عناصر الخطبة
1/أهمية الصدقة وبعض فضائلها 2/مراتب الصدقة 3/قصص رائعة في الصدقة وبذل المال في سبيل الله 4/مفهوم الصدقة ومجالاتهااقتباس
أيها المسلمون: كم في الصدقات من خير عظيم عند الله -عز وجل-؛ فمن ذلك: أن الله -تعالى- يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم، كما يربي أحدكم مهره، حتى إن اللقمة لتصير مثل جبل أحد. فأي فضل أعظم من هذا، اللقمة البسيطة من صدقة تخرج بإخلاص، تلقاها يوم القيامة مثل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
اتقوا الله -تعالى- واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا، فلقد أرسل الله إليكم رسولاً يتلو عليكم آيات ربكم، ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، فبقى دينه متلواً في كتاب الله، غير مُبَدل ولا مُغيّر، ومأثور فيما صح من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأفاض عليكم المال، لتستعينوا به على طاعته، وتتمتعوا به في حدود ما أباحه لكم، فهو قيام دينكم ودنياكم، فاعرفوا حقه، وابذلوه في مستحقه: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)[المزمل: 20].
أيها المسلمون: كثيراً من الناس، يتهاون في شأن الصدقة، ولا يبالي بها، ويكتفي بأداء الزكاة، إن كان يؤديها.
ووالله لو أدى المسلمون ما فرضه الله عليهم من زكاة في أموالهم، ما رأيت فقيراً من المسلمين.
فكيف لو تجاوز المسلمون ذلك، إلى إخراج بعض الصدقات، بين الحين والآخر؟.
هل تعلمون -أيها الإخوة- أن الصدقة تكون حجاباً بين الإنسان المسلم وبين النار، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة" حتى الكلام الطيب هو صدقة على الناس، وتؤجر عليه إذا كان خالصاً لوجه الله –تعالى-.
أيها المسلمون: إن مالكم في الحقيقة ما قدمتموه لأنفسكم، ذخراً لكم عند ربكم، ليس مالكم ما جمعتموه فاقتسمه الورثة بعدكم، فإنكم سوف تخلفونه وتدعونه؛ كما قال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ)[الأنعام: 94].
فسوف تنتقلون -يا عباد الله- عن الدنيا أغنياء عما خلفتم، فقراء إلى ما قدمتم، وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟" قالوا يا رسول الله: ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر".
وفي الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها-: أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا بها سوى كتفها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بقى كلها غير كتفها".
لا تتهاونوا في الصدقة -أيها الإخوة- تصدقوا ولو بالقليل -يا عباد الله-، فإنها تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار.
تصدقوا، قبل أن يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته، فيقول الذي يأتيه بها: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما الآن فلا حاجة لي فيها، فلا يجد من يقبلها.
أيها المسلمون: كم في الصدقات من خير عظيم عند الله -عز وجل-؛ فمن ذلك: أن الله -تعالى- يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم، كما يربي أحدكم مهره، حتى إن اللقمة لتصير مثل جبل أحد.
فأي فضل أعظم من هذا، اللقمة البسيطة من صدقة تخرج بإخلاص، تلقاها يوم القيامة مثل جبل أحد في ميزان أعمالك؟.
ومن ذلك أيضاً: أن المتصدق يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
ومن ذلك أيضاً: أن الصدقة تطفئ غضب الرب؛ كما صح ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صدقة السّر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء".
وكذلك -أيها الإخوة- فإن الصدقة تقي الرجل الفتنة في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وكذلك أيضاً كما جاء في الحديث: أن كل امرئ يكون في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس.
أيها المسلمون: وأفضل مراتب الصدقات: أن يتصدق الإنسان من أطيب ماله، في وقت هو محتاج إليه، جاء أبو طلحة –وكان له حديقة قبلة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فقال: يا رسول الله، إن الله أنزل هذه الآية: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عمران: 92].
وإن أحب مالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجوا برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بخ بخ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين" فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
ولهذا كان من أفضل الصدقات أيضاً، الذي ينفق فيه على الأهل المحتاجين؛ كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أربعة دنانير، دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبة، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الذي أنفقته على أهلك".
لأن الصدقة -يا عباد الله- على المسكين صدقة، بينما الصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة.
أيها المسلمون: وبالنسبة لإخواننا التجار، الذين يقضون جُلّ أوقاتهم في الأسواق، في البيع والشراء، ويحصل لهم في تعاملهم مع الناس كثير من اللغو، وكثير من الحلف لغير حاجة، وغير ذلك، فإن هؤلاء التجار أرشدهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الإكثار من الصدقة ليخفف عنهم كثير من اللغو والحلف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: "يا معشر التجار إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف، فشوُبوه بالصدقة" أي اخلطوه بالصدقة.
وكذلك أرشد عليه الصلاة والسلام النساء بالإكثار من الصدقة؛ لأنهن أكثر أهل جهنم، ولعل أن تكون هذه الصدقة نافعة لها يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "يا معشر النساء، تصدقن، وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، إنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أغلب لذي لب منكن، أما نقصان العقل، فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين".
أيها الإخوة: وهناك قصة وقعت في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان للصدقة دور عظيم فيها، وهذه القصة رواها الإمام مسلم في صحيحه في "باب الحث على الصدقة" عن أبي عمرو جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: "كنا في صدر النهار، عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاءه قوم عراة، مجتابي النمار، أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
والآية التي في الحشر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
ثم قال عليه الصلاة والسلام: "تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة".
قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مُذهبه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
يقول الله -جل وعلا-: (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[البقرة: 215].
وقال تعالى: (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ)[البقرة: 197].
وقال سبحانه: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)[الزلزلة: 7].
أيها المسلمون: إن الصدقة بابها واسع، وطرقها كثيرة جداً، فلا يتصور أحدكم بأن الصدقة هو أن يخرج ريالاً من جيبك، وتضعها في يد فقير أو مسكين، نعم هذا من الصدقة، ولكن مفهوم الصدقة في الإسلام، أوسع من هذا.
أرأيتم لو أن رجلاً لا يملك حتى هذا الريال بأن يتصدق به، أفيحرم أجر الصدقة؟
إذا لم يكن عندك ما تتصدق به على الآخرين فكف شرك عنهم، فهذا صدقة منك على نفسك؛ روى البخاري ومسلم في صحيحهما، حديث أبي ذر، جندب بن جنادة -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، والجهاد في سبيله، قلت أي الرقاب أفضل؟ قال: "أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا" قلت: فإن لم أفعل، قال: "تعين صانعاً أو تصنع لأخرق" -وهو الذي لا يتقن ما يحاول فعله– قلتُ: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: "تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك".
ومن مجالات الصدقة أيضاً: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر أيضاً -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".
ومن مجالات الصدقة: إتيان الرجل أهله، لو احتسبها الرجل بنية صادقة عند الله -عز وجل- فإن له صدقة؛ كما جاء في الحديث: "وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر".
ومن مجالات الصدقة أيضاً: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس؛ تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة"[متفق عليه].
ومن مجالات الصدقة أيضاً: أولئك الذين لهم مزارع وحدائق ونحوها، لو احتسبوا الأجر عند الله، فإن الطير لو وقع على هذه الأشجار، وأكل منها حسبت له عند الله صدقة؛ كما جاء في صحيح البخاري من رواية أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يغرس غرساً، إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة".
وفي رواية: "فلا يغرس المسلم غرساً، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير، إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة".
وفي رواية: "لا يغرس مسلم غرساً، ولا يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء، إلا كانت له صدقة".
ومن مجالات الصدقة: عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "على كل مسلم صدقة" قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: "يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق" قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف" قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يأمر بالمعروف أو الخير" قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: "يمسك عن الشر فإنها صدقة"[متفق عليه].
فنسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجعلنا من المتصدقين في كل أحوالنا، في غنانا وفقرنا، في صحتنا ومرضنا، في حضرنا وسفرنا، وفي سائر أحوالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم إنا نسألك أن تقبل صدقاتنا، وتأخذها منا بيمينك، وتنميها عندك، حتى نأتي يوم القيامة، وإذا هي كجبل أحد في ميزاننا.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم