عناصر الخطبة
1/الجوال نعمة أو نقمة 2/من آداب الجوال 3/من آداب رسائل الجوال 4/متابعة الأبناء في تعاملهم مع الجوالاقتباس
إذا كلمت وعندك أُناس فلا تفتح مكبر الصوت إلا بعد أن تستأذن منه؛ لأنه ربما يقول كلاماً لك ويتبسط معك، ولو علم أن هناك من يسمع ذلك ما تكلم بهذا الكلام، بل بعض العلماء عد هذا من الخيانة، وتعظم الخيانة إذا تم...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
عباد الله: إن مما جَدَّ في هذه الزمان وانتشر (الجوال)، هذا الجهاز الذي أصبح مع الصغير والكبير، ومع الرجل والمرأة، بل ربما تجد الواحد معه أكثر من جوال، والجوال كما هو معلوم من وسائل الاتصال بين الناس، ولازال يتطور حتى أصبح فيه كلُ شيء، فيشاهد الإنسان من خلاله، ويستمع ويتكلم، ويكتب ويقرأ، وصار العالم المترامي الأطراف كله في جوالك!.
ومن تأمل في واقع الناس وجد أن هذا الجوال بالنسبة لبعضهم نعمةٌ عظيمة؛ فهو يصل به رحمه، ويشاهد ويستمع ويرسل ما ينفعه في أمور دينه ودنياه، وبعضهم أصبح الجوال نقمة عليهم وهم غالب الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
فدعونا -عباد الله- نتأمل في بعض الآداب المهمة والأحكام المتعلقة بالجوال:
فمن الآداب المهمة: الاقتصاد في استخدام الجوال، سواء في الاتصال أو المراسلة أو المشاهدة والاستماع، إلا إذا كان هذا في أمرٍ يرضي الله.
عباد الله: كثيرٌ من الناس يصرف أوقاتاً كثيرة في استعمال الجوال، وربما قصر في حقوقٍ واجبة؛ كحق الله كأداء الصلاة في وقتها مثلاً، أو حق الغير كحق الوالدين أو حق الزوجة والأولاد، أو تقصر المرأة في حق زوجها، أو التقصير في حقوق النفس كالنوم مبكراً، مما يترتب عليه النوم عن الصلوات.
ولا شك أن هذه الجوالات سرقت أوقاتاً كثيرة، وأصبح البعض منا يجلس عليها الساعات الطويلة، وكتاب الله في بيته قد علاه الغبار لم يقرأ فيه ولو لدقائقَ يسيرة، وهذا -والله- من الغبن يعني الخسارة، ففي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ".
ومن الآداب المهمة: عند الاتصال بالغير أن تبدأه بالسلام، وتكون البداية من المتصل، وبعضهم استبدلها بمساء الخير وصباح الخير، ويرد وجوباً فيقول: وعليكم السلام.
ومن الآداب المهمة: أنك إذا اتصلت على شخص ولم يعرفك أن تقول: معك فلان، وتسمي نفسك، ولا تحرجه فتقول: ما عرفتني؟ ما خزنت جوالي عندك؟، في الصحيحين عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقَالَ: "مَنْ ذَا؟"، فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: "أَنَا أَنَا"، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا.
ومن الآداب المهمة في الاتصال: مراعاة حال المتصل والتماس العذر له في عدم الرد؛ فقد يكون نائماً، وقد يكون مشغولاً، ومن الخطأ إساءة الظن بدون وجود ما يدعو لذلك؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ"، وينبغي للمُتَصل عليه أن يعتذر ولو برسالة في عدم الرد إن تيسر له ذلك، خاصةً إذا جاءه الاتصال أكثر من مرة، وبهذا يقطع مداخل الشيطان على أخيه.
ومن الآداب المهمة التي تتعلق بالجوال: عدم الانشغال به أثناء مجالسة الناس والحديثِ معهم خاصة الوالدين، فليس من احترام من تجالسهم ويتحدثون معك أن تنشغل بالجوال عنهم، وأصبحت بعض المجالس عديمةَ الفائدة بسبب ذلك، وربما اشتكى الوالدان من انصراف الأولاد عن الحديث معهم، مما جعل بعض الأمهات تقول لأولادها: الذي يريد أن يجلس معي لا يخرج جواله من جيبه!.
ومن الآداب المهمة التي تتعلق بالجوال: عدم وضع الجوال على النغمات الموسيقية، فهذا من الأمور المحرمة، وتعظم الحرمة إذا كان هذا في بيوت الله؛ لما في ذلك من أذية المصلين والملائكة، في مسند الإمام أحمد والحديث سنده صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَكَشَفَ السُّتُورَ، وَقَالَ: "إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ".
تأملوا -عباد الله- النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى الصحابة عن رفع أصواتهم بقراءة القرآن في المسجد، ويجعل هذا من أذية بعضهم لبعض، فكيف الحكم بأصوات المعازف؟ لا شك أن النهي أشد والأذية أعظم.
فعليك -أيها المسلم- أن تضع جوالك على منبه ليس فيه أصواتٌ موسيقية، وإذا أردت دخول المسجد أغلق جوالك، أو ضعه على وضع الصامت.
فإذا نسيت الجوال ودق عليك وأنت تصلي فيجب في هذه الحالة أن تخرجه من جيبك وتغلقه أو تصمته، وهذه حركة واجبة في الصلاة؛ لأن فيها دفعاً لأذى المصلين.
ومن الآداب المهمة التي تتعلق بالاتصال: إذا كلمت وعندك أُناس فلا تفتح مكبر الصوت إلا بعد أن تستأذن منه؛ لأنه ربما يقول كلاماً لك ويتبسط معك، ولو علم أن هناك من يسمع ذلك ما تكلم بهذا الكلام، بل بعض العلماء عد هذا من الخيانة، وتعظم الخيانة إذا تم تسجيل صوت المتكلم بدون إذنه ونشره بين الناس، وهذا يترتب عليه مفاسد عظيمة.
أسأل الله أن يهدينا للأخلاق الحسنة لا يهدي إليها إلا هو.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
عباد الله: من الآداب المهمة في الجوالات: حفظ عورات الناس، ويدخل في ذلك عورات النساء، فالمرأة كلها عورة، ويدخل في ذلك عورات البيوت، فتصوير النساء -حتى ولو كانت الصور بينهن- يترتب عليه مفسدة، وأن هذه الصورة ربما سقطت في أيدي من ينشرها، وحتى لو حُذفت هذه الصور هناك طرق يمكن استردادها بها، وبعض البيوت أصبحت مكشوفة، فالناس يعرفون ماذا يأكل أهلها؟ وما ذا يشربون؟ ومتى ينامون؟ وماذا يلبسون؟ وإلى أين يذهبون؟ حتى هدايا الرجل لزوجته وهدية المرأة لزوجها -كل هذا وللأسف- يصور وينشر، وهذا خطأ، ويترتب عليه مفاسد منها: الحسد، وربما صار مدخلاً للعين، وربما صار هناك تعدي على ممتلكات البيت وسرقتها، إلى غير ذلك من المفاسد.
ومن الآداب المهمة: عدم الانشغال بالجوال أثناء قيادة السيارة، وقد ترتب على ذلك حوادث كثيرة وخطيرة، ذهب بسببها أنفس وأموال، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة: 195]، ويقول -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29]، فمن انشغل بالجوال أثناء قيادة السيارة وحصل له شيء فقد تسبب في قتل نفسه وربما قتل غيره.
ومن الآداب المهمة وهي تتعلق بنشر الرسائل: التثبت في الأخبار قبل نقلها، ومعنى التثبت أي: التأكد من صحتها، خاصة إذا أتى هذا الخبر من إنسان عرف بعدم التثبت أو الكذب في حديثه، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)[الحجرات: 6]؛ أي: تثبتوا في خبره ، ثم بين الله -سبحانه وتعالى- بعض المفاسد التي تترتب على قبول خبر الفاسق بدون تثبت: (أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].
وقد يكون ما يشاع طعن في ولاة الأمر، وقد يكون في العلماء، وقد يكون متعلقاً بالأموال أو بأعراض المسلمين؛ فيترتب على إشاعته فساد عظيم، وأيضاً حتى لو كان الخبر صحيحاً فليس كل خبر يجوز نشره، والذي ينقل الكلام وينشره بين الناس بدون تثبت في صحته هو أحد الكذابين، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"، والسبب في ذلك لأنه سيحدث بالصحيح والمكذوب؛ لأنه لا يتثبت فيكون أحد الكذابين.
ومن آداب الرسائل: أن لا تحتوي هذه الرسالة على أمر محرم؛ كالصور والمقاطع التي فيها شيء من المنكرات، كصور النساء، والمعازف، والاستهزاء بالناس والسخرية بهم، وعليك -أيها الأخ المسلم والأخت المسلمة- أن تحذر من ذلك وإلا كنت من دعاة الضلالة، وتتحمل آثام كل من تبعك يوم القيامة، فلو أرسلت مقطعاً من المقاطع المحرمة فقد يصل في ساعة واحدة إلى الآلاف من الناس، فعليك إثمٌ مثلُ آثام من تبعك ولو كانوا ملايين، وهذا يدل على خطر الدعوة إلى الشر عن طريق هذه التقنية، يقول -تعالى-: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)[النحل: 25]، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من دعا إلى ضلالة؛ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا".
وأخيراً -عباد الله- علينا أن نحرص على الاستفادة من هذه الجوالات في الخير ونشره، فلو نشرت رسالة أو مقطعاً مفيداً فلك أجر مثل أجور من قرأها وسمعها وشاهدها، أجور عظيمة.
ولنحرص على متابعة أولادنا في تعاملهم مع هذه الجوالات وهذه التنقية، ونوجههم لما في مصلحةٌ لهم؛ "فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته".
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل التقنية نعمة لنا ولأهلنا وأولادنا لا نقمة علينا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم