عناصر الخطبة
1/فضائل الحج 2/الحج ركن من أركان الإسلام 3/التعجيل بأداء فريضة الحج 4/حجة الوداع 5/مواقيت الحج الزمانية والمكانية 6/أركان الحج.اقتباس
الحجُّ ليس رحلةً سياحية، ولا نزهة ولا تجارة، إِنَّمَا هي عبادة يؤديها المؤمن المستطيع القادر لرب العالمين في زمنٍ مخصوص، وفي عملٍ مخصوص، وفي مكانٍ مخصوص، فتفقدوا أنفسكم وأهليكم، وتفقدوا أولادكم وبناتكم، فمن...
الخطبةُ الأولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المُجتبى، فالعبد لا يُعبد، كما الرسول لا يُكذَّب، فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فـ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: هذِه وفود حجيج بيت الله، قد يمَّمت وجوهها تجاه بيت الله الحرام في مكة المكرمة لأداء هذَا الركن الخَامِس من أركان الإسلام، هذَا الركن الَّذِي نوَّه الله -عَزَّ وَجَلَّ- بفرضه، وأكَّد عَلَى شرفه بقوله في آل عمران: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].
لمَّا نزلت هذِه الآية قام النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا في النَّاس، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاس! إنَّ الله قد فرض عليكم الحجَّ فحُجُّوا"، فقام الأقرع بن حابس التميمي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: أفي كل عامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لو قلت: نعم؛ لوجبت، ولما استطعتم، الحجُّ مرةً، فمن زاد فهو تطوع"(أخرجاه في الصحيحين وَاللَّفْظ لمسلم).
الحجُّ -يا عباد الله- ركن هذَا الدين الخَامِس، الَّذِي لا يتمُّ قيام هذَا الدين إِلَّا به، ومن ترك الحج دحضًا لوجوبه؛ فإنه ليس بمسلم، ومن تركه تهاونًا وتكاسلاً وتسويفًا وتأجيلاً مع قدرته عَلَى الحج؛ فقد أخطأ خطأً عظيمًا، وارتكب إثمًا شنيعًا؛ "فإنَّ عمر وعليًّا -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- همُّوا أن يكتبوا إِلَى عمَّالهم في النواحي أن ينظروا من وجدوا سعةً من المال، ثُمَّ لم يحجُّوا؛ أن يضربوا عليهم الجزية" أي: يعاملونهم كما يُعامل أهل الكتاب، بأخذ الجزية منهم وهم صاغرون.
عباد الله: الحجُّ ليس رحلةً سياحية، ولا نزهة ولا تجارة، إِنَّمَا هي عبادة يؤديها المؤمن المستطيع القادر لرب العالمين في زمنٍ مخصوص، وفي عملٍ مخصوص، وفي مكانٍ مخصوص، فتفقدوا أنفسكم وأهليكم، وتفقدوا أولادكم وبناتكم، فمن وجدتموه أهلاً لأداء الْنُّسُك، واكتملت عليه شروطه، وتوافرت فيه أركانه؛ فليبادروا إِلَى الحج مبادرين إليه، فإنَّ الحج واجبٌ عَلَى الفور في أصح أقوال العلماء -رَحِمَهُمُ اللَّهُ-.
وقد فُرض الحج في العام التَّاسِع، ولم يحجّ نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- تلك السنة، لوجود مظاهر الشِّرْك، وحج المشركين، فأناب مكانه أبا بكرٍ الصِّدِّيق -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ-، يحجُّ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أردفه بعليٍّ وأبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يناديان في الموسم، ويعلنان في النَّاس: "ألَّا يحجُّ بعد هذَا العام مشرك، ولا يطوفنَّ بالبيت عريان"، ويقرؤون عَلَى النَّاس مطلع سورة براءة الَّتِي فيها إعذارٌ وإنذارٌ للكفار والمشركين أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر.
ثُمَّ حجَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بعدها حجته الوحيدة، حجته الفريدة، الَّتِي سمَّاه العلماء بـ"حجَّة الوداع"؛ لأنه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ودّع النَّاس فيها، فَقَالَ في مشاهد الحجِّ العظام: "أَيُّهَا النَّاس! فلتأخذوا عنِّي مناسككم، فإني والله لا أدري، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذَا".
واعلموا عباد الله أن الحجّ له ميقاتان: ميقاتٌ زمانيٌّ، وميقاتٌ مكانيٌّ.
أما مواقيت الحج الزمانية؛ فهي ما أنتم فيه من شهر شوال، وقد انقضى، وشهر ذي القعدة وأنتم فيه، وعشرٌ من ذي الحجة، فمن أنشأ الحج فيها، فإن الحج أنشأه في زمانه.
وكذلك مواقيته المكانية، وهي الَّتِي حددها النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وهي سبعةٌ عَلَى جهة التفصيل:
- ميقات "ذي الحليفة" وهو لأهل المدينة ومن مرَّ بهم.
- وميقات "الجُحفة" لأهل الشام ومن جاء من طريقهم.
- وميقات "يلملم" لأهل اليمن ومن جاء من جهتهم.
- وميقات "قرن المنازل" المُسمى الآن بـ"وادي محرم" أو بـ"السيل الكبير" لمن جاء من جهة نجدٍ وحولها.
- وميقات "ذات عرق" لمن جاء من جهة العراق.
- ومن كان دون هذِه المواقيت؛ فمن حيث أنشأ.
- والميقات السَّابِع: ميقات أهل مكة من مكة.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ؛ (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ الَّذِي أعاد مواسم الخيرات عَلَى عباده تترًا، فلا ينقضي موسم إِلَّا ويعقبه آخر مرة بعد أخرى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، شهادةً نرجو بها الفلاح في الدنيا وفي الدار الأخرى، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عبده المصطفى، ونبيه المرتضى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أولي الفضل والمكانة والنُّهى وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا أبدًا دائمًا محتفى.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فاتقوا الله حق تقاته، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، واعلموا أنَّ أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى.
واعلموا -عباد الله- أن الحجَّ له أربعة أركان:
الركن الْأَوَّل: الإحرام، وهو نية الدخول من الْنُّسُك، أما الإحرام من الميقات، فَهذَا واجبٌ من واجبات الحج.
وركن الحج الْثَّانِي -يا عباد الله- الوقوف بعرفة، فيجمع في وقوفه بين اَللَّيل والنَّهَار، وقد قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وهو واقفٌ بعرفة لمَّا سأله أهل نجدٍ عن هذَا الموقف، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "الحجُّ عرفة"، وفي رواية: "الحجُّ حجُّ عرفة، من أدرك عرفة فقد أدرك"؛ يعني: أدرك الحج.
الركن الْثَّالِث من أركان الحج -يا عباد الله- طواف الزيارة، ويُسمَّى بـ"طواف الحج" لأنه ركنه، ويُسمى بـ"طواف الإفاضة"؛ لأن الحُجَّاج يفيضون إِلَى الحرم بعدما وقفوا في عرفات، وباتوا في المزدلفة، وأتوا إِلَى منى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ)[البقرة: 199].
الركن الرَّابِع من أركان الحج -يا عباد الله- السعي بين الصفا والمروة، في قول جمهور العلماء؛ لأنَّ السعي تابعٌ للطَّوَاف في الحج، كما أنه تابعٌ للطَّوَاف في العمرة.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيمًا، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة والعشرة والمهاجرين والأنصار، وعن التَّابِعِينَ لهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ أعِد علينا هذَا العيد أعوامًا مديدة، أعده علينا بالرضا والقبول، أعده علينا بالمسرات، أعده علينا وقد أعتقت رقابنا من النَّار، رحمت فيه أولنا وآخرنا، وصغيرنا وكبيرنا، رحمةً من عندك تغنينا عن رحمة من سواك.
اللَّهُمَّ تقبَّل من الطائعين طاعاتهم، ومن الحجيج حجهم، وردهم إِلَى أهليهم سالمين غانمين مأجورين يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ اجعل عملنا مبرورًا، وسعينا مشكورًا، وذنبنا مغفورًا، وتجارتنا معك يا ربنا لن تبور.
اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأمات، اللَّهُمَّ من ضارَّنا أو ضار المسلمين فضره، اللَّهُمَّ من مكر بنا فامكر به يا خير الماكرين.
اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، خذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، واجعله عزًّا للإسلام، واجعله عزًّا للإسلام وَالسُّنَّة يا رب العالمين، وأصلح جميع ولايات أمور المسلمين، واجعلها فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم