عناصر الخطبة
1/ واجبنا تجاه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة معاوية 2/ثناء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على معاوية 3/أهل الأهواء ونيلهم من الإسلام من خلال معاوية 4/الاحترام والتقدير بين معاوية والصحابة ري الله عنهماقتباس
يجب أن يتقررَ عندنا أن الأصل المتواتر في الكتاب والسنة أن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- هم خيارُ هذه الأمة وعُدولُها، وهم حفظة دينها، وقد عدّلهم اللهُ تعالى في كتابه...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
أيها الإخوة: لم تنَلْ شخصيةٌ من الشخصيات الكبيرة في التاريخ بل من الصحابة رضي الله عنهم بالتحديد، من التشويه مثل ما نالَ شخصية معاوية -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، ومن خلال حديثنا عنه وصفاته وفضائله الجمة ومكانته العالية في الإسلام خلال خطبتين سابقتين أكبر شاهد على فضله ومقامه، مع أننا لم نذكر فيها إلا نماذج محدودة من فضائله وأخباره والتي لو استرسلنا بذكرها لطال بنا الحديث لكنها كانت إشارات عابرة.. وعلى المؤمن البحث عن ذلك في مظانه الموثوقة، على أن يكون على يقين من فضله وقدم صدقه العالي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وعن كل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أيها الإخوة: وحتى لا يتشتت بنا الحديث سأشير إلى واجبنا -معاشر أهل السنة والجماعة- تجاه أصحاب رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عمومًا، وخطر انتقاص أحد منهم أو الوقوع فيه، وأخص بالذكر الذين ينتقصون معاوية -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، ويختلقوا الأكاذيب في النيل من صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله.. من خلال ما يلي:
يجب أن يتقررَ عندنا أن الأصل المتواتر في الكتاب والسنة أن الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- هم خيارُ هذه الأمة وعُدولُها، وهم حفظة دينها، وقد عدّلهم اللهُ تعالى في كتابه، ورضيهم بطانة لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وأثنى عليهم فقال سبحانه (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) [التوبة:100] فقوله سبحانه (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) يدخل فيه كل الصحابة حتى من تأخر إسلامه إلى الفتح وما بعد الفتح، فكلهم قد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.. ومعاوية -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وهو أحد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داخل بهذه الآية بلا شك.
وقد أثنى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثناء خاصًا وجعله من كتبة الوحي بين يديه، ودعا له أن يكون هادياً مهديًا، وبشره بالجنة، وأثنى عليه عمر وعثمان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- وولوه إمارة ثغر مهم من ثغور الأمة وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى رَعِيَّتِهِ، عَمِلَ نِيَابَةَ الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَالخِلاَفَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يهجه أَحَدٌ فِي دَوْلَتِهِ، بَلْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَحَكَمَ عَلَى العَرَبِ وَالعَجَمِ، وَكَانَ مُلْكُهُ عَلَى الحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَفَارِسٍ، وَالجَزِيْرَةِ، وَاليَمَنِ، وَالمَغْرِبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ..، وهذا يجعلنا نقف مليًا، لنبين خطر النيل منه ودافع هذا النيل، وماذا يجب علينا نحو ذلك..
أيها الإخوة: لقد وجد أهل الأهواء فيما جرى بين الصحابة من اختلاف بعد استشهاد أمير المؤمنين عثمان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مرتعًا خصبًا للنيل من الإسلام من خلال معاوية -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ومن خلال ملكه؛ فافتروا حوله الأكاذيب واختلقوا القصص الفجة التي لا يصدق عاقل أنها تصدر من معاوية صاحب رسول الله وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله.. وقد زكى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُلْكَهُ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: “إِنَّ هَذَا الدِّينَ لَا يَزَالُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً” قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، وَضَجَّ النَّاسُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: “كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ”(رواه أحمد وأخرجه مسلم، وأبو داود، وأبو عوانة، والطبراني عن داود بن أبي هند، بهذا الإسناد).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء، وإن كانوا ملوكًا ولم يكونوا خُلفاء الأنبياء، بدليل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا مَاتَ نَبِيٌّ قَامَ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي” قَالَ رَجُلٌ: فَمَا يَكُونُ بَعْدَكَ يَا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: “تَكُونُ خُلَفَاءٌ وتكثر” قَالَ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: “أَوْفُوا بِيعَةَ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ فَأَدُّوا إِلَيْهِمُ الَّذِي لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عن الذي لكم” فقوله -صلى الله عليه وسلم-: “فتكثر” دليل على من سوى الراشدين.. ولقد أجمعت الأمة على بيعة أمير المؤمنين معاوية -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وسمي ذلك العام بعام الجماعة؛ فكيف لا يطلق عليه اسم خليفة؟
أما ما وقع بين الصحابة من خلاف فقد ذكر أهل السنة منهجهم في ذلك فقد “أجمع أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحل والعقد الذين يعتدّ بإجماعهم على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة -رضي الله عنهم- بعد قتل عثمان -رضي الله عنه- والاسترجاع على تلك المصائب التي أصيبت بها هذه الأمة، والاستغفار للقتلى من الطّرفين والترحم عليهم، وحفظ فضائل الصحابة، والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر مناقبهم، عملاً بقول الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوف ٌرَّحِيمٌ) [الحشر:10] واعتقاد أنّ الكلّ منهم مجتهدٌ إن أصاب فله أجران؛ أجرٌ على اجتهاده وأجرٌ على إصابته، وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد والخطأ مغفور، ولا تقولُ إنّهم معصومون بل مجتهدون إمّا مصيبون وإمّا مخطئون لم يتعمّدوا الخطأ في ذلك. وما روي من الأحاديث في مساويهم الكثير منه مكذوب، ومنه ما قد زيد فيه أو نقص منه وغيّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون”.
ووجه الاشتباه في سيرة أمير المؤمنين معاوية -رضي الله عنه- أنه ولي الخلافة بعد تنازل الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، ثم اجتهد وعهد لابنه يزيد من بعده؛ فمن نظر إلى هذين الموقفين فقط وأغمض عينيه عن فضائله وسيرته العطرة فطعن فيه، وصوره أنه طالب ملك، وأنه ما أسلم رغبة في الإسلام، وأنه يبطن خلاف ما يظهر.. مما يسوقه أهل البدعة من الباطنية والعلمانيين وبعض التنويريين؛ إذ بنو على هذه القضية جبالاً من الباطل واستدلوا بروايات باطلة أوصلتهم في نهاية المطاف إلى الطعن في الإسلام والقرآن، ورد السنة والأحكام، نعوذ بالله من الخذلان وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: لنا بسلفنا قدوة؛ فمما قاله أهل العلم في التحذير من ذلك قول الْمُعَافَى بْنُ عمران: مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصِهْرُهُ وَكَاتِبُهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “دَعُوا لِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"... وَقَالَ أَبُو تَوْبَةَ الرَّبيع بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ: “معاوية سِتْر لأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ السِّتْرَ اجْتَرَأَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ".
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: “يَا أَبَا الْحَسَنِ إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا يَذْكُرُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ بِسُوءٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ". وقال وكيع: “معاوية بمنزلة حلقة الباب من حركه اتهمناه على من فوقه".
وقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: “مُعَاوِيَةُ عِنْدَنَا مِحْنَةٌ فَمَنْ رَأَيْنَاهُ يَنْظُرُ إليه شَزَرًا اتَهَمْنَاهُ عَلَى القَوْمِ” يَعْنِي الصَّحَابَةَ..
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنِّي أُبْغِضُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَاتَلَ عَلِيًّا، فَقَالَ لَهُ أَبُو زُرْعَةَ: “وَيْحَكَ إِنَّ رَبَّ مُعَاوِيَةَ رَحِيمٌ، وَخَصْمُ مُعَاوِيَةَ خَصْمٌ كَرِيمٌ، فَمَا دُخُولُكَ أَنْتَ بَيْنَهُمَا؟” -رضي الله عنهما-.
وقد قيل للحسن البصري -رحمه الله-: “يا أبا سعيد، إن ههنا قوماً يَشتمون أو يلعنون معاوية وابن الزبير!"، فقال: “عَلَى أولئك الذين يَلعَنونَ لعنةُ اللهِ”.
وقال ابن عباس: “لله بلاد ابن هندٍ، (يعني معاوية) ما أكرم حسبه، وأكرم مقدرته! والله ما شتمنا على منبرٍ قط، ولا بالأرض، ضناً منه بأحسابنا وحسبه” ولما جاء نعي معاوية إلى ابن عباس، والمائدة بين يديه، قال لغلامه: “ارفع ارفع". ثم قال: “اللهم أنت أوسع لمعاوية"، ثم قال: “خيرٌ ممن يكون بعده، وشر ممن كان قبله"؛ ثم قال:
جبلٌ تزعزعَ ثم مَالَ بجَمعِهِ *** في البحرِ لا رَتقَت عليك الأبحر
رواه ابن ابي الدنيا بسنده في حِلم معاوية..
وعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، قَالَ: لَمَّا عَزَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ حِمْصَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ النَّاسُ: عَزَلَ عُمَيْرًا وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: لَا تَذْكُرُوا مُعَاوِيَةَ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “اللَّهُمَّ اهْدِ بِهِ”(رواه الترمذي وقال الألباني حسن صحيح).
ومما روي عن علي ومعاوية -رضي الله عنهما- في ثناء بعضهما على بعض قال علي: “لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو قد فقدتموه، رأيتم الرؤوس تنزو من كواهلها كالحنظل"(رواه ابن ابي الدنيا بسنده في حلم معاوية).
وجاء ابن أحوز التميمي إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من عند ألأم الناس، وأبخل الناس، وأعيا الناس، وأجبن الناس. يعني عليًّا -رضي الله عنهما- فقال: “ويلك، وأنى أتاه اللؤم، وكنا نتحدث أن لو كان لعلي بيتٌ من تبرٍ وآخرُ من تبنٍ، لأنفد التبر قبل أن يُنفد التبن؟ ويحك، وأنى أتاه العي، وإن كنا نتحدثُ أنه ما جرت المواسي (جمع موسى آلة الحلاقة) على رأس رجلٍ من قريشٍ أفصح من علي؟ ويلك، وأنى أتاه الجبن، وما برز له رجلٌ قط إلا صرعه؟ والله يا ابن أحوز لولا أن الحرب خُدعةٌ، لضربت عنقك؛ اخرج، فلا تقيمن في بلدي”.
قال عطاءٌ: “وإن كان يقاتله، فإنه قد كان يعرف فضله"(رواه ابن أبي الدنيا بسنده في حلم معاوية).
وعن المغيرة، قال: لما جِيءَ معاوية بنعي عليِّ -رضي الله عنهما- وهو قائلٌ مع امرأته ابنة قرظة في يومٍ صائفٍ، قال: “إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا فقدوا من العلم والحلم، والفضل والفقه". فقالت امرأته: أنت بالأمس تطعن في عينيه، وتسترجع عليه اليوم؟ قال: ويلك، لا تدرين ماذا فقدوا من علمه وفضله وسوابقه.
وبعد -أيها الإخوة-: ويل ثم ويل لمن استطال في عرض أحد من أصحاب رسول الله، ثم ويل لمن استطال بعرض معاوية؛ فأي خصم سوف يلقاه على الحوض في يوم القارعة والحاقة والغاشية.. ثم أقول: إن هذا الصحابي الجليل قد أراد الله به خيرًا؛ فكما أجرى ألسنة أهل الخير بالترضي عنه، فقد أجرى ألسنة السفهاء بعد موته بالنَّيْل منه، وهذا يزيده عند ربه درجة وفضلًا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم