السفود

الشيخ د صالح بن مقبل العصيمي

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ شدة عذاب الروح المعاندة 2/ كيفية موت الطالحين 3/عذاب القبر حق 4/ صور من عذاب المعاندين.

اقتباس

تَحَدَّثْنَا فِي جُمْعَةٍ مَاضِيَةٍ عَنْ رُوحِ العبدِ المؤمنِ ومَا ينالُهَا مِنَ الكرامَةِ والتكرِيمِ بعدَ الموتِ، واليومَ نتحدثُ عنِ الروحِ المعاندَةِ، والتِي لرَبِّهَا ولرسُولِهَا، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، مُشَاقَّةٌ، وللمُؤمنينَ والمسلمينَ مُحارِبَةٌ، تلكَ النفسُ الجحُودَةُ لأنُعمِ اللهِ عَليهَا، فَلَهَا مَعَ مَرَاحِلِ الاحتِضَارِ قِصَّةٌ أُخرَى، وحِكَايَةٌ مُختلِفَةٌ عنِ تِلْكَ الروحِ المؤمنةِ. قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ"، قَالَ: "فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ"...

 

 

 

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

 

عِبَادَ اللهِ، تَحَدَّثْنَا فِي جُمْعَةٍ مَاضِيَةٍ عَنْ رُوحِ العبدِ المؤمنِ ومَا ينالُهَا مِنَ الكرامَةِ والتكرِيمِ بعدَ الموتِ، واليومَ نتحدثُ عنِ الروحِ المعاندَةِ، والتِي لرَبِّهَا ولرسُولِهَا، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، مُشَاقَّةٌ، وللمُؤمنينَ والمسلمينَ مُحارِبَةٌ، تلكَ النفسُ الجحُودَةُ لأنُعمِ اللهِ عَليهَا، فَلَهَا مَعَ مَرَاحِلِ الاحتِضَارِ قِصَّةٌ أُخرَى، وحِكَايَةٌ مُختلِفَةٌ عنِ تِلْكَ الروحِ المؤمنةِ.

 

قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ"، قَالَ: "فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

وفِي رِوَايَةٍ بِسَنَدٍ حسنٍ: "نَزَلَتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ، فَانْتَزَعُوا رُوحَهُ، كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الْكَثِيرُ الشِّعْبِ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ، وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ مَعَ الْعُرُوقِ، فَيَلْعَنُهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ، إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللهَ: أَنْ لَا تَعْرُجَ رُوحُهُ مِنْ قِبَلِهِمْ" فَانظُرْ إِلَى دِقَّةِ هَذَا الوصفِ لشدةِ النَّزْعِ.

 

وفِي رِوَايَةٍ: "وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ، قَالَ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ، وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ ".

 

 ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) [الأعراف: 40]؛ فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: "اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا". ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31]، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ" (رَواهُ أَحْمَدُ بسندٍ صَحِيحٍ).

 

فانظُروا إِلى هَذِهِ الرُّوحِ الخبيثَةِ، كَيفَ تَجِدُ المعانَاةَ عندَ خُروجِهَا، وهذِهِ هِيَ البدايَةِ، وَمَا بعدَهَا أَشَدُّ وأَنْكَى، مِشوَارٌ مِنَ العذابِ لَا نِهَايَةَ لَهُ. قَالَ –تَعَالَى-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام: 93].

 

 يَا لِعِظَمِ هَذَا الوصْفِ القُرْآنِي: (فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ)! أَيْ كُرُبَاتِهِ وَسَكَرَاتِهِ. (وَلَوْ تَرَى) تقديرُهُ: لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا، كِنَايَةً عَنِ التَّعنِيفِ فِي السِّيَاقِ والشِّدَّةِ فِي قَبْضِ الأَرواحِ، (وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِم) أَيْ: بِالضَّرْبِ والعَذَابِ حَتَّى تَخْرُجَ أَنْفُسُهُمْ مِنَ أَجْسَادِهِمْ. (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ)، فَنَفْسُهُ اليومَ خَائِفَةٌ خَوفًا عَظِيمًا، وأَصَابَهَا الوَجَلُ، وَلِمَ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ وَقَدْ بَشَّرَتْهُ الملائِكَةُ بالعذابِ والنَّكَالِ والجَحِيمِ؟ وَتَفَرَّقَ رُوحُهُ في جَسَدِهِ لِتَزْدَادَ مُعَانَاتُهُ فِي سَكْرَتِهِ، فَرُوحُهُ مَا زَالَتْ تَعْصِي وَتَأْبَى الْخُرُوجَ؛ خَوْفًا مِمَّا أَمَامَهَا.

 

وَلَكِنْ يَسْتَمِرُّ ضَرْبُهَا حَتَّى تَخْرُجَ الرُّوحُ الْخَبِيثَةُ من الجسدِ الخبيثِ، ومِنْ هذِهِ اللحظَاتِ القاسِيَةِ عَلَيهَا يَبْدَأُ مِشْوَارُ النَّدَمِ؛ فَكُلُّ كَافِرٍ عِنْدَ اِحْتِضَارِهِ يَتَمَنَّى لَو كَانَ مُؤْمِنًا. وَيَرْجِعُ إِلى الدُّنيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر: 2]، وَقَالَ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 99- 100].

 

 فَهُمْ لَا يَكُفُّونَ عَنْ طَلَبِ الرَّجْعَةِ فِي كُلِّ مَرَاحِلِ الآخِرَةِ: عِنْدَ الاِحْتِضَارِ، وَيَوْمَ النُّشُورِ، وَوَقْتَ العَرْضِ عَلَى الْجَبَّارِ، وَحِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ، وَهُمْ فِي غَمَرَاتِ عَذَابِ الْجَحِيمِ. لَقَدْ تَوَاصَلَتِ الشَّدَائِدُ عَلَيْهِمْ: شِدَّةُ السَّكْرَةِ، وَشِدَّةُ نَزْعِ الرُّوحِ، وَشِدَّةُ قَبْضِهَا.

 

أَهْوَالٌ تَعْقُبُهَا أَهْوَالٌ. وَتَسْتَمِرُّ مُعَانَاتُهَا عِنْدَ الصُّعُودِ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ؛ فَتَلْقَى التَّوْبِيخَ حِينَمَا تَتَسَاءَلُ الْمَلَائِكَةُ: مَنْ هَذِهِ الرُّوحُ الخبيثَةُ؟ فَيُعَرَّفُ لَهُمْ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ التِي تُزْعِجُهُ إِذَا نُودِيَ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتُحْزِنُهُ، مَزِيدٌ مِنَ التَّعْذِيبِ وَالتَّوْبِيخِ، ثُمَّ تَطْلُبُ الْمَلائِكَةُ الَّتِي تَحْمِلُهَا مِنْ خَزَنَةِ السَّمَاءِ الإِذْنَ لِهَذِهِ الرُّوحِ الْخَبِيثَةِ، بِالدُّخُولِ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَيَأْتِي الرَّدُّ بِالرَّفْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف: 40].

 

فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْهَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْهَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْهَاهْ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ" (رَوَاهُ أَحمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

 وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي دَاودَ وَغَيرِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ: "وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: التَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ".

 

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَاِم -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَهَذَا صَرِيحٌ بِإِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ، وَبِاخْتِلَافِ أَضْلَاعِهِ؛ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى الرُّوحِ والجسَدِ مُجْتَمِعَيْنِ".

 

وَفِي رِوَايَةٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: "ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ فِي يَدِهِ مِرْزَبَةٌ، لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَابًا، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَصِيرَ تُرَابًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ اللهُ كَمَا كَانَ، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ"، قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: " ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ وَيُمَهَّدُ مِنْ فُرُشِ النَّارِ".

 

وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ عَذَابَ السَّمُومِ!

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ المقبولِينَ، ونَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِالقرآنِ العظيمِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

 

أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عِبَادَ اللهِ، بَيْنَمَا الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ يُقَالُ لَهُ بَعْدَ الْمُسَاءَلَةِ، وَتَعْذِيبِ مَنْ شَاءَ اللهُ لَهُ أَنْ يُعَذَّبَ: نَمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ؛ فَإِنَّ لِلْكَافِرِ حَالَةٌ أُخْرَى؛ فَالعَذَابُ عَلَيْهِ مُسْتَمِرٌّ، قَالَ تَعَالَى: (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) [التوبة: 101]، فَالْمَرَّةُ الأُولَى مَصَائِبُ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِي الْقَبْرِ.

 

أَمَّا عَذَابُ الآخِرَةِ فَذَكَرَهُ اللهُ –تَعَالَى- بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) [التوبة: 101] وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر: 46]، فَهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ صَبَاحًا وَمَسَاءً إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا) [نوح: 25]، أَيْ بَعْدَ إِغْرَاقِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ. وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُ!

 

وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الطور: 47]؛ قَالَ اِبْنُ عِبَّاسٍ: "إِنَّهُ عَذَابُ الْقَبْرِ". فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قُذِفُوا فِي النَّارِ. اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ!

 

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ.

 

 اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا.

 

الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ.

 

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات