عناصر الخطبة
1/فضائل يوم الجمعة 2/ما يستحب فعله يوم الجمعة 3/بعض المخالفات في يوم الجمعة.اقتباس
عظم الإسلام شأن هذا اليوم وفضله على سائر الأيام .. ثمة هناك آداب ينبغي للمؤمن أن يتحلى بها في يوم الجمعة فلم تشرع هذه الآداب في هذا اليوم؛ إلا لأن فيها تزكية لنفوس المؤمنين وتهذيب لسلوكهم ومحو...
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
أيها المسلمون: اختص الله أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بخصائص ومميزات على سائر الأمم، وإن مما خص الله به أمة خير الأنام -عليه الصلاة والسلام- أن هداها ليوم الجمعة؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة وحذيفة -رضي الله عنهما- قالا: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد و كذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق".
وتفضيل يوم الجمعة على غيره بما حظي به من الفضائل التي لم تحْظَ بها سائر الأيام؛ فمن ذلك:
أن الإسلام عظَّم شأن هذا اليوم وفضَّله على سائر الأيام؛ روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيرُ يومٍ طلعت عليه الشَّمس يومُ الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أُدْخِلَ الجنةَ، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".
ومن فضائل يوم الجمعة: ما شُرع فيه من شعيرة عظيمة أوجبها الإسلام على الأعيان؛ عدا المرأة والمسافر والصبي والعبد والمريض، ألا وهي صلاة الجمعة، يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة: 9 - 10].
ومن فضائله: أنه يكفِّر سيئات الأسبوع من الصغائر؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"(رواه مسلم).
ومن فضائل يوم الجمعة: أن من مات فيه وقاه الله فتنة القبر؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ"(رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
عباد الله: ثمة هناك آداب ينبغي للمؤمن أن يتحلى بها في يوم الجمعة؛ فلم تشرع هذه الآداب في هذا اليوم؛ إلا لأن فيها تزكية لنفوس المؤمنين وتهذيب لسلوكهم ومحو لذنوبهم، ومن ذلك:
الاغتسال والاستياك والتطيب؛ فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "غسل الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه"(رواه البخاري).
ومن ذلك: التبكير إلى المسجد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة؛ فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر"(رواه مسلم).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "لما كان في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملًا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله -سبحانه- التعجيلَ فيه إلى المسجد بدلًا مِن القربان، وقائمًا مقامه؛ فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاةُ، والقربان".
ومنها: قراءة سورة الكهف؛ فقد جاء في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين"(رواه الحاكم).
ويستحب في يوم الجمعة: الإكثار من الدعاء؛ ففيه ساعة لا يسأل العبد مولاه إلا أجابه وأعطاه، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مسلم قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاه"(رواه البخاري).
ومما يستحب فعله في يوم الجمعة: الإكثار من الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ من أفضلِ أيّامِكُم يومَ الجمعةِ فأَكْثِروا عليَّ من الصَّلاةِ فيهِ فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ فقالوا يا رسولَ اللَّهِ وَكيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرِمتَ قالَ يقولُ بليتُ. قالَ إنَّ اللَّهَ حرَّمَ على الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ"(رواه أبو داود وصححه الألباني)؛ وحسْب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة أنها تقرب منزلة صاحبها من النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة؛ فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: قال: "أَكْثِرُوا عليَّ مِنَ الصَّلاةِ في يومِ الجمعةِ؛ فإنَّ صَلاةَ أُمَّتي تُعْرَضُ عليَّ في كلِّ يومِ جُمُعَةٍ، فمَنْ كان أكثرَهُمْ عليَّ صَلاةً؛ كان أَقْرَبَهُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً"(حسنه الألباني لغيره).
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "رسول الله سيِّد الأنام، ويوم الجمعة سيِّد الأيَّام؛ فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى، وهي أنَّ كلَّ خير نالته أمَّته في الدنيا والآخرة فإنَّما نالته على يده، فجمع الله لأمَّته بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنَّما تحصل يوم الجمعة، فإنَّ فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنَّة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنَّة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم يُسعفهم الله -تعالى- بطلباتهم وحوائجهم، ولا يردُّ سائلهم، وهذا كلُّه إنَّما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقِّه -صلى الله عليه وسلم- أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته".
فأكثروا من الصلاة والسلام على خير الأنام في يوم الجمعة خاصة وفي سائر أيامكم عامة تسعدوا بشفاعته وتشربوا من حوضه وتفوزوا بمرافقته في جنة المأوى.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله: ومما ينبغي التنبيه عليه والتذكير به في هذا المقام ما يقع فيه بعض الناس من المخالفات في هذا اليوم المبارك؛ فمن ذلك:
التخلف عن شهود صلاة الجمعة بدون عذر شرعي؛ وما علم المتخلف أن ذلك يوجب عقوبة الله على المتخلفين، قال-صلى الله عليه وسلم-: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونُن من الغافلين"(الترمذي وأحمد)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك ثلاث جمع متهاونًا طبع الله على قلبه"(رواه مسلم).
ومنها: تخطي رقاب الناس عند الحضور للجمعة: ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-: رجلًا يتخطى رقاب الناس فقال: "اجلس قد آذيت وآنيت"(رواه ابن ماجة)، والمراد بالإيذاء: انتهاكه حرمة المسلمين بتخطي رقابهم، والمراد بآنيت: أي تأخرت بالمجيء إلى الجمعة.
ومنها: التشاغل عن سماع خطبة الجمعة وهذا مناف لما شرعت الجمعة لأجله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب أو مس الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له"(رواه البخاري)، وهذا نفي للثواب لا للإجزاء وفي حديث آخر: "من تكلم والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة"(رواه أحمد).
ومن المخالفات: إفراد يوم الجمعة بالصيام؛ فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصومن أحد يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده"؛ ولما صامت إحدى زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، قال: "هل صمت أمس؟ قالت: لا، قال: هل تصومين غدًا؟ قالت: لا، قال: أفطري".
والمقصود بالصوم المنهي عنه يوم الجمعة هو أن يصومه وحده تطوعاً فرداً هذا هو المنهي عنه.
فاسعوا إلى تحقيق بركات هذا اليوم، واغتنموا ما فيه من نفحات ربانية؛ فهو يوم عظيم يذكِّرُ بالمبدَأ والمعاد، واشكروا الله -تعالى- أن هداكم لهذا اليوم المبارك، وأكثروا فيه من دعائه وطاعته وذكره.
وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم