الحج ومراغمة الكفار

ناصر بن محمد الأحمد

2011-02-12 - 1432/03/09
عناصر الخطبة
1/ الصراع بين الإيمان والكفر. 2/ التعبد بمراغمة الكفار في الحج. 3/قصة أم إسماعيل، عليهما السلام، والدروس المستفادة منها .

اقتباس

لئن كانت الأمة قد فُتنت في قرون مضت بما أخَذت من أمم الكفر السالفة من علم المنطق والكلام والفلسفة حتى تفرَّقَت بدداً، وصارت طرائق قدداً، ونُصب قِدر البدعة على أثافي الهوى قروناً متطاولة، فإن بدعة أعظم وأطَمّ، وأحبُولة للتبديل والخروج من الديانة أكبر وأدهى، قد رُكِزَت أعلامُها في أسواق الأهواء، فراجت بأسماء الإخاء الديني ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: إن الصراع بين الإيمان والكفر صراع قديم، وسيبقى هذا الصراع ما دام هناك إيمان وكفر على وجه الأرض، قال الله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسدَتِ الأَرْضُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:251] وقال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ، إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].

أيها المسلمون: إن وجود عدو يصارع الإنسان أمر ضروري لابد منه، أياً كان هذا الإنسان، بغض النظر عن لونه أو شكله أو دينه أو جنسه؛ فلا يُتصوَّر للإنسان وجود على ظهر هذه الأرض إن لم يوجد العدو الذي يوجه إليه عداءه، ومتى خلت حياته من عدو وجّه عداءه إلى من لا يعاديه، فإذا رفض بعض الناس النـزول إلى حلبة الصراع، ورفضوا معاداة الآخرين، فإن هؤلاء الذين رفضْتَ عداءهم سينصبون لك الأحابيل، ويصنعون لك المخططات، لتدميرك وهلاكك، ولن يلقوا سلاحهم حتى يصلوا إلى أهدافهم؛ قال الله تعالى مؤكداً هذه الحقيقة:(وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود:118-119].

فمن الاختلاف ينشأ الصراع، ويتعادى البشر فيما بينهم، قال الله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)  [الأنعام:112]؛ فهذه سنة من سنن الله في خلقه، فلا يصلح أن يطمح المرء في أن يعيش حياةً هادئة لا يُعَكِّر صفوَها مكْرُ الأعداء، وظلم الأشقياء، ومؤامرات الفسَقة؛ بل على المسلم أن يوطِّن نفسَه على خوض صراع طويلٍ طويل، لا يتوقف إلا إذا توقفت في الإنسان نبضات قلبه.

أيها المسلمون: نعيش هذه الأيام موسماً من مواسم الخير، ألا وهو موسم الحج، وفي موسم الحج تتجلى عبادات عظيمة يقدمها المسلم، ولعلي في هذا المقام أشير إلى عبادة عظيمة تتعلق بالصراع بين الإيمان والكفر، مرتبطة بمنسك الحج العظيم، قلَّ من يتنبه لها، ألا وهي عبادة مراغمة الكفار.

ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة وقد وهنتهم حُمَّى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قومٌ قد وهنتهم الحُمَّى ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحِجر وأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين، ليرى المشركون جَلَدهم؛ فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا".

أيها المسلمون: في هذا الحديث الجليل تقريرُ مشروعيةِ مراغمة الكافر، حتى قال ابن القيم، رحمه الله، في مدارج السالكين: "لا شيء أحبّ إلى الله من مراغمة وليّه لعدوه، وإغاظته له، وقد أشار، سبحانه، إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه"؛ بل جعلها ابن القيم ذريعةً من ذرائع الصدِّيقية، ووليجةً يلج بها العبد المُنيب المُخْبِتُ لبحبوحتِها، فقال: "فمن تعبَّد الله بمراغمة عدوِّه، فقد أخذ من الصدِّيقيَّة بسهمٍ وافرٍ، وعلى قدر محبة العبد لربه، وموالاته ومعاداته لعدوه، يكون نصيبه من هذه المراغمة". اهـ.

لئن كانت الأمة قد فُتنت في قرون مضت بما أخَذت من أمم الكفر السالفة من علم المنطق والكلام والفلسفة حتى تفرقت بدداً، وصارت طرائق قدداً، ونُصب قِدر البدعة على أثافي الهوى قروناً متطاولة، فإن بدعة أعظم وأطَمّ، وأحبُولة للتبديل والخروج من الديانة أكبر وأدهى، قد رُكِزَت أعلامها في أسواق الأهواء، فراجت بأسماء الإخاء الديني، والتسامح الحضاري، والحوار مع الآخر، وولجت في الأمة بدعاية نبذ التطرف والعنصرية والكراهية، كأن الكلب لم يأكل لهم عجيناً، وكأن القوم لم يقرؤوا قول الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَه) [المجادلة:22].

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: "إنه لا يستقيم للإنسان إسلام، ولو وحَّد الله، وترك الشرك، إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعداوة والبغض". فسبحان الله! ماذا أُنزل من الفتن، حتى فُوِّقت سهام اللوم والتخطئة لمن نادى ودعا إلى هذه الشعيرة الجليلة؟! ولكنا، كما قال ابن القيم في عبودية المراغمة: "وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمه ولذّته بكى على أيامه الأُول" (المدارج 1/415).

إن الناظر، يا عباد الله، في نصوص متفرقة عن الحج ومناسكه، يرى رعي الشريعة لمثل هذا الأمر الكُبّار، حتى كانت خطبته -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع تأكيداً لهذا الشأن، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع" رواه البخاري ومسلم، هكذا، بهذه الصفة المنفّرة التي تشي بكل معاني الاحتقار للجاهلية، والاستعلاء عليها، والترفّع عنها وعن أصحابها؛ والحج كلّه تأكيد لهذا الأمر، وتأكيد لمعناه، وتربية للقلوب عليه.

فقد خالف النبي -صلى الله عليه وسلم- المشركين في أفعالهم في الحج، كما ثبت في البخاري من حديث عمرو بن ميمون قال: "شهدت عمر- رضي الله عنه- صلى بجمع، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرِقْ ثبير، وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس".

ومما يبين أيضاً هذا الأمر من نصوص الحج، ويزيد هذه القضية إيضاحاً، ما ثبت عند الترمذي، وصححه النسائي، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة بين يديه يمشي وهو يقول:

خلُّوا بني الكفار عن سبيله.
                          اليوم نضربكم على تنـزيله.
ضرباً يُزيل الهام عن مقيله.
                         ويُذهل الخليل عن خليله.

فقال له عمر -رضي الله عنه-: يا ابن رواحة! بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي حرم الله تقول الشعر؟! فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خلِّ عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل"؛ فانظر إلى حَوْط الشريعة وتقريرها لقاعدة البراء من المشرك، ومراغمته بالإعلام المسموع في مواسم الحج والعمرة، وإكبار هذا، وإشهاره، ومَدح فاعله؛ فأين من يدعون إلى التسامح مع الآخر، والانفتاح على ثقافته، وعدم الكراهية له للاختلاف الثقافي؟ أين هم من هذه الواضحات، وهم يُجادلون في الله، وهو شديد المحال؟ ويأخذون بشدق المنهج، ويضعون ويخبُّون في نصر باطلهم؟.

بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم- في عام الحديبية أهدى جملاً كان لأبي جهل في رأسه بُرة فضة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يغيظ بذلك المشركين"، رواه أبوداود.

ومما يتصل بهذا أيضاً ما ذكره بعض العلماء في سبب تسمية عمرة القضيّة بهذا الاسم، حيث اختلف الفقهاء في أنه هل هو مأخوذٌ من القضاء للعمرة الأولى؟ أم من المقاضاة للكافر؟ على قولين، اختار ابن القيم الثاني. (زاد المعاد 273/3).

ومن ذلك أيضاً، ومما يحسن ذكره، والقلوب إن لم تسافر أبدانها إلى تلك البقاع المباركة سافرت بفكرها وشوقها وتأملاتها، فكأنها تنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول يوم النحر وهو بمنى: "نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر" رواه البخاري ومسلم، من حديث أبي هريرة؛ وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب ألا يُناكحوهم ولا يُبايعوهم حتى يُسلِموا إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

هكذا يُظْهر المؤمن صولة الحق والإيمان والسنة في مواطنَ حُورب فيها الحق والسنة، وهكذا تُربَط الفُهوم في عباداتها بالصرِّاع مع الكافر وديمومته، حتى يجيء المؤمنون وهم يؤمّون تلك المشاعر المباركة، فيتذكرون صراع الحق مع الباطل، وظهور الحق بعد جولة الباطل، وبقاء الحق ظاهراً عالياً، ولتتذكَّر الملايين من المسلمين وهي تطأ أرض تلك المشاعر والمناسك فضلَ إظهار شعار الإسلام وصولته، وأن الصراع مع الكفر والبدعة والفجور باقٍ ما بقيت تحادّ الله وشرعه وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون: من لطيف ما يظهر للناظر في دروس الحج ما يؤخذ من حديث جابر -رضي الله عنه- في السنن، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الطواف بسورتي الإخلاص: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد) وهي سور البراءة من الكافرين، والتسليم لرب العالمين، وليكون العابد الحاج مرتبطاً بمثل هاتيك المعاني العظيمة، وليعقد أنامله عليها، ويستمسك بمقتضياتها.

ومن الدروس المستفادة من تلك العبادة ما يؤخذ من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رقى الصفا فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره، وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" رواه مسلم.

إنه التذكير بالانتصار على القوى العالمية الكافرة على يد الثلّة المؤمنة الصابرة، وهذه هي الكلمات التي يُردّدها كلُّ عابد وكل عالم وكل مجاهد، وتتناقلها الأجيال؛ ولا ريب، مهما بلغ عتوُّ الكافر وتجبّره وظلمه، في أن النصر للموحدين الصادقين، والملايين اليوم، وهي تقف على الصفا صُعُداً، يجب أن تعلم وأن توقن أن جند الله هم الغالبون، ولا بد من أن تعلم وتتعلم علاقة النصر بالعبادة، وعلاقة النصر بالشكر، وعلاقة النصر بكمال التوحيد، وتحققه في القلوب.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: من الدروس والعبر التي نأخذها من الحج، ومن مواطن المناسك، وترتبط في نفس كل مسلم، وبقلب كل مؤمن، ذلك التسليم المطلق، والتفويض العظيم لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة أم إسماعيل؛ ثبت في البخاري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما: "أن إبراهيم جاء بها وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذٍ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جِراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قَفَّا إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيء؟ فقالـت له ذلـك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم! قالت: إذاً لا يُضيِّعنا، ثم رجعت" رواه البخاري.

إنه منهج التسليم للنص، ونبذ الرأي، وطرد الخصومة في التشريع، وهو الأساس الذي يقوم عليه المعتقد الصحيح، وهو القاعدة الأولى في الديانة، وعليه إجماع السلف، وإليه موئلهم، وبتركه وقع أهل الأهواء في التبديل والبدعة؛ ولذا اشتد نكير السلف وأتباعهم على من ترك الآثار، وردّ النص.

واليوم، حين تشتد غربة المسلمين بكثرة من ينادون بالتجديد في الدين بما يلائم العصر، وبترك ما يزعمونه من الرسوم التي عفت! وحين تُزعَج النفوس المؤمنة تلك الأطروحات والندوات، تجد في قصة أم إسماعيل وأمثالها الجلال والجمال والقدوة، فيعلم المسلم، وهو يُقلِّب نظره بين البيت وزمزم والصفا والمروة، عِظم بركة عبادة التسليم لله، وكبير ثوابه، سبحانه، وجزيل عطائه لمن تعبَّده بذلك؛ ألم ترَ أن الله جعل لأم إسماعيل الذكرى الخالدة، والثناء الحسن، ولسان الصدق في الآخرين، إلى يوم الدين، جزاء تسليمها للنص، وتفويضها للأمر؟ وإذا بملايين البشر، على ضوء الأمر الإلهي، يخطون خطاها، ويتخذون من طريقها بين الصفا والمروة مثابة تعبّد، وشعيرة نُسك؟ ولا يزال كذلك، ما تعاقب النيّران، وتقلب الجديدان.

إن عبداً بلغ من أمره أن يجعل اللهُ من عَفْوِ فعله عبادةً ومنسكاً على طريقته وهيئته لَذو قربى وزلفى عند الله سبحانه، وكل صاحب اتِّباعٍ وتسليمٍ ونَبْذٍ للرأيِ فلَه حظٌّ من ذلك بحسْبِه، وله نصيبٌ من هذا بقدْره، والله واسع عليم، يختصُّ برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

بل إن من عجيب ما في قصة أم إسماعيل أنها حين خالطت بتحويطها لزمزم، وداخَلَ أمرَ زمزم مع أم إسماعيل صنعُ البشر وكسبُهم، نَقَص من ذلك بقدر الحرص البشري، مع أنها لم تعترض على نص، ولم تردّ سنة، ولم تدفع شريعة، ولم تترك التسليم لأمر الله، لكنها كانت على حالٍ لو كانت على أزكى منها، وهي الزكيّة البرّة، لكان أعظم بركة، وأجزل مثوبة، ليس لها فقط، بل وللأمم والأجيال المتعاقبة بعدها.

تأمل هذا الحديث، وهو يبين أثر ذلك في البركة والخيرية والزكاة، قال ابن عباس، رضي الله عنهما، فجعلت: "أم إسماعيل تحوِّضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف"، قال ابن عباس، رضي الله عنهما: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عيناً معيناً" رواه البخاري.

إن على أصحاب الدعوات والإصلاح والتعليم والجهاد أن يعلموا أنه بقدر ما يخالط أعمالهم من ركونٍ إلى الرأي، وتركٍ للنص، وبُعْدٍ عن منهج السلف، ينقص قدره من الفلاح والنّجاح والبركة، وعلى كل صاحب دعوة أن يحتاط لنفسه، ويحذر، ويتقي مخالفة التبديل في الأمر، والانزلاق عن السنة ومنهجها.

إن أعظم وأجلّ من قصة أم إسماعيل قصة أبي إسماعيل رحمة الله وبركاته عليهم أهل البيت إنه حميد مجيد، إذ أُمر بذبح ابنه، فاستجاب وسلَّم، وامتثل، ولبّى نداء ربه في التضحية الكبرى، ولم يضن بابنه، ولم يتأخر في البذل؛ قال عنه، ربه: (وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم:37].

إن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى مثل هذه الصفات الإبراهيمية من العلم بالله، والدعوة إليه، وإلى تحطيم الأصنام، ثم الصبر على البلاء ومفارقة الأوطان، والثبات في التضحية في سبيل نشر دين الله، ونشر السنة، والدفاع عن أعراض المسلمين، وحرماتهم.

إن الملايين التي تؤمّ بيت الله وهي تقتدي بإبراهيم -عليه السلام- في رمي الجمار والذبح والأضاحي، ينبغي أن تقتدي بإبراهيم أيضاً في مواطن الدعوة والتضحية والصبر، وهي تنظر إلى تلك الأماكن المباركة التي كان عليها أعظم مواقف التضحية والبذل في سبيل الله، فتجتهد في رفع الجهل والظلم والبدعة والفجور عن الأمة، وتحذَر من تبديل المبدِّلين، وتخذيل المخذِّلين، وتحذَر أيضاً من قومٍ تزيّلوا عن طريق السلف في الدعوة، ولم يمسكوا بعروة التسليم: (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ، وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين) [النحل:90].

 

 

 

المرفقات

ومراغمة الكفار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات