إن كنتم للرؤيا تعبرون

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2024-09-13 - 1446/03/10 2024-09-24 - 1446/03/21
عناصر الخطبة
1/حقيقة الرؤيا وثبوتها في القرآن والسنة 2/مبشرات الرؤيا ومنافعها 3/ما يراه النائم على أنواع وصور 4/كيف يتعامل المؤمن مع ما يراه في منامه؟.

اقتباس

والرُّؤَى في غَالِبِها، رُموزٌ مُبْهَمَةٌ تَدُلُّ على مَعانٍ تَرْتَبِطُ بها، ولا يُحسنُ َتأَوِيْلَ الرُّؤى إلا مَن لَه عِلْمٌ بالتأويلِ؛ لذا لا يَصِحُّ أَن يَتَجرأَ على التأَويلِ مَنْ لَمْ يُوهَبْ عِلْمُه، الرُّؤيا جُزْءٌ مِن النُّبوةِ، ولا يَتَقَوَّلُ على تأَويلِها مَنْ هو بِعِلْمِ التأَويلِ جاهِل؛ قيلَ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

أيها المسلمون: تَتَطَلَّعُ النُّفُوْسُ إِلى مَعْرِفَةِ مُسْتَقْبَلِها، وَتَتَشَوَّفُ إِلى عِلْمِ ما سَيُصَادِفُهَا، تَتَطَلَّعُ إِلى نَيلِ بُشرى تَسُرُّها، وتُحاذرُ من سماعِ نازِلَةٍ تَحِلُّ بها.

 

فالنفوس نحو ما غُيِّبَ عنها في انشِغال، والغيبِ أَمرٌ لا يُحيطُ بعلمه إلا الله؛ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

 

ومِنْ حِكْمَةِ اللهِ -العَلِيِّ القَدِيْر-، أَن جَعَلَ للعبادِ مَعالِمَ بها يَهتدون، ودلائلَ بها يَسْتَرشِدون، جَعَلَ لهم نوافِذَ يُطْلِعُهُم من خلالها على شَيءٍ مِنْ أُمورِ الغَيْبِ التي أَخفاها عنهم، نوافِذُ أُحِكِمَتْ معالِمُها، وبُيِّنَتْ حقائِقُها، وفُصِّلَتْ أحكامُها؛ بالدليلِ قامَتْ، وبالشريعةِ تَسْتَقِيم، ولولا أَنَّ الدَّليلَ أَثْبَتَها لما عُدَّتْ حَقِيْقَةٌ يُطْمَأَنُّ إليها.

 

الرؤيا الصالحةُ، نافِذَةٌ من نوافِذ العلمِ، وجُزْءٌ مِنْ أَجزَاءِ النُّبوة؛ قالَ ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما-: كَشفَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- السِّتَارةَ والناسُ صُفوفٌ خَلْفَ أَبي بَكر -رضي الله عنه- فقال: «أَيها الناسُ، إِنهُ لمْ يَبْقَ مِنَ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلا الُّرؤيا الصَّالحة، يَراها المُسلم، أو تُرى له"(رواه مسلم).

 

الرُّؤيا الصالِحَةُ، يَرى المرءُ في مَنامِهِ، رُؤْياً لها دَلائلُ على أَمرٍ يَتَحَقَّقُ لَهُ في اليَقَظَة، إِما بِشارَةٍ، وإِما نَذارةٍ، وإِما تَحذير، والرُّؤيا الصالحةُ حَقٌّ؛ عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا"رواه مسلم؛ قالَ اللهُ -عَزَّ وجَلّ-: (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)؛ قال المفسرونَ هِيَ الرُّؤيا الصَّالحةُ يَرَاها المُسْلِمُ، أَو تُرَى لَه.

 

وفي القُرآنِ قَصَّ اللهُ علينا مِنْ أَخبارِ الرُّؤَى عَجَباً، رُؤىً في المنامِ تَحَقَّقَ تَأَويْلُها في اليَقَظَة؛ (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).

 

وبعد حين؛ (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا).

 

يُوسُفُ -عليه السلامُ- نَبِيٌّ كَرِيمٌ، عَلَّمَهُ اللهُ تأَويلَ الرُّؤى؛ (وكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ)، أَوَّلَ لِلْفَتَيَيْنِ في السِّجْنِ ما رأَيا؛ (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ).

 

وأَوَّلَ للمَلِكِ ما رأَى؛ (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ).

 

الرُّؤيا الصالحةُ، جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبوةِ؛ عن أَبي هريرةَ -رضي الله عنه- أَن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ"(رواه مسلم).

 

لِذا كانَ مِنْ أَعظَمِ الكَذِبِ ومِنْ أَشْنَعِ الفِرَى، أَن يَتَحَدَّثَ العبدُ أَنه رَأَى في المنامِ رُؤياً وهو لَم يَرَ. الكذبُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوْبِ، وهو في أَمرِ الرُّؤيا أَشَدُّ وأَكْبَرْ؛ عَن عبداللهِ بن عُمرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَفْرَى الفِرَى أن يُرِيَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيَا»(رواه البخاري).

 

الرُّؤيا الصالحةُ، أَثْبَتَ الإسلامُ حقيقَتها؛ قَالَ سَمُرةَ بنُ جندبٍ -رضي الله عنه- كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذَا صَلَّى صَلَاةً أقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ؛ فَقالَ: "مَن رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قالَ: فإنْ رَأَى أحَدٌ قَصَّهَا..."(رواه البخاري).

 

الرُّؤيا الصالحةُ، تَنشُرُ السُّرُوْرَ في نَفسِ المؤمِنِ، تَحمِلُهُ على فِعلِ المحامِدِ، وتُعِيْنُهُ على اكتِسابِها، وتَصرِفُهُ عن فِعلِ المخازِيْ وتُقَوِّيِهِ على اجْتِنابِها؛ قالَ عبدُاللهِ بنُ عمرَ -رضي الله عنهما-: كانَ الرَّجُلُ في حَيَاةِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا علَى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَتَمَنَّيْتُ أنْ أرَى رُؤْيَا، فأقُصَّهَا علَى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا، وكُنْتُ أنَامُ في المَسْجِدِ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَرَأَيْتُ في النَّوْمِ كَأنَّ مَلَكَيْنِ أخَذَانِي، فَذَهَبَا بي إلى النَّارِ، فَإِذَا هي مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ وإذَا لَهَا قَرْنَانِ وإذَا فِيهَا أُنَاسٌ قدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أقُولُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنَ النَّارِ، قالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقالَ لِي: لَمْ تُرَعْ، فَقَصَصْتُهَا علَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ علَى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ، لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ؛ فَكانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا"(رواه البخاري ومسلم).

 

الرُّؤيا الصالحةُ، سَبَبٌ للنَّصرِ، وَعَونٌ على الثَّبَات، امْتَنَّ اللهُ على نَبيهِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بِما أَراهُ من رُؤياً يَومَ بدرٍ؛ (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

 

عباد الله: وليس كُلُّ ما يَرى المرءُ في مَنامِه يكونُ مِنَ الرُّيا الصالحة، فَإنَّ منها ما هو تحزينٌ من الشيطانِ، وإِنَّ مِنْهَا ما هو امتدادٌ لحديثِ النَفْسٍ في اليَقَظَةِ؛ قالَ أبو قتادةَ -رضي الله عنه-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّه"(رواه البخاري)، وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ"(رواه مسلم) بذلك يُكفى المسلمُ شَرَّ ما رَأَى، ويُحفظُ من وساوسِ الشيطانِ ويُحمى من أَلاعيِبِه؛ (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا).

 

بارك الله لي ولكم،

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أَن محمداً رسول رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً، أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: وَلَئِنْ كَانَتِ الرُّؤيا الصَّالحةُ مِنَ المبشراتِ؛ فإنَّ العاقِلَ يفْرَحُ بالبُشرى ويُسَرُّ، ويأَنَسُ بِها ولا يَغْترّ. قال الإمامُ أحمدُ -رحمه الله-: "الرؤيا تَسُرُّ المؤمنَ، ولا تَغُرُّه"، لا يَقْعُدُ عَن عَمَلِ الخيرِ مُعتَمِداً على رُؤيا رَآهَا أَو رُؤِيَتْ لَه.

 

والمؤمنُ، عَظِيمُ التوكلِ على اللهِ، لا تأَكُلُ قلبَه الأَوهامُ، ولا تَفتِكُ بِهِ الهموم، إِن رَأَى في مَنامِهِ ما يَكْرَه، تَعامَلَ مَع مَا رَأَى، بما بِه أُمِرْ؛ قال أَبو سلمةَ بنُ عبدالرحمن لقَدْ كُنْتُ أرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حتَّى سَمِعْتُ أبَا قَتَادَةَ -رضي الله عنه- يقولُ: وأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حتَّى سَمِعْتُ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أحَدُكُمْ ما يُحِبُّ فلا يُحَدِّثْ به إلَّا مَن يُحِبُّ، وإذَا رَأَى ما يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِن شَرِّهَا، ومِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، ولْيَتْفِلْ ثَلَاثًا، ولَا يُحَدِّثْ بهَا أحَدًا فإنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ"(رواه البخاري ومسلم).

 

والمناماتُ والرؤى، لا يُعَوَّلُ عليها في إِثباتِ شَيءٍ مِنَ الأَحْكَامِ الشرعيةِ؛ فالأَحكامُ الشرعيةُ قائِمَةٌ على الأدلةِ الثابتةِ مِنَ الكتابِ والسُّنَّة، ومما يُستظرفُ في ذلكَ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلى أَحدِ العُلماءِ ليلةَ يومِ الشَّكَ قَبْلَ رَمَضَان؛ فقال: إني رأيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في المنامِ وأَنه قالَ لي: أَخبِرْهُمْ أَنَّ غَدَاً مِنْ رَمَضَان؛ فَقَالَ لَهُ العالِمُ: إِنَّ الذي رَأَيْتَ في المنامِ، رآهُ مَن هو خيرٌ منك في اليقظةِ وقال لهم: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِه"، كَذا يُقصِيْ العالِمُ دواعي الجَهل، وكذا يكشِفُ العالِمُ مكائدَ الشيطان.

 

والرُّؤَى في غَالِبِها، رُموزٌ مُبْهَمَةٌ تَدُلُّ على مَعانٍ تَرْتَبِطُ بها، ولا يُحسنُ َتأَوِيْلَ الرُّؤى إلا مَن لَه عِلْمٌ بالتأويلِ؛ لذا لا يَصِحُّ أَن يَتَجرأَ على التأَويلِ مَنْ لَمْ يُوهَبْ عِلْمُه، الرُّؤيا جُزْءٌ مِن النُّبوةِ، ولا يَتَقَوَّلُ على تأَويلِها مَنْ هو بِعِلْمِ التأَويلِ جاهِل؛ قيلَ للإِمامِ مالكٌ -رحمه الله-: "أَيُعَبِّرُ الرُّؤيا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: أَبا النُّبُوَّةِ يُلْعَب؟ لا يُعَبِّرُ الرُّؤيا إِلا مَنْ يُـحْسِنُها، فَإِنْ رَأَى خَيرًا أَخْبَرَ بِه، وإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصْمُتْ".

 

قال ابنُ عُثَيمينٍ -رحمه الله-: "ولا يُعْتَمَدُ -أَي في تأويلِ الرُّؤيا- على ما يُوْجَدُ في بَعْضِ الكُتُبِ كَكِتَابِ تَفْسِيْرِ الأَحْلامِ، فإِنَّ ذَلِكَ خَطأٌ؛ وذلك لأَنَّ الرُّؤيا تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الرَّائِيْ، وبِحَسَبِ الزَّمَانِ، وبِحَسًبِ المكَان، وَبِحَسَبِ الأَحْوَال".

 

ومما يَجدرُ التنبيه إليه، أَنَّ كثيراً مِمَّنْ يَتَصَدَّرُونَ لِتَأَويلِ الرُّؤَى اليَومَ عَبرَ المواقِعِ ووسائِل التواصُلِ، لَمْ يُعرَفُوا بِعِلْمِ التأَويلِ، ولمُ يُشهدْ لَهم بِتَقوى ولا وَرَعٍ.

 

جَرأَ أَكثَرَهُم على ذلكَ، طَلَبُ شُهرَةٍ، أَو طَلَبُ مالٍ، أَو تَفَوُّقٍ على أَقرانٍ، في استخفافٍ بعقولِ بعضِ المغفلين، واستكشافٍ لخفايا أُمورِهم، والعاقِلُ، مَنْ تَفَطَّنَ لِأَمرِه، وتَوَكَلَ على رَبِه، ولَمْ يَطْرُقْ لطَلبِ التأَويلِ بابَ كُلِّ دَعِيٍّ؛ بَلْ لا يَعرِضُ ما رأَى، إِلا علَى مَنْ لَه في التقوى قَدَمٌ، ولَهُ في علمِ التأويلِ دِرايَة.

 

وقد يكون المؤَوِلُ عارِفاً تَقياً، ولَكِنَّه قَد يُصِيْبُ ويُخطئ، وقد قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكرٍ -رضي الله عنه- حين أَوَّلَ رُؤيا بَيْنَ يَدَيْهِ: "أصَبْتَ بَعْضًا وأَخْطَأْتَ بَعْضًا"(رواه البخاري ومسلم).

 

والرُؤيا الصادِقَةُ، مُتَحَقِّقٌ وقُوعُها، وحاصِلَةٌ بِشارَتُها، وإِن لم يُؤَوِلها صاحِبُها، وقَدْ يكون تحقق البشارةِ في الرؤيا بعدَ عقودٍ من الزمن؛ فَكُن مطمئناً بالله واثِقاً، مُعتَمِداً عليه مُتَوَكِلاً.

 

اللهم قَوِّ إيماننا،

 

المرفقات

إن كنتم للرؤيا تعبرون.doc

إن كنتم للرؤيا تعبرون.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات