عناصر الخطبة
1/قصة بر أويس القرني بأمه 2/فضل بر الأمهات 3/بعض ما عانته الأمهات في سبيل الأبناء 4/نماذج رائعة في بر الأمهات 5/بعض حقوق الأمهات على الأبناءاقتباس
يا عبدَ اللهِ: إن أولَ مراحلَ قدومِك إلى الدنيا، تلك اللحظاتُ التي تحركتَ بها في بطنِ أمُكَ في أولِ حَملِها الخفيفِ: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ) [الأعراف: 189]. فلا تَسلْ عن سعادتِها بذلك الخبَرِ، وفرحتِها بحبيبِها المُنتَظرِ، وسِرعانَ ما مَرَّ الحملُ الخفيفُ، حتى كَبُرتَ في بطنِها وصارَ الحملُ ثقيلاً: (فَلَمَّا أَثْقَلَت) [الأعراف: 189]. ذلك الثِقلُ الذي وصفَه اللهُ -تعالى- بقولِه سبحانه: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) [لقمان: 14].فمع ضَعْفِ المرأةِ، اجتمع عليها ضَعْفُ الحملِ وما...
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مضلَ له ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلمَ تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
جلسَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يوماً بينَ أصحابِه، فَقَالَ: "إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ".
لا إلهَ إلا اللهُ! يا لَه من مقامٍ رفيعٍ، ووسامٍ شريفٍ على صدرِ أويسٍ، بأن يكونَ أفضلَ التابعينَ الذين أدركوا خيرَ القرونِ، بشهادةِ الذي: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 3-4].
فما الذي بلغَ بأويسٍ تلكَ المنزلةَ العظيمةَ؟ وما هو العملُ الذي نالَ بها تلكَ التزكيةَ الكريمةَ؟
عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ، حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ" لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ "لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.
نعم، إنه البِرُّ بالأمِ، وما أدراكَ ما بِرُّ الأمُ؟
تلقى به رضا الرحمانِ، ويصلُ بك إلى أعالي الجِنانِ، قالَ النبيُ -صلى الله عليه وسلك -: "نِمْتُ، فرأيتُني في الجنَّةِ، فسمعتُ صوتَ قارئٍ يَقرأُ، فقلتُ: مَن هذا؟، قالوا: هذا حارثةُ بنُ النعمانِ" فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كذلك البِرُّ، كذلكَ البِرُّ، وكانَ أَبرَّ النَّاسِ بأمِّه".
يا عبدَ اللهِ: إن أولَ مراحلَ قدومِك إلى الدنيا، تلك اللحظاتُ التي تحركتَ بها في بطنِ أمُكَ في أولِ حَملِها الخفيفِ: (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ) [الأعراف: 189].
فلا تَسلْ عن سعادتِها بذلك الخبَرِ، وفرحتِها بحبيبِها المُنتَظرِ، وسِرعانَ ما مَرَّ الحملُ الخفيفُ، حتى كَبُرتَ في بطنِها وصارَ الحملُ ثقيلاً: (فَلَمَّا أَثْقَلَت) [الأعراف: 189].
ذلك الثِقلُ الذي وصفَه اللهُ -تعالى- بقولِه سبحانه: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) [لقمان: 14].
فمع ضَعْفِ المرأةِ، اجتمع عليها ضَعْفُ الحملِ وما فيه من الوَحَمِ، والمرضِ، والثُقلِ، وتغيُّرِ الحالِ، وذهابِ الجمالِ، فلا تقومُ إلا بمَشقةٍ شديدةٍ، ولا تجلسُ إلا بصعوبةٍ بالغةٍ، تنامُ قليلاً ثم يوقظُها آلامُ الظهرِ المُوجِعةُ، وحركاتُ الجنينِ المُفجِعةُ، فنهارُها بين معاناةِ الجلوسِ والقيامِ، وليلُها بين معاناةِ السهرِ والآلامِ.
وهكذا تمرُ الشهورُ، ويزدادُ الثقلُ والمشقةُ يوماً بعدَ يومٍ: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) [الأحقاف: 15].
حتى تصلَ تلكَ اللحظةُ التي لا يعلمُها إلا اللهُ -تعالى-، حينَ تطرقُ البابَ للخروجِ، لا تُبالي بالأوقاتِ، فتأتِ في أي ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ، وإذا بآلامِ الطلقِ التي تقصمُ الظهرَ، ثم أوجاعُ الوضعِ، أنينٌ وآهاتٌ، صراخٌ وزَفراتٌ، تلك الزفراتُ التي لا يستطيعُ الواحدُ منا أن يرد جميلَ واحدةٍ منها ولو فعلَ ما فعلَ، جاءَ رجلُ يَمَانِيٌّ يحملُ أُمَّهُ على ظهرهِ قد جاءَ بها من اليمنِ إلى مكةَ ويَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وهو يقولُ:
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلُ *** إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ
ثُمَّ لقيَ ابنَ عمرَ -رضي الله عنهما- فقَالَ له: يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: لا وَلا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ.
رأتْ في تلك اللحظةَ الموتَ قد جاءَ، والزوجُ يلهجُ بالدعاءِ، وعلقوا باللهِ الرجاءِ، فلما خرجتَ من بطنِها وسمِعتْ البكاءَ، ضمتْكَ إلى صدرِها ونستْ كلَ ما مرتْ به من مشقةٍ وتعبٍ، فسبحانَ الذي جعلَ فيها تلكَ الرحمةَ العجيبةَ.
ثم تبدأُ مرحلةٌ جديدةٌ مع ذلك الصغيرِ الذي لا يستطيعُ من أمرِه شيئاً، فأنتَ محتاجٌ إلى أمِك في جميعِ أحوالِك، مُلتصقٌ بها في سائرِ أوقاتِك؛ كما قالَ تعالى: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان: 14].
إذا جعتَ بكيتَ، وإذا عطشتَ بكيتَ، وإذا مرضتَ بكيتَ، وإذا بردتَ بكيتَ، وإذا فزعتَ من نومِك بكيتَ، وأمُك على ذلك صابرةٌ، تسهرُ عندَ رأسِك إذا مَرِضتَ، وتُرضعُك في النهارِ إذا جعتَ، وتغسلُ عنك الأذى بيدِها، تفرحُ إذا فرحتَ، وتحزنُ إذا حزنتَ، سريرُك صدرُها، ومجلسُك حِجرُها، تخافُ عليك من الهواءِ، وتُكثرُ لك في صلاتِها الدعاءَ، كم أحسستَ في حضنِها بالمحبةِ والأمانِ، وكم شربتَ مع حليبِها الرحمةَ والحنانَ.
اسمع ماذا قالَ اللهُ -تعالى- واصفاً مشاعرَ إحدى الأمهاتِ، وهي أمُ موسى -عليه السلام-، لما بلغَها أن ولدَها وقعَ في يدِ فرعونَ: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص: 10].
يقولُ ابنُ عباسِ -رضي الله عنهما-: "أصبح خالياً من كلِ شيءٍ إلا من ذِكرِ موسى".
فهذا وصفُ الذي يعلمُ ما في الصدورِ، فأيُّ قلبٍ هو قلبُ الأمِ؟.
ثم تكبرُ، وتتزوجُ، ويأتيك الأبناءُ، بل وقد يأتيك الأحفادُ، وأنتَ لا تزالُ في عينِها ذلك الطفلُ الصغيرُ، تسألُ عنك في غيابِك، وتشعرُ بأحزانِك، أنت في عينِها أجملَ البشرِ، وكلامُك عندَها أفضلَ السَّمَرِ، ما تفعلُه لها ولو كانَ بسيطاً، فهو عظيمٌ مشكورٌ، وخطئك ولو كانَ كبيراً، فهو صغيرٌ مغفورٌ.
بعد هذا قد يتبيَّنُ لك سببُ تخصيصِ اللهِ -تعالى- لفضلِ الأمِ وأحوالِها بعد الوصيةِ بالوالدينِ؛ كما في قولِه تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) [لقمان: 14].
وقولِه تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) [الأحقاف: 15].
وذلك -واللهُ أعلمُ-؛ لأن الإنسانَ إذا أدركَ فإنه يرى فضلَ الأبِّ ظاهراً من خلالِ طلبِ الرزقِ لهم، والنفقةِ عليهم، والذهابِ بهم والإيابِ، ويخفى عليه تلك السنينُ التي عانت فيها الأم مالا يوصفُ في سبيلِ نشأتِه وتربيتِه في الوقتِ الذي لم يكن يدركُ فيها شيئاً: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24].
جاءَ رجلٌ إلى عمرَ بنِ الخطابِ -رضي الله عنه- فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، إن لي أمًا بلغتْ الكِبَرَ ولا تقضي حاجتَها إلا وظهري مطيّةٌ لها، فهل أديتُ حقَها وشكرَها؟ فقالَ عمرُ: إنها صنعتْ بك ذلك وهي ترجو بقاءَك، وأنت تفعلُه وأنت تنتظرُ موتَها.
فَكَيْفَ تُنْكِرُ أُمَّا ثُقْلُكَ احْتَمَلَتْ *** وَقَدْ تَمَرَّغْتَ في أَحْشَائِهَا شُهُرَا
وَعَالَجَتْ بكَ أَوْجَاعَ النِّفَاسِ وَكَمْ *** سُرَّتْ لمَّا وَلَدَتْ مَوْلُودَهَا ذَكَرَا
وَأَرْضَعَتْكَ إلى حَوْلَيْنِ مُكْمَلَةً *** في حَجْرِهَا تَسْتَقِي من ثَدْيِهَا الدُّرَرَا
وَمِنْكَ يُنْجِسُهَا ما أَنْتَ رَاضِعُهُ *** مِنْهَا وَلاَ تَشْتَكِي نَتْنًا وَلاَ قَذَرَا
وَقُلْ هُوْ اللهُ بالآلاَفِ تَقْرَؤُهَا *** خَوْفًا عَلَيْكَ وَتُرْخِي دُوْنَكَ السُّتُرا
وَعَامَلَتْكَ بإحْسَانٍ وَتَرْبِيَةٍ *** حَتَّى اسْتَويْتَ وَحَتَّى صِرْتَ كَيْفَ تَرَى
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني اللهُ وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ.
أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أحمدُه سبحانه وأشكرُه على نِعمةِ الأمنِ والدِّينِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وليُّ الصالحينَ، وأشهدَ أنّ سيّدَنا ونبيَّنا محمّدًا عبدُه ورسولُه إمامَ المتّقينَ، وقائدَ الغرِّ المحجَّلينَ، صلّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعينَ.
أما بعد:
أيها الابنُ البارُّ بأمه: كم باركَ اللهُ لكَ بسببِ دعاءها، وكم وفقكَ اللهُ برضاها، كم من دعاءٍ صعدَ منها إلى السماءِ، تتمنى أن تراكَ في خيرِ حالٍ، وتشتاقُ أن تكونَ أفضلَ الرجالِ، هي وصيةُ اللهِ -تعالى- لك، فماذا أنت فاعلٌ بوصيةِ اللهِ -عز وجل-؟
بل إذا كانَ اللهُ -تعالى- قد أوصى خيراً بالأمِ الكافرةِ التي تبذلُ وسعَها ليُشركَ ولدُها باللهِ -تعالى-: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15].
فكيفَ بأمٍ مسلمةٍ، تدعوكَ إلى طاعةِ ربّك، وتفرحُ بصلاتِك، وتفتخرُ بصلاحِك، وتدعو لك بالهدايةِ صباحَ مساءَ؟
هل تعلمونَ ما هو أقربُ الأعمالِ إلى اللهِ؟
اسمعوا إلى تُرجمانِ القرآنِ وحَبْرِ الأمةِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- لما أتاه رجلٌ، فقالَ: إني خطبتُ امرأةً فأبتْ أن تنكحَني، وخطبَها غيري فأحبتْ أن تنكحَه، فغرتُ عليها فقتلتُها، فهل لي من توبةٍ؟ قالَ: أمك حيةٌ؟ قالَ: لا، قالَ: تبْ إلى اللهِ -عز وجل- وتقربْ إليه ما استطعتْ، فذهبَ الرجلُ، فَسُئِلَ ابنُ عباسٍ: لم سألتُه عن حياةِ أمِه؟ فقالَ: إني لا أعلمُ عملاً أقربَ إلى اللهِ -عز وجل- من بِرِ الوالدةِ.
يا طالبَ الجنةِ، الجنةَ عند قدميها، وبِرُّها خيرٌ من الجهادِ مالم يكنْ فرضَ عينٍ، جاءَ جَاهِمَةُ السَّلَمِيِّ -رضي الله عنه- إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا".
هي بابٌ من أبوابِ الجنةِ سهلُ المنالِ، المفَرطُ فيه خسرانٌ كالذي التصقَ أنفُه في الرِّمالِ، قَالَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ".
لَّما مَاتَتْ أَمُّ الْقَاضِيْ إِيَاسٍ -رحمه الله- بَكَى، فَقِيْلَ: مَا يُبْكِيْكَ يَا أَبَا وَاثِلَةَ؟ قَالَ: كَانَ لِي بَابَانِ مَفْتُوْحَانِ مِنَ الْجَنَّةِ فَأُغْلِقَ أَحَدُهُمَا.
هي أحقُّ الناسِ بصُحبتِك وضحكتِك، ووقتِك وأُنسِك، وحديثِك وعطاءِك، وحُسنِ أخلاقِك، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ".
فلها ثلاثةُ أرباعِ البِرِّ.
فاللهَ اللهَ في بِرِّها، والإحسانِ إليها، ورضاها، فإن في رضاها رضا الغفورُ الودودُ، وبِرُّها طريقٌ سهلٌ لجنةِ الخلودِ.
وأما أنت يا من فَقَدَ أمَّه، فجبرَ اللهُ مُصابَكَ، وأحسنَ عزاءَكَ، وغفرَ لأمِّك، واسمع لوسيلةِ بِرِّها بعد موتِها، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أبرُّهُمَا بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَ -أي الدعاءُ لهما-، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِيفَاءٌ بِعُهُودِهِمَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "تُرْفَعُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ دَرَجَتُهُ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَيُّ شَيْءٍ هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: وَلَدُكَ اسْتَغْفَرَ لَكَ".
اللهم اغفر لأمهاتِنا وآبائِنا، اللهم اغفرْ لهم وارحمهم كما رَبَّونا صِغاراً، اللهم اجعل جزاءَهم جنةً ونعيماً، اللهم اجعل درجاتِهم في علِّيِّينَ، اللهم اغفر للأحياءِ منهم والأمواتِ، اللهم عافِهم وبارك فيهم، وارحم اللهم ضعفَهم، وأحسن خاتمتَهم، واجعلنا من البارينَ بهم ولا تجعلنا من العاقينَ لهم، اللهم ارضَ عنهم وارضَ عنا وأدخلنا الجنةَ، وباعد بيننا وبين النار.
اللهم من لنا غيرُك فندعوه، من إلهٌ غيرُك يجيبُ الدعاءَ فنرجوه، يا ربُّ من للأمهاتِ الثَكالى إلا أنت، يا ربُّ من للنساءِ الأراملِ إلا أنت، يا ربُّ من للأطفالِ اليتامى إلا أنت، يا ربُّ لا أحدَ لنا سواكَ، يا ودودُ يا ودودُ يا ذا العرشِ المجيدِ، اللهم نحن واقفونَ على بابِك ندعوكَ فلا تطردْنا، اللهم يا من أجابَ نوحاً حينَ ناداه، اللهم يا من كشفَ الضُّرَ عن أيوبَ في بلواه، اللهم يا من سمِعَ يعقوبَ في شكواه، وردَّ إليه يوسفَ وأخاه، وبرحمته ارتدَّ بصيراً وعادت إلى النورِ عيناه، يا رحيمُ، يا رؤوفُ، يا ذا العزةِ والجبروتِ، يا مالكَ المُلكِ والملكوتِ، يا من أمَّنتَ يونسَ في بطنِ الحوتِ، ويا من حفظتَ موسى في اليمِّ والتابوتِ، اللهم انصر إخواننَا المستضعفينَ في كلِ مكانٍ، اللهم رُدَّ عليهم الأمنَ والأمانَ، وتحكيمَ شريعةِ الرحمانِ، وعليك بالظلمةِ أعداءِ الملَّةِ والدينِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم