الخوف من الله وسير الخائفين

سامي بن خالد الحمود

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ أهمية الخوف من الله 2/ نماذج من خوف النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من الله تعالى 3/ جراح المسلمين النازفة في فلسطين

اقتباس

وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه، كما وصف الله الملائكة بقوله: (يخافون ربهم من فوقهم)، ووصف الأنبياء بقوله: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله)، وقال في العلماء: (إنما يخشى الله من عباده العلماء). وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية" ..

 

 

 

 

 

أما بعد: حديثنا اليوم عن مقام من مقامات الإيمان.. ولازم من لوازم الإحسان.

وقبل أن أفصح لكم عن هذا المقام، أتساءل وإياكم: كيف أصبحت أحوالنا عندما ضعف هذا المقام؟

لماذا أُتخمت بيوتنا بالمعاصي.. لماذا امتلات عقولنا بالشبهات ونفوسنا بالشهوات.

نفعل الذنب تلو الذنب، وقلوبنا باردة لا تتذكر ولا تنيب.. يأكل بعضنا السحت الحرام وكأنه حلال.. تظهر بيننا المعصية ويقل من ينكرها.... يجالس صاحب المعصية ويؤانس، ويؤاكل ويشارب دون نصح أو إنكار.

ذلكم -أيها الأحبة- عندما ضعف الخوف في نفوسنا.

نتكلم عن الخوف يوم أجدبت قلوبنا منه وأظلمت.. وقست وتحجرت (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).. لا تحركها الموعظة، ولا تنفعها الذكرى إلا من إلا من رحم ربك.

لقد أمرنا الله جل وعلا بالخوف منه ومدح الخائفين، فقال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ).

قال ابن سعدي –رحمه الله-: "وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفهم من الله".

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطّت السماء وحُقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى" رواه احمد والترمذي.

عباد الله: الخوف من الله، شجرة طيبة، إذا نبت أصلها في القلب، إمتدت فروعها الى الجوارح، فآتت أكلها بإذن ربها، وأثمرت عملا صالحا، وقولاً حسنا، وسلوكاً قويما، وفعلاً كريما.

وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه، كما وصف الله الملائكة بقوله: (يخافون ربهم من فوقهم)، ووصف الأنبياء بقوله: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ )، وقال في العلماء: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).
وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية".

وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منهم "ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله"، وقال: "ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".

وحتى نحرك نفوسنا إلى تحقيق الخوف من الله.. دعونا نقف على بعض النماذج المشرقة من سير أولياء الله الخائفين المخبتين.

ها هو سيد الخائفين محمد صلى الله عليه وسلم كان أخشى الناس لربه، ويقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه.

وهذا أبو بكر رضي الله عنه، أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى طير وقع على شجرة فقال: ما أنعمك يا طير، تأكل وتشرب وتطير وليس عليك حساب، ليتني كنت مثلك، وكان رضي الله عنه كثير البكاء.. وكان يمسك لسانه ويقول: "هذا الذي أوردني الموارد".

وها هو عمر الفاروق رضي الله عنه يقول لابنه عبد الله وهو في سكرات الموت: "ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني"، ثم يقول: "ويل أمي إن لم يغفر لي، ويل أمي إن لم يغفر لي".

ويأخذ مرة تبنة من الأرض فيقول: "ليتني هذه التبنة، ليتني لم أكن شيئا، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت منسيا".

وهذا عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكي حتى يبل لحيته، وكان يقول: "لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصيرُ".

أما علي رضي الله عنه فقد وصفه ضرار بن ضمرة لمعاوية رضي الله عنه، فقال: كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة، لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضاً على لحيته يضطرب ويتقلب تقلب الملسوع ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه.

فبكى معاوية، ونزلت دموعه على لحيته وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء وهو يقول: هكذا والله كان أبو الحسن.

إي -والله- يا عبد الله.. هكذا كانوا، فكيف نحن اليوم.

وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه لما حضرته الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت وأنت؟ فقال: ما أبكي جزعاً من الموت أن حل بي ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن هما القبضتان، قبضة في النار وقبضة في الجنة فلا أدري في أي القبضتين أنا.

أيها الأحبة: بعد هذا الذي سمعناه من سير سلفنا العطرة.. هل من مشمر إلى الله؟ هل من خائف من مولاه؟

أيها الغافل الآمن: يا من يعصي ربه آمناً مكره.. تذكر قبل أن تعصي ربك: أن الله سبحانه يراك، ويعلم ما تخفي وما تعلن، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ).

تذكر قبل أن تعصي ربك: أن الملائكة تحصي عليك جميع أقوالك وأعمالك، وتكتبها في صحيفتك، (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).

تذكر قبل أن تعصي ربك.. لحظة موتك، وخروج روحك، ومساقها إلى ربك.. وتذكر ظلمات القبر، ومواقف البعث والحشر.. وتطاير الصحف، ونصب الموازين.

وأحضروا للعرض والحساب *** وانقطعت علائق الأنساب
وارتكمت سحائب الأهوال *** وانعجم البليغ في المقال
وشهدت الأعضاء والجوارح *** وبدت السوءات والفضائح
ونشرت صحائف الأعمال *** تؤخذ باليمين والشمال

تذكر قبل أن تعصي ربك: وقوفك بين يدي الله عز وجل وليس بينك وبينه حجاب أو ترجمان فيذكرك بكل ذنب عملته.

تذكر نار جهنم وبعد قعرها وشدة حرها وعذاب أهلها وهم يسبحون فيها على وجوههم.

فعليك -يا أخي- بالخوف من الله.. الله الله بتعظيم الله.. وخشيته وتقواه.. (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).

اللهم إنا نسألك خشيتك في السر والعلن... إنك على كل شيء قدير.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه...

عباد الله: لا يفوتنا في هذا المقام أن نذكّر بجراح الأمة النازفة على تراب الأقصى المبارك.

فضمن جرائم العدو الصهيوني، التي بدأت تتصاعد وتيرتها في رمضان الماضي، وفي مجزرة جماعية جديدة، وجريمة يهودية شنيعة، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمدفعية العديد من المنازل في بيت حانون، مما أدى إلى استشهاد 20 فلسطينيا، بينهم عدد من النساء والأطفال، بينما بلغ عدد الجرحى 40 فلسطينياً.

قصفت دبابات الاحتلال المنازل بشكل مباشر مع طلوع الفجر.. منازل كاملة دمرت على رؤوس أصحابها وهم نيام، وعائلات كاملة سقطوا ما بين شهيد وجريح.

رأينا الأشلاء والدماء على شاشات القنوات، وصفحات الصحف، في مناظر بشعة، ومشاهد محزنة.. نساء وأطفال تناثرت أشلاؤهم بفعل قذائف المدفعية الإسرائيلية.. وأم جمعت أطـفالها حولها خوفاً عليهم، فجاء القصف الصهيوني فأحالهم جثثاً فوق جثتها.. و طفل عمره عشرة أعوام مزقته القذائف اليهودية حتى خرجت أمعائه على الأرض.

لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمان

والسؤال الذي نردده دائماً: أين المسلمون؟ متى يستيقظ المسلمون من سباتهم؟ متى يضمدون جراح إخوانهم، ويرفعون الذل عنهم؟.. متى ترعوي وسائل إعلامنا وقنواتنا الفضائية العربية التي لا تزال ترقص على أشلاء القتلى وجراح المصابين؟.

هل تعودت أسماعنا على سماع مجازر إخواننا فلم تعد قلوبنا تتحرك بشيء، ولو بالدعاء الصادق؟

إن الواجب على المسلمين شعوباً وحكومات ومؤسسات ومنظمات أن يهبوا لنصرة إخوانهم، وأن يواسوهم بالمال والدعاء والنصرة قدر ما يستطيعون، نسأل الله أن يكشف الغمة، ويوقظ الأمة، ويجعل لإخواننا في فلسطين وفي كل مكان فرجاً ومخرجاً، وينصرهم على القوم الكافرين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم..

 

 

 

 

 

 

المرفقات

من الله وسير الخائفين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات