عناصر الخطبة
1/ دوافع التوطين الصليبي لليهود في بلاد المسلمين 2/ محاولات شراء فلسطين بالأموال 3/ ساسة العرب وطاعتهم للكافرين والمنافقين 4/ محاولات جادة أوقفت لتحرير فلسطين 5/ احتفال اليهود بمرور ستين عاماً على قيام دولتهماقتباس
وكان من أعظم المحن التي حاقت بها في القرن الماضي التسلط الاستعماري الصليبي الغربي على مدنها وحواضرها في المشرق إثر إسقاطهم لخلافة بني عثمان، ونتج عن ذلك توطين اليهود في بيت المقدس، وإقامة دولة لهم في قلب الأرض المباركة التي باركها الله تعالى وما حولها بالمسجد الأقصى مأوى كثير من أنبياء الله تعالى ورسله عليهم السلام، وكانت دوافع هذا التوطين الصليبي لليهود في بلاد المسلمين منها الدوافع الدينية ومنها الدوافع الدنيوية ..
الحمد لله العليم الحكيم؛ يبتلي عباده بالخير والشر، وبالسراء والضراء؛ ليظهر الثابت منهم على دينه من الناكص على عقبيه (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:142] نحمده كما ينبغي له أن يحمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يقع شيء إلا بعلمه، ولا يقضى شأن إلا بأمره، له الحكمة الباهرة والحجة البالغة في قضائه وقدره (أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ) [الأعراف:54] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بشَّر أمته وأنذرهم، ودلَّهم على ما ينفعهم، وحذرهم مما يضرهم فالسعيد من التزم هديه، والشقي من حاد عن سنته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن حاجتكم إلى ربكم أعظم من حاجتكم إلى طعامكم وشرابكم ونَفَسِكم وانتفاعكم به سبحانه أكثر من انتفاعكم بأهلكم وأولادكم وأموالكم، فمن يطعمكم ويسقيكم ويحفظكم ويدرأ عنكم سوى ربكم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر:3].
أيها الناس: عصفت بهذه الأمة المباركة أمة الإسلام محن وبلايا لو أصابت غيرها لأبادتها، أو حرفت دينها، كما كان ايام الاجتياح التتري، ثم الحملات الصليبية، ولكن الله تعالى قد عافى هذه الأمة من الإبادة الشاملة، وحفظ دينها من التحريف والضياع كما حفظ أفرادها من الإجماع على ضلالة.
وكان من أعظم المحن التي حاقت بها في القرن الماضي التسلط الاستعماري الصليبي الغربي على مدنها وحواضرها في المشرق إثر إسقاطهم لخلافة بني عثمان، ونتج عن ذلك توطين اليهود في بيت المقدس، وإقامة دولة لهم في قلب الأرض المباركة التي باركها الله تعالى وما حولها بالمسجد الأقصى مأوى كثير من أنبياء الله تعالى ورسله عليهم السلام، وكانت دوافع هذا التوطين الصليبي لليهود في بلاد المسلمين منها الدوافع الدينية ومنها الدوافع الدنيوية:
أما الدوافع الدينية فتلتقي فيها عقائد صهاينة النصارى الإنجيليين مع عقائد صهاينة اليهود التوراتيين في نبوءات آخر الزمان على أرض فلسطين المباركة.
وأما الدوافع الدنيوية فبغرس مسمارٍ مسموم في وسط العالم الإسلامي وأهم مواقعه الحيوية يكون عينا للاستعمار الغربي الراحل، ورأس حربة له، كما يكون قابلا للتمدد والتوسع متى شاء المستعمرون ذلك، وبه يتخلص الغرب من عصابات اليهود المفسدة لينقل إفسادها إلى قلب العالم الإسلامي.
ولقد حاول المؤسسون الأوائل للحركة الصهيونية اليهودية شراء فلسطين بأموالهم من الدولة العثمانية المنهارة، لكن السلطان عبد الحميد رحمه الله تعالى ضحى بملكه ودولته على أن يبيعها لليهود، فحفظ له التاريخ ذلك، وأجره على الله سبحانه وتعالى، وكتب ردا على المحاولات المتكررة لرئيس الحركة الصهيونية آنذاك هرتزل قائلا: (انصحوا الدكتور هرتزل بأن لا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع ، إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض؛ فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية التي جاهدت في سبيلها، وروتها بدمائها، فليحتفظ اليهود بملايينهم ، وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن . أما وأنا حيٌ فإن عمل المبضع في بدني لأهون عليَّ من أن أرى أرض فلسطين قد بُترت من الدولة الإسلامية، وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة).
وانهارت دولة بني عثمان ووقعت فلسطين تحت استعمار البروتستانت الإنجليز الممالئين لليهود عقيدة وثقافة وفكرا، فسمحوا بالهجرات اليهودية إليها وشجعوها ودعموها، وشكلوا لعصاباتها قوة وسلطة مسلحة يدربونها لليوم الموعود الذي يُسلِّمون فيه ما لا يملكون لمن لا يستحقون، مع ما قاموا به من تجريد الفلسطينيين من السلاح، كيلا يردوا عدوان اليهود عنهم.
ولما تحرك بعض من في الجامعة العربية لتدريب الفلسطينيين على السلاح للدفاع عن أنفسهم أجهض المستعمرون محاولتهم، وأنصاع الأتباع لأوامر من ركنوا إليهم؛ ليسهل على اليهود ذبح الفلسطينيين وطردهم من ديارهم إذا ما أعلنوا دولتهم المشئومة.
وصدق الله تعالى حين حذر المؤمنين من الثقة في أعدائهم، والركون إلى وعودهم (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود:113]. وبين سبحانه أن بعضهم يوالي بعضا ضد أهل الإسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51].
لقد خرج صهاينة النصارى البروتستانت من فلسطين بعد أن سلموها لصهاينة اليهود المدربين المسلحين، وكان أعظم شيء فتَّ في عضد الفلسطينيين ومكَّن لليهود حتى تساقطت المدن والقرى الفلسطينية تحت أقدامهم خيانة بعض القادة العرب، وتخلي القادة الآخرين عنهم، وكأن الأمر لا يعنيهم.
وسجل المؤرخون العرب واليهود والإنجليز لتلك الحقبة في كتبهم ومذكراتهم الشخصية حوادث يندى لها الجبين من تآمر كثير من العرب وخيانتهم لإخوانهم، وإلقائهم تحت سلاح اليهود وقسوتهم وعنصريتهم، عاملهم الله تعالى على خيانتهم بما يستحقون، ورحم المستضعفين من إخواننا الذين أهريقت دماؤهم على ثرى الأرض المباركة بلا ذنب اقترفوه.
ومن عجيب أمر العرب آنذاك أنهم لما شكلوا جيوشا لردع اليهود إبَّان إعلانهم قيام دولتهم كان الآمر الناهي لأقوى جيوشهم الجنرال الإنجليزي جُلُوب، الذي سمَّى حرب عام ثمانية وأربعين بالحرب المزيفة، وكان المستشارون الانجليز يشرفون على الجيوش العربية، ويسرحون فيها ويمرحون، وبعضهم يصف محاولات إنقاذ فلسطين بأنها مثيرة للشفقة، فكيف يرتجى من جيوش أسلمت قيادها لأعدائها أن تحرر ما اغتصبه اليهود.
وكلما حاول المخلصون من أبناء الأمة آنذاك حصار اليهود وهزيمتهم والإثخان فيهم كانت المنظمات الدولية، والدول المستكبرة تفرض الهدنة تلو الهدنة ليلتقط اليهود أنفاسهم وينظموا ما تبعثر من قواتهم، ويمدهم حلفاؤهم بسلاحهم، وكان الخونة من العرب يوافقون على الهدنة متى ما كانت في صالح اليهود، فيفتون في عضد جندهم وإخوانهم، ويزيدون من قوة أعدائهم، حتى تمَّ لليهود ما أرادوا من احتلال الأرض، وإقامة الدولة، التي اعترفت بها قوى الظلم والطغيان آنذاك، وحينها بدأ عذاب وأي عذاب على السكان الأصليين لإنهاء وجودهم على ثرى أرضهم.
لقد استخدم الصهاينة فور قيام دولتهم المصطلح العبري (طيهور) وهو يعني تطهير الأرض من أي فلسطيني، وصدرت الأوامر إلى عصاباتهم المجرمة بحملة تطهير واسعة تشمل المدن والقرى والأرياف، لإحلال اليهود فيها، وبين تل أبيب وحيفا أربعا وستين قرية أفرغت بالكامل إلا قريتين، وفي كثير من المدن والقرى أعدم مئات الأشخاص وأغلقت بيوت كاملة.
وظهرت أبحاث ودراسات ومذكرات تدل على شدة ما أصاب أهل الأرض المباركة على أيدي العصابات الصهيونية.
وقبل تسع سنوات من الآن قام طالب يهودي بتجميع ما كتب عن مذبحة الطنطورة وهي إحدى المدن الفلسطينية، ذَبَحَ اليهود أهلها إبَّان تأسيس دولتهم، وحشد هذا الطالب شهادة من بقي من كبار السن الفلسطينيين، والقادة اليهود؛ ليقدمها لجامعة حيفا أطروحة للماجستير، ولما علمت السلطات اليهودية بذلك أمرت الجامعة بتجريد أطروحته من أهليتها، والتحقيق مع الطالب بتهمة التشهير بالقادة اليهود.
والأسلوب الذي سلكه اليهود المؤسسون لدولتهم قبل ستين سنة هو الأسلوب الذي يسلكه يهود اليوم ولم يتغير شيء، ولا يزال من يديرون دفة الصراع معهم من العرب يثقون فيهم وفي مَنْ وراءهم من النصارى أكثر من ثقتهم في أنفسهم وشعوبهم، ويرتمون في أحضانهم رغم ما يجدونه من الإهانات المعلنة وغير المعلنة، وما حرروا أرضا، ولا أعادوا حقا، ولا كبحوا طمع اليهود عن المزيد من التنازلات (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج:18] فنعوذ بالله تعالى من الذل والهوان، ونسأله أن يرفع البلاء اليهودي عن إخواننا في فلسطين؛ إنه سميع مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغَالِبُونَ) [المائدة:54-56].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فلا عز ولا تمكين إلا بإقامة دينه، وتحكيم شريعته، ولا عاقبة تحمد إلا لأهل التقوى (إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].
أيها المسلمون: يحتفل اليهود في هذه الأيام بمرور ستين سنة إفرنجية على قيام دولتهم المشئومة، عجل الله تعالى زوالها، وطهر الأرض المباركة من رجسها.
لقد عاش المسلمون في كل مكان ستة عقود من الذل والهوان، يرون إخوانهم في الأرض المباركة يستباحون ولا سبيل لهم إلى نصرتهم رغم كثرتهم بسبب الذنوب والمعاصي التي غلَّت أيديهم وأقعدتهم، فنعوذ بالله تعالى من الهوان.
وإذا كان المسلمون منذ ستين عاما يشكون الذل والهوان فإن إخوانهم في الأرض المباركة عانوا -ولا زالوا- صنوف الأذى والعذاب على أيدي اليهود الذين لا يقبلون التعايش مع غيرهم، ولديهم مشروع خبيث يقضي بإفراغ الأرض المباركة من أهلها لتكون خالصة لهم وحدهم.
والقائدان الحقيقيان المؤسسان للدولة اليهودية التي نراها الآن هما: حاييم وايزمان، وديفد بن جوريون، واليهود يطلقون على وايزمان مهندس الدولة، كما يطلقون على بن جوريون المقاول المنفذ، وكلا الاثنين بنيا فكرتهما في إقامة دولتهم على إنهاء الوجود الفلسطيني بالكامل إنْ بالقتل وإنْ بالتهجير، وعلى هذا الأساس قامت دولتهم منذ ستين سنة ولا زالت إلى اليوم تمارس نفس السياسة بالقتل والترويع والحصار والتجويع ليتخلى أهل البلاد عن بلادهم لليهود، وليبحثوا عن بلاد أخرى تؤيهم غير الأرض المباركة التي يعتزم الصهاينة تنفيذ أحلامهم على ثراها.
ولقد كتب المؤسس وايزمان في مذكراته معبرا عن هذا المشروع قائلا: لقد تعهدت لنا بريطانيا أن تسلمنا فلسطين خالية من سكانها العرب وكنا على وعد بتنفيذ ذلك...
وكان المؤسس الآخر بن جوريون يقول لجنده:كل هجوم يجب أن يكون صفعة قاضية تؤدي إلى تدمير البيوت وطرد سكانها.
وبسبب هذه الاستراتيجية الإبادية عُذب أهل الأرض! وقُتل منهم من قتل! وهجر منهم من هجر!
ولا زالت سياسة خلف اليهود مستمدة من أفكار سلفهم إلى يومنا هذا، ويأمل المفاوضون من بني قومنا مع اليهود إرجاع اللاجئين إلى ديارهم، وهذا لن يكون إلا في عوالم الخيال والأحلام ما دام لليهود دولة وسلطة وسطوة، وما علم المفاضون أن اليهود يريدون إخراج البقية من ديارهم، فكيف يعيدون من أخرجوا منها؟!
وحصار غزة وتجويع أهلها، وقصفهم بالطائرات والدبابات، وقطع الطاقة عن المستشفيات ليهلك المرضى والجرحى جزء من المشروع الصهيوني القديم الجديد لإبادة أهل الأرض المباركة، وإفراغها من أهلها لتكون خالصة لقتلة الأنبياء، وشذاذ الآفاق.
كان الله تعالى في عون إخواننا المحاصرين في فلسطين المحتلة، وأمدهم بجنده، وأنزل عليهم سكينته، وقمع أعداءهم، وشفى صدور المؤمنين بإزالة دولتهم، وكسر شوكتهم، وما ذلك على الله بعزيز، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ) [آل عمران:126].
وصلوا وسلموا ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم