عناصر الخطبة
1/تهذيب الأخلاق والسلوك في الشريعة 2/استفحال آفة السباب واللعان 3/مفاسد وعقوبات السباب واللعان 4/بعض صور ومظاهر السباب 5/ترويض النفس على الصبر على المشاكل والمتاعب 6/بعض مشاكل الحياة وكيفية التعامل معها 7/الألفاظ السيئة لا تليق بالمسلماقتباس
عباد الله: كل فردٍ منا لا بد أن تحدث في حياته مشاكل ومتاعب، وقد يواجَه بأمورٍ وظروف، لكن على المسلم أن يروِّض نفسه على الصبر والتحمل، وأن يحاول إمساك لسانه من أن يزل بكلماتٍ تؤخذ عليه، وربما كانت سبباً في إفساد دينه: "إن العبد لَيَتَكَلَّمُ بالكلمة من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلَغَتْ، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه".فلنحذر من الكلمات البذيئة، ولتقف عند كل كلمة تقولها، ولنحاسب أنفسنا قبل أن نقول، فإن القول بعد ما يخرج من اللسان فإنه...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها الناسُ: اتَّقوا اللهَ - تعالى -حَقَّ التقوى.
عباد الله: من مقاصد هذه الشريعة تهذيب الأخلاق والسلوك، وتنقية المشاعر، ونشر المحبة والمودة بين أفراد الأمة المسلمة، ولكن هناك آفةٌ تعرِض لهذا المبدأ العظيم، آفةٌ تمر بالمجتمع رغم اختلاف مراحله العمري، أو مداركه الثقافي.
آفةٌ نشأ عليها الصغير، ودرج عليها الكبير، وأهملها كثيرٌ من الآباء والأبناء، والرجال والنساء، شباباً وفتيات، آفةٌ ولدت الضغائن والأحقاد، والعداوة والبغضاء، آفة أوجبت غضب الرب، ونقلت العبد من ديوان الصالحين إلى سبيل الفاسقين، تلك آفة: "السباب واللعان"
تلك الآفة، السباب واللعان، خصلة لا تليق بالمؤمن، لا تليق بالمؤمن حقاً، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا بالفاحش ولا البذيء".
فيا أيها المسلم: احرص على تهذيب لسانك، وتحسين ألفاظك، وتعديل خطابك للآخرين، اجتنب الألفاظ القبيحة، والكلمات البذيئة، والألقاب السيئة، وكن على حذر منها: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً)[الإسراء: 53].
والله يقول لنا: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة: 83].
إن نصوص الكتاب والسنة دلت على تحريم السباب واللعان، ورتبت عليه الآثار السيئة، والعقوبة العظيمة، قال جل وعلا: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب: 58].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضب الله، ولا بالنار".
وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن السابَّ للمسلم قد ارتكب إثماً عظيما، فقال: "سباب المسلم، فسوق وقتاله كفر".
وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن المتسابَّيْن شيطانان، فقال: "المتسابان يتهاتران ويكذبان".
وأخبر: أن لعن المسلم كقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: "لعن المسلم كقتله".
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم: أن اللعنة إذا صدرت من إنسان تصعد للسماء فتغلق دونها أبواب السماء، فتهبط إلى الأرض فتغلق دونها أبواب الأرض، فتأخذ يميناً ويساراً، فإن وجدت ملجأً وإلا رجعت على مَن لُعِنْ، فإن لم يكن أهلاً لها رجعت على قائلها.
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن المتسابين، فقال: "المتسابان ما قالا فعلى البادئ منهما، ما لم يعتد المظلوم".
أيها المسلم: فاحذر السباب في كل الأحوال، واتقِه قدر الاستطاعة، وحاول ترويض نفسك عن الترفع عن هذه الدنايا.
فأعظم السباب وشرّه سب الله -جل جلاله-، أو سب نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أو سب دينه، فذاك من أعظم الذنوب وأكبرها، إذ سب الله ورسوله لا يصدر من قلبٍ به إيمان، فلا يسب اللهَ مؤمنٌ يخاف الله ويتقيه، ويؤمن بأنه ربُ كل شيءٍ وخالقه،
ولقد قال العلماء: إن سب الله ورسوله ردة عن الإسلام.
وقال بعضهم: لا تقبل توبة سابِّ الله ورسوله؛ فإنه ارتكب إثماً وجرماً عظيماً، قال الله -جل وعلا-: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 65 - 66].
أيها المسلم: مسبَّةُ رسول الله لا تليق بمسلم، إذ المؤمن يحب الله ويحب رسوله، ويحب أنبياءه وملائكته، فالساب لرسول الله، والطاعن في رسول الله، والعائب لسنته، والمتنقص لشريعته، دليل على فقدان الإيمان من قلبه، إذ لو كان في قلبه إيمانٌ حقاً لعظَّم الله، وعظَّم رسوله، وعظَّم شريعة الإسلام، وأجلَّها.
أيها المسلم: ثم من أعظم السباب بعد ذلك: لعنُك والدَيْك: أباك وأمك، سواء لعنتهما مباشرة أو كنت السبب في لعنهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر لعن الرجل والديه" قالوا: يا رسول الله، وهل يلعن الرجل أبويه؟ قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه".
فاحذر أن تكون سبباً في إيذاء أبويك في إيذائك للآخرين، فتجنب ذلك، فذاك خير لك وأهدى سبيلاً.
وحذرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- من أن نسب الدهر، فإن الدهر مخلوق لله، فلا يليق بنا سبُّه، في الحديث، يقول الله: "يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار".
ونهانا عن سب الريح، فقال: "لا تسبوا الريح، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُمرِتْ به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أمرت به".
ونهانا ربنا عن سب آلهة المشركين خوفاً من أن يسبوا رب العالمين، فقال: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)[الأنعام: 108].
ونهانا عن سب الأموات؛ لأن في سبهم إيذاءً لأولادهم الأحياء، ولا يتحقق بها مصلحة، فقال: "لا تسبوا الأموات، فقد أفضوا إلى ما قدموا"، وقال: "إنَّ سب الأموات يؤذي الأحياء".
ونهانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- عن سب أهل المعاصي، فنهانا عن سب أهل المعاصي، فإن سبهم لا يحقق شيئاً، ربما يزدادون طغياناً إلى طغيانهم، ولا يقبلون توجيهاً ولا نصحاً، قال أبو هريرة: أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ قد شرب الخمر، فقال: "اجلدوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بعصا، ومنا الضارب بالنعل، أو باليد، أو بالثوب، فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يُؤتى به! فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تُعينوا الشيطان عليه".
فنهاهم عن سبه؛ لأن سبه يقسِّي قلبه، ولا يقبل منك نصحاً ولا توجيهاً، بل بدل السب الدعوة له والتوجيه إلى الخير، فذاك أولى من سبابه.
ونهانا ربنا - جل وعلا - عن سَبِّ أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن أصحابَ رسول الله خِيرةُ الأمة، وصفوة الخلق، اختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، فالسابُّ لهم، والقادح فيهم، والظالم لهم، إنما هو - والعياذ بالله - انتقاصٌ لهذه الشريعة، فإنهم حمَلة السنة والقرآن، أنصار الله، وأنصار رسوله، من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100].
فمن سبهم فقد كذَّب الله، فالله يترضى عنهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)[الفتح: 18].
ونبينا يقول: "لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده! لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه".
فمحبتهم واجبة، وبغضهم من النفاق، والقدح فيهم دليل على خبث القلوب.
وكذلك أمهات المؤمنين، زوجات محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فالترضِّي عنهم واجب، ومحبتهم واجبة، والقدح فيهن قدحٌ في رسول الله، أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- خير نساء النبي، وأحب نساء النبي للنبي - صلى الله عليه وسلم -، المبرأة من فوق سبع سماوات سابُّها عاصٍ لله، والقادح في عرضها مُكذِّب لله ورسوله، قادحٌ في شرع الله.
أيها المسلم: احذر سبَّ ولاة الأمر، العلماء والقادة، فإن هذا السب لا خير فيه، يُوغر القلوب، ويملؤها حقداً وخبثاً، اجعل مكان السب الدعاء بالخير، والتوجيه والنصيحة، فذاك هو الخير والفضل، أما هذا السباب والشتام فلا يؤدي خيراً، ولا ينتفع به أيّ أحد.
فلنتق الله في أنفسنا، ولنتعامل فيما بيننا بالأدب الشرعي، وليكن التفاهم والتعاون بدل هذه الألفاظ البذيئة، والكلمات الوقحة التي لا خير فيها وتترك أثراً سيئاً، فإن الألفاظ السيئة أعظم جَرحاً من مجرد الضرب، فإن آثارها باقية، فلنتق الله، ولْنتعامل فيما بيننا بالمحبة والمودة.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعد:
فأيُّها الناسُ: اتَّقوا اللهَ - تعالى -حقَّ التقوى.
عباد الله: كل فردٍ منا لا بد أن تحدث في حياته مشاكل ومتاعب، وقد يواجَه بأمورٍ وظروف، لكن على المسلم أن يروِّض نفسه على الصبر والتحمل، وأن يحاول إمساك لسانه من أن يزل بكلماتٍ تؤخذ عليه، وربما كانت سبباً في إفساد دينه: "إن العبد لَيَتَكَلَّمُ بالكلمة من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلَغَتْ، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه".
فلنحذر من الكلمات البذيئة، ولتقف عند كل كلمة تقولها، ولنحاسب أنفسنا قبل أن نقول، فإن القول بعد ما يخرج من اللسان فإنه فات الأوان، فلنتق الله في أنفسنا.
أيها المسلم: في حياتنا اليومية لا بد من وجود بعض المتاعب، أولادك وزوجتك قد تختلف مع الزوجة، وقد تختلف مع الأولاد، قد تختلف مع الزوجة في بعض وجهات النظر، فما هو الحل؟
هل الحل أن تسبها، وتلعنها، وتسب أهلها، وتلعن أهلها، أو تلعن الساعة التي عرَّفتك بها، وغير ذلك مما يسلكه أهل الحماقة، وقلة الرأي، وضعفاء التحمل؟
فالزوجة إياك وسبَّها! فالنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تُقبِّح، ولا تضرب الوجه".
ثم اعلم أن مسبتك لها أمام أولادك يُحدث شراً كثيراً، فربما حملوا عليك حقداً، وساء نظرهم إليك، وقل احترامهم لك، وربما قل احترامهم لأمهم، فالمهم أن الأولاد الصغار ينبغي ألا يُسمَّعوا هذا السب والشتم، وعند المناقشة فلا بد أن تكون وحدك معها، تناقشها بأدب واحترام، أما السب، واللعن، والشتم، ورفع الصوت بالكلام البذيء فهذا غير لائق بمُربٍّ للأولاد، أولادك الصغار لا ينشؤون على سماع هذه الكلمات البذيئة، والأقوال السيئة، اجعلهم ينشؤون على كل قولٍ طيِّب، كل قولٍ محترم.
أما الأقوال السيئة فكن حذراً أن يتخلَّقوا بها أو يسمعوها، أبناءك أيضاً ناقشهم عن أخطائهم، وأصلح أخطاءهم، ولكن بكلام طيِّب، إياك أن تُسمعهم لعناً وشتماً وسباً! فتنقدح في نفوسهم، فيتلفظون بها على غيرهم؛ وأنت السبب في ذلك.
أيها المعلم: لا بد أن تواجه من الطلاب بعض الإساءة، بعض التقصير، بعض الإهمال، بعض ما يكون، لكن كيف العلاج؟ هل العلاج أن تسب الطالب أمام زملائه؟ أو تحطم نفسه أمام زملائه؟ وتكيل عليه الشتائم والسباب؟ أم تنصحه فيما بينك وبينه؟ أو نصيحةٌ عامةٌ للجميع يسمعونها؟ أو تنفرد بهذا المخطئ، فتبين أخطاءه التي وقع فيها؟ حتى لا تحطم نفسه، وحتى لا تجعله يحقد عليك.
وعلى الدراسة والمدرسة، فلا بد من علاج لهذه المشاكل فيما بينك وبين التلاميذ، حتى تصل إلى المقصود وهو الإصلاح والتربية الطيبة.
أيها المحقِّق في كل القضايا: إياك أن تجعل السباب وسيلة لاستخراج الأمور، أو استطلاع ما عند المحَقَّق معه! فإياك والسباب واللعان! حاوِرْ وناقش، واستحضر القضايا بأدب، أما السب وإهانة الشخص للإنسان، وإهانة كرامته بالكلام البذيء، فهذا غير لائق بالمسلم.
أيها القاضي: لا بد أن تسمع من الخصمين ما قد يسوؤك وما قد لا يعجبك، فإياك أن تسب أحد الخصمين، لا المحكوم له ولا عليه، أو تهين كرامتهم! اسمع ما لدى الجميع، واحكم بما أراك الله من الحكم، دون أن يكون هناك سباب، وهناك أقوال سيئة، وهناك إهانة للكرامات الشخصية، فإنك تترفع عن هذا، تؤدي حكم الله بما وفقك الله له وهداك له، دون أن تلجأ للسب والشتم.
أيها الإخوة: لا شك أن في الصحف أحياناً مقالاتٍ، أو في المواقع الالكترونية تُنشر مقالات ونحو ذلك، وأطروحات تطرح، فكيف الحل؟ هل نناقش هذا المخطئ في أطروحته بأسلوبٍ وحشٍ، وأسلوبٍ قبيحٍ؟ أم نناقشه بأدب الحوار، وأدب المناقشة، ببيان الخطأ الذي وقع فيه، وتصحيح الأخطاء والمفاهيم، دون أن يكون وسيلتنا القدح والسب والشتم واللعن وتحطيم الأشخاص والتدخل في خصوصياتهم والقدح في ذواتهم؟ فليس هذا الهدف، الهدف أن نُصلح الخطأ، الهدف أن نُوجِّه، الهدف أن أنصح، الهدف أن أصل إلى الغاية، وهي إصلاح الأوضاع.
أما تبادل التُهم، والتراشق بالألفاظ، وإساءة الظنون، والتدخل في نيات الناس ومقاصدهم، فهذا أمر إلى الله ليس لك، الله: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر: 19].
لنا من الناس ما ظهر، نناقش الخطأ الظاهر، ونُصلح الخطأ الظاهر.
وأما البحث في ضمائر الناس ونواياهم فهذا أمر إلى الله علمه، فالله يعلم ذلك قبلنا.
لكن علينا أن نعالج القضايا علاجاً علمياً، وحواراً هادفاً أدبياً، نستطيع من خلاله أن نصل إلى المقصود.
فلا ينبغي أن يكون نقاشنا أو أطروحاتنا أو حل القضايا في تشنج، وفي قلة صبر وتحمل.
الآمِرُ بالمعروف والناهي عن المنكر وسيلته الحق، تبيين الحق، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتبصير المخطئ، وإرشاده، وتحذيره، والمحاولة لتخليصه من أخطائه، وإيصال الحق له حتى يرتدع عن جرمه وإثمه، ليس مهمتنا أن نسبه أو أن نحط من قدره أو أن يفهم منا عداوتنا له وبغضنا له، فليس الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مبغضاً للناس ولكنه محسن، ولكنه داعٍ، ولكنه ناصح، ولكنه موجِّهٌ، ولكنه ساعٍ بما فيه الخير، نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق.
أيها الإخوة: قد يكون السباب عند بعض الناس آخذاً مدى التسلية والضحك، فيلتقي البعض بالبعض، ويلعن بعضهم بعض، ويقذف بعضهم بعض، بكلمات بذيئة، وهم يضحك بعضهم إلى بعض، ويمزح بعضهم إلى بعض، وهذا كله من الخطأ، فإن الألفاظ السيئة لا تليق بالمسلم، ولذا يُروى في آخر الزمان تحيتهم السباب، أن يحيي بعضهم بعضاً باللعن، والشتم، والقذف، والأوصاف الوقحة القبيحة التي لو يُطالب فيها شرعاً لأقام حد القذف، لكن يتساهلون بها من باب التسلية... وكل هذا خطأ، فالمسلم مهذب القول، لا يقول إلا حقاً، ولا ينطق إلا بالحق، فاحذر المزاح السيئ، والكلمات القبيحة! وزِنْها قبل أن تقولها، فكم من كلمات أوقدت نار عداوة وبغضاء!.
نسأل الله لنا ولكم العفو في الدنيا والآخرة.
واعلموا -رحمكم اللهُ-: أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رَحِمَكُم اللهُ- على عبد الله ورسوله محمد، امتثالاً لأمر ربِّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح ولاة أمرنا، ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم أمِدَّه بعونِك وتوفيقك وتأييدك، وكن له عوناً ونصيراً في كل ما أهمَّه، واجعله بركةً على نفسه، وعلى مجتمعه، وعلى الأمة الإسلامية، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم وفق ولي عهده لكل خير، وأمده بالصحة والسلامة والعافية، ووفقه لما فيه خير الإسلام والمسلمين، اللهم وفقهم جميعاً لما يرضيك، إنك على كل شيءٍ قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10].
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)[البقرة: 201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم