عناصر الخطبة
1/صحابي بشره النبي –صلى الله عليه وسلم- بالجنة لسلامة قلبه من الحسد 2/خطر الحسد وأضراره 3/ وسائل سلامة الصدر من الحسداقتباس
الحسد باعث الخلافات والنزاعات، وآكل الحسنات والخيرات؛ مسبب القطيعات، ومكدر العلاقات! كم أذهب من راحة! وأقعد من لذة! وأورث من هم وغم وحزن؟! إن الحسدة أقوام أوحشوا أنفسهم، وكدروا قلوبهم إذ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].
معاشر المسلمين: أخرج الإمام أحمد بسند على شرط الشيخين والحديث قد أخرجه أيضاً البيهقي والبزار عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا جلوساً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار تنظيف لحيته (أي تقطر) من وضوئه، وقد تعلق نعليه في يديه الشمال، فلما كان الغد، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى، فلما قام النبي -صلى الله عليه وسلم- تبعه عبد لله بن عمرو بن العاص، فقال: "إني لاحيت أبي (أي خاصم أبيه) فأقسمتُ أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت؟ قال: نعم" قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليال الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئاً، غير أنه إذا تعارَّ وتقلب على فراشه ذكر الله -عز وجل- وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير إني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبى غضَبٌ ولا هَجْر، ولكن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لك ثلاث مرات: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت الثلاثَ مِرار، فأردت أن أتي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل غير عملي، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني، فقال: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه" فقال عبد الله: "هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق".
أيها الإخوة الفضلاء: خصلة عظيمة تحلَّى بها هذا الرجل الأنصاري أدخلته الجنة، امتدحه النبي -صلى الله عليه وسلم- على رؤوس الملأ، وتوجَّه مقعد الكرامة في جنات عدن. لم يكن كثير الصلاة، والصيام، لكنه كان كبيرَ نفسِ، فسيحَ قلب، حمل بين جنبيه (قلباً طاهراً) على المسلمين. جنّبه من غوائل الحسد، ونقاه من شوائب الدخَن والحقد، وطهره من كل رجس وسقم. شع قلبه بالخير والمحبة للمسلمين، يغدو إليهم، محباً طيباً صادقاً، يخالطهم بروح المودة، ويسلم عليهم بعميق الحب والصفاء، لا يعنيه ضرهم ومعاداتهم، ولا يغريه غشهم، والتلون لهم. يدعو لهم بالخير والبركة والعافية، ويرضى بما قسمه الله -تعالى- له، لا يخونهم في السلام، ولا يبخسهم في الحديث، ولا يحسدهم في النعم والفضائل، ويحفظ حقوقهم وظهورهم، ولا يذكرهم إلا بالخير. قد تعطر بجميل الخصال، ونصح بصادق المحاسن والأخلاق.
لقد كبرُ عقله، وصفت نفسه؛ حين علم أن المنح والأفضال أرزاق قسمها الله -تعالى- بين عباده، لا يملك هو أو غيره تقليبها أو تحريكها أو الاعتراض عليها؛ لأن ذلك افتئات على أمر الله، ومنابذة لقدره وحكمه وحكمته.
تجمل بالعقل والرشاد، وحاز الصفاء والنقاء، فعاش في سلامة وأمان ورخاء: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا) [النحل: 18].
ألا قل لمن كان لي حاسداً *** أتدري على من أسأت الأدبْ
أسأتَ على الله في فعله *** لأنك لم ترضَ لي ما وهبْ
فجازاك عنه بأن زادني *** وصدَّ عليك وجوهَ الطلبْ
أيها الإخوة: الحسد باعث الخلافات والنزاعات، وآكل الحسنات والخيرات، مسبب القطيعات، ومكدر العلاقات! كم أذهب من راحة، وأقعد من لذة، وأورث من هم وغم وحزن؟
إن الحسدة أقوام أو حشوا أنفسهم، وكدروا قلوبهم إذ علقوا أطماعهم بفضائل غيرهم، فجرّوا على أنفسهم القلق والضيق والاضطراب.
ما أعظم أن يعيش المسلم طيب القلب، سليم الصدر، قانعاً بقسم الله -تعالى- لك، قد كفيت نفسك جراء مراقبة الناس في أقوالهم وعلومهم وفضائلهم، وسلَّمت خيرك وثوابك المحق والهلاك والخسائر، روى الإمام أحمد والترمذي بسند جيد عن الزبير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر"، وروى الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم وسوءَ ذات البين فإنها الحالقة"، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال للرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظنَّ فإنه أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً"، وروى ابن ماجة بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فقال: "هو التقي لا إثم فيه ولا بغي, ولا غل ولا حسد".
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها...
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وطهروا نفوسكم مع إخوانكم، واحذروا غوائل الحسد؛ فإنها مسخطة للرب، مفسدة للقلب، مهلكة للثواب.
واعلموا أن ثمة أمور ووسائل من امتثلها بحق رزق سلامة الصدر، وطهارة القلب؛ منها: الإخلاص، روى أحمد وابن ماجة بسند صحيح عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولوزم جماعة المسلمين, فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
ومنها: رضا العبد عن ربه، وامتلاء قلبه به، قال ابن القيم -رحمه الله- في الرضا: "إنه يفتح باب السلامة فيخلو قلبه من الغش والدغل ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم. كذلك وتستحيل سلامة الصدر مع السخط، وعدم الرضا، وكلما كان العبد أشد رضا كان قلبه أسلم، فالخبث والدغل والغش قرين السخط، وسلامة القلب وبره ونصحه قرين الرضا، وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا.
ومنها: قراءة القرآن وتدبره، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57]، فالقرآن هو الشفاء التام لسائر الأسقام القلبية والجسدية.
ومنها: دعاء الله -تعالى- وسؤاله السلامة من ذلك، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
ومنها: استشعار إخوة الإسلام، وما ينبغي فيها من الصدق والمحبة والتسامح والوفاء، وهي ضمان التفرقة والتباعد والانفصال، ثم إننا نذكركم بسنة عاشوراء، قال ابن القيم: "وأما عاشوراء فإن كان يتحرى صومه على سائر الأيام، ولما قدم المدينة وجد اليهود يصومه ويعظمه، فقال: "نحن أحق منكم" فصامه، وأمر الناس بصيامه، وذلك قبل فرض رمضان، قال: "من شاء صيامه، ومن شاء تركه"، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "وصيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"، والسنة أن تصوم عاشوراء ويوماً قبله أو بعده مخالفة اليهود، كما دلت على ذلك الأحاديث.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال.
اللهم إنا نعوذ بك من شر عملنا، وشر ما لم نعمل.
اللهم إنا نعوذ بك من شر أسماعنا وشر أبصارنا، وشر قلوبنا، وشر ألسنتنا وشر أنفسنا...
اللهم اغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم السداد والتوفيق والهداية، واجعلهم من الراشدين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم