالمون.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات