عناصر الخطبة
1/الله هو المالك ونحن على أموالنا مستخلفون 2/دعوة الإسلام العباد للبذل والإنفاق وحثهم عليه 3/فضل الصدقة وبيان ما أعده الله للمتصدقين من الخلف والثواب 4/أمور يجب مراعاتها في الصدقة.اقتباس
وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه -صلى الله عليه وسلم- وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان...
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: إن هذا المال الذي استخلفنا الله فيه، هو مال الله، رزقنا الله إياه، وجعل فيه حياة الإنسان، فبدونه يهلك الإنسان، ومن رحمة الله أن تكفل بالرزق ولم يجعله لأحد من خلقه، فلا أحد يرزق إلا الله -سبحانه-، وليطمئن العبد؛ فقد كُتب رزقه وهو في بطن أمه، ولكن الله طلب منا السعي في فعل الأسباب، ولقد ميز الله بين الخلق، فجعل منهم الغني والفقير، وأمر الغني أن يعطف على الفقير ويواسيه بماله، وجعل للغني في ذلك أعظم الأجور.
عباد الله: ليس لك من مالك إلا ما أنفقت فأبقيت، قال سبحانه: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن الشخير قال: أَتَيْتُ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهو يَقْرَأُ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)؛ قالَ: يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ -يا ابْنَ آدَمَ- مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟!
ولقد حث الله -سبحانه- الخلق على المسارعة بالنفقة في سبيل الله قبل أن يحضر الأجل، فعندها يندم العبد على التسويف والتأخير، حيث لا ينفع الندم؛ قال تعالى: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)[المنافقون: 10].
وطمأن الله العبد بعدم نقصان ماله إذا تصدق العبد منه؛ بل إن الله يخلف على المتصدق بالأضعاف، ويحفظ مال المتصدق، مع ما يأتيه من الأجور
وقال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39].
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -تعالى-: "يا ابن آدم أَنفقْ أُنفقْ عليك، وقال: يمين الله ملأى، سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار"؛ فهذا وعد من الله بالإنفاق على من أنفق في سبيل الله، والله -تبارك وتعالى- لا يخلف وعده.
وعلى العبد أن ينفق من طيب ماله ومما يحب، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانتْ مُسْتَقْبِلَةَ المسجد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب"؛ قال أنس: "فلما نزلت هذه الآية: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فقال: "إن الله يقول في كتابه: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو بِرَّها وذُخْرَها عند الله، فضعْها يا رسول الله حيث شئت"؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقسمها أَبُو طلحة في أقاربه وبني عمه".
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه -صلى الله عليه وسلم- وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالصدقة ويحث عليها ويدعو إليها بحاله وقوله.
ولذلك كان -صلى الله عليه وسلم- أشرح الخلق صدرًا، وأطيبهم نفسًا، وأنعمهم قلبًا، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر.أهـ
وعلى العبد أن يبادر بالصدقة قبل اقتراب رحيله من الدنيا؛ فأفضل الصدقة هو وقت القوة والحب للمال، وليس عند الإدبار من الدنيا، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: سئل -صلى الله عليه وسلم-: "أي الصدقة أعظم"؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان".
وعلى العبد المتصدق أن يتخير الأوقات الفاضلة فيتصدق فيها كرمضان، حيث تضاع الأجور فيه.
اللهم قنا شح نفوسنا يا رب العالمين؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: لا تنقضي فضائل الصدقة، فمن فضائلها: أنها إذا كانت من كسب حلال خالصة لوجه الله -تعالى-؛ فإن الله -تعالى- يقبلها بفضله، ويضاعف ثوابها لصاحبها أضعافًا مضاعفة، والله ذو الفضل العظيم، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن تصدق بعِدْل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُها بيمينه ثم يُرَبّيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوَّه حتى تكون مثل الجبل"؛ فيأتي المؤمن يوم القيامة وإذا بِحَسَناتِه أمثال الجبال فيفرح بثواب الله.
ويوم القيامة يأتي العالم بعلمه، والمجاهد بجهاده، والمصلي بصلاته، والصائم بصيامه، ويأتي المتصدق بالعلم والجهاد والصلاة والصيام، فهو قد طبع كتبًا للعلماء وقفًا على إخوانه المسلمين، وبنى مسجدًا يصلي فيه المسلمون، وأعان المجاهدين في سبيل الله بماله، وفطر الصائمين على نفقته، فيحصل له أجْرُ هؤلاء جميعًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ومنها أنَّ الصدقة تقي العبد كثيرًا من الشرور والمصائب، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وهذا شيء معلوم عند النَّاس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به؛ لأنهم جربوه، حتى لو كانت هذه الصدقة من ظالم أو كافر، فإن الله يدفع عنه بها كثيرًا من الشرور والمصائب".
قال الشاعر:
مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لاَ يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ *** لاَ يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ
ومن أفضل أنواع الصدقة، الصدقة الجارية التي تستمر للعبد بعد وفاته؛ مثل حفر الآبار، وبناء المساجد، وطباعة الكتب، ودعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والأوقاف الخيرية على الفقراء والمساكين ونحو ذلك.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وعلى المنفق أن يراعي الأمور التالية: الإخلاص لله -عز وجل- في صدقته، وأن يحذر من الصدقة بالرديء من طعام أو لباس أو نحو ذلك، أو أن يتبع صدقته المن والأذى، أو أن يبخل بما أعطاه، أو أن يحتقر شيئًا من الصدقة، أو أن يرجع في صدقته، كما عليه أن يتصدق على من يعرف حاله مباشرة أو عبر القنوات الرسمية الموثوقة، ويحذر من أهل الدجل والكذب.
اللهم وقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك يارب العالمين......
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم