الامتحانات النهائية

ناصر بن محمد الأحمد

2015-03-11 - 1436/05/20
عناصر الخطبة
1/الدنيا دار ابتلاء وامتحان 2/بعض حكم الله في خلق المتضادات 3/بعض مظاهر وصور الابتلاء والامتحان في الدنيا والواجب تجاه ذلك 4/حرص الناس على الفوز في امتحانات الدنيا وغفلتهم عن الامتحان الحقيقي في الآخرة 5/فضل صيام عاشوراء والسنة في ذلك

اقتباس

في هذه الأيام يستعد الطلاب للامتحان في دروسهم، ويحملون الهمّ الشديد، ويتعبون أبدانهم بالسهر والمذاكرة، وأذهانهم بالتفكير، وهم على خوف شديد من سوء النتيجة، ويتعب معهم آباؤهم وأولياؤهم، يخافون لخوفهم، ويقلقون لقلقهم، وربما يستأجرون لهم من يعطيهم دروساً إضافية للتقوية، وإذا أخفقوا في الامتحان حزنوا أشد الحزن، وصاروا يلومونهم على تفريطهم؛ كل...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

يبدأ غداً طلاب المدارس امتحانات نهاية العام، وستستمر الاختبارات أسبوعين تقريباً، ثم بعدها إما يكرم الطالب أو يهان، وهم طوال الأسبوعين الماضيين في جد ومراجعة ومذاكرة، استعداداً لدخول الامتحانات، وآباؤهم وأمهاتهم مشدودة أعصابهم معهم، حتى تخرج النتيجة، وهذا أمر طبيعي إلى حد ما.

 

وبمناسبة الامتحانات والأولاد أذكر نفسي أولاً ثم أذكركم، بأن الذي لا يفهم الاختبارات، ولا يعلم الامتحانات إلا امتحانات المدارس نهاية العام، فهو مخطئ، وقاصر الفهم، فكانت هذه الكلمة.

 

اعلموا -رحمكم الله- أنكم في دار ابتلاء وامتحان، تبتلون بالسرّاء والضرّاء، وبالشدة والرخاء، وبالصحة والمرض، والغنى والفقر، وبالشهوات والشبهات، وبالأخيار والأشرار، فما مواقفكم من هذه الأحوال ؟ لماذا تتخذون المواقف وتحسبون ألف حساب لامتحانات المدارس، وتغفلون امتحانات الدنيا كلها ؟

 

إن العاقل البصير يحسب حسابه لكل حالة، وينظر ما يخرج به منها من نجاح أو فشل، فكل حالة تمر على الإنسان هو فيها ممتحن، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: 35].

 

أي نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (وَنَبْلُوكُم) أي نبتليكم (بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) أي بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال، ثم قال تعالى: (وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].

 

أي فنجازيكم على مواقفكم من هذه الأحوال، فإذا وقف منها المؤمن، واتقى الله في كل حال، نال المثوبة، ومن أساء نال العقوبة.

 

وبهذا تتبين وتتضح حكمة الله في خلقه وأمره، فهو سبحانه خلق هذه المتضادات، وجعلها تمر على الإنسان ليمتحنه بها هل يصبر ويشكر؟ أو يجزع ويكفر ويتكبر ويبطر؟

 

خلق الجوع، والمرض، والفقر، والخوف، والمصائب، وخلق الأشرار والفجار، والمنافقين والكفار، وخلق الشياطين المفسدين، وخلق الغنى والصحة، والأمن والنعم، والسرور والفرح، وخلق الأخيار والأبرار، والملائكة والأنبياء والمرسلين، والأولياء والمتقين، وأمر بالبر والتقوى والعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي والطغيان، وعن الكفر والفسوق والعصيان، وأعطى الإنسان عقلاً وإرادة ومشيئة وقدرة واختياراً، ليتمكن من فعل الخير بإرادته، وفعل الشر بإرادته كذلك، بعدما بيّن له السبيل وأقام له الدليل: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) [الإنسان: 2 - 6].

 

إن الإنسان تجاه الامتحان والابتلاء بهذه المكاره والمشتهيات، وأمام دعاة الخير ودعاة الشر، وأمام نوازعه، وميوله النفسية، لا بد أن يكون له موقف وانحياز، إما إلى الخير وإما إلى الشر، وسيكون جزاؤه عند الله على حسب ذلك الانحياز، قال تعالى:  (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل: 4 - 10].

 

عباد الله: سأضرب لكم بعض الأمثلة عن اختبارات وامتحانات الدنيا غير المدارس، لكي تفهموها وتحذروها.

 

إن الله يبتلي الإنسان بالمال، ليتجلى موقفه منه، هل يشكر النعمة أو يكفرها ؟ هل يؤدي حق المال أو يبخل به ؟ هل يقتصر على الكسب الحلال، أو يتجاوز إلى الحرام ؟

 

ويبلي بعض الناس بالأولاد، ليتجلى موقفه منهم، هل يربونهم التربية الحسنة، ويأمرونهم بطاعة الله، وينهونهم عن معصيته، ويراقبون تحركاتهم وتصرفاتهم ؟ وهل يقدمون محبة هؤلاء الأولاد على محبة الله ورسوله، إذا تعارضت المحبتان أو بالعكس ؟ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن: 14 - 15].

 

ومن فتنة الأموال والأولاد: أنها قد تشغل عن ذكر الله، وقد حذر الله من ذلك، وأخبر أن من اشتغل بماله عن ذكر الله، فهو الخاسر الذي لا يربح ولا يفلح أبداً، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون: 9].

 

وأخبر سبحانه أنه قد يعطي المال والولد عقوبة واستدراجاً للعبد، قال تعالى في المنافقين: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة: 55].

 

وقال في الكفار: (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون: 54 - 56].

 

نعم إن من الناس وخاصة في هذا الزمان من إذا زاد ماله زاد إعراضه عن الله، فأضاع الصلاة، واتبع الشهوات، ومنع الزكاة، وملأ بيته بالملاهي والأغاني والمزامير، والأفلام الخليعة، وجلب الكفار إلى بلاد المسلمين ليستخدمهم في أعماله، وتنمية ماله، دون النظر إلى ديانتهم الباطلة، وعقائدهم الكفرية، وقد يخلطهم مع نسائه وأولاده خدم وسائقين، دون نظر إلى ما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، وانتهاك المحارم، وفساد الأعراض؛ فكم نتج عن هذا من حوادث وخيمة، وعواقب أليمة، حاولوا سترها فلم يستطيعوا؟

 

وأعظم من ذلك أن بعض هؤلاء يجلبون نساء أجنبيات، وفتيات جميلات سافرات، ليس معهن محارم، ويدخلونهن في بيوتهم كأنهن من بناتهم وزوجاتهم، ينظرون إليهنّ، ويخلو أحدهم بهنّ من غير حياء ولا خجل، وقد حرّم الله على الرجال أن ينظروا أو يدخلوا أو يخلوا بالنساء اللاتي لسن من محارمهم، وكل هذه المحرمات يرتكبها هؤلاء مع خدمهم، وكل ذلك فتنة الغنى والترف والمال.

 

ومن الآباء من ضيع أولاده؛ فلم يربهم التربية النافعة في دينهم وأخلاقهم، وإنما يربيهم التربية البدنية البهيمية فقط، فيوفر لهم الطعام اللذيذ، والملابس الفاخرة، والسيارات الفارهة، ويملأ جيوبهم بالدراهم، ويتركهم وشأنهم مع قرناء السوء، ومجالس اللهو، والتجوال في الشوارع، وربما يسمح لهم بالسفر إلى الخارج، ليستكملوا ما لم يحصلوا عليه في بلادهم من شهواتهم المحرّمة.

 

قد يقول بعض هؤلاء الآباء: أنا لا أقدر، ولا أستطيع السيطرة على تصرفات أولادي، فنقول له: نعم، لمّا ضيعتهم في أول الأمر، وأهملت تربيتهم من الصغر، صعب عليك بعد ذلك تعديل سلوكهم، وتمردوا عليك، لقد أمرك النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تبدأ معهم التربية في وقت تستطيع فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".

 

فهل فعلت هذا؟ هل أطعت وسمعت كلام رسول الله، وأمرت أولادك فعلاً أمراً جاداً بالصلاة وهم أبناء سبع، كما تأمرهم الأمر الجاد للدراسة وغيرها ؟ وهل ضربتهم ؟

 

فلو نفذت فيهم أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في وقته أعانك الله وسهل قيادهم، ولكن ضيّعتهم فضاعوا، فاجْنِ الآن ثمرات تضييعك، وسوء صنيعك.

 

فاتقوا الله -أيها الآباء- في أولادكم، وأحسنوا تربيتهم، ليكونوا لكم قرة أعين في حياتكم، وخلفاً صالحاً بعد وفاتكم، ولا تهملوهم فيكونوا عذاباً لكم في حياتكم، وخلفاً سيئاً بعد وفاتكم.

 

هذا وإن من الآباء مَن يكون قدوة سيئة لأولاده، ويكون سبباً في إفسادهم؛ لأنه يتعاطى أمامهم المسكرات والمخدرات، ويتكاسل عن الصلاة، ويملأ بيته بالمنكرات، وآلات اللهو، كالفيديو بأفلامه الخليعة، ومسلسلات التمثيليات التي دسّها الكفار على المسلمين لإفساد عقائدهم وأخلاقهم، وأشرطة الأغاني الماجنة التي تدعو إلى العشق والغرام، وتصف الخدود والنهود، وكل ما يغري بالفحش والإجرام.

 

فماذا تتصورون من تأثير هذا الوالد الخائن لأمانته على سلوك أولاده ؟

 

إن مثل هذا الوالد يجب أن يُودع في دور الرعاية، أو مستشفى المجانين، حتى يعتدل سلوكه، أو يسلم الأطفال الأبرياء من شره -نسأل الله العافية والسلامة-.

 

ومن الابتلاء والامتحان: ابتلاء المسلمين بالكفار والمنافقين، فيبتلى المسلمون بتسلط الكفار عليهم، ليقوم المسلمون بجهاد هؤلاء باللسان والسلاح، حتى يكفوا شرهم، ويردوا عدوانهم، ويزيلوا كفرهم وطغيانهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة: 73].

 

وقال تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)[محمد: 4].

 

وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)[الفرقان: 20].

 

فالرسول فتنة للمرسل إليهم، واختبار للمطيعين من العاصين، والرسل فتنّاهم بدعوة الخلق، هل يصبرون على ذلك أو لا ؟ والغني فتنة للفقير، حينما يراه في غنىً وهو في فقر، هل يرضى بقضاء الله أو يتسخط ؟ والفقير فتنة للغني، حينما يراه في فقره وحاجته وهو قد أغناه الله، هل يشكر الله حيث فضّله عليه ويعطف عليه أو لا؟ والعاصي فتنة للمستقيم على الطاعة، هل ينكر عليه ويأمره بالمعروف وينهاه عن المعصية أو يتركه على حاله ؟

 

وهكذا سائر أصناف الخلق في هذه الدار، دار الفتن والابتلاء والاختبار، والحكمة في ذلك كله بيّنها سبحانه بقوله: (أَتَصْبِرُونَ) ؟ بأن يقوم كل منهم تجاه هذه الفتنة بما يجب عليه من العمل بما يخلّصه منها، فتستحقون المثوبة، أم لا تصبرون فتسقطون في هذا الامتحان فتستحقون العقوبة ؟

 

ثم قال تعالى: (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) يرى ويعلم أحوالكم، وما يصدر منكم، ويرى مواقفكم من هذه الفتن، فيجازي كلاً بما يستحق.

 

والمصائب التي يجريها الله على العباد فتنة وابتلاء، ليتميز الصابر من الجزوع، قال الله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155 - 157].

 

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -تعالى- إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [حسنه الترمذي].

 

نسأل الله -عز وجل- العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة.

 

أعوذ بالله من الشيطان، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 1 - 3].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله وتذكروا، فإن الشيء بالشيء يذكر، وفي هذه الأيام يستعد الطلاب للامتحان في دروسهم، ويحملون الهمّ الشديد، ويتعبون أبدانهم بالسهر والمذاكرة، وأذهانهم بالتفكير، وهم على خوف شديد من سوء النتيجة، ويتعب معهم آباؤهم وأولياؤهم، يخافون لخوفهم، ويقلقون لقلقهم، وربما يستأجرون لهم من يعطيهم دروساً إضافية للتقوية، وإذا أخفقوا في الامتحان حزنوا أشد الحزن، وصاروا يلومونهم على تفريطهم؛ كل هذا يتحملونه من أجل امتحان الدنيا، وهو لا يترتب عليه سعادة ولا شقاوة، ولا نعيم ولا عذاب، ولا طاعة ولا معصية، وينسون أنهم ممتحنون في الأوامر والنواهي الشرعية، وأنهم ممتحنون في أزواجهم وأولادهم، وممتحنون في أموالهم، ممتحنون في سرائهم وضرائهم، ممتحنون بأعدائهم وأصدقائهم.

 

فهم دائماً في امتحان لا يخرجون من نوع إلا ويدخلون في نوع آخر من الامتحان، والنتيجة إما سعادة وإما شقاء، إما جنة ورضوان من الله وإما نار وغضب من الله، لماذا لا يتذكرون هذا الامتحان المستمر، ويحسبون له حسابه، ويستعدون له مع امتحان الدراسة الذي يحملون له هذا الهم الشديد ؟

 

مع أنه يمكن اجتيازه بالغش والتزييف والاحتيال، وأما الامتحان الرباني، فلا يمكن اجتيازه والنجاة منه إلا بالصدق، والعمل الصالح ؟

 

ثم لماذا -أيها الآباء- تهتمون بشأن أولادكم عند الامتحان الدراسي، وتعملون كل ما يمكنكم من الأسباب لنجاحهم، ولا تهتمون بدينهم، وتربيتهم على الخير، وتعملون الوسائل التي تُعينهم على ذلك ؟ لماذا ظهرت عاطفتكم الأبوية، وقدرتكم الشخصية على مساعدتهم في أمور الدنيا، وتعاجزتم وتكاسلتم عن مساعدتهم على أمور الدين ؟ هل أمور الدنيا أهم عندكم من أمور الدين ؟

 

(أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) [التوبة: 38].

 

فاتقوا الله -عباد الله- ولا تهملوا فتندموا حين لا ينفعكم الندم.

 

نذكر الجميع بصوم يوم عاشوراء، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- صامه، وأمر بصيامه.

 

ومن فضل الله -جل وعلا- ومنه وكرمه علينا: بأن جعل صيامه تكفير لذنوب السنة الماضية كلها، فعن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "يكفر السنة الماضية" [رواه مسلم].

 

والسنة: أن الإنسان يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، والقبل أفضل؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"[رواه مسلم].

 

فنسأل الله -جل وعلا- ...

 

 

المرفقات

النهائية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات