عناصر الخطبة
1/ تأريخ الصراع بين المسلمين والنصارى 2/ النهي الإلهي عن موالاة النصارى 3/ استمرار المكائد التنصيرية السلمية والعنيفة 4/ قلق عُباد الصليب ليقظة المسلمين 5/ الوعي بالخطر النصراني والتصدي لهاقتباس
ولا يقولنّ قائلٌ -حين يسمعُ مكائدَ النصارى-: ذاك تاريخٌ مضى، وهم اليوم يمثِّلون التسامحَ، ويَرعونَ التحضُّرَ في العالم، وتلك -وربِّي!- نظرةُ تغفيلٍ توكّدُ الوقائعُ المُرَّةُ خلافَها، وتَشهدُ مخططاتُ النصارى للحاضرِ والمستقبلِ بنقيضها، ودونكم الحقائقَ عن حركاتِ التنصير في العالم فاعقِلوها، واعتبروا بأحداثها ..
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، مكَّنَ لدينه الحقَّ، ونصرَ أولياءَه أصحابَ الحقِّ رَغم جحودِ الكافرين، وخَبَثِ المنافقين، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، الدينُ عندَه الإسلامُ، ومن يَبتغِ غيرَ الإسلام ديناً فلنْ يُقبلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين.
وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، جاءتْ رسالتُه وكتابُ ربِّه مصدِّقاً لما بين يَديهِ من الكتابِ ومُهيمناً عليه، وبالدعوة والجهادِ ارتفعتْ رايةُ الإسلامِ، وخاب المشركون، اللهم صلّ وسلّم عليه وعلى سائر الأنبياءِ والمرسلينَ، وارضَ اللهمّ عن الصحابةِ أجمعين والتابعين ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
عبادَ الله: تُهدِّد الأمةَ الإسلاميةَ في الماضي، وما تزال تُهدِّدها في الحاضر عِدّةُ مخاطرَ من ذواتِ أنفسِها متمثلةً في هوى الأنفُس وضعفِها وكيدِ الشيطان ووسوستِه، ومن داخل صفِّها متمثلةً في إرجافِ المنافقين، ومطامعِ المنتفعين، وجهْل الجاهلين، ومن خارج دائرتِها، وذلك بحرب اليهود والنصارى، وعداوةِ المناوئين كافةً للإسلام والمسلمين.
وسأقصرُ حديثَ اليوم على طائفةٍ من هذا النوع الثالثِ من الأعداء، بات يتسلّلُ في بلاد المسلمين وغيرِها، ترعاه دولٌ كبرى، ويتخذُ من الهيئاتِ والمنظمات العالمية غطاءً لتنفيذ المخطّطات بعد رسم السياساتِ، وما يعجزُ عنه بالسياسة والتنصير يُستخدمُ له أسلوب القوة والقتل والتهجير.
إنه الخطرُ النصرانِيُّ واجهَ المسلمين في زمن النبوةِ، وما زال يواجهُهم حتى اليوم، ولكنّ نارَه تخبو على صيحاتِ جهادِ المسلمين وفي زمن قوتِهم، ثم لا تلبثُ أن تتأجّجَ في مراحل ضعفِ المسلمين وتفرُّقهم، وغياب قيادتِهم.
أجل، لقد اعترف النصارى وغيرُهم من أهل الكتاب بصدقِ رسالةِ محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكن معظمَهم كتمَ الحقَّ وعارضَه، وصدَق وَعْدُ الله فيهم: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:146].
وعظيمُ الروم (هرقل) كان واحداً من هؤلاء الذين اعترفوا بالإسلام وبصدْق محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وقد جمع عظماءَ الروم في دَسكرةٍ له بحمص وقال لهم: هل لكم في الفلاح والرُّشد، وأن يثبت ملكُكم فتبايعوا هذا النبيَّ.
وهو الذي قال لأبي سفيان رضي الله عنه –بعد حواره معه-: وقد كنتُ أعلم أنه خارجٌ... فلو أني أعلمُ أني أخلُص إليه لتجشَّمتُ لقاءَه، ولو كنتُ عندَه لغسلتُ عن قدمِه. رواه البخاري.
ومع ذلك كلِّه آثرَ (هرقلُ) ملكَه ولم يُسلِم، بل جهّز الجيشَ وأعدّ العُدّةَ لقتال المسلمين، ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على قيد الحياةِ، وكانت غزوةُ (مؤتَه) -التي استُشهد فيها عددٌ من المسلمين وفي مقدّمتهم أمراءُ المسلمين الثلاثةُ- واحدةً من المعارك بين الإسلام والنصرانيةِ، ومن كيدِ النصارى للمسلمين.
ثم استمرَّ الكيدُ في زمن الخلفاءِ الراشدين، وكانت معركةُ اليرموكِ من أعنفِ المواجهاتِ مع النصارى، ولكنّ المسلمين أبلَوْا فيها بلاءً حسناً، حتى تم النصرُ لهم.
وعجِبَ النصارى من تفوّق المسلمين عليهم، وقال هرقلُ لمنهزمةِ الروم: ويلَكُم أخبروني عن هؤلاءِ القومِ الذين يُقاتلونكم، أليسوا بشراً مثلَكم؟ قالوا: بلى. قال: فأنتم أكثرُ أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثرُ منهم أضعافاً في كلِّ موطن. قال: فما بالُكُم تنهزمون؟.
قال شيخٌ عظيمٌ منهم: من أجلِ أنهم يقومونَ الليلَ ويصومونَ النهارَ، ويوفونَ بالعهدِ، ويأمرون بالمعروفِ وينهون عنِ المنكرِ، ويتناصفون بينَهم، ومن أجل أنّا نشربُ الخمرَ، ونزني، ونركبُ الحرامَ، وننقضُ العهدَ، ونغضبُ ونظلِمُ ونأمرُ بالسّخطِ، وننهى عما يُرضي اللهَ، ونُفسدُ في الأرضِ، قال هرقل: أنتَ صدقتني. وكذلك حين يَصدقُ المسلمون مع أنفسِهم ويتمسّكوا بإسلامهم يُنصَروا.
إخوة الإسلام: واستمرتِ الجبهةُ النصرانيةُ في زمن الدولةِ الأمويةِ والعباسيةِ من أشدّ جبهاتِ الأعداءِ في مواجهةِ المدِّ الإسلاميِّ، ولم يتمكّنِ المسلمون من نشرِ دينِ اللهِ في ممالكِ النصارى وغيرِها إلا بعد أن قدّموا عدداً من الشهداءِ، وتناثرتِ الجُثثُ في البَرِّ والبحر، والويلُ للمسلمين حين يَظفرُ بهمُ النصارى.
وفي زمن عمر ابن عبد العزيز رحمه الله -مثلاً- يروى أنه أرسل سريةً إلى بلد الروم وفيها ثلاثةُ إخوةٍ من أشجعِ الناسِ، فقَتلوا في الروم مَقتلةً عظيمةً، ثم إنهم أُسروا ثلاثتُهم، وعَرضَ عليهمُ الملكُ التنصّرَ فأبَوْا، فأحرقَ اثنين واستبقى واحداً وأعطاه لبعض بطارقتِه لينصِّرَه، فأسلم به هو وزوجتُه وولدُه، فَخَدّ لهمُ الملكُ -لما سمع بهم- أُخدوداً وطرحهم فيه، فأماتَهُم اللهُ -عز وجل- قبل أن يَصلوا إلى النار. رواه الضحاك.
ثم استمرتِ المناوشاتُ بين المسلمين والنصارى قروناً متطاولةً، وكانت الحروبُ الصليبيةُ ضد المسلمين من أعتى هذه الحروبِ وأوسَعِها نِطاقاً، وذلك يومَ أن دعتِ البابويةُ -في أوروبا- لشنّ حربٍ على المسلمين تثأرُ بها الكنيسةُ الغربيةُ لما حلَّ بالعالَمِ النصرانِيِّ من خسائرَ نتيجةَ حركةِ الفتح الإِسلاميِّ، ودخولِ أصقاعٍ وأممٍ في دين الإسلام.
وفي هذه الحملاتِ الصليبيةِ تحرّك رجالُ الكنيسةِ، وبرزَ نشاطُ القساوسةِ والرُّهبانِ، واجتمع إليهم الساسةُ الأوروبيون، كلُّ ذلك في سبيل إثارةِ العواطفِ، ودفْعِ النصارى إلى التضحية بكلّ ما يملكون في سبيل القضاءِ على الإسلام والمسلمين.
وقد عبّر عن حقيقةِ الأهدافِ الدينيةِ في هذه الحروبِ مؤرخو الغربِ، وقال أحدُهم: هذه المشاعرُ التي حرّكتِ النصرانيةَ للقيام بالحروب المقدسةِ لم يكن هدفُها القتالَ من أجل ممالكَ أرضيةٍ، بل في سبيل مملكةِ السماء.
ولكنّ اللهَ هيأَ للمسلمين قادةً صالحين، لم يقعد بهم نَسبُهم غيرُ العربِيِّ عن مواصلةِ ما ابتدأه إخوانُهم من قَبلهم، فكان في العنصر التركِيِّ والكردي رجالٌ أوفياءُ لقّنوا الصليبيين دروساً لن ينسَوْها، وبثُّوا في المسلمين رُوحَ الجهاد، حتى خلَّصوا بلادَ ومقدساتِ المسلمين من سيطرة الصليبيين.
وظلّ النصارى محتفظين بحقدِهم على الإسلام والمسلمين، وما زالوا يُخطِّطون للقضاء على وِحدةِ المسلمين، حتى تمّ لهم ما أرادوا حين قضوا على الخلافةِ الإسلاميةِ، وفرّقوا المسلمين على شكل دويلاتٍ تفصِلُها الحدودُ المصطنعةُ، وتخالِفُ بين شعوبها القومياتُ والنعراتُ الوافدةُ، وأصبح كلُّ حزبٍ بما لديهم فَرِحون.
وفي ظلِّ هذه الأجواءِ كان الاستعمارُ يحكمُ عدداً من بلاد المسلمين، ولا تسألْ عما خلّفه من فسادٍ في القيمِ والأخلاقِ، والتصوراتِ والمعتقداتِ، وسياساتِ الإعلام والتعليم والاقتصادِ، وحين كان الساسةُ الغربيون يُفسدون النُّظُمَ ويُشرّعون القوانينَ، كان إلى جانبهم رجالُ الدّينُ يُنصِّرون ويَنصبون الخيامَ للدعوة لتعاليم المسيح، كما يزعمون!.
وفوق ذلك كلِّه، فقد كانَ للنصارى دورٌ واضحٌ في زرعِ اليهودِ في أحضانِ العالمِ الإسلامي، ومنذُ وعدِ (بلفور) إلى يومنا هذا، وحواضرُ النصارى، تدعمُ الوجودَ اليهوديَّ؛ لتكون قوةً مساندةً لهم في حربِ المسلمين...
إنها سلسلةٌ من المكائد والحروبِ يَشهدُ بها التاريخُ على حقد النصارى وتعصُّبهم ضدَّ المسلمين، وكفى باللهِ شهيداً، وبالقرآن حكماً والله يقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].
ولا يستثنى من ذلك إلا من آمنَ منهم ولم يستكبرْ عن قَبول الحقِّ، أولئك الذين عناهم اللهُ بقوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) [القصص:52-53].
وأشار إليهم بقوله: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) [المائدة:82-84].
إلى غير ذلك من نصوصٍ جاءت في مؤمنةِ أهلِ الكتابِ الذين استجابوا للهِ والرسولِ.
أما سواهم فقد جاء التحذيرُ الإلهيُّ عن موالاتِهم، وحاكماً على من وَالاهم، فقال تعالى مخاطباً أهلَ الإيمان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:51-52].
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، من توكّلَ عليه كفاهُ، ومن يعتصمْ بالله فقد هُديَ إلى صراطٍ مستقيم، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، اقتضت حكمتُه أن يتدافعَ الحقُّ والباطلُ في الأرض إلى يوم الدين، ليميزَ اللهُ الخبيثَ من الطيبِ، ويجعلَ الخبيثَ بعضَه على بعضٍ فيركُمُه جميعاً فيجعلُه في جهنم، أولئك هم الخاسرون.
وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه، نصر اللهُ به الحنيفيةَ السّمحاءَ، وجاءت رسالتُه متممةً لرسالاتِ السماء، وجاء بُنيانُه مكمِّلاً لبنيان الأنبياءِ قبلَه، عليه وعليهم جميعاً أفضلُ الصلاةِ وأزكى التسليم.
إخوة الإيمان: وحين أسوقُ لكم باختصارٍ نماذجَ للكيد النصرانِيِّ ضد الإسلام والمسلمين، لا يفوتني أن أذكرَ بأن كيدَ النصارى سابقٌ لبعثةِ محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد كانوا لا يَرضوْنَ بوجود دينٍ ينافسُ دينَهم، ولو كان دينُهم -هم- محرّفاً، ولو كان الدّينُ الذي ينافسُهم عبادةَ الأوثان، ولا يَرضوْن بقوم ينافسونهم على السِّيادة، ولو كانوا قِلّةً بجانب كثرتِهم هم، وكفرةً وثنيين.
وهم يزعمون الإيمانَ، ويتشبّثون بالدِّين، وفي قصة الفيلِ -التي جاء ذكرُها في القرآن- وغيره عبرةٌ وعِظةٌ -لمن تأمّل- في تاريخ النصرانية والنصارى.
وقد جعل كيدَهم في تضليل، وحفظ بيتَه من عَبثِ النصارى، وأرسل عليهم طيراً أبابيلَ، ترميهم بحجارةٍ من سِجّيل، فجعلهم كعصفٍ مأكول.
وكانت الحادثةُ إيذاناً بعدم صلاحية النصارى لقيادة العالم، وإرهاصاً لبعثةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لتكون الكعبةُ المحفوظةُ قِبْلتَه، وليكون العربُ المنتصرون قومَه ورجالَه.
واستجاب اللهُ دعاءَ عبد المطلب، زعيم قريشٍ حينها:
لاهُمّ إنّ العبدَ يمنعْ رَحْلَـه فـامْـنَـعْ رِحـالَـكْ
لا يَغلبنَّ صليبُهم ومِحالُهُم أبــداً مِـحــالَـكْ
إخوة الإسلام: ولا يقولنّ قائلٌ -حين يسمعُ مكائدَ النصارى-: ذاك تاريخٌ مضى، وهم اليوم يمثِّلون التسامحَ، ويَرعونَ التحضُّرَ في العالم، وتلك -وربِّي!- نظرةُ تغفيلٍ توكّدُ الوقائعُ المُرَّةُ خلافَها، وتَشهدُ مخططاتُ النصارى للحاضرِ والمستقبلِ بنقيضها، ودونكم الحقائقَ عن حركاتِ التنصير في العالم فاعقِلوها، واعتبروا بأحداثها.
يقول المنصّر الألمانِيُّ (هانز): لم يحدثْ أنِ اتفقت الكنائسُ واتّحدتْ إلا في هذا العصرِ الذي اتخذ فيه الجميعُ خطةَ تنصير المسلمين أُقنوماً رابعاً يُضاف إلى الأقانيم الثلاثةِ التي تقومُ عليها عقيدتُنا نحن المسيحيين.
ومن التنظير إلى التنصير الفعلي حيث يَسري قطارُ النصرانيةِ من أقصى الشمالِ إلى أقصى الجنوبِ، ومن مَغربِ العالم الإسلامِيِّ إلى أقاصي المشرق، وينتقل (بابا) الفاتيكان من أفريقيا إلى آسيا، داعماً حركةَ التنصيرِ، ويقول الباب بولس الثاني -حين قام بثالث رحلةٍ لأفريقيا خلال خمسة أعوام-: إنه يأملُ أن يُرسي قواعِدَ الكنيسةِ الكاثوليكيةِ الرومانيةِ ضدَّ النهضةِ الإسلاميةِ المتزايدةِ في القارة.
وفي باكستانَ، الدولة المسلمة، يزورُ البابا (جون بول الثاني) كراتشي، بل ويُقيم (القُدّاسَ) في استادها الرياضي، فماذا يعني ذلك؟ إنه التحدي لمشاعرِ المسلمين، والهجومُ الصارخُ على معاقلِ الإسلام.
ولعلَّكم تعجبون -بل تستغربون- إذا علمتم أنّ في ماليزيا وحدها ما يَقرُبُ من خمسمائة منظمةٍ تنصيرية!.
إخوة الإيمان: ولكنَّ أمْرَ النصارى في واقعهم المعاصرِ أدهى من ذلك وأمَرُّ، فهم لا يكتفون بالدعوة السلميةِ ومحاولةِ تنصير الشعوبِ المسلمةِ وغيرِ المسلمةِ، بل يستخدمون القوةَ إذا شعروا بتفوّق المسلمين وأحسُّوا بيقظتهم، وفي أحداثِ الصربِ النصارى مع مسلمي البوسنة والهرسك، وما جرى في كوسوفاً ويجري الآن في الشيشان، كلُّ ذلك وأمثالُه يُعدُّ وحشيةً يَنْدَى له جبينُ الإنسانية، وتُعدُّ نقاطاً مظلمةً تُسوَّدُ بها صحائفُ التاريخِ النصرانِيِّ.
واليوم تحدثُ مآسي في أندونيسيا ذاتِ الكثافةِ السكانيةِ المسلمةِ، ولم يكتفِ النصارى -ومِن ورائهم الغربُ- بفصل (تيمور الشرقية)؛ بل يتحركُ النصارى في جُزرٍ أخرى -على حين غفلةِ المسلمين عن إخوانهم- فيقتلون ويطردون المسلمين عن ديارهم.
عبادَ الله: إن هذا الكَيدَ النصرانِيَّ يوكِّد -إلى جانبِ تعصُّبِ النصارى- يقظةَ المسلمين، فتلك اليقظةُ مقلقةٌ لعُبّاد الصليب، وحين نسوق نماذجَ لكيدهم لا ينبغي أن يداخلَنا شكٌّ في أن الغلبةَ للإسلام والمسلمين مستقبلاً، ولكن ينبغي أن تنشأ عندنا –معاشرَ المسلمين- تساؤلاتٌ، وتصحّحَ لنا مفاهيمَ خاطئةً.
ومن بين هذه التساؤلات: ماذا يثير فينا هذا النشاطُ النصرانِيّ المكثفُ من غيرةٍ لدين اللهِ وحماسٍ للدعوة للدين الحقِّ؟! وما هي برامجُ وخططُ المسلمين حاضراً ومستقبلاً لمواجهة المدِّ النصراني الذي يحاولُ إعادةَ الاستعمار بطريقةٍ أخرى؟ وهل يُدرك العالمُ الإسلاميُّ خطورةَ السكوتِ على مخططاتِ الغربِ في اقتناصِ العالم الإسلاميِّ وحدةً وحدة، حتى يستحوذَ عليهم في النهاية أجمعين؟!.
إن الوعي بالخطر النصراني خطوة أولى، ولا بد أن تتبعها الخطوة الأخرى في الإعداد والعمل، ولا بد -ثالثاً- من الصدق والصبر والمجاهدة حتى يأذن الله بالنصر إن على أيدينا أو على أيدي أبنائنا وأحفادنا، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69]، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج:40].
اللهم انصر دينك وعبادك الصالحين وذرارينا من أنصار دينك يا رب العالمين، اللهم اجعل كيد الكائدين في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم يا حي يا قيوم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم