عناصر الخطبة
1/ حاجة المؤمن لستر الله عليه 2/ أعمال تحقق ستر الله تعالىاقتباس
ما من مسلم في الدنيا إلا وله ذنوب يودُّ تكفيرها، وعيوب يرجو سترها، وليس أحد معصومًا إلا من عصمه الله –عز وجل- من الأنبياء والمرسلين، ولهذا فإن الإنسان ومَنْ معه من الأهل والأسرة بما فيه من العيوب التي لا تنفك عنه بحاجة ماسَّة لستر الله تعالى عليه، فالستر يحفظ عرضه فلا ينثلم، ويصون شرفه فلا ينهدم، ويجنبه المذلة والهوان، ويكسوه الستر والمهابة والوقار، ومنْ منَّا...
الخطبة الأولى:
ما من مسلم في الدنيا إلا وله ذنوب يودُّ تكفيرها، وعيوب يرجو سترها، وليس أحد معصومًا إلا من عصمه الله –عز وجل- من الأنبياء والمرسلين، ولهذا فإن الإنسان ومَنْ معه من الأهل والأسرة بما فيه من العيوب التي لا تنفك عنه بحاجة ماسَّة لستر الله تعالى عليه، فالستر يحفظ عرضه فلا ينثلم، ويصون شرفه فلا ينهدم، ويجنبه المذلة والهوان، ويكسوه الستر والمهابة والوقار، ومنْ منَّا لا يستغني عن ستر الله -جلَّ وعلا-!!
روى الطبراني من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ما من مؤمن إلا وله ذنبٌ يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إنَّ المؤمن خلق مفتنًا، توابًا نسيًّا، إذا ذُكِّرْ ذكر". صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فالمؤمن مع قوة إيمانه أحوج ما يكون إلى ستر الله لأمرين:
الأول: أنه خلق عجولاً ضعيفًا تغلبه الطباع وتستهويه الشهوات، وهو بذلك واقع في المخالفات لا محالة.
الثاني: لأن الناس لا يفقهون في الترجيح بين سيئات المؤمن وحسناته، فإذا علموا منه خطيئة جعلوها من النقائص التي يهجر بها أو يدخلون بها إلى الطعن فيه وإن عظمت حسناته، والكثير من الناس يجعلون الأمر في المسلم الظلم والخطأ، ويصدقون الإشاعات، بل يعمل بعضهم على اختلاقها عياذًا بالله، ثم تنشر في النوادي كلها، نسأل الله السلامة والستر، وهذا يجعل المسلم أحوج إلى ستر الله من طعامه وشرابه، وهنا يأتي السؤال:
ما هي الأعمال التي تحقق لنا ستر الله تعالى؟!
الجواب: إن هناك أعمالاً بسببها نتوصل إلى ستر الله –عز وجل-، من أهمها:
أولاً: الستر على المسلم، والجزاء من جنس العمل، فمن ستر على مسلم عيبه وصان عليه عرضه، ولم يكشف ذنبه وخلله، عامله الله بستره في الدنيا والآخرة، ولهذا جاء في الحديث: "مَنْ ستر مسلمًا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومَنْ نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا... ومن يسَّر على معسر...".
قال ابن القيم: "هو -سبحانه وتعالى- رحيم يحب الرحماء، وهو ستِّير يحب الستر على عباده، فمن سترهم ستره، ومن صفح عنهم صفح عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق شاق الله تعالى به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه".
ثانيًا: اجتناب تتبع عورات المسلم: وهذه آفة خطيرة قلَّ مَنْ ينجو منها، حتى تجد أحيانًا الصالح التقي يلبس عليه الشيطان فيوقعه فيها، وكثير أولئك الذين لا يتورعون عن كشف عورة المسلم ويتلذذون بالاطلاع على عيوبهم، ويستأنسون بالحديث عن أحوال فلان وفلان، فتجد المجالس -إلا من رحم- مليئة بهذا الخبث من الأخبار وبالسوء من الروايات، ويزداد الأمر خبثًا حينما تنشر تلك الأخبار هنا وهناك، وبئس القوم أولئك الذين يحبون التلذذ بعورات إخوانهم ويشيعون مساوئهم، وينسى هؤلاء أن عندهم من المساوئ والعيوب أضعاف ما يتكلمون عليه، فيخذلهم الله ويوقعهم فيما يحذرون منه، وتتبع العورات أول مراحل الفضيحة. نسأل الله العافية.
روى الترمذي بإسناد صحيح أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر مَنْ آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته". وقد قيل: مَن حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
المـرء إن كان عاقلاً ورعًا *** أشغلـه عـن عيوبهم ورعه
كما السقيم المريض يشغله *** عن وجع الناس كلهم وجعه
ثالثًا: الصدقة: وهي عمل جليل من أعمال الستر على صاحبها، وفي البخاري: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، ثدّيهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت -أوفرت- على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره. وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع". قال في الفتح (3/359): تعفو أثره: أي الصدقة تستر خطاياه كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه. وفي الحديث: "الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء".
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
رابعًا: الكف عن الغضب: وفي الحديث الطويل لابن عمر مرفوعًا: "ومَنْ كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومَنْ كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضًا يوم القيامة". ولا يمسك غيظه إلا رجل قوي الإيمان ينظر إلى أجر الله له، ومثوبته في الآخرة، وفي الحديث: "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
خامسًا: الإخلاص لله واجتناب الرياء: فالرياء من أسباب هتك الستر على صاحبه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ سمّع بعمله سمّع الله به، سامع خلقه وصغره وحقره".
وقال ابن القيم: "لما كان المتزين بما ليس فيه ضد المخلص فإنه يظهر للناس أمرًا هو في الباطن بخلافه، عامله الله بنقيض قصده، عجّل الله للمتزين بما ليس فيه من عقوبة أن شانه الله بين الناس، لأن شان باطنه عند الله، وهذا موجب أسماء الله الحسنى وصفاته العليا". أعلام الموقعين (3/180).
فمن أخلص الله قلبه سُتر عن الخلائق عيبه، وغفر بإخلاصه ذنبه.
سادسًا: حسن الظن بالله: فالله حليم يحب الحلم والستر، وما منا إلا ظالم لنفسه مقصِّر في حقوق ربه، فلذا يلجأ المؤمن إلى ربه بالاستغفار، ويحسن ظنه به -جلَّ جلاله-، في الحديث: "أنا عند ظن عبدي، إن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرًّا فله".
سابعًا: الدعاء: فبالدعاء تستمطر الرحمة وتفرج الكربة والغمة وتنجلي البلايا والمحن، فليس أكرم به من الدعاء: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ...)، وفي الحديث: "وإن ربكم -تبارك وتعالى- حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا".
ثامنًا: اجتناب الإصرار على المعاصي: فالإصرار على المعاصي ظلمٌ يوجب العذاب والنكال، ومن مفردات ذلك: أن يفضح الله المصرّ على المعاصي بين الخلائق، ويذله ويهينه جزاء تماديه وطغيانه، وفي الصحيحين عن أبي موسى مرفوعًا: "إن الله يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته". ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد).
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم