عناصر الخطبة
1/وجوب الإيمان بكل ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم 2/قبول خبر الواحد العدل 3/تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله لأصحابه 4/من علامات غربة الدين 5/التحذير من الفتن وخطورتها 6/من أعظم المصائب التي يصاب بها الإنسان.اقتباس
إن المصيبة العظمى: المصاب في الدين، فلئن يُصاب أحد منا في نفسه أو أهله وماله، أهون من أن يُصاب في دينه... ترى البعض منا في عدم مبالاته بما اقترف من ذنوب، فكأنه لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، بل...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي امتن على عباده المؤمنين ببعثة الرسول الصادق الأمين، فأخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم واليقين، وأخبرهم على لسانه بما كان وما يكون إلى يوم الدين، وأخبرهم عن الدار الآخرة بأكمل إيضاح وأعظم تبيين، فمن آمن به وبما جاء به فهو من المفلحين، ومن كان في ريب مما صحَّ عنه، فهو من الخاسرين؛ أحمده سبحانه حمد أوليائه المتقين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي ترك أُمّته على المنهج الواضح المستبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن كل ما صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أخبر به فالإيمان به واجب على كل مسلم، وذلك لأنه من تحقيق الشهادة بأنه رسول الله، وليس التواتر في الأخبار شرطًا لوجوب الإيمان بها، بل كلما صحَّ سنده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الإيمان به واجب، سواء كان متواترًا أو آحادًا، وهذا قول أهل السنة والجماعة.
فخبر الآحاد مقبول ما لم يكن فاسقًا، فيجب التثبت في خبره؛ لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[سورة الحجرات:6]؛ فأمر -تعالى- بالتثبت في خبره لأنه محتمل للصدق والكذب، فلا يسارع إلى تصديقه خشية أن يكون كاذبًا، ولا يسارع إلى تكذيبه خشية أن يكون صادقًا، فالتثبت في خبر الفاسق مطلوب، ومفهوم الآية دالّ على قبول خبر الواحد العدل من غير توقف فيه.
قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "كل ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بإسناد جيد أقررنا به، وإذا لم نقر بما جاء به الرسول ودفعناه ورددناه، رددنا على الله أمره، قال -تعالى-: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[سورة الحشر:7]".
وقال أبو محمد المقدسي في لمعة الاعتقاد: "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحّ به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه"، ومثّل على ذلك بحديث الإسراء والمعراج وأشراط الساعة.
فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يقول إلا الحق، وما ينطق عن الهوى، قال -تعالى-: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[سورة النجم:3-4]، روى الطبراني عن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- قد رفع لي الدنيا، فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة، كأنما أنظر إلى كفي هذه".
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "لقد خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبة، ما ترك فيها شيئًا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه مَن علمه وجهله مَن جهله، إن كنت لأرى الشيء قد نسيته، فأعرفه كما يعرف الرجلُ الرجلَ إذا غاب عنه فرآه فعرفه"(متفق عليه).
وعن أبي زيد الأنصاري -رضي الله عنه- قال: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا"(رواه الإمام أحمد ومسلم).
أيها المسلمون: وعلى هذا المبدأ وهو الإيمان بما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه من تحقيق الشهادة برسالته، فلنؤمن بما جاء به رسول الله، ولنعمل بما أمرنا، بالعمل به، ولنحذر مما حذّرنا منه -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك الحذر من الفتن التي بين يدي الساعة كقِطَع الليل المظلم.
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فكسِّروا قسيّكم، وقطِّعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل بغي على أحدكم فليكن كخير ابني آدم".
فاحرص -يا عبد الله- على هذا الإيمان، واحذر من الكفر، فقد يبيع الإنسان دينه بعَرَض من الدنيا، ألا ترى ما حولك من الفتن؟ ألا ترى قسوة القلوب؟ وعدم تقبُّلها للذِّكر والوعظ؟ ألا ترى ما أخبره به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عدم اتباع العليم، ولا يستحيا من الحليم، وأن من الناس اليوم من قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب.
عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم لا يدركني زمان أو لا تدركون زمانًا لا يتبع فيه العليم، ولا يستحيا فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العليم، ولا يستحيون من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب".
فما أقل اتباع العليم، وما أقل الحياء من الحليم، وما أكثر الاتباع لآراء السفهاء وأهوائهم، وذلك بسبب الميل إلى توجيهاتهم، وما أكثر المخالفين لوالديهم في طاعة الله، فضلاً عن أمور الدنيا.
أيها المسلمون: إننا في غربة من الدين، ولقد وقع ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- من الفتن، ولا تزال تقع، ومن ذلك ما روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سيأتي على الناس سنون خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة في أمور العامة"، قيل وما الرويبضة؟ قال: "السفيه يتكلم في أمر العامة"، وفي رواية: "الرجل التافه".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[سورة المائدة:49-50].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله مكرم من يشاء من عباده بالهداية والنور، فسبحانه من إله عظيم، قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبهما كيف يشاء، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكريم الذي يتفضل على المؤمنين فيثبتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وأنيبوا إليه، واحذروا من درن الذنوب، فإنه يميت القلوب، عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير، عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيّ قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخرُ أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشْرِبَ من هواه".
فيا عباد الله: أليس هذا الحديث يصف لنا أحوالنا، ووقوعنا في المنكرات إلا من رحم الله، ثم ترى البعض منا في عدم مبالاته بما اقترف من ذنوب، فكأنه لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، بل ربما أنكر على من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فما أعظمها من مصيبة! وما أشده من خطر!
أيها المسلمون: إن المصيبة العظمى: المصاب في الدين، فلئن يُصاب أحد منا في نفسه أو أهله وماله، أهون من أن يُصاب في دينه.
اللهم فقِّهنا في الدين، وبصِّرنا بمواطن الضعف فينا، وارزقنا العون على تقويهما وإصلاحهما، واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم