عناصر الخطبة
1/من صور رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته 2/ من أعظم أشراط الساعة 3/شدة فتنة المسيح الدجال 4/التحذير من فتنة الدجال 5/وجوب إنكار المنكر وعدم الرضا به.اقتباس
إذا نظرنا إِلَى ما يقارب ذلك مِمَّا اشتهر في وسائل التواصل الاجتماعي، من متابعة أُناس في هذِه التواصل، وهم من أسخف النَّاس خَلْقًا وخُلُقًا، وأقلهم مروءة وأدبًا، ويتابعهم في هذَا الملايين، فكيف إذا خرج عَلَى هؤلاء وأمثالهم الدَّجَّال، ومعه...
الخطبةُ الأولَى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، و(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شهادةً نرجو بها النَّجَاة والفلاح يوم لقاه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ومصطفاه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم لقاه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاس! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله: فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، واستمسكوا من دينكم الإسلام، بالعروة الوثقى، وهي عروة الإيمان وَالتَّوحِيد.
عباد الله: وقف النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا في النَّاس بعدما صلَّى بهم صلاة الغداة، فما زال يحدّثهم ويخطب بهم، ويخبرهم عمَّا يكون إِلَى قيام الساعة، حَتَّى إذا زالت الشَّمْس نزل -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فصلى الظهر، ثُمَّ رقى منبره يخطب إِلَى أن حضر العصر، ثُمَّ نزل فصلى العصر، ثُمَّ رقى يخطب -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حَتَّى غربت الشَّمْس، قَالَ الصَّحَابَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-: "فما ترك -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أمرًا مِمَّا يكون إِلَى قيام الساعة إِلَّا وآتانا منه خبرًا، عَلِمه مَن عَلِمه، وحفظه من حفظه، وجهله من جهله، وكان أعلمنا أحفظنا".
إنَّ هذِه النذارة منه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- هي من شفقته ورحمته بأمته، أعذرهم وأنذرهم، وأخبرهم مِمَّا يكون من المهولات العظيمة، من أشراط الساعة الكبرى والصغرى، من الَّتِي وقعت وانقضت، وَالَّتِي وقعت وما تزال تتجدد في وقوعها، ومن علامات لم تقع بعد.
- ألا وإنَّ من أعظم أشراط الساعة -يا عباد الله-، وأشنعها وأفظعها وأعظمها فتنة: فتنة المسيح الدَّجَّال، هذِه الفتنة الَّتِي آن أوان زمانها، وما هي والله عنَّا بالبعيد.
ومِنَ العَجائِبِ والعَجائِبُ جَمَّةٌ *** قُرْبُ الشِّفَاءِ وما إليهِ وصولُ
كَالْعِيسِ في الْبيدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّما *** والماءُ فوق ظُهُورِهَا مَحْمولُ
يحدِّث المؤمن نفسه في حال الرخاء، وفي حال السعة، فربما أوهم نفسه أنه ناجٍ -بِإِذْنِ اللهِ- من هذِه الفتنة، وأنها لن تصيبه، وأنها لن تضره، وأنَّ هذِه الفتنة ستضر غيره؛ لأنه مستمسكٌ بدينه، هذَا في حال السعة والرخاء، وَأَمَّا إذا نظرنا إِلَى ما يقارب ذلك يا عباد الله، خصوصًا مِمَّا اشتهر في وسائل التواصل الاجتماعي، من متابعة أُناس في هذِه التواصل، وهم من أسخف النَّاس خَلْقًا وخُلُقًا، وأقلهم مروءة وأدبًا، ويتابعهم في هذَا الملايين، فكيف إذا خرج عَلَى هؤلاء وأمثالهم الدَّجَّال، ومعه من الخوارق ما لا قدرة لأحدٍ عَلَى دفعه، ولا قدرة لأحدٍ عَلَى صده، إِلَّا من ثبَّته الله بإيمانه وتوحيده.
وطرأ علينا -عباد الله- مع هذَا كله قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ألا إذا خرج الدَّجَّال، فلا تُحدثن أحد منكم نفسه أنه يذهب ينظر ما معه، فإنَّ الرجل يذهب يريد أن ينظر ما معه، فلا يدري إِلَّا وقد اتبعه"، ويقول -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وليعودن الرجل إِلَى حميمه" أي: إِلَى زوجته، "وَإِلَى أمه، وَإِلَى أخته، وَإِلَى عمته، فيوثقهم بالسلاسل؛ مخافة أن يتبعوا الدَّجَّال"، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له سُبْحَانَهُ عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يوم رضوانه.
أَمَّا بَعْدُ: -عباد الله- فاتقوا الله -جَلَّ وَعَلَا-، واحرصوا عَلَى نجاة أنفسكم، واستمساككم بدينكم، واحذروا هؤلاء التافهين عَلَى أي منحًى كانوا، بل احذروا هؤلاء المجاهيل الَّذِينَ يفسدون عليكم دينكم وأخلاقكم ومروءاتكم بهذه التفاهات بأنواعها، الَّتِي يتابعهم عليها الملايين والآلاف المؤلفة.
ومن هؤلاء -يا عباد الله- مَن يستفزونكم في دينكم، فربما استهزءوا بالقرآن، وربما استهزءوا بحديث النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وربما استهزءوا برواة الكتب الستة، وعَلَى رأسهم الإمام البخاري، وربما سخروا من عوائدكم الطيبة، وربما استفزوكم بأنواع الاستفزازات، وهؤلاء يجب علينا أن ننكر عليهم، وأن نحتسب عليهم.
ففي حديث عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- في "صحيح مسلم" قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ستكون خلوف، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ".
فالمنكر -يا عباد الله- لا سيما في ديننا وعقيدتنا وكلام ربنا وفي نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في شخصه، أو في دينه وسنته، لَا بُدَّ من إنكاره وامتعاض القلب تجاه ذلك، ولا يكون شأننا أن كثرة الإمساس تقلِّل في النفوس الإحساس.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيمًا.
اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.
اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.
اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.
اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم