عناصر الخطبة
1/ قصة حميدان التركي 2/ وقفة مع الظلم الأمريكي 3/ قصيدة أم حميدان 4/ واجب الأمة الإسلاميةاقتباس
أمام هذه الأحداث المؤسفة يحق للغيور أن يتساءل: إلى متى يا أمة الإسلام؟ إلى متى ونحن أمة تتكلم ولا تفعل؟ إلى متى ونحن أُمة لا تعرف سوى الشجب والاستنكار؟ كما قال أحد اليهود حينما استنكر العرب بعض تصرفاته: دعوهم، فإنهم سوف يتكلمون قليلاً، ثم يتعبون من الكلام فيسكتون. فهل يعود المسلمون إلى ربهم، ويتمسكون بتعاليم دينهم؟ وهل يعرف المسلمون زيف الحضارة القائمة من حولهم، والتي لا تعرف إلا الظلم والخيانة؟.
أما بعد، عباد الله: أقف وإياكم اليوم مع صفحة مأساوية من صفحات الظلم والقهر، عاشتها أسرة سعودية مسلمة، تعيش في بلد الحرية والديمقراطية.
حميدان التركي طالب الدكتوراه السعودي، الفاضل الشريف، الذي ابتُعث لدراسة الدكتوراة في الولايات المتحدة الامريكية قبل سنوات، فسافر هو وزوجته وأبناؤه الخمسة إلى هناك، وتمضي الأيام ليُقْبَضَ عليه هو وزوجته، وتُوجهَ لهما التهمُ الباطلة، المبنيةُ على الظنون والأدلة الملفقة، وقد تحدثنا عن هذه القضية بالتفصيل ضمن إحدى الخطب الماضية.
وفي مساء أمس الخميس كانت الجلسة المنتظرة بالمحكمة، للنطق بالحكم النهائي حيث وقف أبو تركي بشموخ المؤمن المظلوم الذي لا ينحني إلا لخالقه، ليعلنها في كلمة ألقاها أمام القاضي، بأنه طالب سعودي جاء للدراسات العليا لم يأت لاختطاف وثائق، ولا لسرقة أموال عامة، ولا للتحرش بأحد، وقال: لقد هددتموني بالإيذاء، وها أنتم تفعلون، لكن؛ ماذنب أبنائي وبناتي الصغار؟.
فيحكم عليه القاضي عليه بالحكم الجائر السجن: ثمان وعشرين سنة كحد أدنى إلى السجن مدى الحياة، على أن يستدعى المتهم بعد 28 عاما من السجن، فإن كان يقر بذنبه ويعترف بخطئه وينوي عدم العودة إليه، فيُنظَرُ في إطلاق سراحه، أو يتحولُ الحكم إلى السجن مدى الحياة. فاللهم إليك المشتكى، وأنت الملتجا، وأنت المستعان، وعليك التكلان.
إننا أمام هذا الحكم الظالم لا نستطيع مدافعة العبَرَات حينما تتراءى أمام أعيننا تلك المشاهد المبكية لأولاد حميدان التركي وهم يبكون عندما صدر الحكم السابق على والدتهم البريئة، فكيف حالهم الآن وهم يتلقون هذا الحكم الشديد الجائر بحق والدهم البريء؟ ألا لعنة الله على الظالمين! ألا لعنة الله على الظالمين! ألا لعنة الله على الظالمين!.
إنها صفحة واحدة من الصفحات السوداء لحماة حقوق الإنسان المجرم، وأدعياء العدل والديمقراطية، إنه التطرف الأمريكي المتشبع بالكراهية لكل عربي ومسلم، إنها العنصرية التي بدأت تكشر عن أنيابها، وتُظهر ما خفي من أحقادها، في تصفية حساب عنصري مَقيت مع ما يمثله هذا الرجل وزوجته من مبادئ الإسلام.
إنها حلقة من مسلسل الإرهاب الأمريكي، وعلامة واضحة لضعف أمريكا وتخبطها وقرب زوالها حينما تتدخل جهات خارج القضاء لفرض حكم جائر، إنه الظلم سبب هلاك الأمم، كما قال تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59]، وإن الله يهلك الأمة الظالمة وإن كانت مسلمة، ويمكن للأمة العادلة وإن كانت كافرة، نسأل الله أن يجعل دائرة السوء على الظالمين.
عن أي حضارة يتكلمون؟ وعن أي عدالة يتحدثون؟ ألم ينقل الصحفي المخضرم من وكالة رويترز (آلان إيلسنر ) في كتابه "بوابات الظلم"، موضوع سجون أمريكا غير المعروفة، ويقرر بالإحصائيات أنَّ هناك أكثر من مليوني إنسان داخل السجون الأمريكية، وأن الولايات المتحدة تحوي أكبر عدد سجناء بالنسبة لعدد السكان في العالم الصناعي! إن هذا الأمر يكشف عن زيف ادعاءات الديمقراطية والعدالة وغيرها من المصطلحات الرنانة التي يتبجح بها هؤلاء الظالمون.
عباد الله: إنَّنا، مع حزننا واستيائنا الشديد لما أصاب أخانا الفاضل البريء، لا نزال نعلِّقُ آمالنا بالله ونسأله الفرج، ثم نؤمل في حكومتنا المباركة، وكافة المنظمات وجمعيات حقوق الإنسان أن تعمل كل ما في وسعها لإنقاذ هذه الأسرة المسلمة، (واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].
إن الأمر كلَّه لله، إن قدرَ الله نافذ، وحكمَه واقع، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
يا أيها المظلومون، يا آل حميدان التركي: لكم الله! لكم الله يا أبناءه وبناتِه! لك الله يا زوجتَه! وكم أحرقت قلوبنا تلك القصيدة المحزنة التي كتبتها الزوجة المظلومة أم تركي وهي في السجن، قصيدة مدادها صحائف الظلم، وحبرها دموع الأم المفجوعة في زوجها وأبنائها، المكلومة في دينها وحيائها، بعد أن أجبرت على نزع حجابها، وكشف وجهها وشعرها في المحكمة.
نَاشَدْتُّ أهلَ البِرِّ والإيثارِ *** ناشَدْتُ أمـَّةَ سيِّدِ الأَبْـرارِ
أنا بنتُ نَجدٍ بورِكَت وتهلَّلَتْ *** من أهلها ذي السادة الأخيارِ
زوجي ابن نجدٍ في رُباها قد رَبى *** شَهْمَاً طَهُورَاً من ثرى الأطهارِ
قدْ كبّلونا بالحديدِ وحسبُهم *** كـفُّ الدعاءِ يجود ليلَ نهارِي
ورُميتُ -واهولاه!- في سِجن العنا *** ورمَوا بزوجي خَلف ذُعرِ جدارِ
قد رنَّ في أُذُنِي بُكاءُ أحبتي *** خمسٌ من الأطفالِ في الأسحارِ
بـاتوا بـلا أُمٍ و غُيِّب والدٌ *** وغدَوْا كـأيتام، فيا لَلعـارِ!
كشفوا عن الوجه الحيِيِّ غِطاءَهُ *** وظهرتُ في الإعلام دون ستارِ
ورُميتُ بالجُرم الذي لم أقترفْ *** وكذاك زوجي زُجّ دون حوارِ
قَـدْ أَطلقَ الفجارُ إفكاً فاحشـاً *** أَواهُ! مَن ذا آخذٌ بالثارِ
الله علَّامٌ بصِدْقِ براءتي *** فيما أبَنْتُ و عالـِمٌ أسراري
هيا اسمعوا صوتاً بريئاً قد ثوى *** في السجن بين براثنِ الكُفارِ
ارمـُوا سِهامَ الليلِ لله الَّذِي *** يُنجيه فهو مُقـدِّرُ الأقدارِ
أُمراءَنـا وُزراءَنا كُبراءَنا! *** الخطب أعظمُ من أنين هـزارِ
أشْكو إِليكم حُرقتي و تَوجُّدي *** خوفي وآلامي و رعبَ دثارِ
ما رُدَّ مظلومٌ بساحةِ عدلكمْ *** أو ذَلَّ صاحبُ عزةٍ بقرارِ
بُنيانُ أُمتنا يُشَدُّ قِـوامُه *** يا صرخةَ المظلومِ! صوتـُكِ عارِ
يوماً سيُشرق بالبراءةِ سانحاً *** وسترجع الأطيـارُ للأوكارِ
و سترجع الأطيارُ للأوكارِ *** ويُرَدُّ كيدٌ كائــدٌ ببَـوار
عباد الله، هل القضية قضية شخصية؟ هل هي قضية حميدان فقط؟ كلا! فالقضية قضية الآلاف من أبناء المسلمين وأبناء هذه البلاد ممن يدرسون أو يسافرون إلى تلك البلاد، فيا خوفنا عليهم! ويا خوفنا على الآلاف من شباب الثانويات المراهقين الذين يجري الآن ابتعاثهم إلى أمريكا! يا خوفنا على دينهم ومبادئهم وأخلاقهم وحريتهم.
لماذا؟ لأنهم من أبناء المسلمين، ولو كان حميدان من رعايا إحدى الدول الكبرى، لم يتجرأ هؤلاء الأذناب على التلاعب في التهم، والتلفيق في الأدلة، ولسارت القضية بشكل مختلف.
إن ما يحدث الآن ليس إلا بسبب تخلف المسلمين عن دورهم المنوط بهم في قيادة البشرية، ووالله! لا تجد تفسيراً لهذا الموقف أصدق مما نطق به المعصوم -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "يُوشِكُ أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقيل له: ومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن"، فقالوا :يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت". والحديث عند أبي داود بسند صحيح عن ثوبان -رضي الله عنه-.
إن حميدان وغيرَه من المظلومين المضطهدين في كل مكان ما هم في الواقع إلا ضحيةٌ لهوان الأمة وذلها، وتضييع كثير من أبنائها ودولها لشريعة الله تعالى.
وإن من المحزن حقاً أن ترى بعض إخواننا وشبابنا ممن تعلقت قلوبهم بالشهوات والمحرمات، والأغاني والتمثيليات، وكأنما هم يعيشون على هامش التاريخ.
يا أمَّةَ الحق ماذا بعدُ، هل قُتِلَتْ *** فينا المروءاتُ و استَشْرَى بِنَا الخَوَرُ؟
أَمَا لَنَا بَعْدَ هَذَا الذُّلِّ مُعْتَصِمٌ *** يُجيبُ صرخةَ مظلومٍ و ينتصرُ
أما لنا من صلاح الدين يُعتِقنا؟ *** فقدْ تكالَبَ في استعبادنا الغجرُ
يا أمَّةَ الحقِّ! إنا رغْمَ مِحْنَتِنا *** إيمانُنا ثابتٌ بالله نصطبرُ
فقد يَلِينُ زمانٌ بعد قسْوَتِهِ *** وقَدْ تعُودُ إلى أوراقِهَا الشَّجَرُ
أقول ما تسمعون، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما أمر...
عباد الله: أمام هذه الأحداث المؤسفة يحق للغيور أن يتساءل: إلى متى يا أمة الإسلام؟ إلى متى ونحن أمة تتكلم ولا تفعل؟ إلى متى ونحن أُمة لا تعرف سوى الشجب والاستنكار؟ كما قال أحد اليهود حينما استنكر العرب بعض تصرفاته: دعوهم، فإنهم سوف يتكلمون قليلاً، ثم يتعبون من الكلام فيسكتون. فهل يعود المسلمون إلى ربهم، ويتمسكون بتعاليم دينهم؟ وهل يعرف المسلمون زيف الحضارة القائمة من حولهم، والتي لا تعرف إلا الظلم والخيانة؟.
إن أُمَّتَنا اليوم مهزومةٌ هزيمةً نفسية، قبل أن تكون مهزومةً هزيمةً اقتصادية أو عسكرية، ولكن، ليعلمَ العالمُ كله بجميع دوله أن الله -سبحانه وتعالى- فوق كل شيء، الله فوق الطائرات الحربية والأقمار الصناعية، الله أقوى من القنابل الذرية، الله أكبر من أي عدو، الأمر بيده وحده، والنصر من عنده دون غيره، و هو الذي ينصر عباده كما وعدهم إذا آمنوا به واتبعوا أمره، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139].
إن دين الله منصور متى ما نصرناه، وإن نصر الله قريب متى ما طلبناه، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا غيرنا ما بأنفسنا من المعاصي والذنوب، وانتقلنا إلى فعل الطاعات، والمسابقات إلى الخيرات، غيَّر الله تعالى ما نحن فيه من الذل والشقاء إلى العز والهناء.
إن الواجب على كل واحد منا أن يستشعر أنه مطالب بنصرة هذه الأمة، وإعلاء هذا الدين، وأن يبذلَ كل ما في وسعه في إصلاح نفسه وإصلاح من حوله، يحدوه الأمل، ويدفعه الفأل.
وعلى الإنسان أن يعمل، ويبشرَ غيره ويتفاءل؛ لأن النفوس بأمسِّ الحاجة إلى التفاؤل الذي يدفعها إلى العمل.
وهكذا كان هديه -صلى الله عليه وسلم-، ها هو في أحلك الظروف، ومنتهى القلق والخوف، يحفر الخندق هو وأصحابه، حتى إذ واجهتم صخرة شقت عليهم أخذ -صلى الله عليه وسلم- المعول فيفتتها بضربة واحدة، فينبعث منها النور، وإذ به يبشر أصحابه بفتح مدائن كسرى وقصور قيصر.
إنها دعوة صادقة من محب لأحبابه، ومن أخ في الله لإخوانه، أناشدكم فيها بالمسارعة إلى التغيير، قبل أن تسكب العبرات، وترتفع الآهات، وتحل الأحزان، وتكثر الأشجان، ويفرح الأعداء، ويحزن الأصدقاء، (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم