عناصر الخطبة
1/الأسرة نعمة من الله 2/دعائم الأسرة في الإسلام 3/أسباب عدم استقرار الحياة الزوجية 4/حق الرجل في القوامة على المرأةاقتباس
إن نشدان الكمال في البيت وفي أهل البيت لأمر متعذر، والأمل في استكمال كل الصفات فيهم أو في غيرهم شيء بعيد المنال في الطبع البشري، بل حتى نشدان الكمال في غير الزوجة أمر متعذر؛ لأن الناس بشر، ويقع منهم ما يقع من البشر من النقص والقصور والخلل؛ كما...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أحمده سبحانه وهو أهل الحمد في الآخرة والأولى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-؛ فإنها وصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
عباد الله: إن من أعظم نعم الله -تعالى- وآياته: أن جعل الأسرة هي المأوى الذي هيأه للبشر من ذكر أو أنثى، يستقر فيه ويسكن إليه؛ كما قال ربنا -سبحانه-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21] (أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) نعم ليسكن إليها، ولم يقل: ليسكن معها مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك، والهدوء في الشعور، ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها.
عباد الله: إن هناك أمورا كثيرة يقوم عليها بناء الأسرة المسلمة وتتوطد فيها العلاقة الزوجية، وتبتعد بها عن رياح التفكك، وأعاصير الانفصام والتسرع، وإن من أعظم ما يقوم عليه بناء الأسرة، ويحفظ العلاقة بين الزوجين، ويحافظ عليها، المعاشرة بمعروف، يقول الله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
ولا يتحقق ذلك إلا بمعرفة كل طرف ما له وما عليه من الحقوق والواجبات، وإن نشدان الكمال في البيت، وفي أهل البيت لأمر متعذر، والأمل في استكمال كل الصفات فيهم أو في غيرهم شيء بعيد المنال في الطبع البشري، بل حتى نشدان الكمال في غير الزوجة أمر متعذر؛ لأن الناس بشر، ويقع منهم ما يقع من البشر من النقص والقصور والخلل؛ كما قال الله -تعالى-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199] أي خذ ما عفا وصفا لك من أخلاق الناس وطباعهم، ولا تتطلب منهم ما لا تسمح به طباعهم.
ومن رجاحة العقل ونضج التفكير: توطين النفس على قبول بعض المضايقات، والغض عن بعض المنغصات، والرجل وهو رب الأسرة مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة إذ أن المرأة ضعيفة في خَلقها وخُلقها، إذا حوسبت على كل شيء عجزت عن كل شيء، والمبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها، وكسرها طلاقها، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى يقول: "استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقنا من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيموه كسرته، وكسرها طلاقها، وإن تركته لم يزل أعوج"(أخرجه البخاري ومسلم).
ينبغي للزوج أن يستحضر هذا الحديث، وألا يغيب هذا الحديث عن ذهنه، فالاعوجاج في المرأة من أصل الخلقة، "وإن أعوج ما في الضلع أعلاه" أي: أن العوج في المرأة إنما يكون في لسانه، فتتكلم أحيانا بكلام أعوج، وتتكلم بكلام غير مناسب وغير ملائم للزوج، فلابد من الصبر على ذلك، فعلى الرجل أن لا يسترسل معها ما قد يظهر من مشاعر الضيق من أهله، وليصرف النظر عن بعض جوانب النقص فيهم، وعليه أن يتذكر ولا يتنكر لجوانب الخير فيهم، وإنه لواجد في ذلك شيئا كثيرا، وفي هذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا، رضي منها خلقا آخر"(رواه مسلم)، وقوله: "لا يفرك" أي: لا يكره ولا يبغض.
ومعنى ذلك: أن الزوج ينبغي أن ينظر للنواحي الإيجابية في زوجته، وأن لا يركز الزوج نظره على النواحي السلبية، فإذا ركز النظر على النواحي الإيجابية فسيجد خيرا كثيرا، ويكون هذا من عوامل استقرار الحياة الزوجية، والأسرة المسلمة.
أما من يركز على العيوب، ويركز على السلبيات فإن هذا يؤدي إلى عدم استقرار الحياة الزوجية، ويؤدي إلى الشحناء، ويؤدي إلى الخلافات الزوجية التي تنغص الحياة الزوجية، وتنغص على الأسرة المسلمة استقرارها.
وليتأنى الزوج فإن رأى بعض ما يكره فهو لا يدري أين أسباب الخير، ولا يدري أين موارد الصلاح؟ وتأمل قول الله -عز وجل-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
وكيف تكون الراحة؟ وأين السكن والمودة إذا كان رب البيت ثقيل الطبع، سيء العشرة، ضيق الأفق، يغلبه حمق، ويعميه تعجل، بطيء في الرضا، سريع في الغضب؟ إذا دخل فكثير المن، وإذا خرج فسيء الظن، وقد علم أن حسن العشرة، وأسباب السعادة أنها لا تكون إلا في الرفق واللين، والرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وفي البعد عن الظنون والأوهام التي لا أساس لها.
إن الغيرة قد تذهب ببعض الناس إلى سوء الظن، وتحمله على تأويل الكلام، والشك في التصرفات، مما قد ينغص العيش، ويقلل البال، من غير دليل، ومن غير مستند صحيح: (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)[الطلاق: 6].
عباد الله: ولنا في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجه لنا في ذلك الأسوة الحسنة، فهو عليه الصلاة والسلام خير الأزواج، وزوجاته أمهات المؤمنين خير الزوجات، وكان يقول: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، ولكن هل صفت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- الزوجية، هل صفت من المنغصات؟ مع كون بيته هو البيت المثالي، البيت المثالي هل صفا من المنغصات؟ كلا، لم يخلو من منغصات، "فقد لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من زوجاته ما لقي من أذى ومضايقة بحكم بطبيعة المرأة، حتى إنه عليه الصلاة والسلام ذات يوم اجتمع نسائه عليه، واشتكين ما يلقينّ من ضيق المعيشة، فغضب عليه الصلاة والسلام غضبا شديدا، وأقسم بالله العظيم ألا يدخل عليهن شهرا كاملا، وأشيع في المدينة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق نسائه، فجاء عمر فزعا، وسأل أمهات المؤمنين، أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- نسائه فقلنا: لا ندري وهن يبكين، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم - في مشربة له، وقد اغتم وضاق صدره، وسأله فقال: يا رسول الله هل طلقت نسائك؟ قال: لا، فحمد الله وكبر، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفى بيمينه تلك، وبقي شهرا كاملا في مشربة له، في مكان صغير يؤتى له فيه بالطعام والشراب، لا يدخل على نسائه، فلما مضى شهر كامل دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أزواجه وكان أول من دخل عليها عائشة فلما رأته قالت: بقي يوم يا رسول الله، والله إني لا أعدهن عدا، أي: لا أعد الأيام عدا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الشهر تسعة وعشرين، أي: إن الشهر تسعة وعشرون أي: أن الشهر وافق في ذلك الوقت أن يكون تسعة وعشرين يوما وليس ثلاثين، ثم قال يا عائشة: إني ذاكر لك أمرا، فلا تستعجلي حتى تستشير أبويك، ثم قرأ عليها قول الله -عز وجل- يا نساء النبي: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 28-29]، فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله أو فيك استشير أبويك؟ والله إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم ذهب إلى بقية أزواجه واحدة، واحدة وخيرهن فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة -رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن-.
فإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أحسن الناس خلقا، وهو خير الأزواج، وزوجاته خير الزوجات إذا كان قد بلغ به الحال إلى مثل هذا فكيف بغيره؟
عباد الله: إن واقع الحياة البشرية، وطبيعة البشر، وعيش كل من الزوجين مع الآخر قريبا منه في مأكله، ومشربه، وجلوسه، ومضجعه لابد أن يحصل معه شيء من الخلافات بين الزوجين، أو اختلاف في وجهات النظر، فربما اشتد هذا الخلاف وليس المهم هو ألا يقع الخلاف، ولكن المهم كيف يتعامل مع هذا الخلاف، المهم هو الحكمة في معالجة هذه الخلافات، ولابد من التسامح، والتغافل، والتنازل عن بعض الحقوق، وأن يستحضر الزوج نقص المرأة في خلقتها، وأن خلقة من ضلع أعوج، فلابد من الصبر عليها، فلابد من التغافل من الزوجين، وعدم التدقيق في كل شيء؛ لأن التدقيق في كل شيء يؤدي إلى عدم استقرار الحياة الزوجية، إذا كان الزوج سوف يسأل عن كل شيء، ويدقق في كل شيء، فإن الحياة الزوجية لن تستقر، وهكذا الزوجة إذا كانت تدقق في كل صغيرة وكبيرة فهذا يؤدي إلى عدم استقرار الحياة الزوجية، ولذلك فخلق التغافل من الأخلاق العظيمة التي يوصي بها الحكماء من قديم الزمان، ليس فقط في تعامل الزوج مع زوجته، وإنما في التعامل مع جميع الناس، ويقولون: ليس الغبي بسيد في قومه، ولكن سيد قومه المتغابي، أي: المتغافل، المتغافل هو الذي يكون سيدا، والمتغافل هو الذي يكون حسن الخلق، يتغافل ولا يدقق في كل صغيرة وكبيرة، ليس غفلة وليس سذاجة، ولكن تغافلا، ولهذا لما قيل للإمام أحمد: إن فلانا يقول: تسعة أعشار العافية في التغافل، قال: "أخطأ، بل العافية كلها في التغافل"، فلابد من أن يستعمل الزوج مع أهله خلق التغافل.
وإن مما يهدم الحياة الزوجية: السماح بتدخل أطراف خارجية من أهل الزوج أو أهل الزوجة لحل خلافات يسيرة التي تقع بين الزوجين، فإن هذا التدخل من شأنه أن يزيد من قوة الخلاف، ومن شأنه أن يؤجج المشاكل، ويؤدي إلى عدم استقرار الحياة الزوجية، فينبغي للزوج أن لا يسمح لأي طرف خارجي بالتدخل في حل المشاكل بينه وبين زوجته، وهكذا الزوجة أيضا لا تسمح بتدخل أهلها في كل صغيرة وكبيرة من حياتها، إذ أن هذا مما يزيد المشاكل، ويؤدي إلى عدم الاستقرار إلا عند الضرورة، إلا عندما تصل الخلافات إلى مبلغ كبير، وتقتضي الضرورة التدخل الخارجي، فهذا قد ذكره ربنا -عز وجل- في قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[النساء: 35].
جاء في الصحيح: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل يوما بيت ابنته فاطمة، فسأل عن زوجها علي، فقالت: خرج من البيت، فذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- يبحث عنه، فوجده مستندا إلى جدار وقد علاه شيء من التراب، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ينفض التراب عن علي، ويقول: "قم أبا تراب، قم أبا تراب"، وذلك لأنه حصل بينه وبين زوجه فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- مغاضبة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- دخل في وقت هذه المغاضبة لم يسأل ابنته عن هذه المغاضبة، وما أسبابها، وما تفاصيلها، بل سكت، وذهب إلى علي يسترضيه، ويقول: "قم أبا تراب" لم يسأله عن شيء؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يريد أن يتدخل في الخلافات اليسيرة التي تقع بين زوج وزوجته، بل قال: "قم أبا تراب، قم أبا تراب"، قال علي: فو الله إنها أحب كنية إلي فقد كنانيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
عباد الله: ومن أسباب عدم استقرار الحياة الزوجية: أن يرسم الزوج أو الزوجة لنفسه حياة خيالية، فإذا لم تتحقق هذه الحياة بدأ يشعر بأن الطرف الآخر لا يصلح له، وأنه غير مناسب له، ومن ذلك: أن الزوج يرى أن بيته الأسري لابد أن يقوم على ما يرسمه العشاق، وما يرسمه الشعراء من الغرام، والحب، ونحو ذلك، وهكذا الزوجة تنظر للحياة الزوجية أنها لابد أن تكون كذلك، فإذا لم تكن كذلك حصل عدم الاستقرار بين الزوجين، وحصلت المنغصات، وحصلت الخلافات، وكما قال عمر -رضي الله عنه-: "أقل البيوت البيت الذي يبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والإحسان" جاء رجل إلى عمر يستشيره في طلاق امرأته فقال عمر: "لا تفعل، قال: إني لا أحبها، قال: عمر ويحك، أقل البيوت، البيوت التي تبنى على الحب، الناس يتعاشرون بالإسلام والإحسان، أين الرعاية وأين التذمم؟"، ويريد عمر أن البيوت إذا عزا عليها أن تبنى عليها الحب فهي يمكن أن تبقى وأن تستقر على أركان أخرى، على الرعاية التي تكون بين الرحم، والتكافل بين أهل البيت، وأداء الحقوق والواجبات، وعلى التذمم، أي: التحرج من أن يصبح الرجل مصدرا لتفريق الشمل، وشقاء الأولاد، والتكدير على الأولاد والإضرار بهم، ليس كل البيوت تبنى على الحب، فإذا لم يحصل الحب الذي ينشده الزوج أو الزوجة فعليه أن يراعي الأمور الأخرى، عليه أن يراعي المودة والرحمة، والمعاشرة بالإسلام والإحسان والرعاية والتذمم، هذا أمر لابد من أن يعيه الزوج، وأن تعيه الزوجة، وأن لا يعيش في حياة خيالية كما ترسمها بعض الوسائل الإعلامية، وكما ترسمها كلمات بعض الشعراء والأدباء، فهذه الحياة الخيالية لا تتحقق إلا لقلة من الناس، وربما لا تحقق لأكثر الناس، لكن هناك أمور مقصودة من الأسرة من المعاشرة بالمعروف، ومن رعاية هذا البيت الأسري الذي نشأ على الإسلام، ومن رعاية هؤلاء الأولاد، ومن المودة والرحمة، وغير ذلك من المعاني.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
عباد الله: حسن العشرة مطلوب، والصبر والتغافل وما ذكر كلها أمور مطلوبة في الحياة الزوجية، ولكن هذا لا يعني الضعف من الأزواج، فإن بعض الناس ضعيف مع أهله لدرجة أنه يرى زوجته ترتكب ما حرم الله فلا يستطيع أن يمنعها، يراها متبرجة تخرج بزينتها متعطرة، تخرج إلى الأسواق ومع ذلك يراها ويتأمل في نفسه لكنه يعجز عن أن يمنعها، أين القوامة؟ أين قوامة هذا الرجل على أهله؟
الله -تعالى- جعل الرجال قوامين على النساء، وكأن هذه المرأة قد أصبحت هي القوامة على هذا الرجل بدل أن يكون القوام عليها، بل الأعجب من هذا أن بعض الناس يرى في الأسواق مع زوجته وقد أخذت الزوجة كامل زينتها، متعطرة، قد بدأ عليها التبرج وهي تسير معه، وتقلب عينها في أعين الرجال، يمينا ويسرا، ولا يستطيع أن يمنعها.
سبحان الله! أين قوامة الرجل على المرأة؟
شاهد آخر يرى زوج مع زوجته يراها تذهب لمناسبات الأفراح وهي تلبس لباسا سافرا شبه عاري، وهو لا يرضى بذلك في قرارة نفسه لكنه لا يستطيع أن يمنعها، إن هذا ضعف ممقوت وليس هذا من حسن العشرة، فإذا وقعت الزوجة في المخالفات الشرعية فعلى الزوج المسؤولية أمام الله -عز وجل- في أن يمنعها من الوقوع فيما حرم الله، فإن هذا من مسؤوليته، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرجل راعي في أهل بيته ومسؤول عن رعيته".
وامرأة العزيز لما علمت بضعف زوجها راودت يوسف عن نفسه، ثم لما علم زوجها العزيز لما علم بذلك، وبدا له الآيات والبراهين الواضحة على أنها هي التي راودته في بيته، وعزمت على خيانته، فما كان منه إلا أن قال: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)[يوسف: 29] أي: لا تتحدث به، ولا تذكره لأحد، وقال لزوجته: (اسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) [يوسف: 29]، فما كان منها لما رأت هذا الضعف إلا أن أعلنت للنسوة في المدينة بأنها ستستمر في مراودة يوسف وقالت: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)[يوسف: 32].
ومن أبرز أسباب ذلك: هذا الضعف من العزيز الذي يرى أن امرأته تراود رجلا، ومع ذلك يكتفي بهذا الموقف بأن يقول له: (أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)، ويقول للزوجة: (اسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ)، وتستمر حياتهم كما كانت، هذا ليس من حسن العشرة المطلوب، ولكنه من الضعف المذموم والذي لا يتفق مع ما جعله الله -عز وجل- من قوامة الرجال على النساء.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم أذل النفاق والمنافقين.
اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء، اللهم فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرا عليه، يا قوي يا عزيز.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
نعوذ بك اللهم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم هيئ للمسلمين ما يحكمهم بشريعتك وكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لرعاياهم.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أدم علينا الأمن والأمان والاستقرار والرخاء، ورغد العيش واجتماع الكلمة ووحدة الصف، واجعلها عونا لنا على طاعتك ومرضاتك، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
نسألك اللهم من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم