عناصر الخطبة
1/من أسباب الوقوع في المعاصي 2/من وسوسة الشيطان للإنسان 3/من مكايد الشيطان 4/معينات لصد كيد الشيطاناقتباس
فالشَّيطانُ مُنذُ الأزَلِ عدُوٌّ للإنسانِ، يَفعَلُ فيه بالوَساوسِ ما يَجعَلُه يتَّهِمُ الآخرينَ دونَ بيِّنةٍ؛ ولذلك كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُحذِّرَ أصحابَهُ -رَضيَ اللهُ عنهُمْ- مِن وَساوسِ الشَّيطانِ, كما في حديث: "علَى رِسْلِكُما؛ إنَّهَا صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيٍّ"...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ لله الَّذي لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ أفْضلُ مُكْتَسب، وأشهَدُ أن لا إِله إلاَّ الله وَحْدهُ لا شريكَ لَهُ, هزَمَ الأحْزَابَ وَغَلَب، وأشْهَدُ أن محمداً عبدهُ وَرَسُولهُ المصطفى المنتخب، صلَّى الله وسلم عَلَيْهِ وعلى أصحابه و التَّابِعين لهم بإحْسَانٍ ما أشرق نجم وغرب.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها الوصية الإلهية للسابقين واللاحقين؛ (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131].
عباد الرحمن: ومع يقيننا بأهمية العمل الصالح إلا أننا نفرّط كثيرا, ومع وخطورة العمل الطالح إلا أننا نقع فيه, ونحن بين مقلٍّ ومستكثرٍ, ولا شك أن من أعظم أسباب ذلك الشيطان؛ ولذا نجد كثرة تحذير الله لنا منه في القرآن وبيان عداوته, ونجد في السنة أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى, وتفصّل بعض أعمال الشيطان؛ وما ذاك إلا لنحذره ونتخذه عدوّا, ونتحرز منه بذكر الله, فتعالوا نتذاكر بعض ما أخبرنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم- من شر الشيطان.
إخوة الإيمان: الشيطان يحاول الوسوسة في جانب الاعتقاد والإيمان, فقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعطانا الدواء لذلك, ففي الصحيحين مرفوعا: "يَأْتي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ كَذَا، مَن خَلَقَ كَذَا، حتَّى يَقُولَ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟, فَإِذَا بَلَغَهُ؛ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ", إذن يستعيذ العبد بالله من الشيطان, ويقطع هذا الهاجس ولا يسترسل معه, ويقول: "آمنتُ باللهِ ورسلِه"(رواه أحمد).
والصلاة عبادة عظيمة, وللشيطان فيها كيد للمؤمنين, تقول عائشةُ -رضي الله عنها-: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الِالْتِفَاتِ في الصَّلَاةِ؟, فَقالَ: "هو اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِن صَلَاةِ العَبْدِ"(أخرجه البخاري)؛ والاختِلاسُ: هو الأخْذُ والخطْفُ بسرعةٍ؛ وذلك لِيَشْغَلَ المصلي عن الخُشوعِ والخُضوعِ فيها، فيَنقُصَ أجرُه وثَوابُه، ورُبَّما أدَّى به إلى ما هو أكثَرُ مِن ذلك، فتَبطُلُ صَلاتُه كُلُّها، وفي هذا إشارةٌ إلى النَّهيِ عن الالْتِفاتِ في الصَّلاةِ.
وفي شأن الصلاة أيضا, ما روى أحمد وأبو داود والنسائي مرفوعا: "رُصُّوا صفوفَكُم, وقاربوا بينَها, وَحاذوا بالأعناقِ، فَوالَّذي نَفسي بيدِهِ إنِّي لأرَى الشَّيطانَ يَدخلُ من خللِ الصَّفِّ كأنَّها الحذَفُ"(صححه الألباني)؛ والحذَف: صغار الغنم.
والشيطان يفر من الأذان, أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- مرفوعا: "إنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ ذَهَبَ, حتَّى يَكونَ مَكانَ الرَّوْحَاءِ", قالَ سُلَيْمَانُ: فَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّوْحَاءِ فَقالَ: هي مِنَ المَدِينَةِ سِتَّةٌ وثَلَاثُونَ مِيلًا؛ لأن هدَف الشَّيطانِ هو إغواء الناسِ وصدَّهم عن سبيلِ الله وعن توحيدِه, والأذانُ والإقامةُ أشدَّ شَيءٍ عليه؛ لِمَا اشتَمَلَا عليه من الدُّعاء بالتوحيدِ، وإظهارِ شِعارِ الإسلامِ.
والشيطان -حماك الله- يريد مشاركتك في طعامك!, أخرج مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: كُنَّا إذَا حَضَرْنَا مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- طَعَامًا, لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حتَّى يَبْدَأَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَضَعَ يَدَهُ، وإنَّا حَضَرْنَا معهُ مَرَّةً طَعَامًا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا في الطَّعَامِ، فأخَذَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأنَّما يُدْفَعُ فأخَذَ بيَدِهِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عليه، وإنَّه جَاءَ بهذِه الجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بهَا, فأخَذْتُ بيَدِهَا، فَجَاءَ بهذا الأعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ به, فأخَذْتُ بيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّ يَدَهُ في يَدِي مع يَدِهَا", وفي هذا أهمية التَّسمية عند الأكل, وفيه: استظهارُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- على الشَّيطانِ وقَهرُه له.
وفي أول الليل تنتشر الشياطين؛ ولذا أُمرنا بمنع الأطفال أول الليل عن الخروج ففي الحديث: "إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أوْ أمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيانَكُمْ؛ فإنَّ الشَّياطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فإذا ذَهَبَ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ، فأغْلِقُوا الأبْوابَ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَفْتَحُ بابًا مُغْلَقًا، وأَوْكُوا قِرَبَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، ولو أنْ تَعْرُضُوا عليها شيئًا، وأَطْفِؤوا مَصابِيحَكُمْ"(أخرجه الشيخان)؛ قيل في علّة ذلك: أن الصبيان لا يتحرزون غالبا بالأذكار, وقيل: لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين لا تخلو منهم غالباً, والله أعلم.
اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين وشرّهم, واستغفروا الله؛ إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبيه وعبده, وعلى آله وصحبه,
أما بعد: فالشَّيطانُ مُنذُ الأزَلِ عدُوٌّ للإنسانِ، يَفعَلُ فيه بالوَساوسِ ما يَجعَلُه يتَّهِمُ الآخرينَ دونَ بيِّنةٍ؛ ولذلك كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُحذِّرَ أصحابَهُ -رَضيَ اللهُ عنهُمْ- مِن وَساوسِ الشَّيطانِ, كما في حديث: "علَى رِسْلِكُما؛ إنَّهَا صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيٍّ", فَقالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ!, قالَ: "إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ؛ وإنِّي خَشِيتُ أنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُما سُوءًا، أوْ قالَ: شيئًا"(أخرجه البخاري).
عباد الله: لقدْ قعَدَ الشَّيطانُ للإنسانِ في كلِّ طَريقٍ؛ ليَحولَ بيْنَه وبيْن طاعةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، والقِيامِ بما أُمِرَ به، لا سيَّما الصَّلاةِ التي هي عِمادُ الدِّينِ، ففي الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: ذُكِرَ عِنْدَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فقِيلَ: ما زَالَ نَائِمًا حتَّى أَصْبَحَ؛ ما قَامَ إلى الصَّلَاةِ، فَقالَ: "بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنِهِ".
وفي صحيح مسلم مرفوعا: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِن مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ علَى خَيَاشِيمِهِ", وبنحوه عند البخاري, قال ابن حجر: " ظاهر الحديث أن هذا يقع لكل نائم, ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن لم يحترس من الشيطان بشيء من الذكر".
عبد الله: حذار أن يضحك منك الشيطان, ففي الحديث الذي أخرجه البخاري: "إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطاسَ، ويَكْرَهُ التَّثاؤُبَ، فإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ علَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يُشَمِّتَهُ، وأَمَّا التَّثاؤُبُ فإنَّما هو مِنَ الشَّيْطانِ، فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ، فإذا قالَ: ها؛ ضَحِكَ منه الشَّيْطانُ".
قيل في ذلك: إن الإنسان إذا عطَسَ نَشِطَ، واللهُ -سبحانه وتعالى- يُحبُّ الإنسانَ النَّشيطَ الجادَّ، والتَّثاؤبُ إنَّما يَكونُ مع ثِقلِ البدنِ وامتلائِه ومَيلِه إلى الكسلِ؛ ولأجلِ ذلك المعنى صار العُطاسُ مَحمودًا يُحبُّه الله، والتَّثاؤبُ مذمومًا يكرهُه اللهُ -تعالى-؛ لأنَّ العُطاسَ يُعينُ على الطَّاعاتِ، والتثاؤبَ يُثبِّطُ عَن الخَيراتِ وقضاءِ الواجباتِ.
ختاما: الشيطان يترصد ويتحيّن الفرصة في يقظتنا ومنامنا, عند طعامنا وشرابنا, وفي صلاتنا وعباداتنا, وفي علاقاتنا وتعاملاتنا؛ فلنستعن بالقادر عليه -سبحانه- بذكر الله وقوة الإيمان والاستعاذة من الشيطان.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم