عناصر الخطبة
1/ فضائل الاستقامة على دين الله 2/ علامات الاستقامة وأماراتها 3/ صور من استقامة الصحابة والسلف الصالح على الدين 4/ تأملات في قصة هجرة أبي سلمة وأم سلمة 5/ الاستقامة مرهونة بصلاح القلوب.اقتباس
إن الاستقامة على دين الله والالتزام بأمر الله -جل وعلا- ينبع من القلب، فأصلحوا قلوبكم، اجعلوا هذه القلوب تستقيم على طاعة الله، اجعلوها تنهل من ذكر الله، اجعلوها تستقيم على طاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، اقرءوا سِيَر الصحابة، قلبوا صفحات العلماء والأولياء، انظروا إلى الإيمان كيف أثّر في حياتهم، ثم قدّموا هذا الدين، قدّموه بأخلاقكم وقدّموه بسلوككم وجدوا لذته قبل أن تدعوا الآخرين إليها...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نستغفره ونستعينه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى من سلك سبيلهم أو سار أو استنار بهدي المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: أمة القرآن اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسامنا على النار لا تقوى.
إخوة الدين والعقيدة: بعث الله -جل وعلا- نبينا وسيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هاديا ومبشرا ونذيرا، فأحيى الله -عز وجل- برسالته قلوبًا وأحيى الله -عز وجل- ببعثته أرواحا، فجعل القلوب تتلاقى وتتصل بربها سبحانه وتعالى.
لقد أرسل الله عبده ونبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بهذا الدين لتستقيم أرواحنا وتستقيم أفئدتنا وقلوبنا، وتستقيم أبداننا كما أراد الله -جل وعلا-، أتى محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون القلب في أعماقك يصدح ويقول: "رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا".
وهذا الدين الذي بُعث به محمد -صلى الله عليه وسلم- ليس رسومًا تظهر على الأجساد فقط، وإنما هو حقائق تتذوقها الأرواح وتطمئن بها القلوب يوم أن تجد تلك القلوب برد الإيمان والأنس بكلام الرحيم الرحمان -جل وعلا-.
إن الاستقامة على دين الله وعلى طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- معلم من معالم هذا الدين العظيم، ولهذا يقول ربي -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت:30].
كلُ منا يريد الاستقامة على طاعة الله، ويريد أن يتبع هدي ونهج محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن هذا النهج له آثار وله علامة وله دلالة، قبل أن تظهره هذه الآثار على بدن الإنسان في التزامه بما أمر الله -جل وعلا- يجب عليه أن يرى هذا الأثر في سلوكه، وأن يرى هذا الأثر في قلبه، وأن يرى هذا الأثر في تعامله مع ربه -جل وعلا-.
إذا أردت أن ترى هل أنت مستقيم على طاعة الله فانظر إلى نفسك مع الصلاة كيف تؤديها وكيف تحافظ عليها، انظر إلى حالك معها في خشوعك، وفي قيامك بما أمر الله -جل وعلا-، تأمل في هذه الأمور جميعا لتعلم بعد ذلك مدى استقامتك على طاعة الله.
إذا أردت أن تعرف أنك مستقيم على أمر الله؛ فانظر إلى حالك إذا غاب عنك الناس، وانقطع عنك البشر، وانقطع اتصالك بالخلق جميعًا، وأصبحت في مكان لا يراك فيه إلا الله ولا يسمعك فيه إلا الله، فكيف أنت مع محارم الله -جل وعلا-.
عند ذلك تعلم هل أنت مستقيم على طاعة الله أم لا؟
إذا نام الناس وانقطع الخلق إلى فرشهم فانظر إلى حالك، انظر إلى صلاة الفجر كيف حرص قلبك عليها، هل هناك منبّه داخلي قبل أن يكون منبه خارجي يوقظك لأداء الصلاة؛ لأنك تؤدي هذه الصلاة بحب وتؤديها بتعظيم لله سبحانه وتعالى!
أيها المسلمون: يا أتباع محمد يا حملة رسالته يا حراس ملته.. الاستقامة على دين الله -جل وعلا- مطلب نسعى له جميعًا، لكننا نغفل عن معناه الحقيقي الذي كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم-، تأملوا في حالهم وانظروا إلى أحوالهم تجدون الاستقامة على دين الله -جل وعلا- يغضب أحدهم فإذا ذُكِّر بالله وإذا بنفسه تطمئن، يريد أحدهم أن ينتصر لنفسه فإذا ذُكِّر بالله استغفر ربه وخر راكعًا وأناب لماذا؟ لأن هناك تعظيمًا في قلوبهم للملك العلام سبحانه وتعالى.
تأملوا –يا رعاكم الله- إلى هذه الاستقامة كيف أضمرت المحبة في قلوبهم يأتي زيد -رضي الله عنه وأرضاه- يُقدَّم لتُضرب عنقه فيقول للمشركين حوله: أمهلوني أصلي ركعتين، أريد أن أفارق هذه الدنيا بركعتين، لا أريد مالاً ولا جاهًا، ولا أريد شيئًا من حطام الدنيا، أريد أن يكون آخر كلامي من الدنيا لا إله إلا الله، أريد أن يكون آخر حركة لجسدي هو سجودي لله -جل وعلا-، فصلى ركعتين وأوجز فيهما ثم قال: "أما والله لولا أني خشيت أن تقولوا أن به خوفًا لأطلت الصلاة، ولكني خففتها".
قال أبو سفيان -رضي الله عنه وأرضاه- يمتحن إسلام الذي تربى في مدرسة محمد -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يرى إلى أثر استقامته وحقيقتها، قال: "يا زيد! ناشدتك الله هل تتمنى أن محمدًا مكانك تُضرب عنقه وأنك بين أهلك سالمًا غانمًا؟".
فيقول -رضي الله عنه وأرضاه-: "والله لا أتمنى أن أكون بين أهلي سالما غانمًا وأن محمدًا تصيبه شوكة".
الله أكبر! إنه الإيمان العظيم الذي خالط تلك القلوب وأسعدها، وأنار دربها، وأنار طريقها وحياتها، ثم تأملوا أخرى حينما يؤذى الصحابة -رضوان الله عليهم- وينالون من الأذى ألوانا، ومن صنوف العذاب أشكالاً، ثم بعد ذلك يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة الكرام فيبشرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ببشارة خير ويقول لهم: "إن الله جعل لكم دارا وإخوة تهاجرون إليهم فاذهبوا إلى المدينة".
أول من هاجر واستمع إلى هذا النداء الكريم وأراد أن ينصت إلى قول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وإذا به الصحابي الجليل أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد وأم سلمة -رضي الله عنها- تقول أم سلمة: "تهيأ لي أبو سلمة ركابي، ثم وضع ابني سلمة في حِجري فأتى إليّ قومي من بني المغيرة، قالوا: يا أبا سلمة هذه نفسك غلبتك فعلام نترك ابنتنا معك؟ قالوا: فأخذوني فأتى بني مخزوم قوم أبا سلمة -رضي الله عنه- فأخذوا ابنها، قالت أم سلمة فكان ابني بين أهلي وبين أهل أبيه، فما زالوا به حتى خلعوا يديه.
كل ذلك في ذات الله -جل وعلا-، كل ذلك من أجل أن يؤمنوا بالله وأن يرضوا بالله وبرسوله -صلى الله عليه وسلم-.
تقول -رضي الله عنها وأرضاها-: "فمكثت عامًا أو قريبًا من عام، أخرج كل يوم أبكي على ابني الذي فرقوا بيني وبينه، وأبكي على زوجي الذي فرقوا بيني وبينه، وبعد مرور عام وإذا بأحد أبناء عمي من بني المغيرة يقول لهم: ألا تتقوا الله -جل وعلا- في هذه المرأة؟ فرقتم بينها وبين ابنها وزوجها، قالت: فأذنوا لي بالهجرة إلى زوجي، فقربوا رحلي وأتى بني مخزوم فقدموا لي ابني، فضممته إلى صدري ورحلت.
فلما بلغت التنعيم، وإذا برجل صالح من العرب يقال له عثمان بن طلحة قال: إلى أين؟ قالت: إلى زوجي في المدينة، قال: والله ما لهذا مترك. قالت فأخذ بخطام ناقتي، والله ما رأيت رجلاً من العرب أكرم منه، ووالله ما رأيت رجلاً من العرب أعفّ منه، كان يسير بناقتي فإذا أراد أن يوقفها أناخها، ثم ينصرف حتى أنزل من بعيري، ثم يأتي فيأخذه ويضجع تحت شجرة، فإذا أراد الانصراف فعل ما يفعل في المرة الأولى حتى قدمنا فقال: إن زوجك في هذه الدار.
نعم أيها المؤمنون: إن الإيمان الذي نقله لنا الصحابة -رضوان الله عليهم- لم ينقلوه فقط بأقوالهم نقلوه بأعمالهم، نقلوه بتضحياتهم، نقوله بذلكم الإيمان العظيم الذي شعروا به في قلوبهم.
أيها الشباب، أيها المؤمنون: إن الاستقامة على دين الله والالتزام بأمر الله -جل وعلا- ينبع من القلب فأصلحوا قلوبكم، اجعلوا هذه القلوب تستقيم على طاعة الله، اجعلوها تنهل من ذكر الله، اجعلوها تستقيم على طاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، اقرؤوا سِيَر الصحابة، قلبوا صفحات العلماء والأولياء، انظروا إلى الإيمان كيف أثر في حياتهم ثم قدموا هذا الدين، قدموه بأخلاقكم وقدموه بسلوككم وجدوا لذته قبل أن تدعوا الآخرين إليها.
من لم يجد لذة الإيمان ولم يأنس بالقرب من الرحيم الرحمن -جل وعلا- فإنه لن يستطيع أن يبلّغ هذه المشاعر، ولا أن ينشر هذه المعاني العظيمة في قلوب الناس جميعًا، فعليكم بهذا الإيمان أوجدوا لذته وابحثوا عن حلاوته، وتذكروا قول نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا".
اللهم إنا نسألك إيمانا صادقا، ونسألك يا ربنا يقينا راسخا وعملا صالحا، ودعاء مستجابا، ورزقا طيبا وعملا متقبلا.
اللهم يا رب العالمين كن لنا في جميع الأمور ولا تجعل لنا في رزقنا أحد سواك، اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك واجعلنا أفقر عباد إليك يا ذا الجلال والإكرام.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم