عناصر الخطبة
1/تعريف البركة وبيان بعض آثارها الطيبة 2/بعض أسباب استجلاب البركات 3/من الآثار السيئة لنزع البركة 4/التوبة الصادقة من أسباب جلب البركةاقتباس
إنَّ مِنْ آثارِ نزعِ البركاتِ ما يُعانيه العالَمُ اليوم من مشاكل اقتصاديَّة كبرى، وتحديات ماليَّة عظمى، مع توفُّر المقدرات الهائلة، والأموال الطائلة، ومع هذا فيعاني العالم من التضخمات الخطيرة، والغلاء الفاحش، وتراكم الديون الطائلة، كل ذلك بسبب بُعْد كثير من الخلق اليوم عن المنهج الرباني...
الخطبة الأولى:
الحمد لله في الأولى والآخرة، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه.
أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: أعظمُ وصيةٍ لزومُ التقوى، وملازَمةُ البِرِّ وطاعةُ المولى.
معاشرَ المسلمينَ: في ظل مشاغل هذا العصر وضغوط الحياة، وتجدُّد مطالبها يشتكي كثير من نزع البركة، البركة التي هي من المطالب الضروريَّة في متع الحياة الدنيا؛ لتنمو وتزداد وتظهر ثمارها الخيرة؛ ولهذا فما نزعت البركة من شيء إلا فاتت ثماره اليانعة، ومنافعه الطيبة، بل وما نزعت البركة من أمر إلا وحل به العناء والشقاء، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَيست السّنة أَلا تمطروا، وَلَكِن السّنة أَن تُمطَروا وتُمطَروا، وَلَا تنْبت الأَرْض شَيْئا"، والسَّنة هي القحط والجدب، والحديث رواه مسلم؛ ولهذا فالموفق يبحث عن أسباب حلول البركة ووقوعها في حياته، ويسعى لتحقيقها؛ لتنمو منافع حياته، وتزداد خيراتها وتتحقق الحياة الطيبة بها؛ فالبركة فيما أعطي الإنسان، تزول بها أخطار القلاقل النفسيَّة، والمخاوف المتوقَّعة، مما تحصل معه طمأنينة النفس، وراحتها، ورضا القلوب وسعادتها.
ألا وإن أعظم أسباب استجلاب البركات، وحصول الخيرات والمسرات الاستقامة على طاعة الله -جل وعلا-، ولزوم شرعه، والوقوف عند حدوده، يقول -تبارك وتعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الْأَعْرَافِ: 96]، كما أن أعظم أسباب نزع البركة فشو المحرمات، والتمادي في المعاصي والسيئات؛ (ظَهَرَ الْفَسَادُ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الرُّومِ: 41].
معاشرَ المسلمينَ: إنَّ مِنْ آثارِ نزعِ البركاتِ ما يُعانيه العالَمُ اليوم من مشاكل اقتصاديَّة كبرى، وتحديات ماليَّة عظمى، مع توفُّر المقدرات الهائلة، والأموال الطائلة، ومع هذا فيعاني العالم من التضخمات الخطيرة، والغلاء الفاحش، وتراكم الديون الطائلة، كل ذلك بسبب بُعْد كثير من الخَلْق اليومَ عن المنهج الرباني، بُعْدهم عن المنهج الرباني الذي رضيه خالقه لهم، وجعله السبيل الأوحد لسعادتهم في معاشهم ومعادهم.
ومن ذلك الانحراف انتشار المعامَلات الربوية، التي يُبنى عليها اقتصاد العالَم اليومَ؛ ممَّا أحلَّ بهم النكباتِ الاقتصاديَّةَ، والمشاكلَ الاجتماعيَّةَ المتعدِّدةَ، قال الله -جل وعلا-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)[الْبَقَرَةِ: 276].
مَعاشِرَ المؤمنينَ: لقد كَثُرَ وتنوَّع في عالَم اليوم الغشُّ التجاريُّ، بصُوَر لا نهايةَ لأنواعها، ولا حدَّ لأشكالها؛ ممَّا كان سببًا في حلول المخاطر الماليَّة المختلفة، وممَّا عاد ذلك على التعاملات التجاريَّة بالكساد والخراب، ونزوع البركة، قال صلى الله عليه وسلم: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"(رواه مسلم).
إخوةَ الإسلامِ: من أسباب نزع البركة في الأموال: انتشار الأيمان الكاذبة لترويج السلع، وبعالم اليوم يلحق بذلك كل ما كان في هذا المعنى؛ من الإعلانات التجاريَّة التي تحمل تزوير الصفات والخداع بالناس كما هو منتشر اليوم في وسائل التواصُل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ"(مُتفَق عليه).
معاشرَ المسلمينَ: من أسباب نزع البركات الخاصَّة والعامَّة، الخاصَّة بالأفراد، والعامَّة في المجتمع: التسلط على الأموال العامَّة، بالنهب والسلب والتلاعب، والخيانة؛ فآثار ذلك مدمرة على الآخذ وعلى المجتمع ككل، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع"(مُتفَق عليه)، ومع هذا إذا كان هذا الحديث في حال من يأخذ المال العامّ بلهف وتطلع وطمع وشره، فكيف بمن يأخذه على وجه محرَّم؟!
ومن أسباب نزع البركة يا عبادَ اللهِ: وقوع الكوارث الاقتصاديَّة في المجتمع، والتلاعب بأموال الخلق، بأوجه متعددة، ومن ذلك من عدم الوفاء بثمن المبيعات، أو رد القروض، أو تسليم الأجرة ونحو ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أخَذ أموالَ الناس يرُيِد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله"(رواه البخاري)؛ فاتقوا الله -عباد الله-، التزموا بالمنهج الإلهي، والهدي النبوي، في جميع تعاملاتكم، وشؤون حياتكم، تنزل بكم البركات، وتعم الخيرات، ويفتح لكم من ثمار الدنيا اليانعات النافعات.
اللهُمَّ بارك لنا فيما سمعنا، وزدنا علمًا وهُدًى.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه.
معاشرَ المسلمينَ: إن أرادت الأمةُ وقوعَ البركات المتناهية، والخيرات المتكاثرة، فعلينا جميعًا التوبة الصادقة، والأوبة الجادَّة، وإصلاح ما فسد من حياتنا، بمنهج الإسلام، وعوامر القرآن، وسنة ولد عدنان -عليه أفضل الصلاة والسلام-، يقول الله -جل وعلا-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نُوحٍ: 10-12].
عبادَ اللهِ: من أسباب نزول البركات ملازمة الصلوات على النبي الكريم، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهمَّ ارض عن الصحابة أجمعين، وعن الآل يا حي يا قيوم.
اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهمَّ اغفر لموتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهمَّ أنزل عليهم رضاك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهمَّ اغفر لهم ذنوبَهم، اللهمَّ كفِّر عنهم سيئاتِهم، اللهمَّ وأحلِلْ بهم رضوانَكَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ أَرْضِنَا وارضَ عنَّا، اللهمَّ احفظنا واحفظ المسلمين من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتكَ أن نغتال من تحتنا، اللهمَّ اكتب السلامة والعافية للمسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ (آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهمَّ إنَّا نسألك الْهُدَى والسداد، اللهمَّ ألهمنا رُشدَنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا، اللهمَّ اكتب له الصحة والعافية، اللهمَّ اجعله ممن طال عمره وحسن عمله، اللهمَّ وفِّق ولي عهده لما تحبه وترضاه، اللهمَّ أعنه ووفقه وسدده، اللهمَّ أعنه على كل خير، ووفقه لكل صلاح يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح رعاياهم.
اللهمَّ اجمع المسلمين على الخير، اللهمَّ اجمع كلمتهم على البر والتقوى، اللهمَّ يا حي يا قيوم، نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها، اللهمَّ زكها أنت خير من زكاها، اللهمَّ اجعلنا سببًا ومفتاحا لكل خير، ومغلاقا لكل شر يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجعلنا ممن يحب المسلمين كحب أنفسهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجعلنا ممَّن يحبون للمسلمينَ ما يحبُّون لأنفسهم، يا حي يا قيوم، اللهمَّ يا غني يا حميد، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ إنَّا فقراء إلى رحمتك، اللهمَّ أغث بلادنا، اللهمَّ أغث بلاد المسلمين، اللهمَّ اسقنا، اللهمَّ لك الحمد، على ما أنعمت به علينا من الغيث، اللهمَّ نسألك المزيد، اللهمَّ أنتَ الغنيُّ فنسألكَ المزيدَ، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
عبادَ اللهِ: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم