عناصر الخطبة
1/ السعادة مطلب كل إنسان 2/ أسباب السعادة ووسائلهااقتباس
إن الحياة الطيبة والسعادة والهناء مطلب لكل إنسان، ولا لوم على أحد من الناس عندما يبحث عن سعادة نفسه، وقد رسم الله -تعالى- الطريق الذي يسعدنا في الدنيا والآخرة، وجعل من الأسباب الكثيرة التي تسعد بني آدم إذا أخذ بها أولها وأساسها: الإيمان بالله، والعمل الصالح، فالإنسان بلا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على طريقته ونهجه، وعنا معهم بمنك وعفوك وكرمك.
أما بعد:
فيا عباد الله: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
عباد الله: إن الحياة الطيبة والسعادة والهناء مطلب لكل إنسان، ولا لوم على أحد من الناس عندما يبحث عن سعادة نفسه.
وقد رسم الله -تعالى- الطريق الذي يسعدنا في الدنيا والآخرة، وجعل من الأسباب الكثيرة التي تسعد بني آدم إذا أخذ بها أولها وأساسها: الإيمان بالله، والعمل الصالح، فالإنسان بلا إيمان لا قيمة له: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) [محمد: 12].
أما المؤمن بالله -جل وعلا-، والذي يعمل الصالحات قد وعده ربه -جل وعلا-: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) [النساء: 122]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) [النساء: 87] وعده ربه بالحياة الطيبة في الحياة الدنيا وفي الآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97].
فالمؤمن -يا عباد الله- الذي أمن بربه -جل وعلا- يتلقى المحبة بالشكر والثناء على المنعم -سبحانه وتعالى-.
إذا أتته نعمة من عند خالقه -جل وعلا- استعملها في طاعة الله -جل وعلا-، وتعبد الله -سبحانه وتعالى- بشكرها بقلبه وبلسانه وبجوارحه: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53].
فإذا أتاه الله -جل وعلا- مالا أخرج زكاة مالة، ووصل به رحمه، أعطى لأمه وأبيه، وصل أرحامه، وتفقد الفقراء والمساكين، وساهم في الأوقاف الخيرية، وكل هذا يجلب له السعادة والسكينة والطمأنينة، يقول أحد الحكماء: "كنت أظن أن السعادة بالأخذ، فتبين لي بعد البحث والتجربة أنها بالعطاء".
فإذا شكر الله -جل وعلا-، وأعطى من مال الله -جل وعلا- سعد في الدنيا قبل الآخرة.
نعم -يا عباد الله- والمؤمن كذلك يتلقى المصائب بالصبر والتسليم والرضا؛ لأنه يعلم أنما كان بعلم الله السابق الأزلي، وأن بكاءه على صار لا يغير من الواقع شيئا: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن: 11]، وقال: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 23 - 22].
فيسلم بقضاء الله وقدره، والمؤمن لا يخاف من المستقبل لأنه يعلم علم اليقين أنه لا يكون في هذا الكون إلا ما أراده رب الكون.
ويعلم المؤمن علم اليقين أنما قدره ربه عليه خيرا له، والذي نفس محمد بيده ما قدر الله على عبده قدرا إلا كان خير له، ولو كرهته نفسه: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) ثم ختم الآية بقوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
ومن أسباب السعادة -يا عباد الله-: كثرة ذكر الله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28] يعلم المؤمن أنه إذا ذكر ربه ذكره ربه، "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من منهم".
نعم -يا عبد الله- هذا شرف لك عظيم أن الله يذكرك باسمك، لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأُبي: "أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ" قال أبي: أو سماني الله لك؟ قال: "نعم" فبكى أبي. فأنت -أيها المؤمن- إذا ذكرت الله -تعالى- ذكرك الله.
ومن أعظم ذكر الله -جل وعلا-: قراءة القرآن، والقرآن فيه شفاء من كل داء، فيه شفاء من الهموم والغموم والأحزان: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء: 28].
وقارئ القرآن تنزل علية السكينة والطمأنينة والإنشراح
فاجعل لك -يا عبد الله- وردا من كتاب الله في كل يوم.
ومن أسباب السعادة -يا عباد الله-: الإحسان إلى الخلق، فأحسِن إلى الخلق في القول والعمل، و "الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" كما جاء ذلك في صحيح مسلم.
و"أحب الناس إلى الله أنفعهم" المؤمن ينفع إخوانه ويتعامل معهم باللين والسهولة والحكمة، و "أن تلقى أخاك بوجه طلق". والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة".
ساهم -يا أخي المبارك- في إيصال الخير إلى الناس، في الجمعيات الخيرية، ونحوها، تفقد المحتاجين والفقراء.
أيها المريض: داوِ نفسك بالأسباب المشروعة، ومنها: أن تحسن إلى عباد الله: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "داووا مرضاكم بالصدقة" وقد حسَّن هذا الحديث الألباني -رحمه الله-.
فمن أسباب السعادة -يا عباد الله-: أن نحسن إلى عباد الله.
ومن أسباب السعادة -يا عباد الله-: أن ننشغل بنفس اليوم.
لا يفكر الإنسان فيما مضى من الأيام، ولا يفكر في المستقبل.
نعم، يفعل الأسباب المشروعة التي تسعده في مستقبل أمره، ويتفاءل في كل شؤونه، ويتعبد الله -جل وعلا- بإحسان الظن بالله -سبحانه وتعالى-: "أنا عند ظن عبدي بي" ظن بربك -جل وعلا- الخير -يا عبد الله-.
أيها المريض: ظن بأن الله سيشفيك، أيها المديون: ظن بأن الله -جل وعلا- سيزيل عنك هذا الدين، أيها المهموم والمحزون والمكروب: ظن بربك بأن الله سيكشف عنك البلاء.
إذًا، عليك أن تنشغل بيومك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" هذا الحديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وهو عند الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني.
نعم "من أصبح معافى في بدنه، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه" بعض الناس عنده قوت لسنوات طويلة ولكنه شقي بماله، فمن عمل بهذا الحديث فلا شك بأنه سيسعد -يا عباد الله-.
ومن أسباب -يا عباد الله- السعادة والاستقرار: أن يقوم المسلم بما أوجب الله -جل وعلا- عليه، يبادر ويسارع ولا يقدم أحدا على أمر الله -جل وعلا-، إذا سمع النداء ذهب إلى بيت الله -جل وعلا- "ورجل قلبه معلق بالمساجد" يترك ما بيده، يتأسى بحبيه -صلى الله عليه وسلم-، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "إذا سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- النداء كأنه لا يعرف أحد" يتجه إلى بيت الله -صلوات ربي وسلامه عليه-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واعلموا -يا عباد الله- أن من أسباب السعادة والهناء: أن ننظر إلى الجانب الإيجابي فيمن نتعامل معه.
تأملوا معي -يا رعاكم الله- هذا الحديث، قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لا يفرك مؤمن من مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر".
نعم، من أسباب السعادة: أن تستقر البيوت، أن يحصل الوفاق بين الزوجين، أن يغض الزوج طرفه عن أخطاء زوجته، والزوجة كذلك تغض طرفها عن أخطائه وتقصيره، وبذلك تدوم المودة، فمن أسباب الشقاء والعناء: الخلافات الزوجية، والطلاق، وتشتت الأولاد.
فعلينا أن نأخذ -يا عباد الله- بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه قاعدة مهمة، كما قال الشيخ السعدي -رحمه الله- يقول: "وهذه قاعده في كل معاشَر، كل ما تعاشره لا بد أن تغض طرفك عن أخطائه، وتلحظ الجانب الإيجابي، أما إذا لاحظت الجانب السلبي فلن تدوم لك مودة -يا عبد الله-.
عليك أن تأخذ الجانب الإيجابي من الأصدقاء والزملاء والجيران، وغير ذلك ممن تعاشرهم، وبذلك تدوم المودة -يا عباد الله-، أما إذا دقق الإنسان، وأخذ يبحث عن الزلات والأخطاء، فإنه لا يدوم له صديق.
ومن أسباب السعادة -يا عباد الله- والهناء: أن نعلم أن كلام الناس فينا لا يضر، وإنما يضرهم إلا إذا إلتفت إليه ونظر إليه الإنسان فإنه يضره كما ضرهم، فعليك -أخي الحبيب- أن تعلم أن كلام الناس لا يضرك لا تلتفت إليه.
إذا نقدك إنسان نقدا بناءً فعليك أن تتقبله هذا النقد؛ لأن هذا بناء لك.
أما النقد السلبي، فلا تلتفت إليه، واعلم بأن هذا يهدي إليك أغلى ما يملك، يهدي إليك حسناته، فبعض الناس يشقي نفسه فيما يقوله الناس عنه، واعلم -يا عبد الله- وتأمل معي -يا رعاك الله- قول الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38].
لو قيل لك: أن فلانا من الناس من له المكانة يدافع عنك؟ لنشرح صدرك، وطابت نفسك، كيف وبالملك -جل وعلا- يدافع عنك؟ كيف ومن بيده الأمر كله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38].
اللهم إن نسألك يا الله سعادة الدنيا والآخرة، نسألك يا الله راحة البال في الدنيا والآخرة لنا ولجميع المسلمين يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم يا واحد يا أحد، نسألك في هذه الساعة المباركة نسألك وهذه ساعة إجابه نسألك يا الله ونحن في بيت من بيوتك وفي أطهر مكان على وجه الأرض، نسألك يا الله أن ترضى عنا وأن ترضينا، اللهم ارض عنا وأرضنا.
اللهم تولنا يا حي يا قيوم، اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم فرج همومهم، واكشف غمومهم وأحزانهم يا رب العالمين.
اللهم أنزل على جميع المؤمنين السكينة والطمأنينة والإنشراح وراحة البال يا حي يا قيوم.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم يا رحيم يا ودود يا لطيف نسألك أن تنزل رحمتك على عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم ارحمهم في العراق وفي الشام، اللهم ارحمهم في اليمن وفي فلسطين وفي كل مكان.
يا لله يا قوي يا جبار يا قهار يا من لا يُغلب.
نسألك يا حي يا قيوم من أرادنا أو أحدًا من المسلمين بسوء أن تشغله بنفسه، وأن تجعل كيده في نحره، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم أبطل كيده يا رب العالمين.
اللهم احفظ الحجاج يا حي يا قيوم، اللهم حقق مرادهم، واغفر ذنوبهم، وأعدهم إلى بلادهم سالمين آمنين، من أراد يا رب الحجاج بسوء اللهم اكشف ستره، وأبطل كيده، واجعل تدبيره في تدميره يا حي يا قيوم، وأرنا به عجائب قدرتك.
يا حي يا قيوم احفظ علينا عقيدتنا وأمننا واستقرارنا، وأبطل كيد من أراد في بلادنا وفي بلاد المسلمين سوءً يا رب العالمين.
اللهم اجمع القلوب ووحد الصفوف يا حي يا قيوم.
اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير، اللهم انصر بهم دينك، يا حي يا قيوم، اللهم وفق العلماء والدعاة والأمرين ورجال الأمن يا حي يا قيوم، اللهم سد أقولهم وأعمالهم يا أرحم الراحمين.
نسألك يا الله يا رحيم كما جمعتنا في بيت من بيوتك أن تمن علينا بالاجتماع في جنات النعيم مع سيد الأولين والآخرين -عليه الصلاة والسلام-.
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم