عناصر الخطبة
1/ آثار إعصار كاترينا 2/ وقفات مع إعصار كاترينا 3/ مجاعة النيجر 4/ واجبنا تجاه هذه الأزمةاقتباس
ونقول لكل الأمريكيين: إن ديننا دين الرحمة والإنسانية، لكن قلوبنا لم يبق فيها مساحةٌ للحزن على موتاكم، فمساحة الحزن على ضحايا المسلمين بفعل جرائمكم استحوذت كل مكان في قلوبنا.. ولم يبق في مآقينا دموع نذرفها على ضحاياكم؛ فقد جفت مآقينا ونحن نذرف الدموع مراراً على ضحاياكم في بلاد المسلمين
الحمد لله الملك الجبار العزيز الغفار وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار، ومن تبعه بإحسان ما تعقب الليل والنهار.
أما بعد: فأوصيكم ونفسيَ الخاطئةَ بتقوى الله تعالى، فهي العاصم من القواصم، وهي المنجية من المهالك ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً.
عباد الله: شهدت الأيام الماضية أحداثاً عظيمة، جديرةً بالتذكر والاعتبار، بدءاً بكارثة كاترينا الأمريكية، وانتهاءً بمجاعة النيجر المسلمة.
أما الحادثة الأولى فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية أسوأ كارثة طبيعية في التاريخ الأمريكي، حينما ضرب إعصار كاترينا ولاية لويزيانا ومدينة نيو أور لينز وعدداً من الولايات والمدن الأخرى.
مات بسبب الإعصار قرابة العشرة آلاف، وشرد مئات الآلاف، وقدرت الأضرار الاقتصادية بنحو مئة مليار دولار، حتى صرح وزير الأمن الداخلي أن الإعصار كان أشبه بإلقاء قنبلة ذرية على نيو اورلينز.
لقد رأى العالم هذه المشاهد العظيمة: إعصار هائل مدمر.. رياح سرعتها تفوق المائتي كيلو متر في الساعة، أغرقت المنتجعات والأراضي.. وألقت بالأنقاض في الهواء، وأطاحت بنوافذ الفنادق العالية، ولجأ الناس إلى صالة لوزيانا العملاقة، التي يسمونها (سوبر دووم) القبة العظيمة، فقلع الله سقفها ومزقته الرياح.. وحُصِر الآلاف وتقطعت بهم السبل بسبب المياه الجارفة والرياح العاتية، وغَمَرت المياهُ الطرقات، وسدتها الأشجار المتساقطة، وتهاوت خطوط الكهرباء، وقَتِل بعض الناس بسبب سقوط الأشجار فوق رؤوسهم، وانتشرت الجثث في المدينة، وقذف الإعصار بعضها إلى الشاطئ.
أصبحت شوارع المدينة شبيهةً بالثلج من تهشم الزجاج، وقامت الطائرات بإلقاء أكياس الرمل لكي تعمل السدود، لكنها سرعان ما انهارت وجرفتها المياه.
وتسقط منصات حفر النفط من مراسيها في الخليج الذي يصدر ربع النفط الأمريكي، ليحرمهم الله إنتاج ستمائة وخمسين ألف برميل يومياً.
أصبح ثمانون بالمائة من مدينة نيو أورليانز التي يسكنها أربعة ملايين إنسان تحت المياه، وتسعون بالمائة من المباني في المناطق الساحلية اختفت تماما.
ولا يزال مئات الآلاف ينتظرون إجلاءهم من المناطق المنكوبة. وذكر الجيش الأميركي أنه قد يقوم بنشر مزيد من القوات عبر تسريع عودة بعض الوحدات من العراق، نسأل الله أن يشغلهم بأنفسهم عن بلاد المسلمين.
ولنا مع هذه الحادثة عدة وقفات:
الوقفة الأولى: ويريكم آياته:
إن من أعظم دروس هذه الكارثة التذكير بتمام قدرة الله وجبروته.
إنها رسالة إلى العالم بأن الله سريع الحساب، شديد الانتقام، قوي قهار، وهو الكبير المتعال، هو الجبار الذي خضعت السموات والأرض لقدرته وإرادته، هو الواحد القهار الذي قهر كل مخلوقاته، الكبرياء رداؤه، والعظمة إزاره، (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج:12].
إنها رسالة بأنه سبحانه قادر على أن يُهلك دول الكفر والطغيان في لمح البصر.. وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر.
لقد رأى العالم آيات الله القاهرة في تسونامي، ثم انتقلت الآيات إلى دولة تزعم أنها أقوى دولة على وجه الأرض، بعتادها الحربي, وسلاحها النووي, واقتصادها الربوي، ليرى العالم ضعفها وعجزها، أمام جزء قليل من عقاب الله، وجندي واحد من جنود الله، فإذا هي تمد يدها لتتسول العالم، وتستعطف الشعوب.
إنها سنة الله التي لا تتبدل، ألم يخبرنا الله عن قوم هود الذين غرتهم قوتهم (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15]، قال الجبار جل جلاله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) [فصلت:15-16].
الوقفة الثانية: بما كسبت أيدي الناس:
عباد الله: لماذا تقع هذه الكوارث؟ أهي عقوبات إلهية؟ أم هي مجرد أحداثٍ كونيةٍ وكوارثَ طبيعية؟
لقد انشغلت وسائل الأعلام بالأخبار والأرقام دون أن تعرج على هذه المسألة التي جاء جوابها صريحاً ومتكرراً في كتاب الله العظيم (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41]. .. (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة:21] .. نعم إنه الكفر بالله، والتمرد على شرعه، وانتهاك حدوده، والظلم والتجبر على عباده.
فما الذي أغرق قوم نوح؟ وأرسل على ثمود الصيحة؟ ورفع قرى قوم لوط فجعل عاليها سافلها ثم أتبعها بحجارة من سجيل؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل؟ فأمطر عليهم نارا تلظى وصواعق تحرقهم؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه؟ وخسف بقارون وداره؟ (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً) [الإسراء:58].
إنه الكفر بالله العظيم، قال تعالى: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ) [الرعد: 31]، أي نازلة شديدة تنزل عليهم بأمر عظيم، قال: (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [الرعد: 31].
فلما نزلت القارعة فهل رجعوا إلى الله؟ كلا، بل ازدادوا كفرا، قالوا: إننا نقف عاجزين أمام غضب الطبيعة، لا يزالون يكفرون بالله وينسبون العمل للطبيعة.
عباد الله: إن كارثة كاترينا قدر كوني وعقوبة من الله جلّ وعلاّ؛ لكفر تلك الدولة أولاً، ثم لطغيانها وجبروتها وظلمها.. بل هي راعية الظلم والطغيان والجبروت في هذا العصر.
من الذي أذاق شعوب العالم الدمار والويلات؟ من الذي يقف وراء الدولة المسخ إسرائيل، ويدعمها ضد إخواننا المستضعفين في فلسطين؟ من الذي أباد المسلمين ودمر منازلهم فوق رؤوسهم في أفغانستان، وفي العراق، وغيرها؟ من الذي دنس جنوده كتاب الله؟ من الذي حبس الأبرياء في سجون هي الأشد ظلماً وقهراً للإنسانية؟
إن في هذه الكارثة درس عظيم لأمريكا وغيرها من الدول، أن الظلم ظلمات، وأن الله بالمرصاد.
يا كاترينا.. أخبرينا.. هل أنت دعوة المصلين.. أم أنت آهات الثكالى.. أم أنت دموع الأيتام.. أم أنت أنين المظلومين؟.
إن في كاترينا تثبيت لقلوب الموحدين والمظلومين من شعوب أمتنا الإسلامية، وتطمين لهم بأن الله ناصرهم على عدوهم, ومنتقم لهم ممن ظلمهم، فإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
الوقفة الثالثة: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً):
هذه المدينة التي نزل بها العذاب (نيو اورلينز) من أهم المدن الأمريكية التى تنتشر فيها بيوت الدعارة والمخدرات والملاهي الليلية التي تتعرى فيها النساء، وهي من أخطر المدن الأمريكية بسبب انتشار الجرائم، وهي المدينة الوحيدة ذات الصيت التي يقصدها الكثير من الشواذ جنسيا وغيرهم للإحتفال بـ "ماردي قراس" الذي تتعرى فيه النساء والرجال.
وإن من سنن الله تعالى أنه متى ما فشت الفواحش والمنكرات في قوم عمهم بالعذاب.
نعم.. إن هذه الآيات الكونية تجعل المؤمن متصلاً بالله ذاكراً له شاكرا لنعمه مستجيرا به خوفا من نقمته وسخطه، نسأل الله أن يعيذنا برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته.
الوقفة الرابعة: وظهرت أخلاقهم:
فعلى الصعيد الأخلاقي للشعب الأمريكي، أظهرت هذه الكارثة عوار مباديء القوم، وسقوط حضارتهم، حضارةِ الحرية والبهيمية، فقد رأى العالم أعمال النهب والسرقة التي وقعت في المدينة، حتى أعلن عمدة مدينة نيو أروليانز أن أعمال النهب طالت المستشفيات والفنادق، وملاجئ العجزة.
فيا لله.. كم خسر العالم بانحطاط المسلمين، وكم هو بحاجة إلى أخلاق الإسلام وسمو مبادئه التي تعلو على الأنظمة والقوانين.
الوقفة الخامسة: موقف المسلم مما نزل بأمريكا:
هذه مسألة هامة كثر الكلام فيها: هل يفرح المسلم لما أصابهم؟ أو يحزن لمصابهم؟
يجب علينا -أولاً- أن نؤمن أن ما وقع من قضاء الله وعدله، وأن الله قد ينزل الكوارث والنوازل بالكفار جزاء كفرهم وظلمهم، وانتقاماً لعباده المؤمنين، ويومئذ يفرح المؤمنون.
ولعلي أسوق كلاماً نفيساً في هذه المسألة للشيخ العلامة محمد بن عثيمين -رحمه الله- في كتابه الشرح الممتع حينما تحدث عن قنوت النوازل، قال الشيخ: (أما إن نزلت بالكفار نازلة فذلك مما يشكر الله عليه، وليس مما يدعا برفعه) ا.هـ.
نعم.. نحن نفرح لما أصاب الدولة المعتدية الظالمة، نفرح بمثل هذه العاصفة التي أذلتهم وفضحتهم وأضعـفت قواهم واقتصادهم حتى يعرفوا قدرة الله عليهم، ولعل الله استجاب لصرخات المظلومين من المسلمين الذين لم يفتأوا يدعون على من ظلمهم.
وأما من مات من الكفار من الشيوخ والنساء والأطفال فيجب أن نعلم أن ديننا دين الرحمة، لا يتشرف إلى موت هؤلاء، ولهذا نهينا عن قتالهم حتى في حال الحرب. ولكن، يجب أن لا يغيب عنا أن الله تعالى إذا أنزل العقوبة بالأمم الكافرة لم يستثن منها أحداً، فإن كفرهم بالله العظيم كافٍ في أن يعمهم الله بالعقوبة، فلا تأس على القوم الكافرين.
وقد كان النَّبِيّ صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو على أهل الكفر: "اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتك عَلَى مُضَر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُف ".
وهو -صلى الله عليه وسلم- حينما يدعو عليهم بالكوارث والمجاعات يعلم أن فيهم النساء والأطفال، بل سئل صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث الصعب بن جَثّامة رضي الله عنه عن الديار من ديار المشركين يُبَيَّتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم [يعني يقتلون تبعاً] فقال:"هم منهم". هذا لفظ البخاري، وعند مسلم:"هم من آبائهم".
وقال تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) [الاسراء: 16] [وفي قراءة أمّرنا مترفيها أي جعلناهم رؤساء وقادة] قال: (فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الاسراء: 16].
فالهلاك عام وإن كانت الجناية جناية القادة أو المترفين، ويوضح هذا المعنى ما جاء في البخاري عن زينب أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم إذا كثر الخبث.
ومعنى ذلك أن الصالحين قد يهلكون في بلاد المسلمين إذا كثر الخبث؛ فكيف ببلاد الكافرين؟
إذن؛ ليس للأمريكيين ولا لغيرهم أمان من الله حتى يدخلوا في دين الله.
أما من مات من إخواننا المسلمين في هذه الكارثة فإننا والله نحزن لمصابهم، ونسأل الله أن يجعل ما أصابهم كفارة لهم، وأن يتقبلهم في الشهداء، وقد جاءت النصوص أن من مات بسبب هذه العقوبات يبعث على نيته, فلا تعارض أبداً بين نزول العقوبات بالكفار، وإصابة بعض المسلمين بها.
ونقول لكل الأمريكيين: إن ديننا دين الرحمة والإنسانية، لكن قلوبنا لم يبق فيها مساحةٌ للحزن على موتاكم، فمساحة الحزن على ضحايا المسلمين بفعل جرائمكم استحوذت كل مكان في قلوبنا.. ولم يبق في مآقينا دموع نذرفها على ضحاياكم؛ فقد جفت مآقينا ونحن نذرف الدموع مراراً على ضحاياكم في بلاد المسلمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه كان غفاراً.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه.... أما بعد:
عباد الله: أما قضيتنا الثانية في هذه الخطبة، فهي مأساة جديدة وجرح يتفجّر.. إنها النيجر المسلمة, التي يعيش ثلثا سكانها المسلمين تحت خط الفقر.
النيجر دوله مسلمة، وعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتقع في الجزء الغربي من وسط قارة أفريقيا، وتحدّها من الشمال ليبيا والجزائر، ويسكنها قرابة الإثني عشر مليون نسمة، 95% إلى 98% منهم مسلمون.
ترتيب النيجر بين الدول الفقيرة هو 173 من أصل 174 دولة، أي أنها ثاني أفقر دولة في العالم، وقد قطعت علاقاتها نهائياً مع الكيان الصهيوني منذ عام 1973ميلادي حتى اليوم، ونسأل الله أن لا يجعل هذه المجاعة سبباً لتغير مواقفها تجاه أعداء الله اليهود.
كيف حدثت المجاعة؟ بدأت الكارثة بالجفاف الذي حل بالنيجر على مدى السنوات الأخيرة الماضية، ثم كان توقف المطر عن الهطول منذ العام الماضي، ثم استفحلت القضية باجتياح الجراد الهائل للمحاصيل الغذائية المتبقية للأهالي.
بلغ إجمالي القرى المتضررة قرابة الثلاثة آلاف قرية يسكنها حوالي ثلاثة ملايين إنسان تم تسجيلهم ضمن المعرضين لأزمة غذائية حادة.. من بينهم 800 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون المجاعة، منهم 150 ألف طفل في حالة خطيرة.
وقد بدأت بعض الدول بتقديم المساعدات، وإرسال شحنات من المواد الغذائية إلى هناك، كماليزيا والإمارات العربية المتحدة، وقدمت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في السعودية، مساعدات إغاثية عاجلة، إلا أن ما وصل حتى الآن لا يكفي للحد من الكارثة.
في كل دقيقة تمر، يرتفع عدد الموتى، ويزداد هزال الأطفال، ويتساقطون أمام أعين والديهم، دون أن يتمكن أحد من إنقاذهم.
أصبح طعامَ الناس ورقُ الشجر، هذا إن وجد, حتى أن بعض النساء تتبع أسراب النمل الأبيض وتفتش بيوته، لتحصل على مخزونه من الحبوب.
وعرض موقع لجنة مسلمي أفريقيا صورة محزنة للطفلة حسنة البالغة من العمر شهران، سارت بها أمها مسافة عشرين كيلو متر حتى وصلت بعد جهد جهيد إلى مركز اللجنة الإغاثي، الذي سارع إلى تقديم الغذاء والدواء للطفلة البريئة، ولكن هيهات، لقد ماتت الطفلة بعد أربع ساعات.
ونساء النيجر المسلمات يحملن أطفالهم المرضى بالحصبة ونقص التغذية لمراكز النصارى في العاصمة مشياً على الأقٌدام لأكثر من 20 كيلومتراً تحت حرارة تتجاوز الخمسين درجة مئوية لعلاج من بقي منهم على قيد الحياة.
وتابعت مراسلة التلفزيون البريطاني عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص تقاسمت فأراً التقطه أحد أفرادها في الصحراء، وكان غذاءها لذلك اليوم.
وعلى الصعيد الاجتماعي تسببت المجاعة وهجرة أولياء الأمور إلى المدن للبحث عن الطعام في استغلال أصحاب النفوس الضعيفة هذه الأحوال للتجارة في أعراض النساء اللواتي لا حول لهن ولا قوة سوى الخضوع لهم للحصول على بضعة فرنكات ترجع بها المرأة في نهاية الأسبوع لأطفالها التي تركتهم مع الجيران.
الواجب تجاه هذه الأزمة:
وبعد -عباد الله-؛ فما الواجب علينا تجاه هذه الكارثة؟
إن من حق إخواننا علينا عدة أمور:
أولها: التعريف بأحوالهم ونصرة قضيتهم في المجالس والمنتديات والاجتماعات ووسائل الإعلام.
وإن من المؤسف حقاً أن تنشغل وسائل إعلامنا المختلفة بكارثة كاترينا، وتغفل أوتتغافل عن الكارثة الأهم والأعظم التي تقع لإخواننا في الدين في النيجر.
ثانياً: مد يد العون لإخواننا وإنقاذهم من الهلكة.
وقد وصلت بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية إلى هناك، ومن أبرزها جمعية العون المباشر ولجنة مسلمي أفريقيا التي يقوم عليها رائد العمل الخيري في أفريقيا لأكثر من عشرين عاماً الدكتور المبارك عبد الرحمن السميط وفقه الله.
وإننا من هذا المنبر المبارك كلنا أمل في ولاة أمرنا وفقهم الله وهم السباقون دائماً لإغاثة المسلمين أن يفتحوا باب التبرع لإخواننا، ويتيحوا لجمعياتنا الخيرية إقامة حملات التبرع لإنقاذ النفوس المسلمة من الموت، وحمايتها من المنظمات التنصيرية.
وأذكر كلمة لشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله بعد وقوع المجاعة في أفريقيا، قال فيها: تعلمون بارك الله فيكم ما حل بالكثير من إخوانكم المسلمين في أفريقيا وفي السودان بوجه خاص منذ سنوات من جفاف وقحط لاحتباس الأمطار عنهم مما جعل المنظمات التبشيرية تتحرك نحوهم باسم الإنسانية مع أن لها أهدافا أخرى خفيةً ومعلنة، وهي دعوة المسلمين هناك إلى التحول عن دينهم إلى النصرانية، استغلالا لحاجتهم وعوزهم وجوعهم. [أقول وما أشبه الليلة بالبارحة]
قال الشيخ: وأنتم -أيها المسلمون- أولى الناس بمد يد العون إليهم. لأنكم تسمعون وتقرأون كما أسمع وأقرأ عن أخبار جفافِ وهلاكِ المحاصيلِ والحيوانات، وعن عدد الذين يموتون جوعا كل يوم من الرجال والأطفال والنساء، وأغلبهم من المسلمين، وهؤلاء إخوة لنا في الدين وجيران لنا في الأوطان.
ثم قال الشيخ: فيا أيها المسلمون استجيبوا لنداء ربكم، وابذلوا من أموالكم في سبيله، واشكروا نعم الله عليكم بأداء حقها، ومن حقها إنقاذ الأنفس المؤمنة، وهو حق لو تعلمون عظيم" ا.هـ
فيا أمة الجسد الواحد.. نحن والله في نعمة عظيمة فما بالنا لا نشكرها، ونهب لإنقاذ الأنفس المسلمة من الموت.
عباد الله: هل من يد تمتد لتمسح دمعة صبي جائع؟ هل من همّة تتقد لتنقذ شرف مسلمة تسد رمق أولادها ببيع عرضها؟ هل من قلب رحيم يحنو على شيخ ترك أسرته، يلتمس كِسرة خبز أو حَفنة أرز يسد بها جوع أبناءه، فما يفاجأ عند عودته إلا وأبناؤه يموتون بين يديه من الجوع؟
أين عمر بن الخطاب يحمل لهم أكياس الدقيق, وأين عمر بن عبد العزيز يرسل إليهم بالزكوات والصدقات, بل أين المسلمون؟
أين الدول التي تهافتت لتقديم المساعدات لضحايا كاترينا بالملايين؟ دولة خليجية صغيرة تتبرع بمائة مليون دولار، وأخرى بخمسمائة مليون دولار، يا هؤلاء، أين أنتم من الموحدين المصلين الذين يموتون يومياً بسبب المجاعة.
ماذا نقول إذا سَئَلَنا ربنا عن إخواننا؟.
غفرانك ربنا.. لقد قتلتنا التخمة، وغصت نفاياتنا بأنواع الأطعمة، وأصبح الإسراف والتبذير والتفاخر وكفر النعمة هو شأن بعضنا، ولو حدثته عن هذه المجاعة لتمعر وجهه وتقلصت معدته وأمسك عن الإنفاق، وتعذر بقلة الموارد أو خشيةِ عدم وصول التبرع لمستحقيه، إلا من رحم الله.
نعم.. أطلت عليكم في هذه الخطبة، على خلاف العادة، لكن الأمر عظيم، والخطب جسيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثالثاً -وأخيراً-: إن من حق إخواننا علينا الدعاءَ لهم بأن يرفع الله عنهم البلاء، ويكشف عنهم اللأواء.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، برحمتك نستغيث لإخواننا.. اللهم إنه قد عظم الخطب واشتد الكرب بإخواننا في النيجر، وأنت رب المستضعفين، وأكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، اللهم أطعم جائعهم، واكس عاريهم، واحمل حافيهم، واشف مريضهم، وعاف مبتلاهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، وجابر كسر المنكسرين، اللهم اكشف البلاء عن إخواننا، اللهم أغث بلادهم بالأمطار، وأنبت لهم الزرع، وأدر لهم الضرع، وافتح عليهم من بركات السماء والأرض يا رب العالمين.
اللهم رحماك بالشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم