عناصر الخطبة
1/أهمية التنافس في الأعمال الصالحة 2/حرص الصحابة على التنافس في الأعمال الصالحة 3/أسباب مضاعفة الحسنات 4/أهمية تعلم العلم والدعوة إلى الله 5/كثرة أبواب الخير في الإسلاماقتباس
من أسباب مضاعفة الأعمال الصالحة؛ أن يستقيمالمسلم على الأعمال الصالحة، رغم الشهوات المحيطة به، والأسباب المثبطة له؛ لكنه يتغلب عليها؛ طاعة لله، قال الله جل وعلا: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 40-41]. فمن عمل عملا صالحا، وخالف الشهوات، ودافع الفتن والبلاء، فإن ذلك يدل على قوة إيمانه، فيضاعف له الأجر، ولهذا في ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن الله -جل وعلا- بفضله فتح للناس التنافس في الأعمال الصالحة، وأمرهم بذلك، فقال: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133].
وقال: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26].
ووعدجل وعلابمضاعفة الأجور على الحسنات، وجعل لذلك أسبابا، ينبغي للمسلم أن يأخذ بها؛ لينال رضا الله -جل وعلا-، ويفوز بدار كرامته؛ يوم القيامة.
ولنا في أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- الأسوة في ذلك، فقد كانوا يحرصون على الأعمال الفاضلة؛ يسأل أحدهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟
والآخر يقول: "أي الأعمال خير؟".
والآخر يقول: "دلني على عمل إذا عملته قربني من الجنة، وأبعدني من النار؟".
فيقول صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ".
كل ذلك حرصا منهم على التماس الخير، ومضافة الأجور، والبحث عن كل عمل ثوابه كثير.
أيها المسلم: وقد جعل الله لمضاعفة الحسنات أسبابا تتعلق بالعامل والعمل، والزمان والمكان، وأثر العمل؛ فمن ذلك:
أولا: الإخلاص لله، فالإخلاص لله في العمل بأن تؤدي عملك الصالح تبتغي بها وجه الله، لا تريد بها سوى ذلك، لا مطعما ماديا، ولا معنويا، ولا جاها، ولا مكانة ولا سمعة.
ولكن تبتغي بذلك وجه الله، لعلمك أن الإخلاص لله أنفع الأمور وأجلها، وأن غير الله لا ينفعك، وإن أثنى عليك، أو قدرك، أو رفع من شأنك، فكل أعراض الدنيازائلة، وإنما الغاية في رضا الله-جل وعلا-، والله لا يقبل عملا إلا إذا كان خالصا لوجهه، يقول الله: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْري تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ".
وفي لفظ: "وأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ".
فالإخلاص في العمل مع موافقة الكتاب والسنة،في ذلك العمل، يرجى له القبول، قالجل وعلا: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[الكهف: 110].
ويقولجل وعلا: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة: 27].
ومن أسباب مضاعفة الأعمال: أن يكون لهذا العمل أثر عام نافع؛ كالجهاد في سبيل الله، بالدعوة إلى الله بالقول، والبدن والمال؛ بضوابطه الشرعية.
ومن ذلكم أيضا: تعليم العلم، ونشره، والحث عليه، والترغيب فيه؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ".
ومن الدعوة إلى الله -جل وعلا-: الدعوة إلى دين الله، وتعاليم الجاهل وإرشاده؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا".
ومن أسباب مضاعفة العمل: أن يكون هذا العمل عملا يقتدي به غيرك، وتكون سببا لانتشار ذلك العمل، والدعوة إليه، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بعده إلى يوم القيامة".
ومن أسباب مضاعفة الحسنات أيضا: أن تنقذ بهذا العمل من مهلكة، أو تخلص من ضرر، أو تكشف كربة، أو تيسير على معسر، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ".
ويقول: "مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".
وبين لنا صلى الله عليه وسلم: أن امرأة بغية من بني إسرائيل سقت كلبا، وأنقذته من العطش، فشكر الله لها، وغفر لها، قالوا: يا رسول الله: وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر ".
ومن أسباب مضاعفة الحسنات أيضا: سلامة منهج المسلم، وحسن طريقته بإسلامه، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا أحسن العبد إسلامه، فكل حسنة يعملها تضاعف إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة".
قال الله -جل وعلا-: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261].
ومن أسباب مضاعفة الأعمال أيضا: كون العبد المسلم يستقيم على الأعمال الصالحة، رغم الشهوات المحيطة به، والأسباب المثبطة عن ذلك؛ لكن يتغلب عليها طاعة لله، قال جل وعلا: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 40-41].
فمن عمل عملا صالحا، وخالف الشهوات، ودافع الفتن والبلاء، فإن ذلك يدل على قوة إيمانه، فيضاعف له الأجر، ولهذا في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، قال أحدهم: "اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِئَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا، وَهْيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجَ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا".
والمسلم إذا ترك السيئات مراقبة لله، وخوفا منه، واعتقاد أن الله مطلع عليه، وعالم بسره وعلانيته، فذلك المقام العظيم: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)[الرحمن: 46].
ومن أسباب مضاعفة الأعمال: تقويةجانب الإحسان في قلبك، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فكلما قوي الإحسان، وقوي استحضار علم الله لك، واطلاعه عليك، ومراقبة الله في سرك وعلانيتك، كان أدعى لاستقامتك، قال جل وعلا: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)[الشعراء: 217-219].
ومن أسباب مضاعفة الأعمال: الآثار التي يتركها العمل على نفسه، فإن الأعمال الصالحة تورث رقة القلب، وقوة الإيمان، وطمأنينة النفس، فكلما قويت الأعمال الصالحة استقام العبد، واستقامت أخلاقه وسيرته، وتلذذه بالطاعة، وأصبح يحب الطاعة ويألفها، ولا ينفر منها، هكذا آثار الإيمان في قلب العبد، فتزداد الحسنات والفضائل.
أيها المسلم: ومن تأمل كتاب الله وسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- رأى أن هناك أعمال يسيرة، شرعت لنا، ورتب عليها ثواب عظيم، أعمال يسيرة شرعت لنا، بمقدور كل إنسان القيام بها: (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21].
فمن ذلكم: صلة الرحم: فصلة الرحم خلق إسلامي عظيم؛ أمرنا الله به: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) [النساء: 1].
أمرنا بصلة الرحم، بمحبتهم، بزيارتهم، بالسلام عليهم، بالتحدث معهم، بمواساة فقيرهم، بالإحسان إليهم، بنصيحتهم، بالتوجيه، بالحرص على جمع الكلمة.
كلما رأيت في أقاربك خلافا أو نزاعا، سعيت في الإصلاح بينهم، والتوفيق فيما بينهم، وبذلت كل جهدك في سبيل ذلك؛ ففي الحديث: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، ويُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَصِلْ ذا رَحِمَهُ".
وفي الأثر: "حسن الخلق وحسن الجوار: يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار".
فحسن الخلق: يذهب بخيري الدنيا والآخرة.
أيها المسلم: صلة الرحم لا تقتصر على الإحسان إليهم بالمال فقط، وإنما تصلهم بالسلام عليهم، وجمع الكلمة، والحرص على تآلف القلوب، ما وجدت بذلك سبيلا.
ومن أسباب مضاعفة الحسنات: الصلاة في الحرمين الشريفين؛ كما في الحديث: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه".
والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة -طهره الله من المغتصبين والمعتدين-.
أيها المسلم: ومن أسباب مضاعفة الحسنات: صلاة جماعة، فمحافظتك على أداء صلاة الفريضة في الجماعة لها فضل عظيم، وشرف كبير، يقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين".
قال بعض العلماء: تأمل هذا الحديث -يا أخي-: إذا قيل للناس أن هناك سوقا تجاريا يربح الدرهم بسبع وعشرين لأتوه ولو حبوا، ولأنها أمور دنيوية، فكيف المخبر بذلك محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3-4]؟!
أخبرنا أن صلاة أحدنا في المسجد تعدل سبعا وعشرين ضعفا، لو صليناها في بيوتنا، فهذه نعمة الله وفضل عظيم.
وممن يضاعف الأعمال: الخروج للمسجد لأداء الفريضة، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا تطهر الرجل في بيته وخرج للمسجد فإنه كالحاج المحرم".
من الأعمال المضاعفة أيضا: الصلاة في الصف الأول: جاء في الحديث: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول" ثلاث مرات، ولمن بعده مرة واحدة.
وفي لفظ آخر: "وعلى ميامين الصفوف".
ومن أسباب مضاعفة الحسنات: الصلاة أول النهار، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ كاملتين كاملتين".
ومن أسباب مضاعفة الحسنات: صلاة سنة الضحى، بأن تصلي في الضحى ما تيسر لك: ركعتين، أو أكثر، يقول صلى الله عليه وسلم: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى".
وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ".
ومن ذلكم أيضا: التأدب بآداب الجمعة: يقول صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة: "مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، فَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ، وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا".
ومن ذلكم -يا عباد الله-: الصلاة في مسجد قباء: يقول صلى الله عليه وسلم: "من خرج حتى يأتي هذا المسجد، يعني مسجد قباء، فيصلي فيه كان كعدل عمرة".
ومن ذلكم أيضا: المؤذن: يقول صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ".
وله ثواب من صلى وراءه.
وممن يضاعف الأعمال أيضا: صيام رمضان، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
ويقول: " وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًااحْتِسَابًا غُفِرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
ومن ذلكم أيضا: العمرة إلى العمرة، يقول صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكثير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا في الجنة".
وممن يضاعف الأعمال الصالحة -أيها المسلم-: التشهد بعد الوضوء: فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ -أو فيسبغ- الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد الله ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء- فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء- أو مع آخر قطر الماء- فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء- حتى يخرج نقيا من الذنوب".
أيها المسلم: ومن أسباب مضاعفة الحسنات: الأعمال الخالدة، والأوقاف الطيبة التي تجري للمسلم بعد موته، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".
فالأوقاف الخيرية والأعمال الصالحة التي يوقفها في حياته؛ يجري ثوابها بعد موته، ويصله ثوابها؛ لأن المسلم بعد موته ينقطع أعماله، ويبقى ما قدم، من قدم خيرا فلنفسه، وبقي هذا العمل يمده في لحده، ويستأنس به وينشرح بذلك صدره.
فتنافسوا في الأعمال الصالحة، وتقربوا إليه بما يرضيه، واعلموا أن هذا وعد صدق من محمد -صلى الله عليه وسلم-، من رب العالمين.
فكل مسلم يحرص على أن يتنافس إلى الأعمال الصالحة، ويستغل وقته في هذه الحياة، فإنك بموتك تنقطع أعمالك، وتبقى في لحدك بما قدمت من عمل، وعملك قرينك، فاتق الله في عملك، واحرص على أن يكون قرينك عمل صالح، تزداد به في لحدك أنسا وسرورا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقولٌ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
يقول الله -جل وعلا-: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[الأنعام: 160].
وفي الحديث: يقول الله -جل وعلا-:"إِذَا هَمَّ عَبْدِى بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبْتُهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ أَكْتُبْهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً".
فيا إخواني: فضل الله واسع، وكرمه عظيم، دعانا للتنافس في الأعمال الصالحة: (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ) [البقرة: 148].
دعانا إلى الأعمال الصالحة، دعانا للاستعداد، دعانا إلى أن نحرص على الأعمال الصالحة، فالواحد منا قد يستطيع على الكل، وقد يعجز عن البعض، إنما المهم أن تتقي الله، وأن تأخذ بكل سبب يمكنك الأخذ به من أعمال صالحة، من المحافظة على الصلوات الخمس، والعناية بها، ومن صلة الرحم من إكرام اليتم من الإنفاق في الخير، يقول الله -جل وعلا-: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ* ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)[البلد: 11-18].
فالتنافس في الخير، والسعي فيه، وإتيان العمل، فيه تصديق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا الرجاء العظيم من أعظم الأسباب على مضاعفة الأعمال، إنما علينا الإخلاص لله في أقولنا وأعمالنا، والحرص على أن تكون أعمالنا موافقة للشرع، على كتاب الله وسنة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لاغتنام هذه الحياة فيما يرضي الله -جل وعلا-.
عباد الله: اعلموا أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله-: على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك ربكم، قالتعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين.
واجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا.
اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بن عبدالعزيز لكل خير، اللَّهمَّ سدده في أقواله وأعماله، وامنحه الصحة والسلامة والعافية إنك على كل شيء قدير.
ووفق ولي عهده سلمان بن عبدالعزيز لكل خير، وسدده في أقواله وأعماله، ووفق النائب الثاني وأعنهم جميعا؛ إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم