عناصر الخطبة
1/ محافظة الشريعة على حقوق الآخرين الخاصة والعامة 2/ تحريم إيذاء المسلمين 3/ من صور أذى بعض الناس لإخوانهم المسلمين 4/ بعض صور أذى المسلمين في المساجد 5/ من صور الأذى الناتجة عن استخدام التقنيات الحديثة.اقتباس
إن الحفاظ على حقوق الآخرين الخاصة والعامة في شريعة الإسلام مما اشتهر وانتشر، وجاءت في ذلك النصوص العامة والخاصة من الكتاب والسنة، بل امتد ذلك لمراعاة حقوق الحيوان. والمتأمل في هذا المعنى يجد عجباً من العجب، لا يخرج معه الإنسان إلا بأن هذه الشريعة عظيمة وجليلة، وأنها تامةٌ كاملة من وكل وجه. والشرع المطهّر حينما أمر بالمحافظة على حقوق الإنسان والمسلم خصوصاً، وتحريم أذيته بغير حق؛ فإنما يهدف لمقصد كبير –أيضاً- وهو الحفاظ على أواصر المجتمع من الضعف، وإغلاق كل مَنفذ يؤدي لتفكيكه، أو إضعاف بنيته.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن الحفاظ على حقوق الآخرين الخاصة والعامة في شريعة الإسلام مما اشتهر وانتشر، وجاءت في ذلك النصوص العامة والخاصة من الكتاب والسنة، بل امتد ذلك لمراعاة حقوق الحيوان.
والمتأمل في هذا المعنى يجد عجباً من العجب، لا يخرج معه الإنسان إلا بأن هذه الشريعة عظيمة وجليلة، وأنها تامةٌ كاملة من وكل وجه.
أيها المسلمون:
والشرع المطهّر حينما أمر بالمحافظة على حقوق الإنسان والمسلم خصوصاً، وتحريم أذيته بغير حق؛ فإنما يهدف لمقصد كبير –أيضاً- وهو الحفاظ على أواصر المجتمع من الضعف، وإغلاق كل مَنفذ يؤدي لتفكيكه، أو إضعاف بنيته.
يقول الله -تعالى- مبيناً الأصل في أذية أهل الإيمان: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58]، قال أهل العلم: "وأذية المؤمنين والمؤمنات تكون بالأفعال والأقوال القبيحة والبهتان والكذب الفاحش المختلف، والنصوص تضمنت أنّ المسلم لا يحلّ إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه، مِن قول أو فعل بغير حقّ" (تفسير ابن عطية: 4/ 398).
إذا تقرر هذا، فلننظر -أيها المسلمون- في بعض صور الأذى التي يقع فيها بعضُ الناس لإخوانهم المسلمين، مما نشاهده ونراه، ونهى عنها الإسلام:
1- ففي الصحيحين "إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث" (رواه البخاري ح(6288) واللفظ له، ومسلم ح(2183).
وقال سفيان في حديثه: "لا يتناجى اثنان دون الثّالث، فإنّ ذلك يحزنه" (قاله ابن رجب، جامع العلوم والحكم (2/ 282).
فانظر كيف راعى دينُك مشاعرَ أخيك المسلم بشيء قد يكون محتملاً وليس واقعياً، فما الظن بالذي يتعمد الأذى وإدخال الحزن على غيره بمقولات كاذبة، أو بإسماع والديه أنواعاً من الكلام المحزن المؤذي، أو التلفظ بما يجرح صراحةً على الآخرين!
2- ومن صور الأذى المشاهدة: أذية الناس في طرقاتهم ومنتزهاتهم العامة:
يقول -صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم-: "اتقوا اللعانين" قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم" (رواه البخاري ح(6288) واللفظ له، ومسلم ح(2183).
فكم هم الذين يُؤذون الناسَ بترك مخلَّفات جلوسهم! أو تكسير وإفساد المرافق العامة للمسلمين! كم هو الفرق بين هؤلاء وبين من دخل الجنة بسبب إزالته ما يؤذي المسلمين، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: "مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم؛ فأدخل الجنّة" (رواه مسلم ح(269).
وإذا كان هذا حال من يؤذيهم في أمورٍ يمكن استدراكها، فكيف بمن يؤذي نساء المسلمين في طرقاتهن، وأسواقهن؟ ويراودهن بأساليب مكشوفة! ليوقع الغافلات المؤمنات في حبائل الفتنة!
3- ومن صور الأذى المشاهدة من بعض الناس: ما دل عليه حديث أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إيّاكم والجلوس في الطّرقات" فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدّ من مجالسنا، نتحدّث فيها. فقال: "فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق حقّه"، قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟ قال: "غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر" (رواه البخاري ح(2465) واللفظ له، ومسلم ح(2121).
فأين هذا ممن يرفع صوت الأغاني وهو يمر بمنتزهات الناس! أو يؤذيهم بصرير كفراته وتفحيطه!
3-ومن صور الأذى التي تقع يوم الجمعة بالذات: تخطي الرقاب يوم الجمعة: فقد جاء رجل يتخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة، والنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يخطب، فقال له النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "اجلس، فقد آذيت"! (رواه ابن ماجه ح(1115) وصححه ابن حبان في صحيحة ح(2790).
الله أكبر! هذا يوصف بالأذى وهو يتخطى رقابَ الناس مع أنه يقصد فضيلةً من الفضائل، ووقت ذلك قصير! فماذا يقال عمن يتخطى حقوقَ الناس باسم الواسطة أو الشفاعة على حساب حقوق الناس وتعطيلها؟! يا ليته يتوقف فقد آذى!
4- أذية المصلين بالروائح الكريهة، ففي الصحيح يقول جابر -رضي الله عنه-: نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن أكل البصل والكرّاث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها! فقال: "من أكل من هذه الشّجرة المنتنة فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإنّ الملائكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه الإنس" (رواه مسلم ح(564).
فإذا كان هذا في شجرتين أكلهما حلالٌ أصلاً، فما الظن بمن يؤذي المصلين برائحة دخانه التي علقت بثيابه، وتخرج من فمه!
إنها دعوة محب للإخوة المدخنين .. أعيدوا النظر! فإنكم تخسرون كثيراً... تخسرون مالاً، وصحةً، وحسناتٍ بمعصيتكم هذه، وبأذية عباد الله من الملائكة والإنس.
ومما ينبغي توقيه -وخصوصاً في يوم الجمعة-: الحضور للصلاة بثياب فيها رائحة عرّقٍ تؤذي المصلين، فإن هذا أحد أسباب مشروعية الأمر بالغسل ليوم الجمعة، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عُمّالَ أنفسهم، وكان يكون لهم أرواح –أي: روائح ـ، فقيل لهم: "لو اغتسلتم" (البخاري ح (2071) واللفظ له، مسلم ح (847).
ولله در عمر بن عبدالعزيز حين أوصى أحد المسلمين: "اجعل كبير المسلمين عندك أباً، وصغيرهم ابناً، وأوسطهم أخاً، فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه؟" (جامع العلوم والحكم (294).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة خير أنبيائه...
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وبعد:
5- فمن صور الأذى التي اتسعت دائرتها اليوم بانتشار وسائل التقنية:
أذية المسلمين في أعراضهم! إما بالقذف، أو نشر الشائعات عنهم، خاصة تلك التي تروّج للفواحش، وحسبك أن تقرأ بتدبر وتمعّن وخوفٍ قولَ الله -تعالى- -بعد أن قَص علينا قصة الإفك وما فيها من دروس وعبر-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور: 19].
فهل يعي هذا الذين ينشرون الكذب والافتراء على الناس البرآء؟ أم هل يتفكر في هذا الوعيد أولئك الذين يروّجون مقاطع الفحش والخنا والفجور عبر (الإنترنت)! أو (الواتس أب) أو (رسائل الجوال) أو (مواقع التواصل الاجتماعي)؟ نعوذ بالله من عذابه وسخطه!
وليتصور كل ناشر للخنا والفجور، أحد أمرين:
الأول: أن الذي في الصورة أو المقطع أحد محارمك! فهل ستنشرها؟
الثاني: أن الذي سيتلقى هذا المقطع أو تلك الصورة هو زوجتك، أو أختك، أو بنتك! فهل أنت سعيد برؤيتهن لهذه الأمور؟
إنك لا تعجب من نشر أعداء الإسلام لمثل هذا، فهم يسعون لإغواء شبابنا وفتياتنا، لكن المحزن أن يكون المسلم ناشراً لهذا، وهو يسمع الوعيد الذي سبق ذكره من سورة النور!
اللهم أعذنا من موجبات غضبك، وأسباب سخطك، واكتب لنا رضوانك والجنّة.
اللهم اجعلنا ممن سلم المسلمون من لسانه ويده، واحفظ جوارحنا عما لا يرضيك، واستعملنا في طاعتك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم