عناصر الخطبة
1/ الإيمان ليس بالتمني 2/ الحذر من الأماني 3/ ذم الأماني والتحذير منها وخطورتها وبعض صور ذلك 4/ محاسبة النفس والتخلي عن الأمانياقتباس
لقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز الأماني في مواطن في مقام التحذير منها، وبيان خطورتها، وسوء مغبتها على أهلها؛ فذكر جل وعلا في موطن من كتابه جل وعلا: أن الأماني إنما هي من الشيطان -أعاذنا الله منه-؛ حيث يَثْني العبد عن العمل، ويسوقه إلى مجال التفريط والكسل، ثم...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه سبحانه في الغيب والشهادة، والسر والعلانية، واعلموا أن تقواه سبب السعادة في الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون: إن الإيمان أعظم المطالب، وأشرف المواهب، وأجل المقاصد، وهو الفلاح الأبدي، والسعادة الدائمة في الدنيا والآخرة، ولكن -يا عباد الله- ليس الإيمان مجرد أمنيات تُرتجى أو تحليات تُدَّعى، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدَّقته الأعمال"؛ فمن قال حسنًا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسنًا وعمل صالحًا رفعه الله بعمله، وذلك قول الله -تعالى-: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10].
ولهذا -عباد الله-: فإن الكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
نعم -عباد الله- يجب علينا في هذا المقام مقام الإيمان أن نحذر أشد الحذر من الأماني المجردة، فإنها أضر شيء على الإنسان؛ يتولد منها في الدنيا العجز والكسل، وفي الآخرة الندم والحسرة، رحم الله امرءً زمَّ نفسه ونهض بها وجاهدها وأطرها على الحق أطرا ليكون من أهل الإيمان صدقًا وحقا.
أيها المؤمنون: ولقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز الأماني في مواطن في مقام التحذير منها، وبيان خطورتها، وسوء مغبتها على أهلها؛ فذكر جل وعلا في موطن من كتابه جل وعلا: أن الأماني إنما هي من الشيطان -أعاذنا الله منه-؛ حيث يَثْني العبد عن العمل، ويسوقه إلى مجال التفريط والكسل، ثم مع ذلك يعِده بعالي المقامات، ورفيع الرتب، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء: 119-120].
وذكر جل وعلا الأماني في موطن آخر بأنها لا تُجدي لأصحابها شيئا ولا تنفعهم بشيء، وإنما الذي ينفع المرء إيمانه الصادق وحسن العمل والتقرب إلى الله، قال الله -تعالى-: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: 123 - 124].
وذكر جل وعلا الأماني في موطن آخر أنها من ديدن البطالين المتقاعسين الذين غرتهم أمانيهم وأهلكتهم، قال الله -تعالى-: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 111].
ثم ذكر جل وعلا برهان الإيمان الذي تكون به النجاة، قال: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 111 - 112].
أيها العباد: لنحذر من هذه الأماني أشد الحذر، ولنجاهد أنفسنا على الصدق مع الله في إيماننا، والمجاهدة لها بالإحسان في العمل؛ فإن ذلك الذي تكون به النجاة.
نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا أجمعين إيمانًا صادقا، وأن يوفقنا أجمعين للإحسان في العمل، وأن يعيذنا أجمعين من الشيطان الرجيم.
اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مهتدين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله: روى ابن أبي الدنيا في كتابه: "المحاسبة" عن إبراهيم التيمي -رحمه الله- قال: "مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ -أي تخيَّلت أنها في الجنة- آكُلُ ثِمَارَهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا، ثُمَّ مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ؛ آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ صَدِيدِهَا، وَأُعَالِجُ سَلَاسِلَهَا وَأَغْلَالَهَا؛ فَقُلْتُ لِنَفْسِي: أَيْ نَفْسِي أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ صَالِحًا، قَالَ قُلْتُ: فَأَنْتِ فِي الْأُمْنِيَةِ فَاعْمَلِي".
نعم -عباد الله- من كان في هذه الحياة وله فيها بقية فلا تزال عنده الفسحة قبل أن يكون الأمر أماني تغره في أشد المواقف وأصعبها؛ فالكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
(ربنا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم