عناصر الخطبة
1/ عظم مسؤولية الآباء تجاه الأبناء 2/ أهمية القدوة الصالحة للأبناء 3/ تربية الأبناء بالحال قبل المقال 4/ خطر تناقض الشخصيةاقتباس
المسؤول عن ضياعهم كلُّ أب وأم؛ فالأب عندما يكون مشغولاً بتجارته، مشغولاً بعمله، مشغولاً بأصدقائه، مشغولاً بسهراته مع خلانه، والأم مشغولة بجمالها، مشغولة باستقبالاتها، مشغولة بسهراتها، مشغولة بأجهزة الإعلام من مسلسل إلى مسلسل، ومن مسرحية إلى مسرحية، هما السبب في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل على أهل بيته" [رواه النسائي].
وعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ" [رواه البخاري].
أيها المسلم: ضع هذا الحديث والسابق في أذنك، واعلم أنك مسؤول عنه أمام الله -عز وجل-، وأمام الأجيال، وأمام طفلك عندما يكبر.
أيها الإخوة: شبابنا في ضياع وشاباتنا في ضياع، وكلُّنا يعاني من ضياع الشباب والشابات، من منا لا يشكو من ولده وبنته؟ الكلُّ يشكو إلا من رحم الله -عز وجل- من ضياع الشباب والشابات؛ فمن المسؤول عن ضياعهم؟
المسؤول عن ضياعهم كلُّ أب وأم؛ فالأب عندما يكون مشغولاً بتجارته، مشغولاً بعمله، مشغولاً بأصدقائه، مشغولاً بسهراته مع خلانه، والأم مشغولة بجمالها، مشغولة باستقبالاتها، مشغولة بسهراتها، مشغولة بأجهزة الإعلام من مسلسل إلى مسلسل، ومن مسرحية إلى مسرحية، هما السبب في ضياع الأبناء والبنات.
ومن الذي يربي الأولاد؟
الذي يربي الأولاد أجهزةُ الإعلام، الذي يربي الأولاد أناس من غير جلدتنا، الخادمات اللواتي أقبلن من إندونيسيا وأثيوبيا، من هنا ومن هناك، لا تعرف العربية، ولا تعرف ماذا نريد لأولادنا، وهذا الأمر تفشى في المجتمع، وأسأل الله -تعالى- أن يحفظ هذه البلدة وسائر بلاد المسلمين من هذا الشر المستطير، وإذا أردتم أن تعرفوا حقيقة هذا الأمر فاسألوا عنه في الأحياء الراقية في محافظاتكم، فاسألوا عنه دول الخليج، لقد صار الشباب والشابات لا يعرفون إلا الميوعة والغناء والرقص، ووالله لقد سألني بالأمس سائل عن رجل: ماذا يفعل مع ابنته الشابة التي بلغت من العمر أكثر من عشرين عاماً، لها أصدقاء كثر، انحرفت عن جادة الصواب، وقعت في الفاحشة، ضيَّق عليها أبوها فهددته بالرحيل عن بيته، وفعلاً هربت من البيت أياماً عديدة حتى وصل إليها أبوها وهي خارج القطر، فعادت مستأسدة بكل وقاحة وجرأة ستبقى على ما هي عليه، وأخذت تؤثر على أختها وإخوتها، هل يجوز قتلها؟
قلت: لقد قتلها أبوها قبل أن يقتلها، لقد قتلها أبوها بسوء اختيار أمها؛ لأنه نسي: "فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" [رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-].
لقد قتلها أبوها؛ لأنه أسلمها لأجهزة الإعلام.
لقد قتلها أبوها لأنه أسلمها إلى الخادمة لتربيتها.
لقد قتلها أبوها لأنه كان حريصاً على أن يُلبسها أجمل الثياب وأحلاها من الثياب الضيقة الرقيقة القصيرة.
لقد قتلها أبوها عندما لم يدرِّبها على لباس الحشمة والوقار، عندما لم يأمرها بالصلاة وهي بنت سبع سنين، ولم يضربها عليها وهي بنت عشر سنين.
لقد قتلها أبوها عندما سمع كلام أمها، وهي تقول له: إنها صغيرة لا تضيِّق عليها من أجل الصلاة! إنها صغيرة لا تضيِّق عليها من أجل الحجاب! دعها أن تتنفس لتذهب إلى المطاعم والمنتزهات من أجل التسلية!
لقد قتلها أبوها عندما أهمل تربيتها وسمع كلام أمها أن يشتري لها هاتفاً خاصاً بها -هاتف الجوال والنقال-؛ لأن مثيلاتها عندهن الجوالات!
نعم لقد قتلها أبوها ودمَّرها تدميراً وهي على قيد الحياة!
أيها الآباء الأفاضل: لقد ذكرت لكم في الأسبوعين الماضيين عن وجوب الموعظة التي أنيطت بها أعناقكم، وقلت لك -أيها الأب الكريم- كن واعظاً لأبنائك، وصدِّر موعظتك بالكلمة الطيبة، بكلمة الحب والعطف والحنان، صدِّر موعظتك بكلمة: "يا بني!".
واليوم أقول لك: كن قدوةً صالحة وأسوة حسنة لأبنائك؛ لأن الإنسان بالتقليد قد يتعلَّم في يوم واحد ما لا يستطيع أن يتعلمه طوال شهر، تعلَّم هذا من سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" [رَوَاهُ الإمام أَحْمَدُ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ -رضي الله عنه-].
كن مصلِّياً أمام أبنائك وبناتك، لا تكن تاركاً للصلاة.
تعلَّم من سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تكون قدوة صالحة وأسوة حسنة لأبنائك وبناتك القائل بشأن الحج: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" [رواه مسلم عن جابر بن عبد اللَّه -رضي الله عنهما-].
ما رسخ بالتقليد منذ نعومة الأظفار من أعمال وعادات وسلوك فمن العسير جداً أن يتخلَّى عنه الإنسان في كبره، ولو كانت الأعمال غيرَ صالحة، بل ولو كانت ضارة.
وإذا أردت مصداقيَّة هذا فانظر إلى المشركين، لما غلبتهم الحجة العقلية بأنَّ ما هم فيه من شركٍ أمرٌ باطلٌ لا خيرَ فيه، ويعرِّضهم لعذاب الله تذرَّعوا لإصرارهم على الاستمرار بما هم فيه من شرك وأعمال غير صالحة بقولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) [الزخرف: 23].
نعم الولد منذ نعومة أظفاره ينظر إلى أبيه، والبنت تنظر إلى أمها، وكل منهما يحاكي والده ووالدته بأفعالهما، ولقد قلت لكم بأن مدرساً في المرحلة الابتدائية يقول لطلابه: الدخان حرام، فقال له تلميذ: لا يا أستاذ الدخان ليس بحرام، فقال له: لم؟ قال له: إن أبي يدخن، فلو كان حراماً ما دخن أبي.
أيها الأب الكريم: كن مربياً لأبنائك بحالك قبل قالك، ما يجوز أن يسمع ولدك منك كلمة نابية، ولا فعلاً ناقصاً، ولا خُلُقاً سيئاً، ولا مخالفة شرعية؛ لأنك قدوته إن شئت وإن أبيت: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ) أي على طريقة وخلق وسيرة (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) [الزخرف:23] فأنت إمامه وهو مأموم؛ فكن على طريقة وخلق وسيرة حسنة لأنك إمام لأبنائك.
أيها الأب الكريم: أما سمعت قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِنْ أُجُورِ مَنْ يَتَّبِعُهُ غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ شَرًّا فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِنْ أَوْزَارِ مَنْ يَتَّبِعُهُ غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا" [رواه الإمام أحمد عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنهما-].
أيها الأب الكريم: كن طائعاً لله في بيتك حتى تكون أسوة صالحة لأبنائك.
أيتها الأم الكريمة: كوني طائعة لله في بيتك حتى تكوني أسوة صالحة لبناتك، وإياكَ وإياكِ من معصية الله أمام الأبناء والبنات؛ لأنهم سيتبعونكما في الأفعال والأقوال، ومن ثَمَّ إما أن يكتب لكما الأجر، وإما أن يكتب عليكما الوزر.
أيها الأب الكريم: لا تكن متناقضاً في شخصيتك السلوكية والقولية، لتكن أفعالك مطابقة لأقوالك، فإن قلت لولدك: لا تكذب فكن أنت أولاً صادقاً، فإن قلت لولدك: لا تدخِّن فكن أنت أولاً غير مدخِّن، وإن قلت لولدك: صلِّ، فكن أنت أولاً مصلِّياً، فإن قلت لولدك: اقرأ القرآن فكن أنت أولاً قارئاً القرآن الكريم، وقس على ذلك سائر الأوامر والمنهيات؛ لأن ولدك ينظر إليك ويسمع لكلامك ويجعل موازنة بينهما، وكن على ثقة بأنَّ الراجح عنده هو فعلك لا قولك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف:2].
سمة الإنسان المسلم أنَّ باطنَه كظاهره، سمة الإنسان المسلم تطابقُ فعله مع قوله؛ لأن الإنسان المسلم سمع قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) [البقرة:44] وهذا شأن اليهود، وسمع قوله الله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) [النساء:81] وهذا شأن المنافق الذي قال فيه مولانا كذلك: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) [البقرة:204].
أيها الأب الكريم: أنت أمين على أولادك وبناتك أن تربيهم على منهج الله -عز وجل- بسلوكِكَ قبل أقوالِك، فلا تكن ممن يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، وأنتِ كذلك يا أيتها الأم الكريمة.
أسأل الله -عز وجل- أن يكرمنا بالاستقامة على شرعه ظاهراً وباطناً، وأن نكون أسوة صالحة لأبنائنا وبناتنا وللمسلمين: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
أقول هذا القول، وكل منا يستغفر الله، فيا فوز المستغفرين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم