عناصر الخطبة
1/الرحمة بالضعفاء من وصاياه صلى الله عليه وسلم 2/من مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بالصغار وكبار السن 3/من حق كبار السن علينا إكرامهم وتوقيرهم.اقتباس
إن من حق كبار السن علينا: إكرامهم وتوقيرهم وتزيين صدور المجالس بهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم، والبشاشة في وجوههم، والعفو والصفح عن زلاتهم وهفواتهم، وذِكْر محاسنهم وأعمالهم؛ فَهُمْ أشدُّ ما يكونونَ رغبةً في الحديث عن ماضيهم وإنجازاتهم.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله العزيز الغفار، يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا، ذلك تقدير العزيز العليم، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد معاشر المؤمنين: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله -عز وجل- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ* وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [الْحَشْرِ: 18-20].
أمة الإسلام: تتقلب بالإنسان مراحل حياته، فمن ضَعْف في المهد لا يملك لنفسه حولا ولا قوة، إلى أن يشتد عودُه ويبلغ أَشُدَّهُ، ثم ما هي إلا سنون وأعوام قليلة حتى يصير إلى الضَّعْف مرة أخرى، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الرُّومِ: 54].
ولقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يوصي بالرحمة بالضعفاء صغارا وكبارا، أطفالا وشيوخا، ويحث على ذلك بقوله وفعله، ففي سنن الترمذي بسند صحيح عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ" أي: اطلبوا محبتي وقربي ورضاي في ضعفائكم، وتفقدوا أحوالهم واعتنوا بهم، واحفظوا حقوقهم واجبروا قلوبهم، وأحسِنوا إليهم قولا وفعلا.
ومن مظاهر رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالضعفاء: رحمته بالصغار، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "ما رأيتُ أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، قال: "كان إبراهيم مُسْتَرْضَعًا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت فيأخذه فيقبِّله ثم يرجع" (رواه مسلم)، (وفي صحيح البخاري): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل كان لا يقبِّل أولاده: "أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ"؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- يهتم بالصبيان، يخالطهم ويمازحهم ويسأل عن أحوالهم ويراعي مشاعرهم، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خُلُقًا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، وكان إذا جاء قال: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟" نُغُرٌ كان يلعب به، فربما حضَر الصلاةَ وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيُكنس ويُنضح ثم يقوم ونقوم خلفَه فيصلي بنا. (رواه البخاري).
وكان صلى الله عليه وسلم رفيقًا بهم، يراعي طفولتهم وحاجتهم إلى اللعب فيؤدب ولا يُثَرِّب، ويذكِّر ولا يوبِّخ، ففي صحيح مسلم: قال أنس -رضي الله عنه-: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَخَرَجْتُ، حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَابِضٌ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ اذْهَبْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ، قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ".
أمة الإسلام: وكما أمر صلى الله عليه وسلم بالرحمة والعطف على الصغير أمَر كذلك باحترام الكبير وتوقيره، وحُسْن رعايته وإجلاله، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "جاء شيخ يريد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأبطأ القومُ عنه أن يوسعوا له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيَرَنا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا" (رواه الترمذي بسند صحيح)؛ أي: ليس على هَدْيِنَا وطريقتنا من لم لا يعطف ويرفق بصغيرنا، ولا يُجِلّ ويوقر كبيرَ السن فينا، فيقدمه على غيره من الناس لشيبته في الإسلام، وتقدُّم سِنِّه وَضَعْفه.
و(في شُعَب الإيمان) بشَّر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مَنْ يرحم الصغير ويوقر الكبير بمرافقته في الجنة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَنَسُ، وَقِّرِ الْكَبِيرَ، وَارْحَمِ الصَّغِيرَ، تُرَافِقْنِي فِي الْجَنَّةِ".
فيا معاشر المؤمنين: كيف لا نُجِلّ كبيرَ السن فينا؟ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ" (رواه أبو داود بإسناد حسن). كيف لا نوقر كبيرنا ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ" (رواه ابن حبان في صحيحه).
فيا من تبحثون عن الخير والبركة في حياتكم: تَلَمَّسُوهَا مع كبار السن فيكم، إنها بركة البِرِّ والإحسان، والرأي والمشورة، والمجالَسَة والمؤانسة، ويا كبار السن: رحم الله ضعفَكم وجبر كسركم، وضاعف حسناتكم، فأنتم الذين قدمتُم وبذلتُم وربيتُم وعلمتُم، ولئن نُسِيَ فضلُكم فإن الله لا ينسى، ولئن جُحِدَ معروفُكم فإن البِرَّ لا يَبْلَى، ثم إلى ربكم المنتهى، وعنده -سبحانه- تجدون الجزاء الأوفى.
والجزاء من جنس العمل، فمن أكرم ذا شيبة مسلم أطال الله في عمره، وقيَّض له مَنْ يُحسن له في كِبَرِهِ، ففي (سنن الترمذي) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ".
عباد الله: إن من حق كبار السن علينا: إكرامهم وتوقيرهم وتزيين صدور المجالس بهم، ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم، والبشاشة في وجوههم، والعفو والصفح عن زلاتهم وهفواتهم، وذِكْر محاسنهم وأعمالهم؛ فَهُمْ أشدُّ ما يكونونَ رغبةً في الحديث عن ماضيهم وإنجازاتهم، وهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- على جلالة قدره ومكانته يعلِّمنا كيف يكون إجلال الكبير وتوقيره، ومؤانسته وملاطفته؛ ففي (مسند الإمام أحمد) جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: "لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ لَأَتَيْنَاهُ" ثم دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للإسلام، فأسلم.
وفي (الشمائل للترمذي) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي عجوز من بني عامر، فقال: "مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ" فقلتُ: من خالاتي، فقالت: يا رسولَ اللهِ: ادعُ اللهَ أن يُدخلني الجنةَ. فقال: "يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ"، فولَّت تبكي، فقال: "أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ". إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يَقُولُ: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا) [الْوَاقِعَةِ: 35-37].
ولا شك معاشر المؤمنين: أن كبارَ السنِّ مظنة السآمة والتعب، والوهن وضَعْف الجسد، وما يكون نتيجة لذلك من قلة الصبر وحدة اللسان، ومع هذا كله فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يداريهم ويعطيهم ويسلِّيهم، فعن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- قال: قَدِمَتْ على النبي -صلى الله عليه وسلم- أقبيةٌ، والقباء: ثوبٌ يُلبس فوق الثياب، فقال لي أَبِي؛ مخرمةُ: "انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا"، قال: "فقام أبي على الباب فتكلَّم" قال أهل العلم: "وكان في خُلُقه شدةٌ" -رضي الله عنه وأرضاه-، قال: "فعرَف النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- صوتَه فخرج ومعه قباء وهو يُريه محاسنَه ويقول: "خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ" (رواه البخاري ومسلم).
إن رعاية كبار السن يا عباد الله، والقيام على مصالحهم وشئونهم من أعظم القُرَب وأَجَلّ الوسائل لتفريج الكرب، وتيسير كل أمر عسير، وخاصة إذا كان كبير السن أَبًا أو أُمًّا، كما في الصحيحين في قصة النفر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة فسدَّت عليهم الغارَ فتوسَّل كلُّ واحد منهم بصالح أعماله، فكانت وسيلة أحدهم: قيامه بهذا الحق العظيم، حق رعاية أبويه الشيخين الكبيرين، فكان سببًا في نيل مطلبه، وتفريج كربته.
بل إن السعي على الأبوين الشيخين الكبيرين ميدان من ميادين الجهاد في سبيل الله، ففي (معجم الطبراني) عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: "مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، -أي: لو كان هذا الجَلَد والنشاط في سبيل الله لكان أحسن- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الْإِسْرَاءِ: 23-24].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يليق بجلال ربنا وعظمته وكماله، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وعلى من سار على نهجه ومنواله.
أما بعد معاشر المؤمنين: إن الفسحة في العمر نعمة عظيمة، يمن الله بها على من يشاء من عباده، فاستثمِرُوا يا عبادَ اللهِ هذه النعمةَ فيما يرضي ربكم، ويُعلي منزلتَكم، واستدرِكُوا ما فات للاستعداد لِمَا هو آتٍ، فليس فيما بقي من العمر أطول مما فات، ولنجعل مسكَ ختام العمر طاعةً، فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعِثَ عليه، وقد يدرك العبدُ بطول العمر مع حُسْن العمل أعظمَ من درجة المجاهد في سبيل الله؛ ففي (مسند الإمام أحمد) عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: "مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟" قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟" قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".
فهنيئًا لم طال عمره وَحَسُنَ عملُه، ويا خسارةَ مَنْ أَمَدَّ اللهُ له في عمره، ورزَقَه عافيةً في جسده، ثم لا يكون عمله في رضى ربه، فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ" قَالَ: يَا رَسُولُ، أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ" (رواه الترمذي بسند صحيح).
فنسأل الله -تعالى- بفضله وكرمه وجوده ومِنَّتِه أن يمن علينا بطول العمر وحسن العمل، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
ثم اعلموا معاشر المؤمنين أن الله أمركم بأمر كريم، ابتدأ فيه بنفسه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنكَ حميد مجيد، اللهم بَارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنكَ حميدٌ مجيدٌ.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوكَ وكرمكَ وجودكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهم أَعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أَعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أَعِزَّ الإسلام والمسلمين، وَأَذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدينِ، واجعل هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أحوال إخواننا المسلمين في كل مكان، برحمتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْنَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم، اللهم احقن دماءهم، واحفظ أعراضهم واشف مرضاهم وتقبل شهداءهم، اللهم إنا نسألك بفضلك ومنتك، وجودك وكرمك أن تحفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، اللهم
اللهم انصر جنودَنا المرابطينَ على حدود بلادنا، اللهم أيِّدْهُم بتأييدك واحفظهم بحفظك، اللهم كن لهم معينا ونصيرا، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظها بحفظك واكلأها بعنايتك ورعايتك، اللهم أدم أمنها ورخاءها واستقرارها برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فاجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق خادم الحرمين لما تحب وترضى، وَاجْزِهِ عن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاءِ، اللهم وَفِّقْهُ ووليَّ عهده لِمَا فيه خيرٌ للبلاد والعباد. اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم أيدهم بتأييدك، واحفظهم بحفظك، اللهم سدد رميهم وثبت أقدامهم، اللهم كن لهم معينا ونصيرا، اللهم كن لهم معينا ونصيرا، واجزهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا كما ربونا صغارا، اللهم من كان منهما ميتا فأنزل على قبره شآبيب الرحمات، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجمعنا به في الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين، ومن كان منهما حيا فأطل في عمره، وأحسن في عمله، واختم لنا وله بخاتمة الإحسان، برحمتك يا منان، يا ذا الجلال والإكرام.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم