عناصر الخطبة
1/متاع الغرور 2/خطورة شقاء الدنيا وشقاء الآخرة 3/التقوى مفتاح السعادة 4/المخرج من الشدائد 5/وصية بلزوم تقوى الله تعالى.اقتباس
الله -عز وجل- كلنا في قبضته، مصيرنا بيده، صحتنا بيده، زواجنا بيده، رزقنا بيده، أعمالنا بيده، آخرتنا بيده، بل من هم أقوى منا بيده، ومن هم أضعف منا بيده، مَن حولنا بيده.. إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب، ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك...
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- وطاعته قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: إن الإنسان المؤمن التقي هو الذي يبحث عن طريق الهدى، (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه: 123]؛ فلا يضل عقله ولا تشقى نفسه، (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 38].
عباد الله: إذا كان الإنسان ثابتًا على طريق الحق، معرضًا عن المعاصي، آخذًا الحذر من المنعطفات والمنحدرات التي بسببها قد يهوى به في غضب الله وأليم عقابه؛ فالحياة الدنيا متاع الغرور، تخدع الإنسان بزخرفها، وتستدرجه بخضرتها ونضرتها، وتضع له السم في الدسم فيقع من حيث لا يدري، فيها منزلقات، ومتاهات، مآلها يغري، ويردي ويشقي، نساؤها حبائل الشيطان، الأهل والولد مشغلة مجبنة مبخلة، الشهوات فيها مستعرة، ولا سيما الآن بأبها حللها، والفتن فيها يقظة في أجمل أثوابها.
عباد الله: يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 21]، لعلكم تتقون شقاء الدنيا وشقاء الآخرة.
أيها الإخوة الكرام: الله -عز وجل- كلنا في قبضته، مصيرنا بيده، صحتنا بيده، زواجنا بيده، رزقنا بيده، أعمالنا بيده، آخرتنا بيده، بل من هم أقوى منا بيده، ومن هم أضعف منا بيده، مَن حولنا بيده، الأمراض العضالة بيده، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
إذن دقِّقوا في هذه الآية: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)[النحل: 52]، أيعقل أن تتقي خطر إنسان وهو في قبضة الرحمن (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)؟ أيُعقل أن تتقي جهة قوية وتنسى الذي أمدها بالقوة؟ أيعقل أن تتقي جهة أرضية وتخشاها، وتنبطح أمامها، والله الذي خلقك وكرمك ومنحك الحياة؟
أيها الإخوة الكرام: ينبغي أن نتقي الله حق التقوى، فلا غيره يغفر الذنب، فهو الذي يستحق ذلك لا غيره، قال -تعالى-: (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)[المدثر: 56].
من أراد مفتاح السعادة فعليه بتقوى الله، ومن أراد تفريج الهموم فعليه بتقوى الله، ومن أراد رفع الغموم وتنفيس الكروب فعليه بتقوى الله، ومن أراد الرزق فعليه بتقوى الله، لا خيار غير تقوى الله في راحة البال وجلب السعادة والفوز بالدارين، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطلاق: 3]، ماذا تعني هذه الآية؟
تعني أن الأبواب إذا كانت كلها مغلقة، فالتقوى هي المخرج، أحيانًا يطرق الإنسان باب العمل، فيُسَد في وجهه، ويطرق باب الزواج فيُسَد في وجهه، ويطرق باب شراء البيت فيسد في وجهه، يقول ماذا أعمل؟ فمتى يقول الإنسان ما المخرج؟
حينما تستحكم الحلقات، وحينما تضيق على الإنسان نفسه، وتضيق عليه الأرض بما رحبت، ويشتد عليه الكرب ويقترب من اليأس، ينزل عليه الفرج قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطلاق: 2]؛ إنها التقوى، اتق الله، استقم تمامًا، اضبط لسانك تمامًا، فلا غيبة ولا نميمة، ولا بهتان ولا كذب ولا تدليس، اضبط عينيك، غضَّ بصرك عن محاسن النساء حتى يهبك الله زوجة صالحة.
أنا أخاطب الشباب بقولي: زوجة تسرّك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها، وهي حسنة الدنيا، قال -تعالى-: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وهنا نقول: اتقوا الله يا شباب في المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة، فإن من المحزن أن ترى تهاونًا من شبابنا في المبادرة إلى صلاة الجماعة، فهل مَن يتخلف عن صلاة الجماعة ويصليها في بيئته هل هذا يتقي الله؟ وهل من ينام طويلاً ويضيع أربع صلوات أو ثلاث ويصليها جمعًا في فرض واحد هل هذا يتقي الله؟
اتقوا الله يا عباد الله في أكل الربا، اتقوا الله بالابتعاد عن الغيبة والنميمة والكذب في الحديث، احفظوا ألسنتكم من كل ما حرم الله من الأقوال والأفعال.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: عن سهل بن سعد عن رسول الله، -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أَضمن له الجنة"؛ تجنب ذلك حتى يحبك الله، وإذا أحبك الله فلا عليك مِن خلق الله.
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب، ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك، ونحن نرى في الدنيا أنه إذا وكّل إنسان محاميًا لامعًا في قضيته فإنه ينام مطمئنًا لأن المحامي يده قوية، وبارع في مجاله، وقد قال له: اعتبر الموضوع منتهيًا، فكيف إذا كان الله وليك، والله ولي المتقين، يتولى أمرك، أقوى أعداءك بيده، وأقوى جهة بالأرض بيده، وأنت مع القوي، قال -تعالى-: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)[الجاثية: 19].
إذا أردت المخرج فاتق الله في جميع أمورك، فمن الذي نجا يوسف من امرأة العزيز غير تقوى الله، ومن نجّى يونس من الغم وهو في ظلمات بطن الحوت غير تقوى الله، تعفّف عن الحرام، حتى تُرزق رزقًا حلالاً طيبًا، وما ترك عبد لله شيئًا إلا عوَّضه الله خيرًا منه في دينه ودنياه.
أخي الكريم: إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله، وإذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك.
فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم