عناصر الخطبة
1/ خطورة البدع والمحدثات 2/ كثرة تحذير الشرع من البدع 3/ من أخطار البدع وأضرارها 4/ أولى الناس بالابتعاد عن البدع.اقتباس
إن البدع لها أخطار عظيمة وأضرارٌ جسيمة وعواقب وخيمة على أهلها وأربابها في دنياهم وأخراهم، فيجب على كل مسلم أن يدرك خطورة البدع ومضرتها العظيمة ليكون منها على حذر، وليكون مجانبًا لها مبتعدًا عنها محاذرًا من اقترافها وارتكابها.. البدع ظلمةٌ في الوجوه، ووحشةٌ في الصدور، ومفسدةٌ للأعمال، وموردة للضلال، وموجبةٌ للعقوبة؛ ألا ما أحرانا أيها العباد أن نتقي البدع ونحذرها...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منها؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون: الزموا سنَّة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، واستمسكوا بهديه والزموا غرزه، وحافظوا على نهجه، واحذروا يا رعاكم الله من البدع المحدثات؛ فإنَّ البدع شرٌ كلها وضررٌ جميعُها، ولهذا -عباد الله- كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- في خطبه الجامعة ومواعظه البليغة يؤكد ويكرر تحذيرًا من البدع ونهيًا عنها وتبيانًا لخطورتها وعِظم مضرتها على الأمة.
روى الإمام مسلم في كتابه الصحيح عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ... وَيَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".
وروى ابن ماجه وغيره عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوعظنا موعظةً بليغة وجِلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: "عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"
أيها المؤمنون: إن البدع لها أخطار عظيمة وأضرارٌ جسيمة وعواقب وخيمة على أهلها وأربابها في دنياهم وأخراهم، فيجب على كل مسلم أن يدرك خطورة البدع ومضرتها العظيمة ليكون منها على حذر، وليكون مجانبًا لها مبتعدًا عنها محاذرًا من اقترافها وارتكابها.
أيها المؤمنون فمن أخطار البدع وأضرارها: أنها موجبةٌ لرد العمل وعدم قبوله مهما كثُر العمل وتعدَّد وكبُر، وقد جاء في الصحيح عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"، وفي رواية: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" أي مردودٌ على صاحبه غير مقبولٍ منه.
ومن مخاطر البدع أيها المؤمنون: أنها موجبةٌ لضياع السُّنن وخفائها وبُعد الناس عنها، فعن حسان بن عطية رحمه الله قال: «ما ابتدع قومٌ بدعة إلا نزع الله منهم من السنَّة مثلها؛ فإن الإقبال على البدع موجبٌ لضياع السنن وخفائها».
ومن مخاطر البدع أيها المؤمنون: أنها تنطوي على عقيدةٍ في نفوس أهل البدع؛ أنَّ في السنَّة نقصًا وعدم وفاء، وما أخطر ذلك، فإن الله -عز وجل- يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3].
ولهذا جاء عن الإمام مالك إمام دار الهجرة -رحمه الله تعالى- أنه قال: «من قال في الدين بدعة حسنة فقد زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة، لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3]، فما لم يكن ديناً زمن محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فلن يكون اليوم ديناً إلى أن تقوم الساعة».
أيها المؤمنون: ومن أخطار البدع أنها توجِب التباس أمر الدين بين الناس، ولاسيما بين العوام وأشباههم؛ فيظن الناس من الدين ما ليس منه، وكذلك يظن المسيء أنه محسنًا، والله تعالى يقول: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103-104].
ومن مخاطر البدع أيها المؤمنون: أن صاحبها في الغالب لا يتوب منها، لأنه يعتقد أنها حق وصواب، ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله: «البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يُتاب منها والبدعة لا يتاب منها».
أيها المؤمنون: ومن مخاطر البدع العظيمة أنَّ البدع توجِب عقوبة الله -سبحانه وتعالى- والطرد يوم القيامة من الشرب من الحوض المورود؛ حوض نبينا المصطفى ورسولنا المجتبى صلوات الله وسلامه عليه. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " يُجَاءُ بِأَقْوَامٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي!! فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".
أيها المؤمنون: ومن أخطار البدع أيضا أنها موجبةٌ للتباغض والتدابر والفُرقة؛ ولهذا يقال «أهل السنة والجماعة»، ويقال «أهل البدعة والفرقة»؛ فإن السنَّة تجمع والبدعة تفرِّق، ولهذا قال أحد أهل العلم في معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- " لَا تَبَاغَضُوا": في ذلك نهيٌ عن البدعة؛ لأن وجودها يوجِد البِغضة.
أيها المؤمنون: البدع ظلمةٌ في الوجوه، ووحشةٌ في الصدور، ومفسدةٌ للأعمال، وموردة للضلال، وموجبةٌ للعقوبة؛ ألا ما أحرانا أيها العباد أن نتقي البدع ونحذرها، وأن نحرص على السنة بأن نكون من أهلها المحافظين عليها الثابتين عليها إلى الممات.
اللهم يا ربنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن توفقنا أجمعين لأن نكون من أهل السنة الملازمين لها المحافظين عليها، وأن تعيذنا يا ربنا من البدع والأهواء كلها، لا ملجأ إلا إليك، نفوض أمرنا إليك ونتوكل عليك ونطلب هدايتنا منك، اللهم فتقبل دعوتنا وأصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيراً، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم، وراقبوه جلَّ في علاه مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: وإذا كان على كل مسلم في كل بلد من الدنيا أن يتقي البدع وأن يحذرها أشد الحذر، فإن هذا الأمر يتأكد على أهل المدينة تأكدًا أعظم من غيرهم؛ لأن المدينة -يا معاشر المؤمنين- مأرز الإيمان ومهبِط الوحي ومنطلق الدعوة.
ولهذا جاء في الصحيحين عن إبراهيم بن يزيد التيْمي عن أبيه قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان مما قال في خطبته قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا".
نسأل الله عز وجل أن يحفظنا أجمعين وأن يعيذنا من البدع، وأن يصلح لنا شأننا كله إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا، وحافظًا ومؤيدا، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم إنا نسألك فيمن أرادنا في بلدنا أو في أنفسنا بشرٍ وسوء أن تجعل تدبيره تدميرًا عليه يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم يا رب العالمين بلِّغنا أجمعين رمضان وأعنَّا فيه على الصيام والقيام، وغنِّمنا خيراته وبركاته يا منَّان.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم