عناصر الخطبة
1/ أسباب اعتناء الإسلام بالقلب 2/ القلب موضع نظر الله تعالى 3/ صفات وعلامات القلب الصالح 4/ أسباب صلاح القلب 5/ نِعَمُ الله على هذه البلاد أمنا واستقرارا وتلاحما بين الشعب وقيادته 6/ محاولة الحاقدين على الإسلام للنَّيْل مِنْ أمْنِ واستقرار البلاد 7/ ضرورة التكاتف والتلاحم مع القيادة لحماية البلاداقتباس
ولكنك إذا نظرتَ إلى أعمالهم وتصرفاتهم، ونظرت إلى دسائسهم الخبيثة، ونظرت إلى ما أحدثوه من شرخ في جبين الأمة الإسلامية، وما أحدثوه من فوضى في العالم الإسلامي، علمت أن دعواهم للإسلام دعوى كاذبة، وأن أفعالهم تخالف أقوالهم، هؤلاء الذين يحبون نشر الفوضى في بلاد الحرمين، ويسعون جاهدين لذلك، هؤلاء هم من انقلبت فِطَرُهم، وضعُف إيمانهم، هم أعداء الله وأعداء رسوله ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن الإسلام أوْلَى القلب عنايةً عظيمةً، فطهَّرَهُ من الآفات والأمراض بالبر والتقوى، أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب؛ لتطهير القلوب وتزكيتها، فبالقلب يعرف العبد ربه، وبالقلب يعبد ربه ويعرف أمره ونهيه، وبالقلب السليم يحب الله ويرجوه ويخافه، وبالعقل السليم ينجو من هول يوم القيامة، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
والقلب موضع نظر الله من العبد، في الحديث: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، والقلب ملِك الجوارح، فباستقامته تستقيم الإيمان، وتزكوا الأعمال، وتسدد الأقوال، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح لها الجسد كله، وإذا فسدت فسد لها الجسد كله ألا وهي القلب".
أيها المسلم: إن القلب الصالح هو القلب الخاشع الوجِل الليِّن لذكر الله، الرحيم بعباد الله، الموعود الأجر والثواب العظيم، يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال:2-4].
وذو القلب اللين الرقيق في عباد الله ممن وعدوا بجنة الله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسِط متصدِّق موفق، ورجل حليم رقيق القلب على كُلِّ قريبٍ ومسلمٍ، ورجل عفيف متعفِّف ذو عيال".
أيها المسلم: إن لِأسباب رقة القلب ولينه وبُعد القسوة والشقاء عنه أسباباً عديدة، فمنها الإيمان، فالإيمان الراسخ إذا تمكن في القلب ووجد العبد حلاوة الإيمان رقَّ قلبه ولان للخير، وكلما قوي إيمان العبد بحقيقة أسماء الله -جل وعلا- وصفاته كلما استقامت حاله، وصلُحت سريرته، وكان دائماً يقبل أوامر الله بالسمع والاستجابة لها، والنواهي بالبعد والترك عنها، فدائماً يقولون: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].
أخي المسلم: تلاوةُ القرآن وتدبُّر معانيه، وتأمُّل ما فيه من أوامرَ ونَوَاهٍ، وما فيه من وعد ووعيد، وترغيب وترهيب، كل هذه تلِّين قلب العبد، وتُذهب عنه قسوته وشقاوته، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء:82]، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24]، فالمعاصي والسيئات تحول بين العبد وبين تدبر القرآن، (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [ص:29].
ومما يعين على لين القلب ورقته وانقياده للخير تذكُّر الموت، وشهود الجنائز، وزيارة المقابر، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أكثِرُوا من ذكر هاذم اللّذّات"، يعني الموت، وجَعَلَ اتباع الجنازة من حق المسلم على المسلم، ففيها يلين قلبه، ويزهد بالدنيا، ويتفكر في هذا المكان الذي سيسكنه كما سكنه مَن قبله فيزداد رقةً في قلبه وإقبالاً على الله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت"، وفي لفظٍ، "فإنها تذكر الآخرة".
ومما يعين على لين القلب وطمأنينته تذكر الآخرة وأهوالها، والجنة ونعيمها، والنار وأهوالها، فكلما تذكر المسلم ذلك الوعد والوعيد وأهوال يوم القيامة وما يكون فيه من الكربات والشدائد، كلما قوي الإيمان، ورقَّ القلب، وانقاد للخير.
أيها المسلم: ومما يزيد قوَّة الإيمان في قلبك ورقّته ولينه الإكثارُ من ذكر الله، فإن ذكر الله عبادةً لله وطاعةً لله يُقوِّي الإيمان، فكلما أكثر العبد من طاعة الله كلما قوي إيمانه، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]، وقال -جل وعلا- مبيناً عظيم الذكر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) [الأحزاب:41].
فالله إليه منقلب العبد، وذكر الله يجعله متعلقاً بالله فيذكر الله في كل أحواله، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191]، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- كان يذكر الله على كل حينه، ويُعد له في المجلس الواحد: رَبّ اغفِرْ لي وتُبْ عليَّ، أكثر من مائة مرة، فإن ذكر الله حياة القلوب، وطمأنينة القلوب وسكينتها.
أيها المسلم: فأكثِرْ مِن ذكر الله، أكثر من ذكر الله دائماً وأبداً ولا تزهد في هذه العبادة اليسيرة التي ثوابها عظيم، وهي يسيرة على من يسَّرَها الله عليه، ومن أسباب رقة قلب المسلم زيارة المريض، ومخالطة المريض، ومخالطة المساكين والفقراء، وذوي العاهات والمبتَلِين، إنه إذا زار المريض وخالط المسكين، ونظر إلى أهل البلاء والعاهات، قوي إيمانه، وشكر الله على نعمته، وواسى إخوانه، وضمَّد جراحهم، وسلَّاهم في مصائبهم، فإنه إذا نظر لمن هو دونه ازداد شكراً لله وثناءً على الله، فزيارته للمريض، وعيادته للمريض، ومخالطته للمسكين والمحتاج، وذوي البلاء والعاهات، كل ذلك يقوي إيمانه، ويعرف عظيم نعم الله عليه، فيشكر الله ويثني عليه، ويتذكر عظيم هذه النعمة، فإن هذه النعم لا يعرفها إلا مَن فقدها أو شاهد من ابتُلُوا بها ليعلم عظيم نعم الله عليه.
ومن أسباب رقة القلب تذكر حال المكذبين قديماً وحديثاً، وأن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم:42]، يقول الله،( فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:45-46].
ومن أسباب لين القلب كثرة دعاء الله، والتضرع بين يديه ليحفظ قلبه من الانحراف عن طريق الهدى؛ ولذا ذكَر الله في دعاء المؤمنين: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8]، وكان -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "اللهم مقلب القلوب ثبِّتْ قلبي على دينك"، تسأله عائشة عن ذلك، فيقول: "إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن إذا أراد أن يقلب قلب عبدٍ قَلَبَه"، إذا أراد أن يقلب قلب عبدٍ قَلَبَه! وكم من أهل عقول حُرموا التوفيق فلم تنفعهم عقولهم! (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) [الأعراف:179]، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم مصرِّف القلوب اصرف قلبي لطاعتك".
أيها المسلم: ومن أسباب لين القلب وذُلِّه لله، رحمة المسكين، واليتيم، والضعيف، أتى رجلٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو قسوة قلبه، فقال: "أطْعِم المسكين، وامسح رأس اليتيم، فإن في ذلك خيراً كثيراً"، فإن رحمتك للمسكين، ومسح رأس اليتيم، وتسليته، مما يلين قلبك، ويجعلك موفقاً للخير.
ومن أعظم أسباب استقامة القلب ولينه تخلصك من أدران الكبر والحسد والحقد والبغضاء والكبر والخيلاء والتعالي على العباد والتكبر عليهم بأي أمر كان، سواء تكبرت عليهم بكونك ذا علمٍ، أو ذا مالٍ، أو ذا جاهٍ، أو ذا صحةٍ قوية، فالواجب التواضع لله وشكره على إنعامه وأن تكون هذه النعم عوناً لك على استقامة حالك لا على التكبر والظلم والعدوان، (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7].
أخي المسلم: إن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالأعمال الصالحة، (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) [مريم:76]، وتُنقصه الأعمال السيئة، فكلما قوي الإيمان في القلب كثر عطاء الجوارح واستقامتها، وكلما ضعف الإيمان في القلب قل نشاط الجوارح، فالقلب ملكها، إذا استقام استقامت الجوارح، كما يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه"، فطهِّر قلبك من هذه الأدران التي لا خير فيها.
ثم اعلم -أخي المسلم- أنَّ مِن علامةِ لِينِ القلب كثرةَ ذكرِ الله، ومن علامة لين القلب أن يتلذذ بأداء العبادة، فالصلاة والزكاة والصوم والحج والبِرّ والصلة وكل فعل معروف وخير يجد فيه الموفق راحةً لنفسه وطمأنينة لقلبه؛ ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أرحنا يا بلال بالصلاة"، فالمسلم يرتاح في صلاته، ويستأنس بها، وينشرح بها صدره، يؤدي زكاة ماله، فيؤديها ويزداد راحةً وخضوعاً وسكينة، يصوم ويحج ويبر ويُصَلِّي ويكف الأذى وينشر المعروف، وكلها أسبابٌ للين قلبه، واستقامة حاله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: إنَّ الله مِنْ فضله وكرَمه مَنَّ على هذا البلد المبارك فجعله بلداً آمناً مطمئناً، سخاءً رخاءً؛ أمنٌ واستقرارٌ، وعلوٌ لشعائر الإسلام، وفعل الخير، وطمأنينة في النفوس، وتعاون القيادة مع المواطن على أكمل صورةٍ وأتمها، هذه النعم التي يتمتع بها هذا البلد، ويمتاز بها بفضل الله ورحمته، بأسباب تحكيم الشريعة، وتنفيذ حدود الله، وردع المجرمين والآثمين، ومن تسول لهم الشرور والفساد.
أيها المسلم: هذه النِّعَمُ العظيمة التي يتمتع بها هذا البلد من توفيق الله -جل وعلا- لنا وفضله وإكرامه وإحسانه، لكنَّ الحاقدين على الأمة، المبْغِضِينَ لها، المحبين للسوء والفساد والفوضى في المجتمعات الإسلامية، هؤلاء يتظاهرون بالإسلام، وخدمة قضايا الإسلام، ويتظاهرون بما يتظاهرون به.
ولكنك إذا نظرتَ إلى أعمالهم وتصرفاتهم، ونظرت إلى دسائسهم الخبيثة، ونظرت إلى ما أحدثوه من شرخ في جبين الأمة الإسلامية، وما أحدثوه من فوضى في العالم الإسلامي، علمت أن دعواهم للإسلام دعوى كاذبة، وأن أفعالهم تخالف أقوالهم، هؤلاء الذين يحبون نشر الفوضى في بلاد الحرمين، ويسعون جاهدين لذلك، هؤلاء هم من انقلبت فِطَرُهم، وضعُف إيمانهم، هم أعداء الله وأعداء رسوله، وأعداء هذا الدين قديماً وحديثاً.
وهُم الذين أُصِيب الإسلام بأسبابهم، وهم الذين نُكِبَ المسلمون بأسبابهم، فما من فوضى في الإسلام -قديماً وحديثاً- إلا على أيديهم وتصرفاتهم؛ لأنهم ينطلقون من منطلقٍ سيء وهو العداء لهذا الدين، فهم لا يؤمنون بكتاب الله، ولا يصدقون سنة رسول الله، ولا يحبون أصحاب رسول الله، ولا يوالون أهل الإسلام، بل قلوبهم ومودتهم مع أعداء الإسلام قديماً وحديثاً، (أَلَمْ تَرى إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الحشر:11].
إن هذا البلد المطمئن الآمن المستقر لا تزعزعه شرذمة خضعوا لأسيادهم الظالمين الطاغين الذين يريدون نشر الفوضى والفساد في بلاد الإسلام، هذا البلد الآمن المطمئن الذي لا يريد الفوضى ولا يرضى بها ولا يقرها؛ لأن دين الإسلام يرفضها ويأباها، دين الإسلام الذي يحترم الدماء والأموال والأعراض، ويقضي على المفسدين، ويقطع دابر المحاربين والمفسدين، (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33].
بلدٌ منَّ الله عليه بخدمة الحرمين الشريفين، وتأمين الحجيج، وتسهيل مهمتهم، وتذليل الصعاب دونهم، بلدٌ منَّ الله عليه بهذا الارتباط الوثيق والتعاون التام بين القيادة والرعية، لا يمكن أن يكدر صفوها شراذم دبرتها ونظمتها قوىً خارجية باطلة معلومٌ عداؤها للإسلام، وبغضها للإسلام، وكم أرادوا من شر! ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
كم حاولوا من مؤامرات، ولكنَّ الفشل يصحبهم! لأن النوايا سيئة، والمقاصد خبيثة، والله يقول في الحرم الشريف: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25]، فبلدنا -ولله الحمد- بلدٌ آمن مستقر، بلدٌ مطمئن، وأفراده كلهم بهذا معترفون وموقنون بنعمة الله عليهم، يؤلمهم ما يسمعون مما يجري حولنا من فتنٍ ومصائب يوقد شرها ويوقد نارها ويذكي شرها تلك الفئة الحاقدة المتسترة بالإسلام وخدمة قضاياه، ولكنّهم في حقيقة الأمر أعداءٌ للأمة في دينها، فلا يمكن للمسلم أن يقع في قلبه حبٌّ لهؤلاء، أو اعتقادُ أنَّ هؤلاء دعاة إصلاح وإسلام، فالمسلم مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن مَن أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم، أما هؤلاء فإنهم ضد الإسلام في القرون الخالية، كم نُكِبَ الإسلام على أيديهم، وكم سُفِكت الدماء البريئة على أيديهم، وكم نُهِبت الأموال على أيديهم، وكم ذُلَّ الإسلام على أيديهم، ولكنَّ الله -جل وعلا- يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته.
فلنكن جميعاً يداً واحدة، وقوةً واحدة، وصفاً ملتحماً أمام مَن يريد النَّيْلَ من أمننا واستقرارنا، فنحن لا نرضى بهذا، ولا يرضى بذلك أي مسلم، لا يرضى أي مسلم بأن تلتف تلك الشراذم على صفوفنا، أو تحدث زلزلة في بلادنا، فنحن على العهد السابق مع القيادة في كل خير، وعونٌ لها في كل ماتُهدَى إليه من ردع الشر والفساد، وَفَّقَ الله القيادة لكل خير، وحمى بلادنا من كل سوء، وطهرها من كل إجرام.
إنَّ ما يحصل في بلاد الإسلام أمرٌ مُحْزِن لكل مسلم حينما يرى انعدام الأمن، واختلال النظام، وتعثر مصالح حياة الناس، يرى تلك الفتن والمصائب فيهمه ويحزنه ذلك، وليعلم أن هذه الفتن والمصائب وراءها أولئك الشراذم الضالة والأمة المنحرفة يدعون ويدَّعون نصرة قضايا فلسطين والفلسطينيين وهم أعداؤهم قديماً وحديثاً، لا خير فيهم ولا في مؤتمراتهم التي يتظاهرون بها، ولكنَّهم ضد الأمة في كل أحوالهم، كفى الله الأمة شر أعدائهم، وأذل أعداءهم، إنه على كل شيءٍ قدير.
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رَحِمَكُم اللهُ- على عبد الله ورسوله محمد، كما أمركم بذلك ربُّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانِكَ، يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين وحماية البلاد من آثار المجرمين، وكيد الحاقدين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك، اللهم كن له عوناً ونصيراً في كل ما أهمه، واجعله بركةً على أمته وعلى المسلمين أجمعين، اللهم وفق ولي عهده سلطان بن عبد العزيز لكل خير، وأمده بالصحة والسلامة والعافية، اللهم وفق النائب الثاني نايف بن عبد العزيز لكل خير، وأعنه على مهمته ومسؤوليته، وجازه عن الإسلام خيراً، ووفقه لمكافحة الجريمة، ورد المجرمين والمفسدين، فإن مسؤوليته عظيمةٌ جداً، نسأل الله له العون والتوفيق والتأييد، إنك على كل شيءٍ قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) [البقرة:201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم