عناصر الخطبة
1/فضل الله على المسلمين في غزوة الأحزاب النصر والتمكين 2/ثبات المسلم على مبدئه وقيمه 3/وجوب نصرة المظلوم وعقاب من يخذله 4/دين الإسلام دين العزة والكرامة والصبر والمصابرة 5/رسالة تحذير للمعتدين المحتلين الغاشميناقتباس
إن ديننا الإسلامي العظيم، هو دين العزة والكرامة، دين الوحدة والحضارة، وهو دين الصبر والمصابَرة، ودين الرباط والترابط، وأن ديننا يدعو إلى نصرة المظلوم، والدفاع عن الضعيف والفقير والمسكين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله ربِّ العالمينَ، الحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سِوَاهُ.
الحمدُ لله إذ لم يأتِنِي أجَلِي *** حتَّى اكتسيتُ من الإسلامِ سِربالَا
الحمد لله ناصر المؤمنين المجاهدين، الحمد لله أعزَّ غزةَ بثباتها المبين، الحمد لله هازم الكافرينَ المعتدينَ، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، نصَر عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزَم الأحزابَ وحدَه، القائل: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النِّسَاءِ: 104].
اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يُضام، واكلأنا بعنايتك في الليل والنهار، في الصحارى والآجام.
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وشفيعنا محمَّدًا عبد الله ونبيه ورسوله، إمام المجاهدين، وقدوة العلماء العاملين، صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله، وعلى آلك الطاهرين المبجَّلينَ، وصحابتك الغر الميامين المحجَّلين، ومن تبعكم وجاهَد جهادَكم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فيقول الله -سبحانه وتعالى-، في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)[الْأَحْزَابِ: 9-11]، صدق الله العظيم.
أيها المصلون، أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، وكلنا مرابطون: هذه الآيات الكريمة من سورة الأحزاب التي تعرضتُ لذِكْر معركة الأحزاب، والتي وقعت في السنة السادسة للهجرة، والتي عُرفت أيضًا بغزوة الخندق؛ لأن المسلمين قد حفروا الخندق حول المدينة المنورة، وأن الله -عز وجل- قد أنعَم عليهم بالحماية والنصر، بعد أن تكالَب عليهم المشركون الذين شكَّلُوا حلفًا من عدة قبائل والأحزاب، وأن الرسول محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام -رضوان الله عليهم- قد وقَعُوا في شدة ومحنة وابتلاء وقتئذ، إلا أنهم لجؤوا إلى الله العلي القدير، ثم اعتمَدُوا على أنفسهم، وأخذوا بالأسباب، فجاءهم الفرج والانفراج من الله العزيز الجبار، وانهزم الأحزاب المعتدون، وتفرَّقوا وتشتَّت شملُهم، وعادوا خائبينَ خاسرينَ، وهذه سُنَّة الله في خلقه، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 62]، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)[فَاطِرٍ: 43].
أيها المصلون، أيها المسلمون، يا خير أمة أُخرجت للناس: ليكن رسولنا الكريم الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- قدوتنا في التعامل والثبات على المبدأ، فقد سبَق أن حوصر هو وأصحابه -رضوان الله عليهم- في شِعْب أبي طالب بمكة، مدةَ ثلاث سنوات، فماذا كان موقفهم؟ لقد صبروا وصابَرُوا، وثبَتُوا وتثبَّتُوا حتى أكلوا ورق الشجر، فلم يستسلموا، ولم يتنازلوا عن مبادئهم، ولم يُساوِمُوا عليها، ولم يُنسِّقُوا أمنيًّا مع الذين حاصروهم، حتى رُفِعَ الحصارُ عنهم، وخرجوا بعزة وكرامة وإباء.
نعم، لقد صبروا، وأنتم يا أبناء فلسطين، فاصبروا، أيها المرابطون في أرض فلسطين؛ لكسر الحصار عن القدس، ولكسر الحصار عن غزة، وللوقوف في وجه المؤامرات العدوانية الداخلية والخارجية، وأن الله لن يتخلَّى عنا، وعينُ اللهِ ترعاكم.
أيها الصابرون المرابطون المتجذِّرون، أيها المصلون، أيها المسلمون، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا ويتوجَّب على الأنظمة في العالَم العربي والإسلامي القيامُ بالنصرة لفكِّ الحصارِ ورفعِ القيودِ عن القدس وعن غزة، وأن الله -عز وجل- سيُعاقِب كلَّ مَنْ يخذل أخاه المسلم، وكلَّ مَنْ يتقاعس عن نصرته، فأُشِيرُ في هذا المقام إلى ثلاثة أحاديث نبوية شريفة:
أولا: يقول رسولنا الكريم الأكرم، محمد -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي: "قال الله -عز وجل-: وعزتي وجلالي لأنتقمنَّ من الظالم في عاجِلِه وآجِلِه، ولأنتقمنَّ ممَّن رأى مظلومًا فقَدَر أن ينصره فلم ينصره".
ثانيا: يقول عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي آخَرَ: "ما من امرئ يخذُل مسلمًا في مَوطِنٍ يُنتقَص فيه مِنْ عِرْضِه، ويُنتَهَكُ فيه مِنْ حُرمَتِه إلَّا خذَلَه اللهُ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فيه نصرتَه".
حديث ثالث: يقول عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أُذِلَّ عنده مسلم فلم ينصره، وهو يقدِر أن ينصره، أذلَّه اللهُ -عز وجل- على رؤوس الخلائق يومَ القيامة".
فهذه الأحاديث النبوية الشريفة -أيها المسلمون- صريحةٌ وواضحةٌ في التحذير من الخِذلان، ومن عدم نصرة المسلم لأخيه المسلم.
أيها المصلون، أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن ديننا الإسلامي العظيم، هو دين العزة والكرامة، دين الوحدة والحضارة، وهو دين الصبر والمصابرة، ودين الرباط والترابط، وأن ديننا يدعو إلى نصرة المظلوم، والدفاع عن الضعيف والفقير والمسكين، وإلى حمايتهم وعدم خِذْلانهم، وعدم التخلي عنهم، وهذا ينبغي على المسلمين جميعهم أن يقفوا صفًّا واحدًا وأن ينصروا الله حتى ينصرهم؛ فالله -عز وجل- يقول: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 160].
فهل مِنْ مُدَّكِرٍ؟ هل مِنْ مُتَّعِظٍ؟ جاء في حديث نبوي شريف: "عينانِ لا تمسهما النارُ: عينٌ بَكَتْ من خشية الله، وعينٌ بَاتَتْ تحرُسُ في سبيل الله" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفِرِينَ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليتَ على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارِكْ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركتَ على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمينَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: أتناول في هذه الخطبة رسالة واحدة فقط، حول المسجد الأقصى المبارك، الذي انتُهكت حرمته عدة مرات، خلال شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات وشهر العبادات، ولكن -ومع الأسف- لم يهنأ المسلمون خلال شهر رمضان في عباداتهم في المسجد الأقصى المبارك، ولم يأخذوا حقَّهم في الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وذلك حينما قامت قوات الاحتلال من اقتحاماتهم للأقصى عدة مرات، وفتكت بالمصلين الآمنين، المتوضئين، حيث استهدفت الرؤوس والأعين، هي اقتحامات غير مسبوقة، منذ عام (1967م).
أيها المصلون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: سبَق أن أعلنَّا موقفَنا الإيمانيَّ الثابتَ بأن المسجد الأقصى المبارك هو للمسلمين وحدهم، بقرار رباني وليس بقرار من هيئة الأمم، ولا من مجلس الأمن، ويتوجَّب على السلطات المحتلة أن ترفع يدها عن الأقصى وأن تبتعد عنه، حتى ينعم المسلمون في أداء عباداتهم، وحتى يسود الهدوء في الأقصى وما حولَه، وأن تواجُدَ قوات الاحتلال في الأقصى وفي محيط الأقصى، هو الذي يؤدي إلى التوتر والاحتكاك، وعليه نؤكِّد للمرة تلوَ الأخرى بوجوب الابتعاد عن الأقصى، وهذا هو حقٌّ من حقوقنا الدينية المشروعة التي لا تنازُل عنها، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول: حماكَ اللهُ يا أقصى؛ قولوا: آمين.
ولا بد أيها المصلون من الاستمرار في شد الرحال ما بعد رمضان، ولا بد من شد الرحال في جميع أشهر السنة وفي جميع الأوقات، والحاضر منكم يُبَلِّغ الغائبَ.
أيها المصلون: الساعة ساعة استجابة فأَمِّنُوا من بعدي: اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفرِّج الكرب عنا، وعليكَ بمن ظلمنا وآذانَا، اللهم احفظ المسجد الأقصى من كل سوء، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم شهداءنا، واشفِ جرحانا، وأطلِقْ سراحَ أسرانا، اللهم هيِّئ مَنْ يوحِّد المسلمينَ، ويحذو حذوَ صلاح الدين، اللهم يا الله، يا أملَ الحائرينَ، ويا نصيرَ المستضعفينَ، ندعوكَ بكل يقين؛ إعلاءَ شأن المسلمين، بالنصر والعز والتمكين.
اللهم إنا نسألك توبة نصوحًا، توبةً قبل الممات، وراحةً عند الممات، ورحمةً ومغفرةً بعد الممات، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلِكَ كلمتَي الحقِّ والدينِ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وأقم الصلاة؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم