عناصر الخطبة
1/منة الله على عباده بالإسلام 2/الدين الحق عند الله هو الإسلام وحده 3/ضلال فكرة الديانة الإبراهيمية ووحدة الأديان 4/جواز التعايش مع الكفار غير المحاربيناقتباس
ليس في أديان النّاس جميعِها دينٌ يقبله الله ويُنجّي به من العذاب سوى دينٍ واحد، هو دين الإسلام، لا الأديان الوثنية الوضعية، ولا أديان أهل الكتاب المحرّفة؛ فمن توهّم...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
عباد الله: كانَ النّاس قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- في جاهليةٍ جهلاء، وشركٍ وعَمَاء، بينَ مُشرِكٍ وثنيٍّ ضالٍّ مخرّف، وبين كتابيٍّ زائغٍ لكتابه محرِّف.
ثم امتنّ الله على عباده فأرسل إليهم خيرَ الأنام، نبيَّنا محمّدًا عليه أفضلُ الصلاة والسلام، فدعا الناس إلى الإسلام، وهداهم الله به إلى الإيمان. قال -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). وقال -جلّ شأنه-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
وهذا الإسلام الذي رضيه الله لعباده، دينٌ له معالمُ وحدود، لا يكون العبد مسلمًا إلا إذا استجمعها، ومن خرجَ عن شيءٍ منها فقد تخلّى عن الإسلام، وخلع رِبقَته من عُنقِه، وتولّى عن العبودية لله -تعالى-.
فمن جحدَ شيئًا مما أنزل الله، أو أشرك في عبادة الله، أو استكبر عن الانقياد لأمر الله، أو استحلّ الخروج عن شريعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد خسر إسلامَه، وأبطل عقيدتَه، واشترى الضّلالةَ بالهدى، والعذابَ بالمغفرة.
إخوة الإسلام: ليس في أديان النّاس جميعِها دينٌ يقبله الله ويُنجّي به من العذاب سوى دينٍ واحد، هو دين الإسلام، لا الأديان الوثنية الوضعية، ولا أديان أهل الكتاب المحرّفة؛ فمن توهّم خلافَ ذلك فليقرأ قوله -تعالى-: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ). وليقرأ قوله سبحانه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
ومن ظنّ أن الإيمان بموسى أو عيسى عليهما السلام دونَ الإيمانِ بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام يكفي العبدَ في النجاة، ويصيرُ بذلك مؤمنًا، فلْيقرأ قولَه -جلّ شأنه-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا).
ومن توهّم جهلًا أنّ الإيمان بكتابٍ غيرِ القُرآن كالتوراة والإنجيل يَكفي عن الإيمانِ بالقُرآن، فيَجعلُ العبدَ مؤمنًا ناجيًا عند الله لكونه من أهل الكتاب، فليقرأ قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ).
ومن افترى على أنبياء الله كذبًا، فزعم أن دين إبراهيم -عليه السلام- يشمَلُ أديانًا مختلِفة، فيدخلُ فيه الإسلام مع اليهودية والنصرانية، فليقرأ قوله -تعالى-: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
ومن أصغى إلى الدعوات الغربية التي تدعو إلى وحدة الأديان، وأراد أن يُطيعَهم في هذا، فليقرأ قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ* وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، والصراط المستقيم هو ملّةُ الإسلام البريئةُ من اليهوديةِ والنصرانية.
ألسنا نقرأ -إخوةَ الإسلام- قولَه -تعالى-: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)؟ فقد صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “المغضوبُ عليهم: اليهود، والضالُّون: النّصارى”، وقد أجمع المفسّرون على هذا.
فعجَبًا لمُسلمٍ يقرأ هذه الآيات في كلّ ركعةٍ من صلاته، ثم يَرِدُ في ذهنه أنّ هناكَ طُرُقًا مختلفةً تؤدّي إلى الله، الإسلامَ وغيرَه! بل الصِّراطُ المستقيمُ المؤدِّي إلى الله والـمُوصل إلى جنات النعيم هو الإسلامُ وحده.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لا بدّ من التفريق بين أمرين: أولهما: التعايشُ مع الكافر وحِفظُ عهدِه، وعدمُ ظلمه والاعتداءِ عليه، وثانيهما: الخلطُ بين الإسلام والكفر، وإزالةُ الحدود بينهما.
قد عاشَ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون في المدينة، وكانَ اليهود معهم فترةً من الزمن، معاهَدين مستأمِنين، يشتري المسلمون منهم ويبيعونهم، ويحفظون لهم عهدَهم وذِمَّتَهم، ولا يُصيبون منهم دمًا أو مالًا بغير وجه حقّ.
فمن عاهَده وليُّ أمر المسلمين من أهل الكتاب فله عهدُه، يُحفظ دمُه ومالُه، ولا يجوز إخفارُ ذمّته وخيانةُ عهده، كما روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من قتل معاهَدًا لم يَرَح رائحةَ الجنَّة، وإنَّ ريحَها تُوجَدُ من مَسيرة أربعين عامًا”.
ومع ذلك فلم يكن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُداهِن أهلَ الكتاب في دين الله، بل نزلت عليه في المدينة: البقرةُ وآلُ عمران والنساءُ والمائدةُ وغيرُها من السُّوَر، وفيها ما فيها من دعوةِ أهل الكتاب إلى الإسلام، وبيانِ ما هم عليه من الكُفر والباطل، والبراءةِ منهم، ونهيِ المسلمين عن موالاتهم ومحبّتهم وطاعَتِهم ومُشابهَتِهم، وفيها فضحُ أنواعِ ضلالهم، كتحريفهم لكُتبِهم، ولَبسِهِم الحقَّ بالباطِل، وسعيِهم في أذى المسلمين، وجحدِهم الحقّ مع علمِهِم به، إلى غير ذلك مما هو كثيرٌ في كتاب الله -تعالى-.
ففرقٌ بين التعايش مع كَفَرَةِ أهل الكتاب والإحسان إليهم والعدل معهم، وبينَ أن نُزيل الحدودَ فنُذيبَ ديننا في دينهم، ونسوّي بين الإسلام والكفر، ونجعل الكلَّ طريقًا إلى الله، وسبيلًا للنجاة من عذاب الله، ثمّ نفتحَ باب التّهنئة بأعياد الكفّار، والصلاةِ على مَوتاهم، والترحمِ عليهم، والاستغفار لهم، فهذا ضلالٌ عظيم، وزَيغٌ عن الدين القويم، عافانا الله وإياكم.
ثم صلوا وسلموا على نبينا محمد، اللهم صلّ وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر. اللهم وفّق وليّ أمرنا لِمَا تُحِبُّ وتَرضى، وخُذ بناصيته للبِرِّ والتقوى. ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عبادَ الله: اذكروا الله ذِكرًا كثيرًا، وسبّحوه بكرةً وأصيلًا، وآخِرُ دَعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم