عناصر الخطبة
1/الحث على الإحسان وبيان معناه 2/من مجالات الإحسان وأنواعه 3/من ثمرات الإحساناقتباس
كذلك الإحسان إلى الزوجة، بحُسْن العشرة والإنفاق عليها وأداء حقوقها والصبر على أذاها، وكذلك إحسان الزوجة للزوج، ومنه الإحسان إلى الأبناء باختيار أجمل الأسماء لهم، وتربيتهم ورعايتهم، والعدل بينهم، والتوسيع عليهم وإدخال السرور عليهم...
وأحسنوا إن الله يحب المحسنين
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الملك المعبود، ذي العطاء والمن والجود، واهِب الحياة وخالق الوجود، الذي اتصف بالصمدية، وتفرَّد بالوحدانية، والملائكة وأولو العلم على ذلك شهود، نحمده -تبارك وتعالى- ونستعينه فهو الرحيم الودود، وأشهد أن لا إله إلا الله الحي الحميد، ذو العرش المجيد، الفعَّال لما يريد، المحصي المبدئ المعيد، خلق الخلق، فمنهم شقيٌّ ومنهم سعيد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه ذو الخُلُق الحميد، والرأي الرشيد، والقول السديد، بلَّغ الرسالة على التحديد، وأدَّى الأمانة دون نقص أو مزيد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بوصية الله -تعالى- لعباده المؤمنين، ألا وهي تقوى الله -تعالى-، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: يقول الله -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195]، هذه الآية وإن كانت جاءت تتحدث عقب أمر الله بالإنفاق في سبيل الله، إلا أن الله كتب الإحسان على كل شيء، فالإحسان هو أعلى مقامات العبودية لله، فالإحسان معناه: "أن تعبُد اللهَ كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، فالمحسن يعبُد الله كأنه يراه، بمعنى: أن يعمل العمل مستشعرًا أنَّ اللهَ يُراقبه.
والعبد ينبغي أن يحسن في كل أعماله، سواء مع الخالق أو الخلق، ويحتسب كل أعماله لله؛ حتى يؤجر عليها، ومن أهم الأعمال التي ينبغي على العبد أن يكون فيها محسنًا، هي أداء الواجبات، وترك المُحرَّمات، وفعل الخيرات من الصدقة والصلة، وغيرها.
الإحسان أجْرُه عظيمٌ عند الله، ويكفي أن المحسن نال به أولًا: محبة الله، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195]، والأمر الثاني: ينال المحسن معية الله، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل: 128].
أحسن -يا عبد الله- في صلاتك أداءً وخشوعًا وطُمَأْنينة، راقب الله وأنت تصلي، وأحسن في صدقتك، واجعلها خالصةً لله، ومن غير منٍّ ولا أذًى، وأحسن في صيامك وحجِّك كما أمرك الله، كان من وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لمُعاذ قال له: "أوصيك يا معاذ: لا تَدَعَنَّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعِنِّي على ذكرك، وشكرك، وحُسْن عبادتك"، فحسن العبادة -يا عباد الله- لا يأتي إلا بمعونة من الله، ثم بمجاهدة العبد؛ لذلك أحسنوا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195].
وأما الإحسان إلى الخلق، فمن ذلك: الإحسان إلى الوالدين، قال -تعالى-: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[البقرة: 83]، يقول: وأمركم بالوالدين إحسانًا أن تحسنوا إليهما وتبرّوهما، فالإحسان إليهما من أعظم العبادات، كذلك الإحسان إلى الزوجة، بحُسْن العشرة والإنفاق عليها وأداء حقوقها والصبر على أذاها، وكذلك إحسان الزوجة للزوج، ومنه الإحسان إلى الأبناء باختيار أجمل الأسماء لهم، وتربيتهم ورعايتهم، والعدل بينهم، والتوسيع عليهم وإدخال السرور عليهم.
وأحْسِن إلى جارك بالسلام عليه، والكلمة الطيبة، ومشاركته في أفراحه وأحزانه، والصبر على أذاه، ولا تقابل السيئة بالسيئة بل السيئة بالحسنة، وأحسن إلى اليتيم والأرملة وإلى الفقراء وسائر المحتاجين بمساعدتهم والسؤال عنهم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "السَّاعِي على الأَرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كالمُجَاهِدِ في سبيل الله"، وأَحْسَبُهُ قال: "وكالقائم الذي لا يَفْتُرُ، وكالصائم الذي لا يُفْطِرُ"(متفق عليه)، قال الشاعر في قصيدته:
أحْسِن إلى الناسِ تستعبِدْ قلوبهم *** فطالما استعبَد الإنسانَ إحسانُ
ومن أنواع الإحسان: الإحسان في العمل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدُكم عملًا أن يتقنه"(أخرجه أبو يعلى في مسنده)، فاستلام أي عمل من الأعمال هو نوع من الأمانات التي يتحملها العبد، فمن أدَّاه على الوجه المطلوب فقد أدَّى الأمانة، ومن أدَّاه بإتقان ومهارة -وربما أضاف شيئًا من عنده- فهذا من الإحسان.
فالإحسان مطلوب في كل شيء، عن أبي يعلى شداد بن أوس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتُم فأحسِنُوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحدَّ أحدكم شفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته"(رواه مسلم).
فاللهَ اللهَ -يا عباد الله- عليكم بالإحسان، وجاهدوا أنفسكم على أن تكونوا من أهله؛ لتنالوا محبة الله.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وإخوانه، أما بعد:
عباد الله: الإحسان لا يأتي إلا بخير، ومن أنواع الإحسان التي تجعل لك محبة عند الناس هو الإحسان إلى الناس بالقول الحسن، قال -تعالى-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)[البقرة: 83]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا"، وقال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب، ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله، أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار؛ ولهذا قال -تعالى-: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[العنكبوت: 46]، ومن أدب الإنسان الذي أدَّب الله به عباده، أن يكون الإنسان نزيهًا في أقواله وأفعاله، غير فاحش ولا بذيء، ولا شاتم، ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق، واسع الحلم، مجاملًا لكل أحد، صبورًا على ما يناله من أذى الخلق، امتثالًا لأمر الله، ورجاء لثوابه".
فاتقوا الله -عباد الله-، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقد قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم