عناصر الخطبة
1/ مشهد محزن 2/ مشهد الساعة الخامسة صباحًا 3/ مشهد الساعة السابعة صباحًا 4/ مقارنة بين المشهدين 5/ دروس وعبر من المقارنة 6/ التذكير بأهمية صلاة الفجراقتباس
وانظروا إلى ما هو أعجب من ذلك: فكثير من الناس ممن يخرج صلاة الفجر عن وقتها إذا تأخر في دوامه ولو لدقائق بما يؤثر على وضعه المادي أو يغضب عليه رئيسه في العمل؛ يحصل له من الحسرة في قلبه ما يفوق ما يجده من تأنيب الضمير إذا أخرج الصلاة عن وقتها. إن المتأمل في كارثة الساعة الخامسة والسابعة صباحًا يحس بشغفنا بالدنيا وانهماكنا بها بما يفوق ..
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ فإن التقوى خير زاد ليوم الحساب: (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
عباد الله: ثمة مشهد لا بد من التأمل فيه والوقوف معه طويلاً، إنه ليس مشهدًا طريفًا أو موقفًا عابرًا، بل هو مشهد محزن وموقف أليم، يصيب المسلم بالخوف حين يتذكره، ويتألم كلما تكررت رؤيته، جوهر هذا المشهد هو المقارنة بين الساعة الخامسة والساعة السابعة صباحًا في حياة المسلمين، نقارن بين هاتين الفترتين اللتين لا يفصل بينهما إلا ما يقارب مائة دقيقة فقط.
ففي الساعة الخامسة صباحًا تجد طائفةً موفّقةً من الناس، توضأت واستقبلت بيوت الله تتهادى بسكينة ووقار، يعلو وجوههم البشر، وترى في محياهم السعادة، يمضون لأداء صلاة الفجر جماعة في المساجد، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمُهُ)، بينما أمم من المسلمين أضعاف هؤلاء لا يزالون في فرشهم نائمين، بل وبعض البيوت تجد الأم والأب يصليان ويدعوان، وفتيان المنزل وفتياته في سباتهم.
أما المشهد الثاني -عباد الله- فهو في الساعة السابعة، فما إن تأتي تلكم الساعة -والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج وبدأ وقت الدراسة والدوام- إلا وتزدحم الشوارع بالسيارات في حركة موارة، وطرقات تتدافع، ومتاجر يرتطم الناس فيها داخلين خارجين، يستدركون حاجيات فاتتهم من البارحة.
وكثير من الآباء والأمهات يتمنون أن أولادهم يصلون الفجر في وقتها، نعم إنهم يتمنون فقط، فلو لم يؤدها أبناؤهم فإنه لن يتغير شيء، غير أنه لو تأخر الابن دقائق فقط عن موعد الذهاب لمدرسته فإن شوطًا من التوتر والانفعال يصيب رأس والديه، وربما وجدت أنفاسهم الثائرة وهم واقفون على فراشه يصرخون فيه بكل ما أوتوا من الألفاظ المؤثرة لينهض لمدرسته.
ولا يعني هذا أن الاهتمام بالمدرسة أمر معيب أو مستنكر، ولكن السؤال: هل يمكن أن يكون الدوام والشهادات أعظم في قلب الإنسان من الصلاة؟!
وتأملوا -عباد الله- في أن حديثنا ليس عن الصلاة جماعة في المسجد، بل نتكلم عن مسألة لا خلاف فيها عند أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- طوال خمسة عشر قرنًا، فإنه لا يوجد عالم واحد من علماء المسلمين يجيز إخراج الصلاة عن وقتها، بل كل علماء المسلمين يعدون إخراج الصلاة عن وقتها من أعظم الكبائر.
بالله عليكم أعيدوا التأمل في حال ذينك الوالدين اللذين يلقيان كلمة عابرة على ولدهم وقت صلاة الفجر: "فلان قم للصلاة هداك الله"، ويمضون لحال شأنهم، لكن حين يأتي وقت المدرسة والدوام تتحول تلك العبارات الهادئة إلى غضب مزمجر وقلق منفعل لو حصل وتأخر عن مدرسته ودوامه، فهل صارت المدرسة -التي هي طريق الشهادة- أعظم في قلوبنا من عمود الإسلام؟! هل صار وقت الدوام أعظم في نفوسنا من ركن يترتب عليه الخروج من الإسلام؟!
إن هذه المقارنة الأليمة بين الساعة الخامسة والساعة السابعة صباحًا هي أكثر صورة محرجة تكشف لنا كيف صارت الدنيا في نفوسنا أعظم من ديننا.
عباد الله: وانظروا إلى ما هو أعجب من ذلك: فكثير من الناس ممن يخرج صلاة الفجر عن وقتها إذا تأخر في دوامه ولو لدقائق بما يؤثر على وضعه المادي أو يغضب عليه رئيسه في العمل؛ يحصل له من الحسرة في قلبه ما يفوق ما يجده من تأنيب الضمير إذا أخرج الصلاة عن وقتها.
أيها المسلمون: إن المتأمل في كارثة الساعة الخامسة والسابعة صباحًا يحس بشغفنا بالدنيا وانهماكنا بها بما يفوق حرصنا على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والدار الآخرة، ويشعر وكأن تاليًا يتلو عليه من بعيد قوله تعالى في سورة التوبة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[التوبة: 24].
فماذا بقي من شأن الدنيا لم تشمله هذه الآية العظيمة؟! هل بلغنا هذه الحال التي تصفها هذه الآية؟! ألم تصبح الأموال التي نقترفها والتجارة التي نخشى كسادها أعظم في نفوسنا من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والدار الآخرة؟! كيف لم يعد يشوقنا وعد ربنا لنا في سورة النحل إذ يقول: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)[النحل :96]، ووعده -عز وجل- في قوله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة: 17].
فيا عبد الله: حين تتذكر هدوء الساعة الخامسة صباحًا في مقابل هدير السابعة صباحًا، فأخبرني بالله عليك هل تستطيع أن تمنع ذهنك من أن يتذكر قوله تعالى في سورة الأعلى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[الأعلى :16 ، 17].
إن المقارنة بين مشهدي الساعة الخامسة والسابعة صباحًا هي أهم مفتاح لمن يريد أن يعرف منزلة الدنيا في قلوبنا مقارنة بدين الله.
أيها الإخوة: إننا لا نتحدث عن إسبال ولا لحية ولا غناء، برغم أنها مسائل مهمة جدًّا، لكننا نتحدث عن رأس شعائر الإسلام، إنها الصلاة التي قبضت روح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوصي بها أمته ويكرر: "الصلاة الصلاة"، وكان ذلك آخر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إخوة الإسلام: إن من أراد أن يعرف منزلة الدنيا في القلوب مقارنةً بدين الله فليس عليه أن يقرأ النظريات والكتابات والأطروحات، بل عليه فقط أن يقارن بين الساعتين الخامسة والسابعة، وسيفهم كيف صارت الدنيا أعظم في نفوسنا من الله -جل جلاله-.
وتأملوا قول الله تعالى -ومن أصدق من الله حديثًا-: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم :59].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أخي المسلم: إذا أردت أن تعرف منزلة الصلاة في الإسلام فتأمل في العقوبة التي ذكرها جماهير فقهاء المسلمين لمن أخرج الصلاة عن وقتها؛ حيث يصور هذا المذهب الإمام ابن تيمية فيقول: "لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل، ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغل من الأشغال، لا لحصد، ولا لحرث، ولا لصناعة، ولا لجنابة، ولا لخدمة أستاذ، ولا غير ذلك، ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب، فإن تاب والتزم أن يصلي في الوقت ألزم بذلك، وإن قال: لا أصلي إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة والصيد أو غير ذلك فإنه يقتل". اهـ.
عباد الله: إن صلاة الفجر ميزان ومقياس لمعرفة أهل الإيمان، من حافظ عليها شُهِد له بالإيمان، ومن تخلف عنها دلّ ذلك على خلل في إيمانه وقسوة في قلبه واستسلام لنفسه وهواه، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن".
كيف تهنأ -يا عبد الله- بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الإله يستمعون، وفي ربيع جنانه يتقلبون؟! إن من آثر لذة الوسادة على العبادة حريّ بالخسارة ومحروم من سلوك طريق السعادة.
فيا ترى، هل تهز هذه الكلمات المتخلفين عن صلاة الفجر وتجعلهم ينافسون الآخرين باستنشاق ريح الصبا، ويكونون هم الأوائل الذين سيذكرون في قوائم المتعاقبين من الملائكة أمام الرب -تبارك وتعالى- ويكونون من رجال الفجر؟! فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم الله وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟! فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون". رواه البخاري ومسلم.
فما أسعد أولئك الرجال، جاهدوا أنفسهم وزهدوا في لذة الفراش؛ ليحصلوا على البراءة من النفاق، وليكونوا أهلاً لبشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدخول الجنة، ولينالوا شرف شهود الملائكة وسؤال الله عنهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا).
عباد الله: صلوا بعد هذا وسلموا على نبي الرحمة والهدى امتثالاً لأمر الله...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم