عناصر الخطبة
1/ لا يُدرِكُ الواقعَ من لا يعرِفُ التاريخ 2/ مكر الأعداء بأمة خير الأنبياء 3/ صور من الفتن التي أصابت المسلمين 4/ منهج المملكة العربية السعودية الذي قامت عليه 5/ من أعظم إنجازات هذه البلاد 6/ أمن بلاد الحرمين هو أمن كل مُسلم 7/ مؤامرات تستهدِف وحدة هذه البلاد وأمنها.اقتباس
كم حفَلَ التاريخُ منذ الصدر الأول بوقائِع وحوادِث أثارَت الفتنَ، وفرَّقَت الأمة، وأوقفَت الفتوحات، وثلَمَت في الإسلام جراحًا لا زالَت آثارُها تنزِف.. ومع تفاوُت الزمان والحال، إلا أن هذه الصورة لا زالَت تتكرَّرُ في زمن الفتنة، يسعَى المأجورون إلى الإيقاع بين الفُرَقاء من المُسلمين، فيُحدِثون حدَثًا هنا وحدَثًا هناك، ويُوهِمون العامَّة من كل فريقٍ أن الآخرين فعلُوا بهم ذلك. فتظهر العداوات، وتتأزَّمُ النفوس، وتشتعِلُ الحروبُ، وتخرَبُ الديار.. وإذا أردتَ أن تعرِفَ المُجرِمَ في أي حادثة، فانظر من المُستفيدُ منها!...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله عليِّ القدر عليِّ الذات، دحَا الأرضَ ثم استوَى إلى السماء فسوَّاهنَّ سبعَ سماوات، جمعَنا على دينِه بعد فُرقةٍ وشَتات، وآوانَا بشريعتِه وقد ضاقَت علينا كلُّ حاضِرةٍ وفَلاة، لا تُحصَى نعمُه، ولا يُبلغُ حمدُه، أرانا فيمن حولَنا العِبَرَ والعِظات، وساقَ لنا الزواجِرَ والمثُلات، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فلا عُزَّى ولا لات، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه بعثَه ربُّه بأتمِّ الشرائِع وخاتمةِ الرسالات، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله ذوِي الأصول الزَّاكِيات، وعلى أصحابِه النجوم الزَّاهِرات، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وراقِبوه، وأطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه، واعلَموا أن كلاًّ منكم بعملِه مُرتهَن، وفي قبرِه مسؤولٌ ومُفتَتن، ويوم القيامة موقوفٌ ومُمتحَن.
فيا لَطُولِ الحسَرات يومئذٍ .. ويا لعظيمِ النَّدامة حينئذٍ، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )[آل عمران: 185]، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
أيها المسلمون: لا يُدرِكُ الواقعَ من لا يعرِفُ التاريخ .. ومنذ بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – والإسلامُ في ظهورٍ وازدِهار، والمُسلِمون في اجتماعٍ وتآلُف .. سارَ على ذلك خلفاءُ النبي – صلى الله عليه وسلم -، فعلَوا بالمُسلمين شرقًا وغربًا، وبنَوا بهم حضارةً ومجدًا.
ما أغاظَ الأعداءَ الذين عجِزوا عن هزيمة الإسلام في ساحِ المعارِك وميادين النِّزال، فلجَأوا إلى هدمِ بنائِه من الداخل.
وكم حفَلَ التاريخُ منذ الصدر الأول بوقائِع وحوادِث أثارَت الفتنَ، وفرَّقَت الأمة، وأوقفَت الفتوحات، وثلَمَت في الإسلام جراحًا لا زالَت آثارُها تنزِف.
ولا زال التاريخُ يذكرُ فعلةَ الأشتر وابن سبأ .. وقولَة ابن السَّوداء حين رأى صُلح المُسلمين واجتِماع كلمتِهم واتفاقَ رأيهم، فقال – قبَّحه الله -: "يا قوم إن عِيرَكم في خُلطة الناس، فإذا التقَى الناسُ فأنشِبُوا الحربَ والقتالَ بينهم، ولا تَدَعُوهم يجتمعون"، فأوقدَ النار، وأوقدَ الحربَ، وأنشبَ القتالَ في ليلةٍ عمياء مُظلِمة.
أيها المسلمون: ومع تفاوُت الزمان والحال، إلا أن هذه الصورة لا زالَت تتكرَّرُ في زمن الفتنة، يسعَى المأجورون إلى الإيقاع بين الفُرَقاء من المُسلمين، فيُحدِثون حدَثًا هنا وحدَثًا هناك، ويُوهِمون العامَّة من كل فريقٍ أن الآخرين فعلُوا بهم ذلك. فتظهر العداوات، وتتأزَّمُ النفوس، وتشتعِلُ الحروبُ، وتخرَبُ الديار.
وإذا أردتَ أن تعرِفَ المُجرِمَ في أي حادثة، فانظر من المُستفيدُ منها!
عباد الله: ولقد بُلِيَت بلادُ المُسلمين في العُقود الأخيرة بوقائِع مُؤلِمة، لا زالَت بلادُهم تصطلِي نارَها، وليس غريبًا أن يطرُقَ الأعداءُ كلَّ سبيلٍ دنِيءٍ لإيقاع الفتنةِ بين المُسلمين. لكنَّ العتَبَ حين ينزلِقُ المُسلمون في وحَل الفتن، ويتراشَقُون التُّهَم والتجريم، ثم تشتعِلُ بينهم نارٌ لا تنطفِئ، لا يستفيدون من التجارب، ولا ينظرون للعواقِب.
أيها المسلمون: ومن أعظم الفتنة في مثلِ هذه الأحوال: الطَّرحُ الهزيلُ المُنهزِمُ لعامَّةٍ وخاصَّةٍ، يعُودُون على قِيَمهم ومبادِئِهم بالاتِّهام والتَّشكيك، واللَّوم والتثريب، ويُشيعون أن منهجَ أهلهم الذي سمَوا به عقودًا هو سببُ الفتنة، (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) [التوبة: 49].
ويتطاوَلون على النظام التي قامَت عليه دولتُهم، وهو سرُّ بقائِها، (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) [الحشر: 2]، ويتعامَون عن الأسبابِ الحقيقيَّةِ وراءَ الأحداث.
ومن البلاء أن يُضطَرَّ الإنسانُ لإثباتِ ضياء الشمس ونور القمر.
عباد الله: إن منهجَ المملكة العربية السعودية منذ قامَت في مراحلِها الثلاث .. شريعةً ونظامًا، وتديُّنًا ودستورًا لم ينتهِك حقَّ طائفةٍ أو يُلجِئَ صاحبَ مُعتقَد. ومُذ قامَت هذه البلادُ السعوديةُ وفيها مُواطِنون يعتقِدون مذاهِبَ مُخالفةٍ لعقيدة الغالبِ من سُكَّانها، حفِظَت لهم هذه البلادُ خصوصيَّتهم؛ فلم تُلجِئهم لمُعتقَدٍ ولم تُهجِّرهم من أرضٍ، على نحوٍ لم تفعله حكوماتٌ علمانيَّةٌ في بلاد المُسلمين، ولم تفعله بلادٌ كان المُسلمون السُّنَّةُ أقليَّةً فيها.
ولما رأى الأعداءُ هذا التوافُق، وهم الذين حسِبُوا هذا التمايُزَ خزَّان بارودٍ يُمكنُ أن يُستغلَّ، خصوصًا وقد جرَّبُوه في دولِ الجِوار ونجَحوا.
رامُوا العبثَ بهذا المِفصَلِ في شرقِ البلاد فخابُوا، وتأمَّلُوا إيقاعَ الفتنة بين الناس فخسِرُوا، وردَّ الله كيدَهم، وكفَى المُسلمين شرَّهم، وباؤُوا بدمٍ حرامٍ سفَكوه، وبجُرمٍ عظيمٍ انتَهَكوه، ولم يُحقِّق الله لهم غاية، وكانوا لمن خلفَهم عِبرةً وآية.
إن لهذه البلاد تجربةً رائِعةً في التسامُح والعدل، ونبذِ التعصُّب والإقصاء، وهو مبدأٌ نشَأَ معها لا يُنكِرُه إلا من يتنكَّرُ لمبادئِه.
ولقد أرسَى الملكُ المُؤسِّسُ -الملكُ عبدُ العزيز رحمه الله- قواعِدَ هذه الدولة، وحكمَها نصفَ قرنٍ من الزمان وهو في قوَّته وقوَّة دولتِه، ومن بعده أبناؤُه المُلوك، لم يُؤثَر أبدًا أن هذه الدولة وهي في عُنفوانِها وقوَّتها أكرهَت أحدًا على دينٍ، أو تعصَّبَت ضدَّ أحدٍ بناءً على عقيدتِه أو طائفتِه، ولا يُوجد في النظام أو التطبيق ما يُشيرُ إلى تمييزٍ في الحقوقِ لعِرقٍ أو طائفة.
ومنذ تأسَّسَت الدولةُ وحتى اليوم وقد دخلَها للتجارة أو العمل مئاتُ الآلاف بل الملايين، من المُنتَمين إلى أديانٍ وطوائِف، وبعضُهم أقامَ سنين، لم يتعرَّض واحدٌ منهم لشيءٍ يخُصُّ مُعتَقَده ومذهبَه.
ونحن في عصر الاتصالات والتواصُل، وقُدوم أكثر من سبعة ملايين من الحُجَّاج والمُعتمِرين كل سنةٍ، عدا الوافِدين للزيارة والسياحة والعمل والتجارة، لا يرى أيُّ قادمٍ فارِقًا في العبادة بين ما يجرِي في المملكة وغيرها.
بل إن من أعظم إنجازات هذه البلاد: إنهاءَ التعصُّب المذهبيِّ الفقهيِّ؛ فبعد أن كان المُسلمون يُصلُّون بأربعة أئمةٍ مُتفرِّقين في المسجِد الحرام، يتوزَّعون بينهم عند كل إقامةٍ للصلاة حسب مذاهبِهم، صارُوا يُصلُّون خلفَ إمامٍ واحدٍ يتحرَّى بهم صلاةَ النبي – صلى الله عليه وسلم – دون الالتِفات إلى انتِماءٍ مذهبيٍّ.
والزائِرون للحرمين الشريفين يرَون ويسمَعون المُدرِّسين في الحرمين، يذكُرون مذاهبَ الأئمة الأربعة عند تقرير الدروس باحتِرامٍ وتبجيلٍ لكلٍّ منهم، وعدم التفريقِ بينهم، ويختارُون من كُتبهم ما يرَونَه أنسَب للطالِب أو لتقرير الموضوع المُناسِب من أي كُتب المذاهِب الفقهيَّة وكُتب العلماء المُعتبَرين.
وإذا أفتَى المُفتِي فلا يتقيَّدُ بمذهبٍ مُعيَّنٍ من مذاهِبِ أهل السنَّة، وإنما يختارُ ما يعتقِدُ أنه أرجحُ دليلاً، ولا يلتزِمُ القاضِي بمذهبٍ مُعيَّنٍ، فإذا قضَى بالدليل بما يُوافِقُ مذهبَ أحدِ الأئمة، فلا يُمكنُ أن يُنقَضَ حُكمُه بسبب اختِيار ذلك المذهَب.
وعندما شُكِّلَت هيئةُ كِبار العلماء في هذه البلاد كانت تضمُّ علماء ينتسِبون إلى المذاهِب الفقهيَّة الأربعة، ولا زالَت كذلك منذ أكثرَ من أربعين عامًا.
وفي جامِعات المملكة تُكتبُ الرسائلُ والأُطروحات في الفقه، فتُعالِجُ القضايا والمسائِلَ على المذاهِبِ الفقهيَّة، بدون تمييزٍ من جهة الإجلالِ والاحتِرام للعلماء، وإنما يُرجِّحُ الباحثُ من الأقوال ما يراهُ أقوَى دليلاً؛ بل إن لجامِعات المملكة إسهامًا ضخمًا في تحقيق تُراثِ المذهبِ الحنفيِّ والمالكيِّ والشافعيِّ والحنبليِّ، وخدَمَت كُتبَ هذه المذاهب دراسةً وتأصيلاً وتحقيقًا بصورةٍ لم تُسبَق إليها.
إن همَّ أهل الفِكر والإصلاح في هذه البلاد مُقاومةُ كل حركةٍ رجعيَّةٍ لإحياء التعصُّب المذهبيِّ، حتى لا يعود تارةً أخرى؛ بل لو قابَلتَ أحدًا من العامَّة وسألتَه عن مذهبِه الفقهيِّ، فالغالبُ أنه لا يفهمُ لسُؤالِك معنًى.
لقد نجحَت الحركةُ العلميةُ في هذه البلاد منذ تأسيسِها وحتى اليوم في ربطِ الناس بالدليل، واتِّباع الوحي، ونبذِ التعصُّب.
يقدُمُ القادِمون للمملكة فلا يرَون مذهبًا خامِسًا، ولا دينًا غير الدين الذي يعرِفونَه، ولا تفسيرًا خاصًّا للإسلام. تُنقَلُ الشعائِرُ والصلواتُ وخُطبُ الجُمعة بكل وسائل الإعلام المُتنوِّعة إلى أصقاع الأرض، فلا يرى أحدٌ أن في المملكة طريقةٌ للدين مُختلفة، ولا يسمَعون قولاً أو يرَون فعلاً يختلِفُ في الدين عما كان عليه أهلُ السنَّة طوال العصور.
كلُّ ما تختلِفُ به هذه البلادُ عن غيرِها هو ترفُّعها عن الخُرافات والبِدع، وتحرِّيها دينَ الله الصحيح، كما جاء به مُحمدٌ – صلى الله عليه وسلم -. وإن شَذَّ فردٌ أو أفرادٌ فلا يجوزُ تحميلُ الأمة كلها تبِعَة شذوذه.
عباد الله: وبعد كل هذا .. ألا يخجلُ المُتخاذِلون من أن يتَّهِموا مُجتمعهم وجامِعاتهم، ودينَهم ودولتَهم بالتعصُّب والتطرُّف؟! أو يتَّهموا منهجَهم بإفراز الطائفيَّة والإقصاء؟!
إن هذا الحَيفَ في الاتِّهام هو الذي يُفرِزُ التعصُّب والتطرُّف، ويُوغِر الصدور، ويُؤلِّب الأعداء. وطعنُ بعض أبناء هذه البلاد بمناهِج التعليم، وعودتهم باللائمة على دينهم ونظام بلدهم هو خطأٌ في النظر، وقُصورٌ في التفكير، وانهِزامٌ في الروح.
فلم تُحفَظ الدماءُ وتُصانُ الحقوق كما حُفِظَت في وقتٍ كان ما اتَّهموها به في أَوْجِه وما عابُوه عليها في قوَّته، وإنما كثُر الهَرجُ والمَرجُ حين علا صوتُ المُشكِّكين، وكثُرت سِهامُ الطاعِنين، وكانت أكثرَ ما كانت بلادُنا أمنًا، وأرغدَ عيشًا في وقتٍ عاد عليه بعضُ المخذُولين بالنقدِ والتثريب.
وقد علِم الناس، ونطقَ الأباعِدُ قبل الأقارِب بأن أكثرَ أفراد الجماعات المُتقاتِلة في بلاد الاضطِراب هم من بلادٍ تحكمُها العلمانيَّة، وتتحكَّمُ فيه مناهجِ التعليم فيه.
فعيبٌ على من يُزايِدُ ويستغلُّ مُصابَ وطنِه فيسُلُّ قلمَه، ويسلِقُ بقلمه أحكامًا وعلماء، وأنظمةً ومناهِج. تناسَوا أثرَ الشريعة في إصلاح الدنيا والدين، ونالُوا علماءَها الأجلاء الأثبات، الأحياء منهم والأموات، في نُكرانٍ للفضل، ولُؤمٍ في النَّقد، وخُبثٍ في الطَّرح.
وقد كان الطعنُ في العلماء جِسرًا لما بعدَه، فنالُوا الشريعةَ بمُجملها، واختفَت لغةُ التفريقِ بين اليقينيِّ والظنِّيِّ، وصارَت المُطالبةُ بحِصار الشريعة والتضييقِ عليها من أصل مبدئِهم.
ولقد ثرَّب الله على أقوامٍ سابقين، فأخرجَ أضغانَهم وجعل أمثالَ هذه الحوادِث فاضِحاتٍ لما طوَته صدورُهم، والله يَميزُ الخبيثَ من الطيب.
إن علمَ الشريعة والتفقُّه في الدين لا يُقايَسُ بعلوم الدنيا، ولا يُربَطُ تعلُّمُه بها. إنه عبادةٌ أولاً وأخيرًا، إنه اصطِفاءٌ وخيريَّة، من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّههُ في الدين، وكلما ازدادَ المُجتمعُ تفقُّهًا زادَ المُجتمعُ خيريَّة، وصحِبَه هذا العلم حتى مماته وفي قبرِه، ورفع الله به درجاتِه في الجنة إن صلَحَت نيَّتُه.
ولقد سمَت الشريعةُ بهذه الأمة قرونًا، وعلَت بها عصورًا، قامت تحت ظلِّها ممالِك وحضارات، وتشكَّلَت تحت لوائِها أفكارٌ وثقافات، ولم تنكسِر لها شوكة إلا حينما ارتخَت قبضتُها على الدين، وخفَتَ وهَجُ الشريعة في نفوس كثيرين، وكان هذا في القرن الأخير فحسب.
فتناسَى المُنهزِمون سابِقَ العهد، وصادقَ الوعد، والذي قطعَه الله على نفسِه بإعزازِ من عزَّ دينَه، وأعلى كلمتَه، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
اللهم بارِك لنا في الكتاب والسُّنَّة، وانفَعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقُّ المُبين، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
أما بعد: فإن على كل أحدٍ أن يُدرِك أن أمنَ بلاد الحرمين هو أمنٌ لكل مُسلمٍ على وجهِ الأرض، وأنه لا مُساوَمَةَ على أمن المملكة تحت أي ظرفٍ ولأي سببٍ.
ولقد وصلَ الوعيُ – بحمد الله – بمُواطِني هذا البلد إلى إدراك المُؤامرات التي تستهدِفُ وحدةَ هذه البلاد وأمنَها، وأن الأعداء يستخدِمون الإرهابَ وإحداثَ الفوضَى لتحقيق مآربِهم، ويُغرِّرون بالسُّفهاء لتنفيذِ مُخطَّطاتهم.
وقد باتَت الأمورُ أوضحَ من ذي قبل، ولا بُدَّ من التأكيد على حُرمة دماء المُسلمين، فضلاً عن المُستأمَنين والمعصُومين، قال الله – عز وجل -: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من قتلَ مُعاهَدًا لم يرَح رائِحةَ الجنة» (أخرجه البخاري).
فكيف إذا كان القتلُ لإيقاع فتنة، أو استِهدافٌ لرِجالٍ يحفَظُ الله بهم أمنَ البلاد والعباد؟! كما يجبُ البُعد عن كل موقفٍ أو قولٍ يُثيرُ العداء ويُثيرُ الخلاف؛ فأمنُ البلاد لا يقبلُ المُساومةَ والمُزايَدَة.
كما أن على المُخلِصين أن يضعُوا الأمورَ في نِصابها، وأن تُسمَّى الأشياءُ بأسمائِها، وتُردَّ الحوادِثُ إلى أسبابها، من غير حَيفٍ ولا تجاوُز. فبالصدقِ والإخلاصِ تصلُحُ الأمور، وتُدفعُ الشُّرور. حفِظَ الله بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروهٍ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريَّة وأزكَى البشريَّة: محمدِ بن عبد الله الهاشميِّ القُرشيِّ.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجِه أمهات المؤمنين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين، وعمَّن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ، يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا سميع الدعاء.
اللهم من أرادنا وأراد بلادَنا وبلادَ المُسلمين وأراد الإسلام والمُسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحره، واجعَل دائِرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك في فلسطين وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى، اللهم حرِّر المسجدَ الأقصَى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم الطُف بإخواننا في فلسطين، وفي سُوريا، وبُورما، وإفريقيا الوسطى، وفي كل مكانٍ، اللهم ارفع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفَرَج، اللهم ارحم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، واحفَظ أعراضَهم، وسُدَّ خلَّتَهم، وأطعِم جائِعَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلِح أحوالَهم، واجمَعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم، اللهم اكبِت عدوَّهم.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المُؤمنين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد، اللهم وفِّق وُلاة أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم انشُر الأمن والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المُسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 147].
اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُرِّيَّاتهم، وأزواجنا وذرِّيَّاتنا إنك سميع الدعاء.
نستغفرُ الله، نستغفرُ الله، نستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبَقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.
اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم. سبحان ربِّك رب العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم