عناصر الخطبة
1/سؤال الله لنا عن النعم يوم القيامة 2/ أهمية شكر النعم 3/ خطورة المجاهرة بالمعاصي 4/ خطر السفر لبلاد المشركين .اهداف الخطبة
الترغيب في شكر النعم / تخويف الناس من عواقب المعاصي / التحذير من السفر إلى بلاد المشركينعنوان فرعي أول
خروج النبي صلى الله عليه وسلم جائعاعنوان فرعي ثاني
السهر على الحرامعنوان فرعي ثالث
البراءة ممن يقيم بين المشركيناقتباس
وهذه والله نعم كبرى قد نزعت من كثير ممن حولنا من الأمصار، وحتى خلت منها أوطان وأقطار، وما ذلك إلا بسبب كفرهم لها، ومكرهم بها، آناء الليل وآناء النهار، فاشكروا ربكم على سوابغ نعمه، واسألوه المزيد من فضله وجوده وكرمه، واستيقنوا أنكم عنها مسؤولون، وانظروا فيما به غداً ستجيبون، فأعدوا للسؤال جواباً، وليكن الجواب صواباً
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا ربكم تعالى حق التقوى؛ فإن حق التقوى أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا يُنسى، فاستعينوا بنعم ربكم على طاعته، وإياكم وبذلها في معصيته، أو تضييع شيء من حياتكم في غير عبادته وما يوصلكم إلى مرضاته وجنته؛ فإن الحياة لحظات محدودة، وأنفاس معدودة، والأعمال من ربكم مشهودة، وغداً يقول الغافل عن الأجل، والمفرط في صالح العمل: ( رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [المنافقون:9-10].
ثم إنكم بعد ذلك بين يدي ربكم موقوفون فمحاسبون، وبأعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء:228].
فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) [الحاقة:18].
أيها المسلمون: إنكم مسؤولون عن نعم الله عليكم: ماذا قابلتموها به من شكره وعبادته ومحاسبون على تقصيركم في الاستعانة بها على ذكره وطاعته، ويا ويح من بذلها في سخطه ومعصيته، قال تعالى: ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) [التكاثر:8].
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد أن الناس يسألون عن شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق، ولذة النوم.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً من منزله بسبب الجوع، فلقي أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الطريق، فسأله ما أخرجه، فقال: الجوع، ثم لقيا عمر رضي الله عنه فسألاه عما أخرجه، فقال: الجوع، فمضوا، حتى أتوا نخلاً لأحد الأنصار رضي الله عنهم، ففرح بهم فضيفهم، ذبح لهم شاة وقدم لهم عذقاً من النخل فيه بسر ورطب وماءً بارداً، فلما أكلوا وشربوا من الماء البارد قال صلى الله عليه وسلم: " هذا من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ".
أيها المسلمون: وإذا كان الإنسان مسؤولاً عن الشبعة والشربة التي لم يعانِ في تحصيلها مشقة، ولم يبذل فيها نفقة، فكيف بما نتمتع به هذا الزمان من ألوان النعم، وأصناف المنن، من ذي الجود والكرم؟
لقد منحنا الله منحاً كريمة، وأسبغ علينا نعماً عظيمة: عقيدة صحيحة، وديناً قويماً، وعلماً أثريًّا أصيلاً، وصحة في الأبدان، وأمناً في الأوطان، ووفرة في الأرزاق، مع الإلفة والاجتماع على الخير والوفاق، ورفاهية في الملابس والمآكل والمشارب، وراحة في المساكن والمراكب، وطمأنينة في النفوس.
وكم لنا فيما يجري حولنا من العبر والدروس، وراحة من الهموم المقلقة المنغصة، وفراغاً من الأشغال الشاقة المتعبة.
وهذه والله نعم كبرى قد نزعت من كثير ممن حولنا من الأمصار، وحتى خلت منها أوطان وأقطار، وما ذلك إلا بسبب كفرهم لها، ومكرهم بها، آناء الليل وآناء النهار، فاشكروا ربكم على سوابغ نعمه، واسألوه المزيد من فضله وجوده وكرمه، واستيقنوا أنكم عنها مسؤولون، وانظروا فيما به غداً ستجيبون، فأعدوا للسؤال جواباً، وليكن الجواب صواباً؛ فإن كثيرين من الناس قد صرفوا أعمارهم وأموالهم وما متعهم الله به في غير طاعته، وهذا خسران مبين، وأخسر منهم من بذل هذه الأشياء في معصية رب العالمين، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ".
أيها المسلمون: لقد ذكركم ربكم بشيء من جلائل نعمته، وحثكم على شكرها والاستعانة بها على طاعته، بعد أن أمركم بسرعة الاستجابة لدعوته، وحذركم مما يصيب به الظالمين من فتنته وشديد عقوبته، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [الأنفال:24-26].
ولقد توعد ربكم بشديد العذاب من كفر كما وعد بالمزيد لمن شكر: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) [إبراهيم:7].
فاحذروا عباد الله من كفر النعم، فإنه موجب للزوال والنقم، واستعيذوا به من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، فإن الفتن سلابة للنعم الكبرى، مورثة للمصائب العظمى.
أيها المسلمون: إن كثيرين من الناس اليوم بنعم الله متمتعون، وبكفرها يجاهرون، فلا ينسبونها إلى الله، ولا يستعينون بها على طاعته وهداه، ولا يتقون ما يسخطه ويأباه، فتجدهم يشبعون ويتمتعون بأصناف النعم، ثم يضيعون فرائض الصلوات، ويرتكبون جهرة عظيم المنكرات، ويمضون أوقاتهم ويهلكون أموالهم في اللهو والغفلة وأنواع المنكرات ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) [الحجر:3].
فكم من الناس من يسهر الليالي الطوال على قبيح الأفلام؟! وكم منهم من يشغل المجالس بفاحش الكلام؟! وكم من الناس من يغتنم الإجازة للخروج للبراري والمتنزهات؛ ليقيموا فيها أياماً مسرفين في الطيبات، ويباشر –والله يراه- فظيع المحرمات، وربما سهروا على عزف وغناء ترتج منه الأرض؟! ويضج من جاورهم من صالح العباد إلى الله في الدعاء، يشكو إليه أذى هؤلاء ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) [الأحزاب:58].
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين "؛ فالمجاهر بالمعصية ليس في عافية، بل هو عرضة للعقوبة التي قد تحل به فجأة، و " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ". متفق عليه ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) [هود:102].
أيها المسلمون: ومن الناس من يسافر في الإجازات إلى بلاد الشرك والفساد، ومواطن الإلحاد، وشرار العباد؛ ليخلي بين نفسه وبين ما تشتهي من الشهوات المحرمة، والأفعال القبيحة، والمظاهر المخزية، في مواخير الزنا، وحانات الخمور، وأماكن عظائم الأمور، بعيداً عن أنظار أهل الخير، وربك بما يعملون خبير ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) [إبراهيم:42].
أيها المسلمون: إن قصد ديار الكفار لغير غرض شرعي ترجحت مصلحته –ضرر محض على الدين والنفس والعرض؛ فإنه مع مظنة الوقوع في أنواع الفواحش والمنكرات، وتضييع الفرائض والواجبات، مخاطرة بالنفس بتعريضها لمواطن الهلكات، فضلاً عما يحيط بالمرء من أخطار لصوص القلوب، ولصوص الجيوب، والإقامة بين ظهراني الكافرين والمشركين بعلام الغيوب، ولقد برئ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم يقيم بين ظهراني الكافرين، ووصف الله تعالى الذين ماتوا في ديار الكفر مع القدرة على الهجرة بالظالمين، وتوعدهم بالنار مع الخاسرين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [الحشر:18-19].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم