عناصر الخطبة
1/ تبادل المنافع بين المسلمين 2/ النهي عن إيذاء المسلمين في مرافقهم العامة 3/ من أشكال هذا الإيذاءاقتباس
وجانبوا الأعمال التي قد تُلْحِقُ أضراراً بأحد المسلمين، وائتوا لهم الشيء الذين تُحبّون أن يؤتوه لكم، واعلموا أنَّه لا ضرر أضرّ من مضارة من له حقّ آخر، بجانب حق الإسلام، كالوالدين والأرحام والمجاورين والمؤتمنين، وأنَّه لا ضرر أبشع ولا أفظع من أعمال من يضارّ المسلمين في مرافقهم العامة، كمن يُدخِل في مجال التعليم والتأليف ما يضارّ المسلمين في عقيدتهم ..
الحمد لله العالم بما كان وما سيكون، أحمده تعالى لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم:31]، وأشهدُ أنّ سيدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله، خير داعٍ إلى بذل النّفع وكفِّ الأذى، صلّى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد:
أيُّها المُسلمون: لقد دعا الإسلام أهله إلى تبادل المنافع، ماليّة أو بدنيّة، قوليّة أو فعليّة في ظلِّ قوله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] فشرع الإعانات الماليّة: كالصدقة، والقرض، والضيافة، والهداية، كما شرع إعانة المظلوم في ظُلامته، وإعانة الأخرق في عمله، شرع استعمال القول الليّن، والميسور والمعروف في المخاطبات، وما إلى ذلكم مما يُكسب الوِد، ويُنمّي المحبّة، ويُقوّي الصّلات بين أفراد المسلمين.
وكما دعا الإسلام إلى بذل النفع وتبادله بين المسلمين، فقد نهى أشدَّ النهي عن مضارّة وإيذاء أحد من المسلمين في عرض أو بدن أو مال بقول أو بفعل.
يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم عن عائشة: "من ضار مسلماً ضارّه الله، ومن شقّ على مسلم شقّ الله عليه". ويقول: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". ويقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره ولا يخذله". ويقول أصدق قائل: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58] ويقول تعالى مُبيِّناً لوناً من أشدِّ ألوان الأذى وأقبحها وأبشعها: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [النساء:112].
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون-، وجانبوا الأعمال التي قد تُلْحِقُ أضراراً بأحد المسلمين، وائتوا لهم الشيء الذين تُحبّون أن يؤتوه لكم، واعلموا أنَّه لا ضرر أضرّ من مضارة من له حقّ آخر، بجانب حق الإسلام، كالوالدين والأرحام والمجاورين والمؤتمنين، وأنَّه لا ضرر أبشع ولا أفظع من أعمال من يضارّ المسلمين في مرافقهم العامة، كمن يُدخِل في مجال التعليم والتأليف ما يضارّ المسلمين في عقيدتهم، أو في مجال التقنين والتنظيم ما يخالف كتاب الله وسُنّة رسوله، أو في مجال المال والاقتصاد ما يُضايق ضعفاء المسلمين في معائشهم ومتطلبات حياتهم، أو في مجال الاجتماع ما يُسبب الإطاحة بأخلاق المسلمين ويُضيّع الاحتشام والعفاف، أو في مجال التوظيف والقضاء من ليس أهلاً لقيادة المسلمين، ورعي شؤونهم، وتحقيق العدل بينهم.
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقوا اللاعنين؟ قيل: وما اللاعنان؟ قال: "الذي يتخلّى في طريق الناس أو ظلّهم"، ومفاد الحديث أن تلويث طريق المسلمين ومضارّتهم فيها بحفر، أو إلقاء قمامة، أو نتن، أو أحجار، أو أشواك، أو نحو ذلكم يسبّب لعن من فعلوا ذلك، ويغرس بغضهم في النفوس.
فإذا كان هذا في من ألقى في الطريق قذرة سهلة الإزالة، فماذا سيحصل لمن ضارّوا المسلمين في عقيدتهم، وتحاكمهم، وأخلاقهم، واقتصادهم.
فإذا كان هذا الوعيد وهذا البغض واللّعن لمن يضارّ المسلمين في مرافقهم العامة، فما أعظم والله وأكثر، أجر وثواب من نفعوا المسلمين فيها، وما أحقِّهم بالرّضا والحب والقبول.
نعم، والله ما أحقّهم بذلك من الله ومن خلقه، ما أحقّهم به في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) [مريم:96] ويقول تعالى مُبيّناً شمول النَّفع في المرافق العامّة، وخطورة الإضرار فيها: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة:32]
فاتّقوا الله -أيُّها المسلمون-، وكونوا كما يريد الله منكم: خير الناس للناس، ولا تضارّوا أُمّة محمد فتصبحوا شرّ الناس للناس.
أقول قولي هذا، وأسأل الله تعالى أن يُبارك لنا في كتابه الكريم، وأن يجعلنا من أهله: إنه تعالى غفور رحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم