عناصر الخطبة
1/الاستسلامُ لأمرِ الله وشرعه 2/ الأهداف الخبيثة لدعاة تحرير المرأة 3/الباطل باطل ولو زيفه المزيفون 4/الرد على دعاة اختلاط النساء بالرجال 5/مظاهر صيانة الإسلام للمرأة وحفاظه عليها 6/رسالة للإمام محمد بن عبد الوهاب في حرمة الاختلاط 7/الآثار السيئة للاختلاط 8/أرقام وإحصائيات عن الآثار السيئة للاختلاط في الغرباقتباس
لقد اقتحم هذا الغزو كثيراً من بيوت المسلمين، وغيَّر أخلاقَهم ومظاهِرَهم بأخلاقٍ ومظاهرَ لم يكونوا يعرفونها من قبل؛ كالتساهل بالحجاب، وسفر الفتاة للدراسة بلا محرم، ومزاحمتها للرجال في الأسواق واختلاطها بهم بلا خجل ولا حياء. وأهلُ الفساد يسعونَ لتوسيع دائرة الإفساد ل...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.
أيها الأحباب: إنَّ من دلائلِ صدقِ إيمانِ العبدِ: الاستسلامُ لأمرِ الله -تعالى-وتعظيمُ نصوصِ شرعه، والوقوفِ عند حدوده: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[الأحزاب: 51- 52].
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36].
وإنَّ مما يَجب الإيمان به استسلامًا لفطرة الله، وتصديقًا لما جاءت به النصوص الشَّرعية: الإيمان بالفوارق بين الرَّجل والمرأة، فهي فروقٌ ثابتةٌ قدَرًا وشرعًا، حِسًّا وعقلاً، والله -عز وجل- يقول: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) [آل عمران: 36].
ولكن للأسف أنَّه ظهر في المجتمعات المسلمة ثُلَّةٌ من أجهلِ الناسِ بالشريعة، وأضعفِ الخَلْقِ ديانة، يناقشون المسائل التي تخص المرأة؛ كالحجاب، والخلوة بها، واختلاطها بالرجال، بنقاش عقيم يُظهر مدى الجهل، ويُبين سوءَ الهدف.
فهدفهم نسفُ الشريعة، ووأدُ أحكامها، وإحلالُ القوانينَ والعاداتِ الغربية محلَّ شريعةِ الله -تعالى-، باسم الانفتاح والرقي والتقدم، وتعينهم على ظلالهم وإفسادهم وسائل الإعلام المختلفة، التي تسعى بكل إمكاناتها إلى تربيةِ الناسِ على التَّمرُّدِ على أوامر الله -تعالى-، وانتهاكِ حرماته، والاجتراءِ على شريعته، في كثير من القضايا، وبالأخص القضايا التي تهم المرأة.
ففي كل ساعة ولحظة تعرِضُ مشاهدَ السفورِ والاختلاط لنساءٍ، وهنَّ بأبهى حُلَّة، وأجملِ زينة، مختلطاتٍ بالرجال، وليس بينهما رباطٌ إلا رباطُ الإعلامِ والشيطان، وهذه الصور المتكررة تُهَوِّن هذا المنكرَ العظيم في نفوسِ مشاهديه، وتُحوِّلُهُ من معصيةٍ ورذيلةٍ إلى عادةٍ تُقرُّها النفوسُ ولا تستنكرها؛ وهذا –والله- من الفتن التي يُرِّققَ بعضُها بعضاً.
لقد اقتحم هذا الغزو كثيراً من بيوت المسلمين، وغيَّر أخلاقَهم ومظاهِرَهم بأخلاقٍ ومظاهرَ لم يكونوا يعرفونها من قبل؛ كالتساهل بالحجاب، وسفر الفتاة للدراسة بلا محرم، ومزاحمتها للرجال في الأسواق واختلاطها بهم بلا خجل ولا حياء. وأهلُ الفساد يسعونَ لتوسيع دائرة الإفساد ليدخل الأعمالَ الوظيفية والتعليم، ويجتاح الأمةَ، ليصيب البيوتَ والأُسَرَ كُلَّهَا.
فإذا لم يَسْع المسلمون عامة والمصلحون خاصة لإيقاف هذا الخطر الذي سيفتك بالمجتمع، ولم يأخذوا على أيدي السفهاء من دعاة الرذيلة، وناشري الفساد؛ فسيأتي اليومُ الذي يفقد فيه الرجل سلطانه على نسائه وبناته؛ كما وقع في كثير من بلاد المسلمين التي غزاها شياطين الإنس بأفكارهم، ودمروها بمشاريعهم التغريبية التخريبية، وحينها لا ينفع ندمٌ ولا بكاءٌ على عِفَّةٍ فُقِدَت، وأخلاقٍ ضَاعت، وشِيَمٍ دِيسَت، وأعراضٍ انتُهِكَت.
نسألك اللهم أن تحفظ بلادنا من عبث العابثين، وتقي نساءنا مكائد المفسدين؛ الذين يزعمون الإصلاح وهم يُفسدون.
عباد الله: إن الخطأَ خطأٌ ولو كَثُر الواقعون فيه، وإن المنكرَ يبقى منكراً ولو كثُر انتشارُه، والباطلَ يبقى باطلاً ولو زَيَّنهُ المُزَوِّرُونَ بِزُخرِفِ القول، فالواجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يُنكِرَ المنكَرَ ولو كثُر سالكوه، ويُؤيِّدّ الحقَّ ولو قلَّ فاعلُوه، فالله -تعالى- يقول: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [الأنعام: 116- 117].
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: "الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ....".
معاشر المؤمنين: إنَّ الذي خلقنا أعلم بما يُصلِحُ أحوالنا، وأدْرَى بما يناسب كلَّ واحدٍ منا، فقد اعتنى الإسلامُ بتنظيم العلاقاتِ بين الرجال والنساء؛ فحذَّر الناصحُ -صلى الله عليه وسلم- أمته من كلَّ طريقٍ يؤدِّي إلى الفاحشة، أو مقدِّماتها؛ فحَرَّم الخلْوة بالمرأة الأجنبية، ومَنَعَ مِن سفَرها بلا مَحْرم، ونهى أن تخرجَ المرأةُ مُتَعَطِّرةً مُبدِيةً زينَتَها، وجاءتْ نصوص الشريعة بمعانيها ودلالتها ناهيةً عن الاختلاط؛ سدًّا للذرائع الموصلة للفواحش، وحماية للمُجتمع من الرذائل، كل ذلك ليَبْقى للمجتمعِ عفَّته وطهارته، واستقامة أُسَرِه، وصلاح بيوته؛ لذا اتَّفَقَتْ أقوالُ العلماء، وتَكَاثَرَتْ سلَفًا وخلفًا على تحريم الاختلاط بين الجِنْسَيْن، فقال عز من قائل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب: 53].
قال الله -عز وجل- هذا عن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- الطاهرات، وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شك أنَّ غيرهم ممن بعدهم أولى به وأحوجُ إليه.
وقال جل وعلا: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[النور: 30- 31].
وعن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ.... " الحديث..
وأمر النساء بالستر والقرار في البيوت، فقال: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].
وقال عز وجل: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)[النور: 31].
قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحل له، أو لمن هي محرمة عليه على التأبيد".
بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرَ أمَّ سلمة وميمونة -رضي الله عنهما- بالاحتجاب عن ابن أم مكتوم بعد الأمر بالحجاب، فقالتا: أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟!"
حتى في أماكن العبادةِ البعيدةُ عن مضانِّ السوء، قال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا".
قال النووي: "وإنما فَضَّلَ آخرَ صفوفِ النساء الحاضرات مع الرجال لبُعْدهن عن مخالطة الرجال" ا. هـ.
وكان صلى الله عليه وسلم يمكث بعد تسليمه من الصلاة ويأمر الرجال، حتى تخرج النساء فلا يدركوهن، وخصَّص باباً من أبواب المسجد للنساء، حتى لا يختلطن بالرجال، وكانت المرأة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الطريق تلتصق بالجدار حتى لا تختلط بالرجال.
بل حفاظاً على كرامة المرأة، وصيانةِ عفافها وعِرضِها، منع صلى الله عليه وسلم من الدخول على المرأة الأجنبية، والخلوة بها حتى من أقارب زوجها، ولما سئل عن الحمو، قال صلى الله عليه وسلم: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ".
وشُرعت لها الصلاة في بيتها، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ صلاتَهَا في بيتها خيرٌ لها من الصلاةِ في المسجد، فأُسْقِطَت عنها الجُمُعةُ والجماعة، كلُّ ذلك وأمثالُه كثير فيه دلالةٌ قاطعةٌ على تحريم اختلاط الرجال بالنساء.
ومما لا شك فيه أن تمكينَ النساء من الاختلاط بالرجال أصل ُكلِّ بليةٍ وشر، ومن أعظم أسباب انتشار الفواحش، وفشو الأمراض ونزول العقوبات، وإعانةٌ لهُنَّ على الإثم والمعصية، والله -جل وعلا- يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النــور: 19].
وقد كشف الله حقيقة أهل الضلال والفساد وحذّر منهم، فقال سبحانه: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].
فيجب على من ولي أمر المسلمين أن يمنع اختلاطَ الرجالِ بالنساء في الأسواقِ والمجامع، فضلاً عن المستشفياتِ ودُورِ التعليم؛ حمايةً للمجتمع، وصيانةً لكرامته، وحفاظاً على الدين والأخلاق، ويجبِ على أولياءِ الأمور أن يُنكروا الاختلاط جملةً وتفصيلاً، ويحفظوا محارمهم من هذا الفساد، فإنَّ اللهُ -عز وجل- سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه.
لقد أصبح اختلاط المرأة بالرجال هو القضية الأساس التي يسعى المفسدون لنشرها في المجتمع؛ لأنهم يعلمون أنهم إن نجحوا في نشر الاختلاط، وقهر الناس عليه وفرضه بقوة القرارات واستغلال نفوذهم، فإن ما بعده من الإفساد سيكون أهون.
ولن يُوقِفَ هذه الجريمة العظيمة إلا إنكارُ الناس عليهم، ورفضُ مشاريعهم التغريبية، وكشفُ خططهم ومآربهم، ومن حق الناس أن يسعوا إلى ما فيه حفظ بيوتهم وأُسَرِهم، وبناتهم ونسائهم من أسباب الفساد والانحراف، وأن يأخذوا على أيدي المفسدين والمفسدات، من أتباع الغرب وعُبَّاد الشهوات.
اللهم احفظنا بحفظك، وتولنا بولايتك، وادفع عنا الفتن والشرور، يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: حق تقواه.
عباد الله: إن القول بحرمة الاختلاط بجميع أنواعه وصوره ليس بجديد، أو مُحدَثٍ في ديننا، بل هذا حكمه منذ عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأدلتُه وأقوالُ أهل العلم المعتبرين فيه واضحة جلية، معروفةٌ ومعلومةٌ مراجِعُها ومصادرُها؛ لذا لن أُسهب في ذلك، ولكن من لم تَسَعْهُم نصوص الوَحْيَيْن، وفتاوى العلماء، فسأذكر لهم ما يبين خطورةَ هذا الشر الذي يهدد الأمة، وإنكارَ أهل الفكر والعقل والسياسة له، ومن أراد الحق فكفى بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- دليلا.
لقد كتب الإمام عبد الله بن فيصلٍ -رحمه الله- نصائحَ قيِّمةً وجهها للمسلمين من ضمنها: "ومن الواجبات الدينية: نَهْيُ النساءِ عن مخالطةِ الرجال الأجانب، ومُعاشرتِهم في الأسواق والعيونِ وغير ذلك من المجامع التي يجتمعون فيها، فإن هذا وسيلةٌ إلى وقوعِ الفاحشةِ وظهورها".
وكتب موحد هذه البلاد وباني أُسسها -رحمه الله- نصيحةً لأبناء وطنه جاء فيها: وأقبح مِن ذلك في الأخلاق ما حصَل من الفساد في أمر اختلاط النساء، بدعوى تهذيبهنَّ وترقيتهنَّ، وفتحِ المجالِ لهُنَّ في أعمالٍ لم يُخلقْنَ لها، حتى نبذنَ وظائفَهُنَّ الأساسية -إلى أن قال-: فلا واللهِ ليس هذا التمدن في شرعنا، وعُرفنا، وعاداتِنَا، ولا يرضى أحدٌ في قلبه مثقالُ حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ أو إسلامٍ أو مروءة، أن يرى زوجته أو أحدًا من عائلته أو من المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي.
ثم قال: هذه طريقة شائكة تدفع بالأمة إلى هُوَّةِ الدمار، ولا يقبلُ السيْرَ عليها إلاّ رجُلٌ خارجٌ من دينه، خارجٌ من عقله، خارجُ من عربيَّته.
وقال: "إننا لا نريدُ من كلامنا هذا التعسفَ والتجبرَ في أمرِ النساء، فالدينُ الإسلاميُ قد شرع لهُنَّ حقوقًا يتمتعنَ بها، لا توجدُ حتى الآن في قوانينِ أرقى الأمم المتمدنة، وإذا اتبعنا تعاليمَهُ كما يجب؛ فلا تجد في تقاليدنا الإسلامية، وشرعنا السامي ما يؤخذ علينا، ولا يمنع من تقدمنا في مضمار الحياة والرقي، إذا وجهنا المرأة في وظائفها الأساسية، وهذا ما يعترف به كثير من الأوربيين، من أرباب الحصافة والإنصاف".
أمَّا الحديثُ عن معاناة الغرْب مع الاختلاط فأمر يبدأ ولا ينتهي، وحقائقُ الواقعِ، ودروسُ الأيام، وتجارِبُهُم تُحَدِّثُنا بلسان الحال، والإحصائياتُ والدراساتُ تنادِي بعمليَّةِ الفَصْل بين الجنسَيْن في التعليم والعمَل.
ففي بريطانيا: أَكَّدَتِ النقابةُ القوميةُ للمدرِّسين، أنَّ التعليم المختلَطَ أدَّى إلى انتشارِ ظاهرةِ التلميذاتِ الحوامل سفاحًا، وأنَّ استخدامَ الفتياتِ لِحُبُوب منْع الحمل يتزايَدُ بكثرةٍ عند الطالبات.
وأثبتت الدراساتُ في ألمانيا: أنَّ 68% من النساء الموظفاتِ يتعرضنَ للتحرشِ الجنسي أثناء العملِ من زُملائهن.
أما في أمريكا: فقد ذكرتْ إحدى المجلاتِ هناك: أن نسبةِ التلميذاتِ الحوامل في المدارس والجامعاتِ في بعض المدُن بلغتْ 48 %.
وفي كتابٍ أحدث ضجةً كبرى في أمريكا لدى صدوره بعنوان: "الابتزاز الجنسي" لمؤلفته "لين فارلي" فضحت المؤلفةُ استغلال الرجل للمرأة العاملة جنسياً داخل العمل بأدلة دامغة، وكُتُبٌ أخرى كثيرةٌ كلها توضِّحُ مساوئَ الاختلاطِ في مجتمعات تُقِرُّه، ولا يمنعها منه دينٌ أو عُرف.
هذا الانحدارُ الأخلاقي جَعَل الرئيس الأمريكي السابق جون كندي يقول: "إنَّ الشباب الأمريكي مائعٌ ومُترَف، وغارق في الشهوات، ومن بين كل سبعة شباب يَتَقَدَّمُون للتجنيد منهم ستةٌ غير صالحين؛ وذلك لأننا سَعَيْنا لإباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة بصوَر مستهترة؛ مما أدَّى إلى انهماكهم في الشهوات".
وفي عام 2002 رصدت الإدارة الأمريكية ما يزيد على ثلاثمائة مليون دولار؛ لتَشْجِيع التعليم غَيْر المختلط.
ومن أراد أن يعرف عواقب الاختلاط؛ فليطَّلِع على إحصائيات الحُبَالَى، وجرائم السِّفاح والاغتصابِ التي تضرب أرقامها القياسية في المجتمعات التي تعاني من اختلاط الرجال بالنساء في التعليم والأعمال، جرائمٌ يطول المقال بذكرها.
والمروءةُ والأخلاق الفاضلة تستدعي البعدَ عن اختلاط الجنسين، ولا يتساهلُ في هذا الأمر إلا من ضعُفَ دينُه، وقلَّت غيرتُه، وتأثر بالكفرة والملحدين وأمثالِهم ممن لا يغارون على محارمهم، وسفُلت أخلاقهم، وإلاّ فيكفي العاقلَ فضلاً عن المسلم قولُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِي النَّاسِ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ".
وهذا ما ينادي به المنصفون والعقلاءُ اليوم باختلاف مللِهم ونِحلِهم، معلنين أن الاختلاط يفتح أبواب الشرور على مصاريعها.
فاتقوا الله -عباد الله-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر: 5].
هذا وصلوا وسلموا على الهادي البشير، والسراج المنير، فقد أمركم بذلك العلي الخبير، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم