عناصر الخطبة
1/أهمية الزكاة في الإسلام وفضلها 2/فوائد إخراج الزكاة 3/الإخلاص في الزكاة 4/الأصناف الذين يعطون من الزكاة وتعريفهم 5/خطر إعطاء الزكاة لغير مستحقيها 6/المقصود من الزكاة والهدف منها 7/إعطاء الفقير من الزكاة ما يكفيه 8/حكم تزكية بعض الأشياء دون غيرها 9/فتوى في تحديد النصاب لهذا العاماقتباس
لقد كان للزكاة في العهد الإسلامي ديوان، أو وزارة خاصة بها، تنظم شأنها، وترتب أمرها، وترعى حقوقها، ولو وجد ذلك النظام في هذا العصر الذي انفتحت فيه الدنيا، وكثرت فيه الثروات والتجارات، وأصبح فيه الاقتصاد ركيزة من ركائز الحياة، ومقوم من مقومات العصر، لرأينا عجباً عجاباً، ولو طبق ذلك النظام الاقتصادي الإسلامي على واقعنا اليوم، لما رأينا في الدنيا كلها فقيراً، أو ...
الخطبة الأولى:
إن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام قدمها الله -سبحانه وتعالى- في الترتيب على الصيام، فجعل الصيام الركن الرابع، وجعل الزكاة الركن الثالث، وربط بينها وبين الصلاة في آيات كثيرة، يقول فيها: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)[البقرة: 43].
ولا يصبح المسلم مسلما حقاً إلا إذا أداها وقام بها، وهي الترجمة الفعلية للإيمان بالله واليوم الآخر، فمن آمن بالله حقاً، وآمن بالجزاء والحساب أدى زكاة ماله؛ لأنه يعلم أنه بإخراجه لها سيجد أجرها عند الله -سبحانه وتعالى-.
أما من كان ضعيف الإيمان بالله واليوم الآخر فإنه غالباً ما يبخل عن إخراج الزكاة؛ لأنه لا يستشعر أجرها يوم الحساب، فلذلك يعتبرها مثل الضريبة، أو الغرامة التي يدفعها وهو كاره؛ كما قال تعالى عن الأعراب: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)[التوبة: 98].
ويقول عن المنافقين: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ)[التوبة: 67].
إن النظام المالي الإسلامي يقوم على الاستقرار الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي، ولذلك شرعت الزكاة كجزء من المنظومة الاقتصادية الإسلامية لحل مشكلة الفقر، والقضاء على ظاهرة البطالة، والديون والعنوسة، وغيرها.
وفيها من معاني التعاطف والتراحم والتكافل، وغرس روح المودة والرحمة الشيء العظيم.
بل أخبر الله -جل جلاله- أنها طهر وزيادة وبركة ونماء، فقال سبحانه وتعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)[التوبة: 103].
لقد كان للزكاة في العهد الإسلامي ديوان، أو وزارة خاصة بها، تنظم شأنها، وترتب أمرها، وترعى حقوقها، ولو وجد ذلك النظام في هذا العصر الذي انفتحت فيه الدنيا، وكثرت فيه الثروات والتجارات، وأصبح فيه الاقتصاد ركيزة من ركائز الحياة، ومقوم من مقومات العصر، لرأينا عجباً عجاباً، ولو طبق ذلك النظام الاقتصادي الإسلامي على واقعنا اليوم، لما رأينا في الدنيا كلها فقيراً، أو محتاجاً.
تخيلوا لو أخرجت زكاة الذهب والفضة، وأخرجت زكاة الكسب، وعروض التجارة؛ كالعقارات والمصانع والشركات، والمقاولات والمناجم، وغيرها، وأخرجت زكاة الخارج من الأرض من معدن ونفط وغيره، مما قال الله فيه: (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)[البقرة: 267].
وأخرجت زكاة الثروة الحيوانية، وزكاة الأنشطة الزراعية، التي قال الله عنها: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[الأنعام: 141].
لو أخرجت زكاة هذه الأمور كلها لنسي الناس شيئا اسمه الفقر.
نحن اليوم نريد أن ننبه في هذه الخطبة على بعض التنبيهات حول أمر الزكاة، وأول ما أنبه عليه، وأوصي به، هو: أن يحرص المزكي، أو المتصدق على الإخلاص لله، وأن يريد بصدقته وجه الله، والحذر كل الحذر من الرياء والسمعة، أو إرادة غير وجه الله -جل جلاله-.
يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[البقرة: 271].
وذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ضمن السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: "رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ".
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، وذكر منهم: "ورجل َعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ كُلِّهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فِيهَا فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيْهَا، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ".
فليحذر المسلم كل الحذر مما يفسد عليه أجر صدقته؛ كالرياء والسمعة، أو التمنن على الناس بالصدقات، أو أن يعطي أحداً صدقة ثم يأخذها منه إذا غضب عليه، أو اختلف معه، فكل هذا يناقض الإخلاص وينافيه، ويحبط على المتصدق أجره، بل ويكسبه العذاب الأليم، والإثم الكبير -والعياذ بالله-.
ومما يجب الحرص عليه في أمر الزكاة والصدقات: أن يحرص الإنسان حرصاً شديداً على إيصال الزكاة إلى مستحقيها، وإعطائها من أمر الله -سبحانه وتعالى- بإعطائهم إياها، وهم الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60].
هؤلاء هم من يستحقون الزكاة، وهؤلاء هم من أمرنا الله بصرفها لهم.
الفقراء: والفقير الذي يجد أقل من نصف ما يكفيه لاحتجاجاته الضرورية، فإذا كان مثلاً يكفيه للأمور الضرورية 40 ألف ريال في الشهر الواحد، ودخله أقل من نصفها، أي دخله أقل من 20 ألف فهذا فقير يستحق الزكاة.
والمساكين: والمسكين الذي يجد أكثر من نصف دخله، فإذا كان يكفيه 40 ألف ودخله أكثر من العشرين وأقل من الأربعين، فهو مسكين مستحق للزكاة.
والعاملين عليها: هم من ينظمون شئونها، ويديرون حساباتها، ويوصلونها إلى مستحقيها، وهؤلاء غير موجودين اليوم إلا ما ندر؛ لأن ديوان الزكاة غائب أصلاً بغياب الدولة الإسلامية أعادها الله.
وأما المؤلفة قلوبهم: فهم من دخلوا الإسلام حديثاً، أو يطمع في دخولهم في الإسلام إن أعطوا من الزكاة.
وأما الغارمون: فهم المدينون الذين عجزوا عن تسديد ديونهم.
وفي سبيل الله: هم المجاهدون، وذلك بدعم المجاهدين، ودعم أهاليهم، والإنفاق على أسرهم.
وأما ابن السبيل فإنه المسافر الذي انقطع في الطريق أو سرق ماله فيعطيه ما يكفيه.
هؤلاء هم الأصناف الثمانية المستحقون للزكاة، فهل يجوز بعد هذا البيان الذي سمعناه في هذه الآية الكريمة أن يعطي المسلم زكاته من لا يستحقها؟! كأن يعطيها أبنائه وبناته الذين أصلاً يجب عليه نفقتهم.
فكم سمعنا عن أناس يعطون أولادهم وبناتهم مبالغ ضخمة من الزكاة، ثم يعطي الفقراء والمستحقين الفتات.
والأرذل من هذا والأشد أن تعطى الزكاة للمسئولين والكبراء، وأصحاب القرار تزلفاً لهم وتقرباً منهم، فهذا أشد الظلم، وأكبر العدوان، ولا يفعل هذا إلا محروم من الأجر والخير.
ثم يقوم للأسف بإعطاء المستحقين مبالغ رمزية بسيطة، والمبالغ الكبيرة، والزكوات الضخمة، يصرفها لهؤلاء السكاكين، وليسوا المساكين.
ثم أي قلب يحمله هؤلاء المسئولون وأرباب النفوذ، حتى يستحلوا لأنفسهم أخذ هذه الزكوات، وكيف تطيب لهم أنفسهم أكلها، ألم يكفهم ما أخذوا وما أكلوا من الأموال العامة، ومقدرات الشعب، حتى يأخذوا حق الفقراء والمساكين.
إن من يأخذ الزكاة منهم فإنما يأكل سحتاً، ويلتقم جمراً، ومن يصرف زكاته لهؤلاء فليعلم أن زكاته مردودة عليه غير مقبولة؛ لأنه أخرجها لغير مستحقيها، وليعلم أنها باقية في رقبته إلى يوم يبعثون: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].
الخطبة الثانية:
ومن التنبيهات التي أود التنبيه عليها في شأن الزكاة: أن نعلم جميعاً أن المقصود من الزكاة، والهدف منها، هو معالجة مشكلة الفقر، وسد حاجة المحتاجين، ولن يتحقق هذا إلا بإشباعهم، وإعطائهم ما يكفيهم، وما يغنيهم، بحيث لا يبقى الفقير فقيراً دائماً، وبحيث لا يعطى من الزكاة في كل مرة، وإنما يعطى من الزكاة ما يكفي حاجته، ويسد رمقه، وما يجعله يستغني عن الناس، حتى يقوم بنفسه، ويكتفي بذاته.
الخطأ الكبير اليوم أن أكثر المزكين والمحسنين لا ينتبهون لهذا الأمر، وتجد أن كثيراً منهم يهمه أن يعطي الزكاة أكبر عدد ممكن، ويغطي أكثر عدد من المحتاجين بتوزيع الزكاة بينهم.
وتجده يوزع زكاته بين عشرات الأشخاص إن لم يكن مئات الأشخاص، ويعطي كل واحد منهم مبلغاً بسيطاً لا يشبعه ولا يغنيه من جوع، ولو أنه قسم زكاته بين نفر قليل، وأعطاهم ما يسد حاجتهم، ويرفع عنهم اسم الفقر، لكان أضبط وأصح.
لأن الفقير بإمكانه إذا أعطي مبلغاً مناسباً أن يقيم لنفسه مشروعاً صغيراً، أو يشتري له بضاعة بسيطة يتاجر بها، أو يفعل بهذا المبلغ شيئاً يرفع دخله، وينتشل وضعه، ويشطب اسمه من كشف المحتاجين في الأعوام القادمة.
أما حينما يعطى مبلغاً بسيطاً فإنه سيأكله في لحظة، ثم بعدها يبقى طول عمره، وكل سنواته فقيراً، أو محتاجاً، وبهذه الطريقة فلن تؤدي الزكاة هدفها، ولن تحقق الغاية التي شرعت من أجلها، ويبقى الفقر يزداد، والفقراء يكثرون، وهذا هو الواقع اليوم.
وليس من الضروري أن تعطى الزكاة للمحتاج نقداً، وإنما من الممكن أن يعطيها إياه شيئاً آخر غير النقد؛ كأن يعطيه شاة ليربيها لتلد وتنتج، أو يعطيه نحلاً ليرعاه، ويعتني به، ليتكاثر معه، أو غير ذلك من الأشياء المنتجة والمربحة.
ومن التنبيهات التي يجب التنبه لها: أن بعض الناس يزكي في أشياء دون أشياء، فبعض الناس مثلاً يؤدي زكاة ماله لكنه لا يؤدي زكاة غنمه، إذا بلغت النصاب، وهذا موجود في المناطق النائية، ومناطق البادية، وبعضهم يزكي في الغنم، ولا يزكي في الزروع والثمار، عندما تبلغ النصاب.
وبعض النساء هنا وخاصة من الموظفات تجد أن لديها رصيداً هائلاً في البنك، وفيه مبالغ ضخمة، ويحول عليها الحول ولا تزكيها، ولا تخرج الزكاة فيها.
وبعضهن لديها ذهب وحلي مطروح، أو زائد على قدر حاجتها، وما تتجمل به، ومع ذلك لا تؤدي زكاته؛ لأن الذهب الزائد عن قدر حاجتها وما تتحلى وتتجمل به المرأة تجب فيه الزكاة، بخلاف الذهب الذي تتحلى به، فإن في وجوب الزكاة فيه خلاف بين العلماء.
أختم حديثي هذا بفتوى مجلس علماء أهل السنة والجماعة بحضرموت في تحديد النصاب لهذا العام، حيث قدر العلماء النصاب لهذه السنة 1434هـ بما يعادل سبعمائة وخمسين ألف ريال يمني، فمن كان لديه هذا المبلغ نقداً، أو عروض تجارة، أو ذهباً، أو فضة بقيمة هذا المبلغ، أو يزيد عليه، ودارت عليه السنة، فإن الزكاة تجب عليه فيه، امتثالاً لقول الله -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة: 103].
وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)[المؤمنون: 4].
(وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الذاريات: 19].
وامتثالاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ حين بعثه إلى اليمن قال له: "فأخبرهم: أن الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم