عناصر الخطبة
1/الصراع بين الحق والباطل 2/أسباب رحلة الإسراء والمعراج 3/الحكمة من الإسراء والمعراج 4/موقف الناس من رحلة الإسراء والمعراج 5/دروس مستفادة من الإسراء والمعراج 6/ الحث على صلاة الجماعة وبيان فضلها.اقتباس
أرادوا أن تجول عقولهم العاجزة القاصرة في كل شيء، حتى في أمور الغيب، فإن هذا العقل البشري لا يستطيع أن يحيط بكل ما في هذا الكون من أسرار، وحسب العقل أن يقف مؤمنًا أمام هذه الرحلة التي طوى لله فيها لنبيه الزمان والمكان ليريه من آياته الكبرى.
الخطبة الأولى:
أما بعد -أيها المؤمنون- فقد أعظم لله -تعالى- المنة على البشرية عنما بعث محمدًا -صلى لله عليه وسلم-، وبدأ الرسول بالدعوة إلى لله، ولكن دعاة الضلالة والجاهلية رفضوا دعوته وحاربوه.
ولو رجعنا إلى بدايته مع قومه لرأينا صورة من صور الصراع بين الحق والباطل، متمثلاً بموقف قريش من دعوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ورأينا الأحداث تتلاحق، والاضطهاد الوثني يزداد عنفًا وشراسة، ويزيده فتكًا وإيلامًا وفاة سندين بشريين للرسول، هما: زوجه خديجة وعمه أبو طالب، كما لم يستجب له أحد في رحلته إلى الطائف، وكأن إرادة الله كانت تُعِد من وراء الظلام الدامس بالفجر القادم الذي لا ريب فيه: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ)[الأنعام: 34].
في هذا الفترة جاءت حادثة الإسراء والمعراج تثبيتًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- على طريق الدعوة، وتكريمًا في أعقاب سنين طويلة من العمل والدعوة، رفعه الله إلى قلب السماوات، وأطلعه على جوانب الإعجاز الإلهي الباهر في الكون الكبير.
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الإسراء: 1]، (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)[النجم: 13- 18].
ويُقصَد بالإسراء: تلك الرحلة العجيبة التي بدأت من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالمقدس. ويُقصَد بالمعراج ما جاء بعدها من ارتفاع في أطباق السماوات حتى الوصول إلى مستوى تنقطع عنده علوم الخلائق ولا يعرف حقيقته أحد ثم العودة إلى المسجد الحرام، في ليلة واحدة في ساعة واحدة، ليري الله نبيه بعض آياته؛ (لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا)[الإسراء: 1].
هذه الرحلة التي اختلف فيها الناس بين مُصدِّق ومُكذِّب ومؤمن وجاحد، ومؤمن بالبعض وكافر ببعض، لقد كانت رحلة بالروح والجسد معًا، وكذّب بها بعض الناس؛ لأنهم أرادوا أن تجول عقولهم العاجزة القاصرة في كل شيء، حتى في أمور الغيب، فإن هذا العقل البشري لا يستطيع أن يحيط بكل ما في هذا الكون من أسرار، وحسب العقل أن يقف مؤمنًا أمام هذه الرحلة التي طوى لله فيها لنبيه الزمان والمكان ليريه من آياته الكبرى.
وقد حدَّث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رحلته تلك بالحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري وغيره: "بينما أنا في الحطيم إذا أتاني آتٍ، فشق ما بين هذه وهذه، ثم استخرج قلبي، ثم أُتيت بإناء أو طشت من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي، ثم حشي ثم أُعيد.
ثم أُتيت بالبراق، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحُملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتيت بيت المقدس، ثم دخلت فصليت فيه بالأنبياء ركعتين، ثم صعد بي جبريل إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل واستأذن ومعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصعد في السماوات العلى.
ورأى آدم -عليه السلام- ويحي وعيسى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم.. كل منهم يستقبل الرسول بقوله: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
وفي طريقه قبل العروج أتاه جبريل بإناء من خمر وإناء من اللبن، فاختار اللبن، فقال جبريل: أصبت الفطرة.
ثم علا-صلى الله عليه وسلم- حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما يوحي خمسين صلاة على أُمّته في اليوم والليلة، وطلب التخفيف من ربه، بعد إشارة موسى -عليه السلام-، فقال: "يا رب خفِّف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا... فقال الجبار -تبارك وتعالى-: يا محمد -صلى الله عليه وسلم-: إنه لا يبدل القول لديّ، خمسون في أُمّ الكتاب، فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك".
وقد رويت أحاديث كثيرة عما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صور شتى لأجزية الصالحين والطالحين؛ كأولئك الذين لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، وأولئك الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، وكذلك جزاء آكلي الربا، وجزاء الزناة، وآكلي أموال اليتامى ظلمًا.
وفي صبيحة اليوم التالي غدَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قريش، فأخبرهم الخبر، فقال أكثر الناس: هذا والله الأمر العجب، والله إن العير لتطرد شهرًا من مكة إلى الشام مدبرةً وشهرًا مقبلة، أفيذهب محمد -صلى الله عليه وسلم- ذلك في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟
وذهب الناس إلى أبي بكر يخبروه بما قال صاحبه؛ فقال: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم في ذلك؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه!
فهذا أبعد مما تعجبون منه، وأقبل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسأله: يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئتَ بيت المقدس؟ قال نعم، قال يا نبي الله فصفه لي، قال -صلى الله عليه وسلم- فرُفِعَ لي بيت المقدس حتى نظرت إليه، ثم راح -صلى الله عليه وسلم- يصفه لأبي بكر، وأبو بكر يقول: صدقت، أشهد أنك رسول الله، حتى انتهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- من وصفه، التفت إلى صاحبه، وقال: "أنت يا أبا بكر الصديق".
وفي الإسراء والمعراج -أيها الإخوة- نلمح أواصر القربى بين الأنبياء كلهم الذين أمرنا الله بالإيمان بهم جميعًا، وهم الذي بادلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- التحيات والدعوات قائلين: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
وفي ليلة الإسراء والمعراج تأكدت الصفة الأولى لهذا الدين، وهي أنه دين الفطرة، وقد قال جبريل للرسول عندما شرب اللبن: "هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك".
وفي الإسراء والمعراج تأكدت الطهارة والصلة بالله في فريضة الصلوات الخمس.
وفي ليلة الإسراء والمعراج ثم ذلك الربط بين أفراد الأمة المسلمة كلها عبر الرباط ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله.
وفي الإسراء والمعراج رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأى المؤمنين طرفًا من آيات الله الكبرى في ملكوت السماوات والأرض جعلهم يؤمنون بقدرة الله -تعالى-، وبذلك تبين إيمان الصادقين وغير الصادقين، وصدق الله العظيم إذ يقول: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[آل عمران: 66].
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومن الأمور المهمة التي يجدر التنبيه إليها: الحث على صلاة الجماعة وتأكيد وجوبها وبيان فضلها؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يُخرجه إلا صلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة وحطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه ما لم يحدث، تقول: اللهم صلِّ عليه اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة".
ولما أتى رجل أعمى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فرخَّص له النبي أن يصلِّي في بيته، ولما ولَّى دعاه فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: "فأجب".
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تُقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".
وقال: "مَن سمع النداء فلم يُجِب فلا صلاة له إلا مِن عُذر".
فالصلاة جماعة في المساجد فرض لا يجوز التخلف عنها إلا لعذر يجوز معه ترك الجماعة والجمعة.
فحافظوا -أيها المسلمون- على هذه الصلوات تنالوا الأجر والثواب، وتخالفوا المنافقين الذين لا يعتادون المساجد، ولا يرفعونها بذِكْر الله وبالصلاة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم