عناصر الخطبة
1/ وصية لطالب العلم 2/ خطر تجمهر الطلاب وأهمية الأخذ على أيديهم 3/ وصية لولي أمر الطالب 4/ وصية للمعلمين 5/ حرمة الهدية التي تدور مع العملاقتباس
حذارِ حذار من الغشِّ، والوقْت الَّذي تضيِّعه قبل الاختبار في التَّحضير للغشِّ اصْرِفه في المذاكرة الجادَّة؛ لتنتفع بها، ولا تظنَّ أنَّ المسألة مجرَّد درجات أخذْتَها بغير حق.. لا؛ الأمر أعظم من ذلك؛ لأنَّك تتربَّى على الغشِّ، فتصبح في المستقبل خائنًا غشَّاشًا، ومن أعظم بلاء الأمَّة عقوق أوْلادِها الغشَّاشين، الَّذين يسيئون استِغلال السُّلطة وينهبون مقدَّرات الأمَّة، ويخونون الأمانة، ..
إنَّ الحمد لله، نَحمده ونستعينُه ونستغْفِره، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالِنا، مَن يهْدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشْهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشْهد أنَّ محمَّدًا عبدُه رسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70- 71].
أما بعد:
أيَّام الاختِبارات من الأيَّام التي تحمل لها الأُسَر الهمَّ؛ لعدَّة أمور؛ منها ما يتعلَّق بِمستوى أوْلادهم الدِّراسي والأخلاقي، وبهذه المناسبة أوجِّه كلامي بادئًا بطالب العلم.
أخي طالب العلم: حذارِ حذار من الغشِّ، والوقْت الَّذي تضيِّعه قبل الاختبار في التَّحضير للغشِّ اصْرِفه في المذاكرة الجادَّة؛ لتنتفع بها، ولا تظنَّ أنَّ المسألة مجرَّد درجات أخذْتَها بغير حق.. لا؛ الأمر أعظم من ذلك؛ لأنَّك تتربَّى على الغشِّ، فتصبح في المستقبل خائنًا غشَّاشًا، ومن أعظم بلاء الأمَّة عقوق أوْلادِها الغشَّاشين، الَّذين يسيئون استِغلال السُّلطة وينهبون مقدَّرات الأمَّة، ويخونون الأمانة، ويغشُّون الأمَّة في مشاريعها الإنشائيَّة، مقابل السُّحت الذي يأخذونه من المقاولين، وبدايات هؤلاء الغشَّاشين ربَّما كانت على مقاعد الدِّراسة.
كم من شخصٍ نَجح عن طريق الغشِّ، يعيش في ضيق ونكد عيْش، بعد أن كبر واستيْقَظ ضميرُه وتحرَّك الإيمان في قلبِه، يستفتي عن حُكْم المال الَّذي يأخذُه بسبب الوظيفة: هل هو حلال أو حرام؟ وهل يبقى في الوظيفة أو يتْرُكها؛ لأنَّه حصل على شهاداتِه العلميَّة بالغشِّ؟ فجنِّب نفسك هذا الشَّقاء في المستقبل.
أخي طالب العلم: إذا طُلِب منك دليلٌ من السنَّة، فإن كنتَ تعرفه -ولو بالمعنى- فأجِبْ، وإلاَّ فأمسك عن الإجابة حتَّى لا تدخُل في قوْل النَّبيِّ -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: "مَن كذَب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعَدَه من النَّار"؛ رواه البخاري ومسلم.
فإذا كان الكذب على النَّبيِّ بهذا العظم؛ فالكذِب على الله -عزَّ وجلَّ- أعظم وأشنع، فتجنَّب الخوض في الأحْكام الشرعيَّة إذا كنتَ لا تعلم حُكْمَ الله فيها، ولا تؤْثِر الحاضر على الباقي.
الكتب والملخَّصات المدرسيَّة لا تخلو من ذِكْر الله، فيحرُم امتهانُها ورمْيُها في الشَّارع، فإذا كُنْتَ في غُنْيةٍ عنْها، فدَعْها في المدْرسة، أو قُمْ بِجمْعِها وأَرْسِلها للجِهات الخيريَّة التي تُعْنَى بها وينتفع بها.
أخي طالب العلم: أنبِّهُك إلى حُسْن النيَّة في طلَب العلْم ومراجعتِه؛ فعلى أقلِّ تقدير: جلُّ ما يُدَرَّس في مدارِسِنا -ولله الحمد- من العلوم التي يُثاب عليْها الطَّالب إذا حسُنت نيَّته؛ فهِي إمَّا من فروض الأعْيان، أو فروض الكفايات؛ فلتكُن النِّيَّة في مراجعة الدُّروس ليستْ للنَّجاح فقط؛ بل للانتِفاع بالعلم والنَّجاح، لاسيَّما طلاب العلوم الشرعيَّة؛ فقد ورد الوعيد الشَّديد في طلب العلم الشَّرعي لإرادة الدنيا فقط؛ فعن أبي هُرَيْرة قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "مَن تعلَّم علمًا ممَّا يُبْتَغى به وجهُ الله -عزَّ وجلَّ- لا يتعلَّمه إلاَّ ليصيب به عرضًا من الدُّنيا، لم يَجد عرف الجنَّة يوم القيامة – يعني: ريحَها"؛ رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد حسن.
فَتُوعِّد مَن طلَب العلم الشَّرعي لأجْل الدُّنيا فقط؛ لأنَّ طلَب العِلْم من أعظم القُرَب إلى الله، فالإعراض عن قصْد الآخرة في طلَبِه معصية، فلتكن النيَّة التعبُّد لله مع طلب الشَّهادة، فتنوي أن تنتفِع أنت بِما تتلقَّاه من علوم دينيَّة ودنيويَّة، وتعدُّ نفسَك لأن ينتفِع بك المسلِمون، فتكون السَّاعات التي تقضيها على مقاعد الدِّراسة وفي المذاكرة قُربة تَجِدها في ميزان حسناتِك يوم القيامة.
ممَّا يسوءُنا قيام بعض الطلاَّب بالتجمْهر في بعض الشَّوارع، وعند بعض المحلاَّت، ويبدر منهم تصرُّفات تُزْعِج أهل الحيِّ والمارَّة، وتصرف جهودُ بعض رجال الأمن لمتابعتها، قد تقول: ليس لي يدٌ في هذا العمل ولست ممَّن يمارسه، لكن الصواب أنَّ لك دورًا فيه؛ فمن يفعل هذا مراهقٌ ينتظِر منك المدْح والثَّناء والتَّصفيق لهذا العمل؛ فلو وجد منك نقيضَ قصدِه، فوجد منك النُّصْح والعتب لَما فعل هذا، لو لم تتجمْهَر أنت وبعض زملائِك من الطلاب، لَما وجد هذا العمل.
واعلم أنَّ بعض مَن يمارس هذا الاستعراض لديه مقاصدُ منحرفةٌ قد تكون أنت هدفَها فتنبَّه لذلك.
أخي ولي الأمر: بقاء الأولاد عند المدرسة وتأخُّرك في أخْذِهم من المدرسة يشغل جهات عدَّة، وربَّما تعرَّضوا لما لا تريده ولا ترضاه؛ فبادر بأخذِهِم.
الوقت الذي يلي خروج الطلاب والطَّالبات من مدارِسِهم إلى صلاة الظهر وقتٌ قد يكون له أثر سيئ على أخلاقِهِم؛ فلا بدَّ من العناية بهذا الوقْت ومعرفة كيف يُقْضى.
أخي ولي الأمر: السَّهر لِلمذاكَرة إلى وقتٍ متأخِّر من اللَّيل قد يكون فيه مضرَّة على أوْلادِك، فأنت أعْلَم بِهِم؛ فإن كانوا يُذاكِرونَ في البيْت أو مع مجموعة موثوقةٍ - فحسن، وإلاَّ فلا بدَّ من العناية بِهذا الأمر، فضِعاف النُّفوس ممَّن باعوا أنفُسَهم للشَّيطان ينشطون في أيَّام الاختبارات، ويحاولون أن يحتكُّوا بالطلاب بزعم إعطائِهم ما يساعدهم على الدراسة، وهذه في الغالب نهاية الشابِّ، فإذا سقط الطالب في حبائِلهم وبدأ يتعاطى الحبوب المنشِّطة وغيرها، ضاع وأضاع غيره، إن لم يتداركه الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي رفع قدر المعلِّمين والمعلِّمات، والصَّلاة والسَّلام على القائِل: "إنَّ اللَّهَ لَم يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا ولا مُتَعَنِّتًا، ولكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا"؛ رواه مسلم.
أخي المعلم: تذكَّر أنَّ العدل بين الطلاَّب واجب عليك، وقد مدح الله العادلين أمثالَك، ووعدهم الأجر الجزيل؛ فعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: "إنَّ المقْسِطين عند الله على منابر من نور عن يَمين الرَّحْمن -عزَّ وجلَّ- وكِلْتا يديْه يَمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"؛ رواه مسلم.
ومدارسنا فيها من هذه النَّماذج الكثير، معلِّمين ومعلمات، حتَّى إنَّ بعضهم من ورعِه حينما يأخذ ورقة إجابة الطَّالب لتصحيحِها، يحرص على ألا تقَعَ عيْنُه على اسم الطَّالب حتَّى لا يتأثَّر التَّصحيح بذلك؛ فالعدل هو النَّظر في الورقة فقط، وكم تستحقُّ الإجابة من الدَّرجات، بقطع النَّظر عن خلفيات سابقة عن صاحبها؛ لأنَّ المشاركة داخل الفصْل وحسن التَّعامل لها درجة خاصَّة.
هذه السمة العامَّة في معلِّمينا ومعلِّماتنا -ولله الحمد- وإن كانت مدارسنا لا تخلو من طائفةٍ قليلةٍ ربَّما تتأثَّر بمواقف شخصيَّة، وسوء تصرُّف من الطلاب تترُك أثرًا في النفس؛ فالواجب التغلُّب على حظوظ النَّفس والعدل مع الجميع؛ امتثالا لأمْرِ الله -عزَّ وجلَّ- لنا بقولِه -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].
إخواني: بِمناسبة انتِهاء العام الدِّراسي يقوم بعض الطلاَّب والطَّالبات بالإهداء لمعلِّميهم ومعلِّماتِهنَّ، وقد منع الشَّارع هذه الهديَّة؛ سدًّا للذَّريعة لأنَّها قد تكون رشوة بصورة هديَّة؛ فعَنْ أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليْه وسلَّم- رَجُلاً على صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قالَ: هَذا مَالُكُمْ وهَذَا هَدِيَّةٌ، فقَال رَسُولُ اللَّه -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: "فهلاَّ جَلَسْتَ في بَيْتِ أبِيكَ وأمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إنْ كُنْتَ صَادِقًا"، ثُمَّ خَطَبَنا فحَمِدَ اللَّهَ وأثْنَى عليْهِ، ثُمَّ قَال: "أمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُم على العَمَلِ مِمَّا وَلاَّني اللَّهُ، فيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذا مَالُكُمْ وهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لي، أفَلا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيه وأُمِّه حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ! واللَّهِ لا يَأْخُذُ أحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّه إلاَّ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فلا أعْرِفَنَّ أحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّه يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إبْطِهِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ"؛ رواه البخاري ومسلم.
فالهديَّة تَحرم إذا كانت تدور مع العمل وجودًا وعدمًا؛ فهو علَّتُها؛ فيحرم قبول هدية الطالِب والطالبة إذا كان الإهداء بسبب العمل ومَن قبلها يردّها للمدرسة، أو يدفع ثمنها، لاسيَّما إذا كان المهْدِي لا ينتفع بها كالدُّروع التذكاريَّة التي تكتب على الأسماء، وكذلك الحكم في الهدايا التي يُهْدِيها المعلِّمون والمعلِّمات لمديريهم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم