عناصر الخطبة
1/نعمة السيارات والمركبات 2/استفحال ظاهرة الحوادث المرورية 3/إحصائيات مذهلة حول حوادث السيارات في السعودية 4/بعض القصص المؤلمة في حوادث السيارات 5/الحفاظ على النفس وعصمتها 6/الرد على قول: الحوادث بقضاء وقدر 7/أسباب حوادث السيارات 8/ضورة الالتزام بقواعد وأنظمة المرور 9/بعض الإرشادات الشرعية التي بها حفظ النفس والمال 10/بعض الأعمال المشروعة في عشر ذي الحجةاقتباس
إخوة الإيمان: من منا يرضى أن يجعل السيارة التي هي وسيلة نقل وسيلةَ قَتْلٍ ودمار؟! من منا يرضى أن يكونَ سببًا في تحوُّل أسرة تنعم في ظل راعيها بالبهجة والسرور إلى أسرةٍ كئيبة حزينة تعيش حالة من البؤس والتعاسة والشقاء صباح مساء ولسنين عديدة؟! من منا يرضى أن يكونَ سببًا في حفر ذكريات أليمة في مهج أطفال صغار ينتظرون بشوق عودة أبيهم أو أخيهم؟! فهذه طفلة صغيرة مضت مع والدها الحنون إلى بوابة المدرسة وودعته بابتسامتها البريئة على أمل لقائه في آخر اليوم، لكنها في ذلك اليوم وقفت على باب المدرسة طويلا حيث...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بيده الفضل، من شاء أعطاه ومن شاء منعه، فلا رافع لمن خفضه، ولا خافض لمن رفعه، أحمده وأشكره على مزيد نعمه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي له العزة والبقاء والعظمة.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الهادي إلى سبيل النجاة، والمحذّر من طريق الهلاك، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه عدد المتحركات والجامدات من الشجر والحجر والبشر، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم -عباد الله- ونفسي المذنبة القاصرة أولًا بتقوى الله، فهي مفتاح السعادة للفرد والمجتمعات.
عباد الله: يقول الله -تعالى-: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 8].
(وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) خلق الله من المراكب ما لم يعلم الخلق، ما لم يعلم المخاطَبون ومَن بعدهم، ولكنَّ في الآية إشعارًا بأمر سيأتي، فجاءت تلك الوسائل المختلفة، من وسائل جوية وبرية وبحرية، فكم شاهد الناس من هذه المراكب التي سيَّرها الله وتفضَّل بها، وله الفضل والمنّة: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
أيّها المسلم: إنّ مِن نِعَم الله علينا وجودَ هذه المركبات، أعني السّيّارات التي هيّأها الله وسَخَّرها، وأَلهَم خَلقًا من خَلقِه لاختِراعِها وتكوِينِها: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات: 96].
فهذه السيارات نِعم أنعم الله بها على العباد، والنعمة تحتاج من المسلم إلى أن يقابلها بشكر الله عليها، ثم بإحسان استعمالها لتكون عونًا له على طاعة ربه، وقيامًا بحق الله عليه.
إخوة الإيمان: ما مِن يوم ينقضي إلا ونسمع عن عددٍ من حوادث السير المفجعة التي تحصد الأرواح أكثر مما تحصدُ الحروب، فلمَ لا نعمل على الحدِّ من هذه الحوادث المرورية المؤلمة، وخاصة أن نصوص الشريعة الإسلامية قد حمتْ حق الإنسان في الوجود، وحقه في الأمن والأمان، وشرعتْ الحدودَ التي تحفظ هذا الحق وتصونه، كما أن القوانين والتشريعات التي تُصْدِرُها الدول -ومنها المملكة في هذا الصدد- تواكب وتساير ما جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء في صيانة الدماء والأموال، وحماية حق البشر في الأمن والأمان.
عباد الله: ويُعَدُّ الخروجُ على هذه النصوص الشرعية والقانونية مخالفةً صريحةً، ويُعَدُّ المخالفُ آثمًا وعاصيًا؛ لأن النُّظُم والقوانين التي وضعتها إدارة المرور والترخيص تخدم بالدرجة الأولى مصلحة الفرد والمجتمع؛ لأنها توفر السلامةَ والأمن والأمان لسالكي الطريق.
وينبغي أن يلتزم الجميع بهذه النُظم وتلك القوانين؛ لأنها سُنَّتْ لِمنعِ الأذى، وفي الحديث الشريف يقول النبي: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: "إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ".
عباد الله: إن الله -جلَّ شأنه- حَمَى النفسَ البشرية، وأكَّدَ حقها في الحياة عندما اعتبر قتْلَ نَفْسٍ واحدةٍ قَتْلًا للبشرية كلِّها، وإحياءها إحياءً للبشرية كلها، يقول تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة: 32].
نعم -أيها الإخوة-: إننا أمام حرب شرسة مع هذه السيارات، وتعد بلادنا من أكثر دول العالم في حصد الأرواح بسبب حوادث السيارات، يكفي أن نعلم أن الإحصاءات المرورية في السعودية، تقول: إن هناك إنسانا يموت كل ساعتين نتيجةً لحادث مروريّ، وإن هناك حوالي 8 مصابين خلال هذه الساعتين، أي: أنه خلال السنة يموت لدينا أكثر من أربعة آلاف شخص، ويصاب أكثر من اثنين وثلاثين ألف آخرين، كيف يتخيل مسلم أن يموت في عام واحد ما يُقارب خمسة آلاف إنسان في بلادنا كلها بسبب حوادث السيارات؟! هل هانت ورخصة أرواحنا إلى هذا الحد؟.
عباد الله: إن الأرواح ليست هينة لهذه الدرجة أن تُزهق بسبب تهور، أو طيش، أو تجاوز للأنظمة.
إن الأمر خطير، وإن ما نفقد من الأرواح والأموال كبير، وأكثر المفقودين في هذه الحوادث في سن يتراوح ما بين الخامسة عشرة والأربعين، وهذا يعني أن جُلَّهم يُعيل أسرة، وهذا يعني كثرة الأيتام والأرامل، فرحماك يا رب.
إخوة الإيمان: من منا يرضى أن يجعل السيارة التي هي وسيلة نقل وسيلةَ قَتْلٍ ودمار؟! من منا يرضى أن يكونَ سببًا في تحوُّل أسرة تنعم في ظل راعيها بالبهجة والسرور إلى أسرةٍ كئيبة حزينة تعيش حالة من البؤس والتعاسة والشقاء صباح مساء ولسنين عديدة؟! من منا يرضى أن يكونَ سببًا في حفر ذكريات أليمة في مهج أطفال صغار ينتظرون بشوق عودة أبيهم أو أخيهم؟!
فهذه طفلة صغيرة مضت مع والدها الحنون إلى بوابة المدرسة وودعته بابتسامتها البريئة على أمل لقائه في آخر اليوم، لكنها في ذلك اليوم وقفت على باب المدرسة طويلا حيث غاب عنها أبوها وغاب معه حنانه وعطفه.
أيها المسلمون: هذه قصص أصبحت مألوفة لنا مع كثرة حوادث السيارات، فهذا انقلاب يودي بالعشرات، وذاك تصادم تمزق فيه الأشلاء، وذاك دهس تُسال فيه الدماء، يا لله، ما أشنع مناظر الحوادث، ما أقساها، ما أعنفها، إنه حديد لا يرحم أحدًا.
يا لله، ما أقسى المنظر يوم يتعامل هذا الحديد الشديد مع الجسد الطري، كيف يُمزقه يُشققه، رحماك يا رب؛ لأن زيارة واحدة لأحد المستشفيات كفيلة بإظهار عظيم المصيبة، وهول الفاجعة شبابٌ في أعمار الزهور يرقدون على الأسرة البيضاء ما بين مكسورٍ ومبطونٍ ومجنونٍ ومعاق جراء حوادث محزنه، ألا يريعك مشهد السيارة المتحطم؟ ألا يخيفك منظر الدماء؟ ألا تتأثر بمشاهدة الجثث؟ هل أبصرت عيناك هذه المواقف؟ هل استمعت أذناك إلى صرخات المتوجعين وأنات المتألمين؟
عباد الله: لقد أمرنا الله بحفظ النفس لا بإتلافها، فقال سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله من إراقة دم"[رواه مسلم].
فاتقوا الله -عباد الله-: واعلموا أن أعظم نسبة في هذه الحوادث هي بسبب المخالفات، وتجاوزات النظام، وأغلبها من الشباب المتهور الذي غالبا لا يحسب حسابا، ولا يُفكر في عاقبة.
لقد ثبت في الإحصائيات أن سبعين في المائة من أسباب تلك الحوادث المروعة عائد إلى تجاوز السرعة القانونية، هذا في الأرواح.
أما الأموال فإن الفاقد كبير، فبسبب تلك الحوادث يتحمل الناس ديات ومعالجات وتكاليف يذهل منها الإنسان.
فهل تتخيل -أيها الأخ الكريم-: أن الخسائر المادية لتلك الحوادث ربما يتجاوز عشرين مليار ريال سعودي.
أي: ما يُعادل ستين مليونًا يوميًّا.
أي: ما يُعادل مليونين ونصف في الساعة.
أي: ما يُعادل ثمانية وأربعين ألف ريال في الدقيقة.
كل هذه مع دماء تسيل، وأرواح تُزهق، وأطراف تُكسر، رحماك يا رب.
عباد الله: قد يقول قائل أن هذه الحوادث قضاء وقدر، ولن يصيبني إلى ما كتب الله.
نقول لك: نعم إنَّ الأقدارَ بيد الله، ونحن نقر جميعا بأن قدر الله لا مفر منه، وكلّ ما يجري في الكونِ بقضاء الله وقَدَره، ولكن هل فعلنا أسباب الحماية والوقاية؟! هل تأملنا في حالنا؟! هل راجعنا أنفسنا؟! (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد: 22].
هذا حقٌّ نؤمِن به ونصدّقه، ولكن لا يكون الإنسان سببًا في حصولِ الكوارث.
إنَّ على المسلم أن يتّقيَ أسبابَ الكوارث بقدرِ إمكانه، والأمرُ الذي يقدِّره الله أمرٌ لا رادَّ له، لكن لا تكن -يا أخي- سببًا في حصولِ ما حصَل، أنت خُذ بالأسبابِ النافعة، وتوقَّ الشرَّ قدرَ استطاعَتِك، وما وقع بغيرِ إرادَتِك فالله -جل وعلا- لا يؤاخِذُك بذلك.
أما أن تكونَ السببَ في إتلاف النفوس والأموالِ، فأنت إذًا من الخاسرين -والعياذ بالله-.
يا عباد الله: هذه نعم تفضل بها ربنا علينا، فأين شكرها؟! ألا ترون كيف يعبث شبابنا بسياراتهم في صورة جنونية؟ إما في الشوارع وإما في الساحات العامة وإما في المنتزهات؟! أهكذا شكر النعم؟! أهذا من العقل؟! ثم النهاية دهس أو انقلاب أو تصادم.
أخي المسلم: ربما تقول: عندي ظروفٌ والوقت قصيرٌ أريد أن أقطعَ المسافةَ الطويلة في أقصرِ مدّةٍ ممكنة، هذا التصوّر خاطئ.
افرِض أنّك إن تهوَّرتَ في قيادتك، فتحمَّلتَ مصائبَ على نفسك أو على غيركَ من إخوانك المسلمين، ما كنتَ تقطعُه في الساعةِ الواحدةِ أضِف إليه دقائقَ تَسلَم بتوفيقٍ من الله من هذه البلايا، لكن أن تزجَّ بنفسك وتسرِعَ سرعةً فائقة متجاوزة للحدود، فأيُّ جنايةٍ وقعت منك فأنت تتحمَّل تبِعاتها أمامَ الله -جل وعلا-؛ لأنّك السببُ في حصولِ ما حصَل، فتبوء بالإثمِ وعَذابِ الله يومَ القيامة.
وليعلم الذين يتعجَّلون أن خلْفَهُم نساءً وأطفالًا هم بأشد الحاجة إليهم، وعليهم أن يفكروا في مصير أسرهِم وأولادهم.
ولينظُرُ هذا المتهور إلى أطفالِ هذا الذي أزهقتَ نفسَه وإلى أهله، وكم أضَعتَ، وكم أحزَنتَ، وكَم ارتكبتَ وكم ارتكبتَ.
فبالله عليك: اتَّقِ الله في نفسك، وراقِبِ الله في سيرِك.
ولنكُن -أيها المسلمون-: على خلقٍ في تعامُلنا، في قيادةِ سيّاراتنا وسيرِنا في طرُقنا.
أيها المسلمون: لقد أصبحت السيارات من أكثر أسباب هلاك الناس، حتى إنها أحيانا تفوق قتلى الحروب، فهل انتبهنا لذلك، فهذه الانتفاضة المباركة في الأقصى وهي جهاد ضد العدو المحتل فقدت خلال ثلاث سنوات ماضية ما يُقارب ثلاثة آلاف شهيد نحسبهم كذلك والله حسيبهم.
وعندنا هنا كان المفقود بسبب السيارات في عام واحد فقط أكثر من خمسة آلاف، أليس هذا الأمر داعيا لنا أن نتوقف؟! أن نفكر؟! خصوصا إذا علمنا أن أكثر من سبعين في المائة من أسباب تلك الحوادث القاتلة عائد إلى أخطاء بشرية؟.
عباد الله: ما أجدرنا بأن نتحلى بالصفة الأولى من صفات عباد الرحمن، الذين قال الله فيهم: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) [الفرقان: 63].
وما أجمل أن نقتدي بنبينا محمدٍ في سيره ليلةَ أن دفع من عرفة إلى المزدلفة، ومعه ذلك الجمع الهائل من الحجيج، فكان يناديهم ويرفع يده اليمنى قائلًا: "يا أيها الناس، السكينةَ السكينةَ".
وكان يكبح من سرعة راحلته بشد زمامها حتى كادَ رأسها أن يلامس رحلها، وذلك خشية أن يشق على المسلمين في سيرهم، أو أن يضايق أحدًا منهم في طريقه.
فاتقوا الله -أيها العباد- في أنفسكم وفي إخوانكم وأموالكم، واتقوه بطاعة ولاة أمركم إذا أمروكم بما فيه صلاحكم وسبب سلامتكم.
واعلموا: أن مخالفة نظام الدولة ليس مخالفة لبشر فقط، ولكن مخالفة للبشر ولخالق البشر، وولاة الأمور مقرونة طاعتهم بطاعة الله ورسوله، يقول الحق -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59].
إذًا فنحن -أيّها المسلمون-: يجب أن نكونَ محترِمين للأنظمةِ النافِعة المفيدة، التي أصدرها ولاة أمورنا وأن نعتقدَ أنّ احترامَها والتقيّد بها أمرٌ مطلوبٌ منّا شرعًا؛ لأنّ سلامةَ الأرواح والأموال مطلوبةٌ من المسلم، فالتهوّر وعدم المبالاة ليست مِن أخلاق المسلمين.
إنَّ أخلاقَ المسلمين قَبول الأنظمة النافعة وتطبيقُها، كلٌّ يطبّقها على نفسه ليسلمَ مجتمعُنا بتوفيق الله من هذه الكوارثِ التي تقضّ مضجع المسلم وتؤلمه إيلامًا شديدًا.
ما نسمَع في الصُّحف كلَّ يومٍ عن حوادِثَ مروّعة: إنما أسبابها -بأمرِ الله- السّرعةُ الزائدة، التصرّفاتُ الخاطئة، قيادةُ السيارةِ لمن لا يحسِن القيادةَ ولا يطبّق الأنظمةَ ولا يعرف للسيرِ حقَّه، تسليم السيارات لصغار السن الذين لا يحسنون التصرف ولا يعون مخاطر السيارة.
فلنتَّق الله في أنفسنا، ولنلتَزِم سلامةَ إخوانِنا ديانةً ندين الله بها.
أسأل الله أن يأخذَ بنواصي الجميعِ لما يحبّه ويرضاه.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن نكون ممن يحفظون دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، وأن يكتب لنا وللمسلمين جميعًا السلامة والعافية في البر والبحر، وأن يحفظ أهلنا وأبناءنا وبناتنا وبلدنا هذا خاصة وسائر بلاد المسلمين، آمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أخي السائق: إليك بعض الإرشادات الشرعية التي فيها -بإذن الله- حفظ لنفسك ومالك:
أولًا: التزم تقوى الله بفعل ما أمر واجتناب ما نهى؛ لأن التقوى سبب للتيسير والخروج من الشدة، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].
وقال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2].
ثانيًا: توكل على الله عندما تركب سيارتك أو تخرج من بيتك، فإن من توكل على الله كفاه.
واعلم أن من حسن التوكل الأخذ بالأسباب، قال: "إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يُقال له حينئذ: هُديت وكفيت ووقيت، فيتنحى عنه الشياطين، ويقول: كيف برجل هدي وكفي ووقي؟!".
ثالثًا: المحافظة على دعاء ركوب السيارة، وكذلك دعاء السفر، ففي ذلك خير عظيم يغفل عنه أكثر السائقين.
رابعًا: الابتعاد عن المحرمات حال القيادة كالأغاني والمخدرات وغيرها؛ لأن الإنسان على هذه الطرق في خطر، وهذه المعاصي تُبعد عنه حفظ الله، بل إنها تقرب منه عقاب الله.
ألا تخاف -أيها الكريم-: من قوله تعالى: (فَكُلًا أَخَذْنَا بِذَنبِه) [العنكبوت: 40].
فليكن رفيقك في السيارة هو القرآن وجميل القول والذكر الحسن.
خامسًا: المحافظة على صلاة الفجر في جماعة، قال: "من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله".
سادسًا: الحرص على صلاة الضحى؛ لأن الله يحفظ من أداها، كما قال عز وجل في الحديث القدسي: "يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات أول النهار أكفك آخره"[رواه أحمد وصححه الألباني].
سابعًا: استشعار حرمة دم المسلم وماله والخوف من الوقوع في أذيته.
ثامنًا: تذكّر نعمة الله على الإنسان بهذه المركبات، والنعمة تُشكر لا تُكفر.
تاسعًا: الحرص على تفقد السيارة قبل ركوبها أو السفر بها، وهذا من فعل الأسباب المطلوبة شرعًا.
عاشرًا: الالتزام بتعليمات المرور وأنظمته؛ لأن هذا من طاعة ولي الأمر التي فيها مصلحة للمسلمين، فلا يصح لأحد أن يستهين بها.
معاشر المؤمنين: هذه الوصايا لو أخذنا بها لحفظنا الله من كثير من هذه الكوارث.
معاشر المؤمنين: الحافظ هو الله: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يوسف: 64].
لذا لا بد لنا من الانصياع الكامل لأوامره ونواهيه والتوكل عليه، فإذا نزل البلاء حفظ الله أولياءه.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: في هذه النعمة، واشكروا المولى عليها، فإنها إذا كُفرت رحلت.
عباد الله: يقول الله -عز وجل- في كتابه العزيز: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55].
فإننا لا نزال في أيام العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة، والعبادة فيها لها ثواب عظيم وفضل كبير، والصوم فيها مستحب.
أيها المسلمون: إن العبادة هذه الأيام ليست منحصرة بالحجيج، فقد هيأ الله -عز وجل- للمسلمين جميعا أن يكسبوا الثواب، وعليه.
فيا من شق عليه الحج لبعد المكان أو قلت المال لقد سُنَ لكم أعمال تنالون بها إن شاء الله الأجر العظيم.
فأذكركم إنه منها أنه يستحبّ في هذه الأيام التنفّل بالصلاة والتطوّع بالصوم والمحافظة على صِلات الرحم والتصدّق على الفقراء والمحتاجين، ومنها صوم يوم عرفة، الذي هو يوم الوقفة العظيمة، والذي قال في فضل صومه صلى الله عليه وسلم: "أحتسبُ على الله أن يكفر السنة الماضية والسنة الآتية".
فاغتنموا فضله، واحذروا الموانع والقواطع، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي يوم عرفة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "أنه كان يُقال يوم عرفة بعشرة آلاف يوم -يعني في الفضل".
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما رُئي الشيطان أصغر ولا أدحر ولا أغيض منه يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الرب عن الذنوب العظام".
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من يوم أكثر مَنْ أن يعتق الله فيه عبيده من النار من يوم عرفة".
وشرع لكم اجتماعٌ بصلاة العيد يُقاربُ اجتماع الحجيج، وذبح القربات، ونحن في وقت أحوج ما نكون فيه للجوء إلى رب العالمين، وأن نستغيث برب السماوات والأرض؛ ليفرج كربنا، وليوحد صفنا، ولينصرنا على أعدائنا.
فيا من تمر به أوقات الفضائل، وهو سكرانُ ذاهل، ستعلم إذا اجتمعت الأواخر والأوائل، ونودي: اليوم تُجزى كل نفس بما كسبت والحاكِمُ هو العادل.
فاتقوا الله -عباد الله-: وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك ألسنة ذاكرة صادقة، وقلوبًا سليمة، وأخلاقًا مستقيمة برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وأجعنا من الذاكرين، وعند النعماء من الشاكرين، وعند البلاء من الصابرين، يا ذو القوة المتين.
اللهم ورد إليك شباب المسلمين ردًا جميلا، وأرنا وإياهم الحق حقا ورزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلًا ورزقنا اجتنابه يا حي يا قيوم.
اللهم إنا نسألك عيش السعداء، ونزل الشهداء، والنصر على الأعداء، يا سميع الدعاء
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45] .
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم